كراون دايسي، و كريسْتِّل ... الفصل السادس عشر ..
خواطر
قصة، كراون دايسي، وكريسْتِّل.
الجزء الثاني ،،،
الفصل، السادس عشر.
آن الرحيل، وبدأت كريسْتِّل تحضير حقائبها، وكُتّبها، وأغراضها الشخصية، إستعدادا ً للسفر الى باريس.
كان، مطار بيروت الدولي، مغلقا ً بسبب الحرب الأهلية، ولم تقبل كريسْتِّل السفر عن طريق مطار دمشق، لانها ظنّت ان حبيبها، قد يسافر من قبرص، بعد ان ينال سِمٌة الدخول الى الولايات المتحدة الأميركية.
بدأت، بجمع الأغراض الشخصية، كذلك كل رسائله، التي كان يزودّها بها أثناء مرضها، ولم تنس هديته التي لم تفارقها،
تلك المرآة الصغيرة، كذلك رسمه لزهرة كراون دايسي، التي وضعتها داخل إطار معظم جوانبه، من الذهب الخالص.
كانت، كريسْتِّل ، مثلها مثل حبيبها، تؤمن بالظواهر غير الطبيعية، وتقبل، فكرة ان بعض الأشخاص، لديهم قُدِّرات، وطاقات خاصة، لا يٌستهان بها، ولا تسخر من قراءة الكف، والفنجان.
وكان، ل كريسْتِّل صوت جميل، إن غنّت تتمايل مع اللحّن، ويقول لها، ان صوتك الجميل، ملائكي ليس من هذا العالم، وكان، يطّلب اليها ان تُغنّي، وتغني، حتى يحّس بانه إنتقّل الى عالمها.
كانت، الابتسامة لا تفارقها، وكان يحاول جاهدا ً ان يُخبرها اخبارا ً مفرحة، ومضحكة، حتى تظهر أسنانها الأمامية، التي تشِّع بياضا ً وكأنها أحجارا ً من الألماس.
ويقول لها، انت خلاف الكرة الارضيّة، عندك أكثر من قمر، تظهر نهاراً وتغيب ليلا ً، إشارة الى أسنانها الأمامية.
وكان، يمنّعها من قضم الحبوب الصلبة، خوفا ً على أسنانها الأماميات.
وكان، بين الفيّنة والأخرى ينظر الى خصرها النحّيل، وعلى مدار فترة بقائها معه، يعاتبها إن وضعت وزنا ً ...
كان، شعرها طويلا، يميل الى السواد، الى ان فاجأته يوما ً بأنها قامت بتقصيره، بصورة مُلفتّة ولم تترك له مجالا ً للاعتراض، لانها بادرّته القول، فعلت، ذلك للمعالجة، حتى يستعيد قوته، ووعدّته بأنها لن تُعيد هذه التجربة.
كعادتها، كانت كُتبّها مليئة بأزهار كراون دايسي، حتى مالت معظم الصفحات الى اللون الأصفر، وعندما كانا يلتقيان بعد عطلة نهاية الأسبوع، تبادره فورا ً القول، كيف كانت الغّلة، كم زهرة جلّبت، فإن كان عددها قليلا ً قالت له انت لا تحبّني، وإن كان عددّها كثيرا بانّت عليها البهجّة، والسرور.
كان يطلب اليها، ان تنظر اليه من طرف عينيها، حتى تظهر له مساحة بياض العين، وسوادها اكبر، ويُنشدّها شعر جرير :
إن العيون ٓ التي في طرفها حٓوٓرٌ
قتلننا ثم لم يحيين ٓ قتلانا
هكذا، كانت كريسْتِّل،
وهكذا، كانت حياتها مع حبيبها،
حب ٌ متدّفق ٌ،
وشغف ٌ، متواصل،
وحنان ٌ، لا ينضّب،
وحماية ٌ، مُكّثفة للعاشقين.
ولكن، جريا ً على عادتها، أصّرت ان يكون سفرها يوم ٢٥ من الشهر، لانه اليوم الذي قال لها حبيبها،
أُحبك،
وبدأت، تتنامى لديها فكرة ان للأرقام، دلالّات غير مرئيّة.
كانت، في كل عمل، تنوي القيام به، تتردد كثيرا ً حتى يقّر قرارها على يوم مُحَدِّد، يرمز الى ذكرى او حادثة، وقعّت مع حبيبها، او مع والدتها التي أجبتّها كثيرا ً ...
كانت، كريستل، قد اتفقّت مع والدها بانه سيبقى معها في باريس لفترة قصيرة من الزمن حتى تتّدبر دخولها الجامعة، وبقيّت لديها مسألة واحدة خلافية مع والدها،
هو، يريدها ان تدخل كلية إدارة الاعمال، اما هي فإنها تصّر على دخولها كلية الحقوق، في جامعة السوربون.
كانت، نيّة والدها متجّهة الى، ان كريسْتِّل ستؤول اليها إدارة شركاته، وممتلكاته، بعد عودتها الى لبنان.
وكانت، تعدُّه بان نيلها شهادة الحقوق، تسمح لها بإدارة شركاته، بطريقة أفضل، اما اذا درسّت إدارة الاعمال فان ذلك لا يسمح لها ان تكون متمّكنة، وعلى قدّر من السيطرة الفعلية.
كذلك، إشترطت كريسْتِّل ، على والدها، ان يكون سائقها في باريس، هو العم فؤاد، لانها بعد فقدان والدتها، لم يبق لديها من يُذكّرها بحبيبها، الا العم فؤاد لانه بقي في جولات الحرب الأهلية، ناقلا ً اخباره لها.
وفي يوم ٢٥ بدأ العم فؤاد، نهاره حزينا ً وقلقا ً عليها، يمنعها من حمل اي شئ، فينهض مسرعا ً للست الصغيرة، يساعدها، وقد لاحظت كريسْتِّل ان الدموع تنهمر من عينيه، فيمسح دموعه ويُكمَّل عمله، فتقدمت منه وقالت له :
ما بك عّم فؤاد ؟
أجابها، ماذا تتوقعًّين،
لم أُفارقك لحظة واحدة منذ ولادتك،
لم تذهب ِ يوما ً الى مدرستك، او جامعتك، الا وكنت سائقك الأمين،
لم تزور ِ او تحضري إحتفالا ً الا، وكنت حارسك البصير، والذي يؤلمني كثيرا ً أني لم أتزوّج طيلة حياتي، وقد كان شعوري، وانا أُراقبك تكبرين انك عوضا ً عن ابنة كانت ستكون لي، لو تزوّجت.
والذي يؤرقني ، ان الست الكبيرة، والدتك قبل وفاتها أوصتني، بعد خلافك مع والدك، ان لا اغرب وجهي لحظة واحدة عنك، وان لا أتركك، وان أكون بقربك وانت حزينة.
هذا، الذي انا فيه،
وزادت الدموع، وتبلّل وجهه.
أبتسمت، كريستل،
وقالت له،
عّم فؤاد :
ما بك ؟
هل، تظّن أني ذاهبة الى فرنسا، من دونك ؟
أجابها العم فؤاد،
ماذا تقولي ؟ :
قالت له :
من، شروطي التعجيزية، التي وضعتها على والدي ان تكون معي في باريس، وان يكون لك غرفة خاصة، وسيارة جديدة كالتي تحبُّها رينو، انت تأخذني الى الجامعة، وانت تنتظرني.
لم يتمالك العم فؤاد نفسه، فإنهار باكيا ً مقبّلا ً يديها، ووجهها، داعيا ً الله ان يخفطّها في حلّها وترحالها.
اما كريسْتِّل ، ضحكت كثيرا ً وقالت له :
مهلا ً مهلا ً عّم فؤاد،
هناك شرط واحد.
قال لها،
انت ِ تأمرين.
قالت، كريسْتِّل،
إن ّٓ سِمّة دخولك الى فرنسا، سيجلبها والدي معه، من صديقه السفير الفرنسي، الذي يقيم مؤقتا ً في قبرص، وعليك في حال إستّتب الأمن، وتوقف إطلاق النار لهدنة، او لاتفاق،
عليك زيارة أهل صديقي في بيروت،
وفي حال لم تجّدهم، إصعّد الى الجبل والى قريته، والى بيت أهله، لأَنِّي اريد ان اعرف كل اخباره.
واردفت قائلة،
لا تسافر الى باريس، اذا لم يكن في حوزتك .... اخباره.
ماطل، وقم بتأجيل سفرك حتى تتمّكن من زيارة أهله.
أجابها العم فؤاد :
سمعا ً وطاعة ً ... سأجلب لك كل أخباره،
لأَنِّي انا أحببت هذا الشاب،
فقط... لانه يعشقك.
لما هبطّت الطائرة في مطار أُورلي بباريس، أحسّت كريسْتِّل ان حياتها، تبدّلت، وتغيرّت،
وكما شاءت، دخلت كلية الحقوق في جامعة السوربون،
وكانت حتى فترّات لاحقة من حياتها، تشعر بأنها لا تنتمي الى الحياة الاجتماعية في فرنسا.
حاولت جاهدة ان يكون لديها رفاق من اللبنانيين، قلة ٌ قليلة جدا ً منهم، إستحوّذوا على إهتمامها، فإنكبّٓت على الدراسة، وانقطعت عن ارتياد الحفلات الصاخبة في اروقة الجامعة، لانها شعرت بانه ينقصها رفيق تأنس اليه، او تُغنّي له.
كانت، كريسْتِّل ، قلقّة جدا ً على حبيبها لانها لم تسمع اخباره، فانتقل القلق الى الاستياء، من تأخر قُدُوم العم فؤاد،
إفتعلت، النقاش مع والدها، وعاتبّته على تأخر صدور سِمّة دخول العم فؤاد الى فرنسا،
الى ان فاجئها والدها، بان قدومه سيكون الأسبوع المقبل.
أصرّت، على مرافقة والدها الى المطار،
وما إن وصل العم فؤاد حتى عانقتّه، وقد بدا هزيلا ً مُتعبا ً من عناء الإبحار الى قبرص، على متن باخرة تحمّل سيارات لبنانية، ومقتنيات، وأثاث بيوت، تعجّ باللبنانيين الهاربين من جحيم الحرب.
أخبرها، عن رحلة العذاب، وكيف بقي في مطار قبرص يومين منتظرا ً ركوب الطائرة الى باريس، وخائفا ً وقلقا ً ان يُعطّى مقعده الى احد النافذين اللبنانيين،
وقال لها،
لا تغضبي يا حبيبتي، ان اللبنانيين في قبرص في هياج تام، الفاجر منهم، يأكل مال الضعيف امثالي، ولو كنت معكم لما خالجني اي خوف.
لما، وصلوا الى المسكن، أخذته الى غرفته،
وقالت له :
ما هي اخباره ؟
طأطأ رأسه حزينا ً متألما ً لا تخرج منه الكلمات،
نهرّته كريسْتِّل،
ما بك ؟
وعلى، جري عادتها، كرّت سبحة الأسئلة :
هل،
هو، حي،
ام، ميت ؟
هل، إلتقيته،
هل، التقيت أهله،
هل، ما زال في بيروت،
هل، انتقل الى الجبل،
هل، سافر،
هل، حصل له مكروه ؟
أجابها، مهلا ً يا حبيبتي ....
لم، أجدّه في بيروت،
ولم، اجدّه في الجبل،
قال لي جيرانه لمّا زرتّهم اخر مرة، اي قبل ثلاثة ايام من قدومي، انه، سافر قبل أهله الى الولايات المتحدة، عبر مطار دمشق، وان والده أوصله الى المطار.
كذلك، سافر أهله الى الأردن، وأعطونا مفتاح البيت للاهتمام به في غيابهم.
لم تقو ٓ كريسْتِّل على سماع هذه الأخبار، فاجهشت بالبكاء، وجلست امام نافذة، غرفة العم فؤاد الصغيرة.
وقالت، اليوم هو أتعّس ايام حياتي،
ضاع مني صديقي،
ورحل عني حبيبي،
وماتّت أُمِّي،
وماذا بعد ؟
حاول العم فؤاد ان يُهدأ من روعها، وحرقتها، ولم يفلّح.
وكأن، هموم الكون وقعت عليها، دفعة ً واحدة.
وكأن، الْحُزْن ، بات رفيق دربها،
وكأن، الوحدة، باتّت رفيقتها،
بعد هذا اليوم،
عادت، كريسْتِّل تختار اللون الأسود في معظم الأيام،
تذهب صباحا ً الى الجامعة،
وتعود عصرا ً تدخل غرفتها، ولا تخرج الا لتناول الطعام.
وكان العم فؤاد، من كثرة عطفه، وحنانه، على كريسْتِّل ، أن وضع كرسيا ً خشبيا ً امام باب غرفتها، حتى يسمعها إن ارادت شيئا ً، او طلبت إستغاثة ً،
الى ان سأله والدها يوما ً الى متى، ستبقى جالسا ً امام هذه الغرفة ؟
اجابه :
الى ان تنقلني الى القبر، محمولا ً بهذه الكرسي.
كانت، كريسْتِّل ، وبسبب غزارة عاطفتها، ودماثة أخلاقها، وعظمة إنسانيتها، تشفّق على العم فؤاد، ولا تجرح كبريائه وتطلب اليه، ان يترك باب غرفتها حتى يبحث لها عن زهرة كراون دايسي، في شارع الشانزليزيه.
ويُجيبها،
بهذا الشارع توجد ازهار برية ؟
تُجيبه،
إفعل ما أقول لك،
وبحزن، وألم تقول له، حتى في أميركا، اشعر انه يبحث لي عن زهرة كراون دايسي.
كانت كريسْتٍّل بهذه الطريقة، التي تختزن فيها أسمى مكنونات رد الجميل، والعطف، والاحترام لهذا الرجل، الذي يعطيها المحبة دون حساب، تجعله يمشي، ويتجوّل في شارع، كان ملقى وإعجاب سكان العالم.
وعندما كان يهِّم بالخروج، يسألها،
ماذا تريدين ان اجلب لك،
تقول، جريدة لبنانية،
لم تقرأ في حياتها، وطيلة مكوثها في فرنسا أية جريدة لبنانية، لان من تريد ان تعرف اخباره، ليس في لبنان، ولا يهمُّها اخبار لبنان، بل كانت الجريدة تطلبها حتى يقرأها العم فؤاد.
نالت، كريسْتِّل الدكتوراه في الحقوق، بدرجة إمتياز،
وأقام لها والدها حفلا ً دعى اليه معظم الجالية اللبنانية في فرنسا، وخص َّ بالدعوة، زملاءها، وأستاذها الذي ناقش أطروحتها.
بعد انتهاء مراسم الاحتفالات،
والعشاء الفاخر من مطعم، مكسيم الشهير،
ووصلات من الرقص قامت بها فرقة، من فناني ملهى المولان روج.
تقدّم اليها والدها، وطبع على خدها قبلة، وسلمّها قلادة من الذهب الخالص، فيها مفتاح سيارة من الذهب الخالص ايضا ً،
وقال لها،
ومثل، هذه الهدية، وأغلى منها، يوم زفافك.
لم، تفهم كريسْتِّل قصده،
وقالت له، لم أفكر بعد بالزواج،
أجابها، أني شارفت على مغيب عمري، وأريد ان ارى أحفادي، واليوم، إتصل صديقي من موناكو، ودعانا انا وانت، الى قضاء عطلة نهاية الأسبوع في منزله، لان ابنه الوحيد، قد إبتاع يختا ً ويريدنا ان نقوم معه بنزهة، عائلية، بحرية.
إرتعدّت فرائصها،
وقالت كريسْتِّل ، بغضب شديد،
تريدني ان أمخر عباب البحر مع ابنه المكتنز مالا ً والفقير، فكرا ً...وعقلا ً ...
وعدّدت صفاته،
وقالت، هذا لن يحصل.
بالماضي، رفضت صديق الدراسة، والآن تفرض ابن صديقك، الثري، والخالي علما ً وفكرا ً، وانا التي تحمل شهادة دكتوراه بالقانون من السوربون، تختار لي زوجا ً ....
فليكن، معلوما ً لديك :
لن اتزوج لبناني،
والذي ساتزوجه، هو ثري ٌ مثلك، واهم شانا ً من مركزك الاجتماعي، انه استاذي في السوربون، الذي اشرف على أطروحتي،
انه الدكتور جاك ،،،،،
لم، يحتمّل والدها هذا الكلام،
قال لها انه، اكبر منك بسنوات.
قالت، كريستل،
لمّا تقدّم زميلي، وصديقي، والشخص الذي أحببّته، رفضت لانه ليس من مستواك الاجتماعي والمادي، ولم تهتم بالعمر.
واليوم ترفض، بسبب العمر.
أبلغك، هذا هو قراري النهائي،
لان الزواج عندي، الان هو، ان أؤمن، لك وريثا ً من بعدي.
الجزء الثاني
الفصل السادس عشر
من قصة كراون دايسي، وكريسْتِّل.
فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا
٥ شباط ٢٠١٦
0 comments: