إِمرأة الوادي المُقَدَّس ،،،
وعودة البطّل، الى ريّعان الشباب.
هي رواية، سبق ونشرتها في السنة الماضية في مدونتي.
أُعيد نشرها، تلبية لطلب بعض الأصدقاء ألجُدّد.
--إمرأة الوادي المقدَّس --
تدور أحداث هذه القصة الخرافية، في الحقبة التاريخية المعروفة بالحضارة البابلية، وما سبقها من فترات كانت البشرية تبحث عن وسائل، وطرق، حتى ترتقي الى معرفة سر الكون والخليقة.
في احدى البقاع، نشأ شاب، وفتاة تعارفا، وتحّابا، وعشّقا بعضهما البعض، وكانا يلتقيان في السهول، والحقول، والهضاب، يساعدان الأهل في الزرّْع، والحراثة، ويلتقيان في المواسم، والأعياد، وكانت الفرحة تُغمِّر قلوبهما، لا يعّكر صفاء حبهما اي حاجز او مانع.
في جو من المعتقدات، والطقوس المختلفة، ترعّرع حبهّما لانه هو، كان يمارس طقوسا ً دينية، تختلف عن طقوسها، ولكنهما لم يتقاتلان، او يتخاصمان، لان الشعوب في تلك الفترة من الزمن، كانت تنعم برقي في ممارسة المعتقدات، والنظم، وإن كانت متعدّدة، بحيث تحترم، كل فئة عادات ومعتقدات الشعوب الاخرى، لا بل كانت الشعوب، تترك ممارسة المعتقدات، للكهنة، والسحّرة والمنجّمين، دون تدّخل او عبث او خصام في معتقدات الطرف، الاخر.
كان حُبّهما حديث الأهل، ولكنهما إعتقدا ان هذا الحب قد أخذ مداه وأتفقا، على ان يوقفا هذه القصة، وان يرحل كل منهما في سبيله.
اعتقد الشاب، والفتاة أنهما أدركا أقصى درجات الحب، ولكنهما لم يدركا سر الكون، والخليقة في حياتهما هذه، ولهذا .....
تعانقا، وافترقا، على أمل ان يلتقيا في جيل اخر.
كان، قدّر هذا الشاب، وقدّر هذه الفتاة، غير ما كُتب لبقية الناس، لأنهما قد خُلقا من اجل غاية، لا يدركها الا القلّة القليلة من البشر. تختلف عن بقية من عاش حولهما، وهي البحث عن المعرفة، والإيمان.
هو ذهب، غربا ً مكان غروب الشمس.
وهي ذهبت، شرقا ً مكان شروق الشمس.
كان الوداع، صاخبا ً ومؤثرا ً وقد كره الأهل ان يهاجر الابن، وان ترحل الابنة، ولكن الإصرار من الطرفين كان سيد القرار.
ما ان حطّ، رحاله بعد حين في ارض خصبة، حتى بدأ يقارع الحياة، وهو في عزّ شبابه، بالحراثة، والكّد، والتعب، وكان حنينه دائما وأبدا ً الى حبيبته، يتذّكرها ويحلم كل ليلة بان يلتقي بها.
زاد حنينه، وشوقه، وحبه، وشغفه، بها سنة بعد سنة.
ولكن، هذا الحب الدفين، لم يمنعه من البحث والتقّصي عن سر الكون، فبقي ينهل من العلوم بحثا ً عن الحقيقة، حتى وصل الى مشارف المعرفة، فإطمأن قلبه واستراحت، هواجسه التي أقلقته، وجعلته يرحل مخلفا ً حبيبة عمره.
الى ان خطّرت له فكرة،
أن يبدأ جديا ً في البحث عن رفيقة، وحبيبة الصِّبا، بعد ان ادرك من العلم ما كان مخفيا ً عليه.
كان ينتظر، ويراقب الطيور المهّاجرة كل سنة، تمُّر من سماء مكان وجوده، وتعود ادراجها، بعد غياب فترة من الزمن.
سأل نفسه، لماذا لا يستعين بهذه الطيور في البحث عن حبيبته، خاصة وانه بات قاب قوسين او أدنى، من دنو اجّله، وهو العالم والمدّرك نظرا ً لوصوله الى خواتيم العلم، والمعرفة.
لمّا حان موعد مرور الطيور المهاجرة، أشار اليها بالتوّقف، وطلب من الطيور التي تقود الأسراب، ان تأخذه معها في رحلتها السنوية، وأبلغهم قصده في ان تساعده في البحث عن حبيبته.
أجابته الطيور، بالسّمع والطّاعة، واتفقوا على ان تاخذه في هجرتها، كل سنه، على ان تعود به في رحلة العودة الى محل إقامته.
وتعدّدت سفراته، على مدى سنوات طويلة، دون جدّوى، وأحّس ان العمر بدأ ينهشه، وخارت قواه، وغزّا الشيب مفرقه، وسيطر الندم عليه، لان العمر ضاع من دون ان يلتقي حبيبته، ومعشوقته.
الى ان قرّر ان يهاجر مع الطيور للمرة الاخيرة.
في هذه المرّة، وبينما كان يأخذ قسطا ً من الراحة بعد عناء من نهار طويل، جلس واستراح على أكمة، تطّل على واد ٍ فيه من الأغصان المتشابكة، والاشجار المتطّاولة، والأعشاب داكنة الخضرة، والنباتات دائمة النضرة.
شاهد امرأة عن بُعْد ٍ، تعيش وحيدة في الوادي، لفت نظره انها فائقة الجمال، وأنها تمشي حافية القدمين، يرافقها في حلّها وترحالها سرب ٌ من طيور الهدّهد، تصدح الجو، بالألحان الجميلة، وتأكد له، من ثاقب نظره، وعلمه العميق، ان هذه الإمرأة كانت فيما مضى عظيمة الشأن في أهلها، ودخل الى مكامن عقلها، وبان له، كم من العلم والمعرفة تدركه، لانها تقوم، كل يوم بنشر وكتابة العلم، والمعرفة على أوراق الأغصان، بعد ان تمشقها.
خطر في باله، ان ينزل الى هذا الوادي ليتعّرف على هذه الامرأة.
كانت كل صباح، وفي وقت محدّد تمر هذه الإمرأة وعلى جري عادتها، تمشق من الأوراق، وتكتب، وتكتب، وتكتب، عليها، الى ان قرّر في الصباح الباكر ان يسبقها، ليقرأ ما كتبته، في الأيام السابقة.
في اليوم التالي، وقبل بزوغ الفجر بقليل، وصل الوادي وبدأ يلتقط الأوراق المتناثرة أرضا ً، يقرأها ويقرأها، ويحتفظ بها، بعد ان تبيّن له انها تتضمن أكثر من العلوم التي وصلت اليه، بعد سنوات طويلة من عمره قضاها يبحث عنها.
وتبيّن له ايضا، انها تحوي على علوم جديدة، لم يتوّصل اليها، وها هو يجدها في أوراق مرمية على الارض، وقد إعترته الدهشة، والاستغراب، ان القوافل التي تمّر في الوادي، وفي عِدادها اقوام من البشر، لا تعّر هذه الأوراق أي إهتمام، فإمَّا أن تدوسها الدوّاب، او تستعمل وقودا ً لإضرام النار، بالرغم انها تختزن العلم، والمعرفة وبواطن الأمور.
في هذا الوادي، كانت القوافل تمّر، وتأخذ ما طاب لها من طعام، وشراب، وكانت إمرأة الوادي المُقَدَّس تراقب القوافل والبشر، ولم تكّن ترغب في ان يقيم اي إنسان في هذا الوادي، إذا كان جاهلا ً او لا يفقه من العلم والمعرفة.
لهذا السبب، إهتمت إمرأة الوادي المُقَدَّس ، بتنظيم حقوق وواجبات الحيوانات، والطيور المقيمة، وكان السمّع، والطاعة مقياسا ً لإقامة، هذه الحيوانات، والطيور، وإلا كان ترك الوادي، والنفي الى جهة مجهولة مصير، من لم يطّع، أوامرها.
كانت امرأة الوادي المُقَدَّس، تأمل في ان تلتقي من بين ركاب القوافل التي تمّر، برجل تاخذه زوجا ً لها، يُؤنسها في وحدتها.
ولكنها لم تفلح بإيجاد رجل، من بني البشر يأسرها او يُعجبها، لان الجهل، والغباء كان يسيطر على ارجاء المعمورة في ذلك الوقت.
الى ان التّقت بهذا الكهل العجوز، في الوادي يقرأ أوراق الأغصان التي تكتب عليها، ويقوم بجمعها، ويفرغ من جعبته، وجيوبه كل مأكل، او مشرب، ليحتفظ بأوراق الشجر.
تعجّبت من هذا العجوز، كيف أدرك مقاصد علمها، وفهم معاني كلماتها، وكيف إنكّب على جمع الأوراق، وحفظها.
لم تأبه كونه زاد في العمر عتيا ً، بقدر ما لفت نظرها العلم الواصل اليه،
فقرّرت ان تعرف من هذا الرجل.
فاجأت امرأة الوادي المقدَّس الرجل العجوز، وهو يلمّلم أوراق الأغصان، ويقوم بتوضيبها، ونهرّته بصوت عال ٍ ،،،،،
ماذا تفعل، هنا ؟
وما هذا الذي تجمعه، من أوراق أغصان ٍ متساقطة ٍ ذابلة ٍ وضامرة ٍ ؟
لم يقو َ على إجابتها ...
أخذته الدهشة ...
وإرتعدّت فرائصه ...
وإنهارت قواه ،،،
وتجمّعت حوله الوحوش الكاسرة، والحيوانات، الضارية تزأر كل ً بصوتها، واختلطت الأصوات، حتى قامت امرأة الوادي المقدَّس، بزجر الحيوانات طالبة ً السكوت، والخنوع، والخشوع ،،،،
فأمتثلّت لها ...
وراق الجو من الأصوات ،،،،
وتقدّمت نحو العجوز، تسأله،
من انت ؟
ولماذا انت هنا ؟
وطلبت اليه ان ينزع حذائه فورا ً لانه في ارض مُقدّٓسة.
بدأ الرجل العجوز، بالكلام بعد ان هوّنت عليه من الجزع، والخوف، الذي اصابه،
وقّص عليها قصته حرفيا ً.
إجابته،
وقد بدا عليها الارتياح، ان يُكمل جمع ما شاء من أوراق.
وبينما العجوز منهمك ٌ في عمله، إلتفت حوله حتى يشكرها، ولكنه لم يجدها، فاختفت عن ناظريه، ودبّ الحزن على وجهه، وأكمل جمع ما يراه مفيدا ً من أوراق.
وقد لفت نظره، انه إلتقط ورقة عن الارض، وقد كتبت له هذه المرأة على إحداها، أن ينتظر رسالة، يحملها طائر ميمون اسمه، الهدّهد تخبره من ... هي.
الفصل الاول.
من رواية أمرأة الوادي المُقَدَّس ....
فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا
٢٢ شباط ٢٠١٦
0 comments: