الفصل الرابع عشر :
من قصة كراون دايسي، و كريسْتِّل.
في خريف تلك السنة، من أواخر سبعينيات القرن الماضي، كان مطار دمشق الدوّلي، يعّج بالركاب المغادرين، معظمُهّم من اللبنانيين، ومنهم حبيب كريسْتِّل، الذي طالّت الحرب الأهلية قريتّه، وتم ّ إجلاء السكان عنها.
كانت الرحلة الى دمشق، من أقسّى، وأطوّل، وأتعّب، الرحلّات.
وكانت، سوريا كعادتها على مر الزمن، فاتحّة ً ابوابها على مصراعيها، تستقبل جحافل اللبنانيين الهاربين، من جحيم الحرب.
كان حبيب كريسْتِّل، يعشق بيروت، ويخلد الى قريتّه للقاء الأهل، حيث حياة القرية اللبنانية الكاملة، من كرّم ٍ، وعطاء ٍ، ونخوّة ٍ ومحبة،
فنبع ماء، على حافة صخر يروي الغليل،
وأشجار صنوبر خضراء طيلة مدار السنة، تُنعش الخيال.
كل هذه، تبددّت،
وزاده القهر انه سيترك بيروت، وقريته، واهله، وكريسْتِّل.
لم يبق له من كل هذا،
إلا ... الذكرّيات الاليمة.
أطلال، بيته في القرية.
ونصف صورة، ل كريسْتِّل، وإحتفظت هي بالنصف الاخر.
ونصف صورة له، والنصف الاخر بقي مع كريسْتِّل.
جمعهما، في محفظتّه، وجها ً لوجه، طيلة حياته.
أثقال ٌ، وأحمال ٌ ،،،، اخذها الى رحلة المجهول.
وبقيّت على منكبيه، ردحا ً من الزمن.
كان، وجه دمشق ضاحكا ً، خلاف، وجه بيروت الحزينة.
كان الاقتصاد السوري، وغلاء الأسعار بسبب تدّفق اللبنانيين، يُثير قلق التجّار والمسؤولين، لأن الارتفاع الجنوني لسعر العملة الوطنية، لم يكن مُستّندا ً الى مؤشرات إقتصادية.
وصل، الى مطار دمشق الدولي قبل عشر ساعات، من موعد إقلاع الطائرة لخوف ٍ إنتابه، وما زال من ان تسبّقه الطائرة.
فضلا ً عن انه كان يحلِم. ويُمنّي نفسه ان مُنيّة حياته قد يلتقي بها، في المطار.
لم يترك ردهة ً، او زاوية ً، او مكانا ً داخل المطار إلا وزرّعه، ذهابا ً وإيابا ً علّه ،،،، يراها.
سافر على الطائر الميمون، ولا يعرف شيئا ً عن مكان كريسْتِّل في فرنسا.
وإنقطّعت أماله، وبقيّت ذكرياته، وبعض ازهار كراون دايسي الذابلة.
أمّا كريسْتِّل ، بعد ان أقفلت المكالمة مع حبيبها، فاجئت والدها في مكتبه الخاص، وألقّت التحية عليه، ولكنه لم يُعرّها اي إهتمام او، حتى لفتة.
قالت له بعنفوان ما بعده إعتزاز.
أبلغك، إني وافقت على السفر الى فرنسا، وسأُكمل دراساتي العليا، بناء للوعد الذي قطعّته لك، بوجود أُمِّي .
نهض من كرسي مكتبه، وعانق كريسْتِّل،
وقال لها :
انت ابنتي الوحيدة، وكل أمالي تنحصّر فيك، وبعد وفاة والدتك ضاقّت بي الدنيا، وزادّت في ضيقها لما تشاجرّت معك ِ بخصوص السفر الى فرنسا.
سيكون لك شقة خاصة، قريبة من اهم شارع في العالم ( الشانزيليزبه ) وسيارة موديل هذا العام، ومصروف شهري لا تحلم به فتاة في عمرّك.
ولما تعودي، الى لبنان. ستكون شركاتي، واموالي، كلها تحت تصرّفك.
لانك انت التي ستحملين الشعلة قبل، وبعد وفاتي.
وقال لها، وهي تتعجّب ...
لماذا، كل هذا الكرم، والآمال، والشركات، وشقيقها ما زال حيّا ً.
أجابها، أن شقيقك ما زال يافعا ً، وارى فيك كل خِصالي وصفاتي اكثر منه، وانت تعلمي انه لا فرق عندي بينك وبينه.
وقال لها.
لو تعلمين كم من الصعوبة واجهّت حتى إستحصلت لك، قبولا ً من جامعتين في باريس.
قالت له،
ولماذا ؟
أجابها، ان الجامعة التي تخرّخت منها لا تربطها مع اي جامعة في فرنسا معاهدة ثقافية، مثل الجامعة الاولى التي انفصلت عنها، ولكن الامر الذي نفع هو علاماتك في السنة الاخيرة، حيث كان ترتيبك الثاني.
قالت له :
هل تعلم من كان الاول في دورتنا.
قال لها. لا اعلم ...
من هو ؟
إنه هو الذي كان يُرسل لي المحاضرات عندما كنت بالمستشفى.
قامت كريسْتِّل ، وعانقت والدها، وسألت :
اي متى السفر ؟؟
أجابها والدها :
القرار لك ..
قالت له ؛
فليكن يوم ٢٥ من هذا الشهر.
وبقيّت كريسْتِّل تعتبر يوم ٢٥ من كل شهر، هو يوم مهّم في حياتها، لانه اليوم الذي قال لها حبيبها :
أُحبُّك،
وبادلتّه ذات الكلمة.
انتهى الفصل الرابع عشر :
فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا
٥ شباط ٢٠١٦
0 comments: