الموسيقى الشرقية،
ما بين :
ألتجديد، والإقتباس، والسرقة.
في الموسيقى الشرقية، هناك فرق كبير، ما بين التطوير ( التجديد ) والاقتباس، والسرقة.
كما سبق وأشرت اليه في بحوث سابقة ...
ان معظم النقّاد الفنيين العرب تأبطوا هذه المهنة خلسة ً، ونفاقا ً، وكان المعيار عندهم، يعتمد على تدّفق من يمُّد جيوبهم، بالمال، من الفنانين المهيمنين عنوة ً على عالم الفن.
وكانت هناك فئة من النقّاد، ينتابهم الخوف إن انتقدوا هرما ً من أهرامات الفن الراسخين في الإذاعات المصرية.
ولهذه الأسباب وغيرها، لم تؤخذ بآراء النقّاد الفنيين العرب، عند تقييم الموسيقى العربية، وتطورّها.
من الملفت للنظر، ان احد النقاّد العرب، والذي عاصر محمد عبد الوهاب وأم كلثوم، وفريد الاطرش، والسنباطي، والطويل، والموجي وغيرهم، قال أنّ محمد عبد الوهاب هرم ٌ كبير بالاضافة، الى أُم كلثوم، وقد استبعد كل من له باع طويل، بالموسيقى الشرقية.
وقد اعتبر كل من درس جذور الموسيقى الشرقية، أنّ هذا الناقد يمكن وضعه في خانة، من يستجدي القروش، او من يهاب ( قروش ) الفن في ذاك الوقت.
اذا قمنا بالتأصيل اللغوّي، والفرق ما ببن التجديد، والاقتباس، والسرقة، نرى ان :
التجديد، هو خلق جُمل موسيقية جديدة من ذات الرّحم الذي حمل الموسيقى الشرقية.
أما الاقتباس، هو استعارة جملة موسيقية، وتدجينها في ذات القالب الشرقي، كالتلقيح الاصطناعي، ومن ثم الاعتراف بان هذا المولود الهجين، من أصل، يعود الى فلان.
أما السرقة، هي خطف جمل موسيقية، والادعاء انها تعود لمن وضع اللحن الذي تحوم حوله الشبهات، والتأكيد والإصرار وعدم الاعتراف بالسرقة.
ينظر النقّاد في الغرب، الى محمد عبد الوهاب، في انه ألمجّلي والمتقدم، والسّباق، في مجال الاقتباس من الموسيقى الغربية، وقد عددّوا الجمل الموسيقية المقتبسة، اكثر من ٣٢ لحنا ً.
استغرب النقّاد في الغرب، ان معظم الألحان التي اقتبسها محمد عبد الوهاب جرى لصقها، او إلحاقها بكلام أغنية عربية، لا تناسب او تناغم اللحن الغربي، الموضوع خصيصا ً للكلام سواء كان إنكليزيا ً او فرنسيا ً او اسبانيا ً.. الخ
بمعنى ان اللحن الأجنبي، الموضوع لكلام حزين، وضعه محمد عبد الوهاب لكلام مفرح، او تشجيعي، وقس على ذلك من ألحان، كنائسية غربية او كلاسيكية مميزة، أُدخلت على غير مقاصدها، او معانيها او مبانيها.
وقد لحق بركاب محمد عبد الوهاب في رحلة الاقتباس، الرحابنة، في لبنان عندما اخذوا بعض ألحان سيد درويش، وجمل موسيقية، غربية عديدة.
أمّا المقّل والذي لا يكاد أن يُشار اليه البتّه في حقل الاقتباس، هو فريد الاطرش،
الذي اقتبس لحن Albeniz - Austuias الوحيد في كل أعماله ليضعه مقدمة، لأغنيته ذائعة الصيت، حكاية غرامي.
وإذا دخلنا الى ارشيف هذا الموسيقي الإسباني، نرى ان أشهر عازفي العالم تناولوا، وتناوبوا، على عزف هذا اللحن الشجي كل ٌ بألته الموسيقية الوطنية المعتمدة.
قام فريد الاطرش، بمهارة فائقة الخيال، والتّصور، والوصف بعزف هذا اللحن الإسباني، الموضوع أصلا لآلة الغيتار، بالة العود الشرقية، وقد بزّ الجميع، في روعة تمازج، وتشابك، وتداخل، الجملة الموسيقية الواحدة، وكأنك تتخيل نفسك، امام عدة جمل موسيقية متراكمة تعزفها فرقة موسيقية كبيرة.
وقد اعترف النقّاد الموسيقيين في الغرب ان فريد الاطرش، إقتبس لحنا ً اسبانيا ً ولكنه .... دجّنه .... في رحم الموسيقى الشرقية، وجعله مقدمة لأغنية عربية تتناسب مع اللحن الحزين الإسباني الذي وضعه Austrias في سمفونيته، وتجّلت عبقرية فريد الاطرش في انه ادخل البيانو، وقطع النحاس الموسيقية، في العزف المكّثف لهذا اللحن.
غير هذا اللحن الإسباني، لم يُقدم فريد الاطرش، على إقتباس أية جملة موسيقية غربية، بل على العكس من ذلك كرّت سبحة الاقتباس الغربي من ألحانه، سواء في غرب الكرة الأرضية، او شرقها.
وإذا ما نظرنا الى التجديد في الموسيقى الشرقية، لا نرى الا خيّالا ً واحدا ً لا تشق غباره، او تلحق بركابه، أية أحصنة.
آلا وهو، فريد الاطرش الممتطي حصاناً، والممتشق سيفا ً، والممسك بريشة الهدهد، التي رسمت ألحان الخلود.
فيصل المصري
أُورلاندو /فلوريد
١٥ آذار ٢٠١٦
0 comments: