إمرأة آلوادي المُقَدَّس ... ( ٢ و ٣ ) ...
دراسة
إمرأة ألوادي المُقَدَّس.
الفصل الثاني.
والفصل الثالث.
وعندما رجع الرجل العجوز الى دياره، لم يكّن يعلم ان سِحْر هذه المرأة قد اخذه بعيدا ً، وبدأ يتحّسر على ايام الصِّبا والشباب، ولاحظ ان عقله وقلبه، انتقلا فجاة من التي كان يبحث ُ عنها طوال سنوات عمره الى هذه المرأة التي إلتقاها، بالوادي.
وبينما هو في غُربته ينتظر الطائر الميمون، كعادته كل يوم، يحمل له قصقوصة ورقية، تحكي له امرأة الوادي المُقَدَّس أخبارها، واحوال رعيتها. إستلم يوما ً من الأيام، قصقوصة ً ورقية، حملها له طائر الهُدهُد، تقول له فيها :
إنّ غِيابك عني، قد أضناني.
والشوق إليك، زاد من أحزاني.
والنوم، غاب عن أجفاني.
وحُبّك، هو كل أحلامي.
عُد ْ ... إلي ّٓ ،،،،،،
لأن :
وجهك ،،،، ما زال في خيالي.
وعِلمُك ٓ ،،،، حرّك ... أشجاني.
وغيرُك ،،،، لا يقرأ افكاري ...
وأنت ،،،، أدركت إلمامي ...
بعد ان أنهى الرجل العجوز قراءة هذه الرسالة، إعترّته الدهشة، ولم يصدّق عيناه، ان هذه المرأة، فائقة الجمال، هامت ْ به، وتكتب اليه هذا الكلام، المشحون بالحب، والعاطفة.
وبدأ بالتفكير المضني، والقاتل، كيف له ان يذهب اليها، وقد طلب من الطيور المهاجرة، عدم التوّقف في هجرتها.
فضلا عن ذلك، إن صحته تدهّورت، وساءت حاله، وبدأ يعّد أيامه المعدودات، وقد غلبّت حياته التعاسة، ونهش قلبه الندامة، وسطّرت احزان الكون في وجهه، شقوقا ً لا تُمحى :
منها خسارته حبيبته الاولى،
ومنها الشيخوخة، التي لا تخوّله قضاء بقية عمره مع شابة في مقتبل عمرها.
إنتظر الهدّهد جوابا ً من الرجل العجوز.
وقال له :
قُل لها، انه لا يمكنني الذهاب للوادي المُقَدَّس مجددا ً، للاسباب التي شرحت.
حاول الهُدهُد، ان يُثنيه ...
فقال له العجوز :
أُنظُّر ... كيف حالي.
لا أقوى، على السفر.
وترك الهُدهُد العجوز، بِحاله، وقِفل راجعا ً للوادي المُقَدَّس.
اما امرأة الوادي المُقَدَّس، تضايقت لان الهُدهُد تأخر في العودة، على جري عادته في نقل رسائلها.
ولم تعُّد ترّتل كل شروق شمس، أغنياتها الرقيقة، وصوتها الشجي الذي يملئ الوادي سحرا ً وخشوعا ً، حيث كانت الطيور تسجد لرقتِّه ، وتتوقف زقرقة العصافير، لان صوتها، سيد الأصوات.
تأتِي الطيور لتغني معها ... تمنعهم.
تحاول الوحوش المفترسة، التوّدد اليها ... تزجرهم.
الى ان طلبت من الجميع، ان يتركها.
جلست، إمرأة الوادي المُقَدَّس على حافة جرداء، ملساء تنظر نحو الأفق، حيث بان لها الهُدهُد، فانقشّعت اساريرها، وأرخّت إبتسامة على وجهها، تميل الى الانشراح، والحبور، وشهّقت شهقة، وكأنها عودة الروح، وبسطت يدها لاستقبال الهُدهُد الذي ما كاد يستقر، حتى بدأ بتقبيل، يدّها وخدّها وكل ما سمحت له بان يفعل.
وقالت له توّقف ،،،،
اخبرني عنه ،،،،
لم يكن الهُدهُد سعيدا، لانها منعته من إظهار حبّه لها ،،،
وطلبت اليه ان يخبرها عنه، بالتفصيل.
فدّبت الغيرة، بالطائر المسكين المُتعّب من الطيران، والتحليق ...
فسجد لها، وبدأ ... يخبرها :
لما وصلت اليه، أعطيته القصقوصة، قرأها مرتين، ثم تناول صندوقا ً خشبيا ً مرصّعا ً بالجواهر الثمينة من ثلاث جهات ووضع القصقوصة، داخل الصندوق.
ثمّ سألته :
ماذا قال لما قرأها ؟؟
أجابها الهُدهُد،
كان حزينا ً محبطاً، الهمّ ينهشّه، والكآبة تنخر وجهه، ونزلت من مقلتيه دمعتين، روّت الارض ...
وكان الشيب، يغرس أنيابه في رأسه ،،،
وقد تقوسّ ظهره، وبان عليه التعب والضمور ،،،،
قالت، للهُدهُد ...
كفى، كفى، يا هذا ،،،،
وانهالت الدموع، مدرارا ً من عينيها، تسقي الوادي سقيا ً غير ذي قبل ، فتقدّمت الطيور، تواسيها ،،،،
ولم ينقطع بكاؤها، وحزنها الا، بعد ان اخبرها الهُدهُد قصة الصندوق الخشبي المرصّع.
قال الهُدهُد :
سألته، عن الصندوق المرّصع ،،،،
ولماذا يحتفظ، بكل قصاقيص الورق التي ترسليها له ....
أجابني الرجل العجوز ...
ان هذه الأوراق تحتوي على كنوز، وجواهر ثمينة، فيها العلم المكنون في صدور الآلهة، وقد التقطتّها من الوادي المُقَدَّس، وانا أنهل منها ما ينقصني من علوم ٍ ما لذّ وطاب من معرفة، لأَنِّي أتوق لمعرفة سِر ّٓ مقاصدها، ومعانيها.
بدأ الهُدهُد الكلام عن الصندوق الخشبي المرصّع بالجواهر.
إنقشعت غيمة سوداء كانت تلّف الوادي ...
وتوّقفت الرياح العاتية ...
وساد السكون ...
وسجّدت الطيور ...
وعبق الوادي، بروائح الزهور ...
وبانت روائع رسومات الحواري، على مداخل الوادي ...
وعكست أشعة الشمس، اقواس من قُزح الألوان، البهّية ....
اما، هي إبتسمت ...
وكأن الشمس، والقمر، والنجوم، أُخلي سبيلهم ...
فتعطّر الجوّ برائحة فمها الزكية ...
وقالت، بحنان ما بعده، حنان ...
ومدّت يدها برفق ما بعده، رفق ...
الى رأس الهُدهُد ....
وأسقّته من ريق عسلها،
حتى يحلو في تغريداته، ويمضي دون ان ينسى شيئا ً ...
وقالت له :
تعالى، يا حبيبي ....
وضمّته اليها، قائلة :
ان حواسي معك ...
أخبرني، ما قصة هذا الصندوق ؟؟
انتهى :
الفصل الثاني.
والفصل الثالث.
فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا
٢٢ شباط ٢٠١٦
0 comments: