يتم التشغيل بواسطة Blogger.

السبت، 16 يناير 2021

قِصَّة كراون دايسي وكريستل. الجزء ٦. تأليف فيصل المصري.

نشر من قبل Faissal El Masri  |   11:45 ص

 الجزء السادس

الفصل التاسع عشر.


 


بدأ الربيع العربي بإطلالته المُبكرة يُنذر بالوجوم والسموم وعواقب الأمور

كانت أخبار المشرق العربي تملئ الصحف والمجلات بشتَّى ألوان الكذب والخداع والتدجيل

كانت الدكتورة كريستل تتساءل أمام زبائن مكتبها الحقوقي في باريس، وهم يعرضون مشاكلهم ويطلبون مشورتها القانونية، أنَّها

لم تعد تناقش من يقول أنَّ التاريخ العربي وخاصَّة اللبناني كاذب ومُغاير للحقيقة، نظراً وبالرغم من أنَّنا على مشارف القرن الواحد والعشرين المترابط معلوماتياً، حيث ما زالت تتدفَّق الأخبار المتناقضة في وسائل الاعلام الرسميَّة والخاصَّة والأجنبيَّة

وراحت الدكتورة كريستل في تشكيكها إلى حد أنَّ كل خبر يصدر من لبنان بحاجة إلى هيئة دوليَّة للتحقُّق من صحَّته


ذاع صيت الدكتور كريستل في بدايات القرن الحالي وهي خريجة جامعة السوربون، ولمعت خبرتها في مجال المُرافعات القانونيَّة أمام المحاكم الجنائيَّة الدوليَّة  وأمام محكمة العدل الدوليَّة

وقد برعت في المرافعة ضدَّ جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب خاصة جرائم أوغندا والكونغو.


رفضت الدكتورة كريستل رفضاً قاطعا أن تُرافع في محكمة دوليَّة خاصَّة تتعلَّق بجرائم أُرتكبت في العالم العربي وخاصَّة في موطنها لبنان، لدرجة أنَّ والدها تدَّخل لثنيها عن هذا القرار لكنَّه  عبثاً حاول

كانت تقول لوالدها أنَّ حقوق الانسان منعدمة على أرض الواقع  في عالمنا العربي وخاصَّة لبنان، والدليل أنَّ صفحات الدساتير البالية في طول البلاد العربية وعرضها فاحت روائحها الكريهة  لعفونة المواد ولانعدام تطبيقها


بالرغم من أنَّه قارب التسعين من عمره، إلَّا أنَّ والد الدكتورة كريستل فضَّل الانتقال من بيروت إلى باريس للإقامة الدائمة فيها، نظراً لصعوبة الحياة في لبنان وانعدام الخدمات فيه، خصوصاً بعد موجات اللجوء من الجوار، فانعدمت أبسط الضرورات الحياتية كالكهرباء والمياه وطرق الاتصال السلكية واللاسلكية


سببٌ إضافي حفَّزه على اتخاذ قراره هذا هو حفيدته  كريستل، شغله الشاغل، وشغفه الدائم.

كريستل الإبنة الجميلة والحفيدة المُدلَّلة والتلميذة الجامعيَّة النجيبة قاربت أواخر عشرينيات عمرها، وقد أنهت أُطروحتها لنيل شهادة الدكتوراه في علوم الماورائيات والأساطير.


السِّت الصغيرة كريستل كما كان يناديها العم فؤاد، كانت تتردَّد كل يوم على مكتب والدتها، وقد نشأت بينهنَّ علاقة شقيقتين أكثر منها علاقة ما بين الأُم وأبنتها


كُنَّ يخرجن إلى المطاعم ودور الأزياء سوياً، وكنَّ يرتدنَ صبيحة كل أحد مطعم لبناني في أحد شوارع باريس الشعبية لتناول الفول والحمُّص


لم تكن كريستل الصغيرة أقلُّ ذكاءً من كريستل الكبيرة، وقد لاحظت أموراً ترافق والدتها منها :


كثرة الأزهار الذابلة داخل وخارج كُتُبها وملفَّاتها المنتشرة في أرجاء المكتبوقد لفتها أنَّ مُدبِّرة المكتب لا ترمي الزهور حتى ولو كانت زهرة ذابلة واحدة، سواء كانت على طاولة الاجتماعات أو وقعت أرضاً، بل تُعيدها إلى طبقٍ مليئ بهذه الأزهار الذابلة.


لاحظت كريستل أنَّ والدتها تستعمل هذه الأزهار كفواصل ما بين  الصفحات، فإن أرادت أن تُشير إلى صفحة ما، تنزع زهرة ومن ثم تُعيدها إلى المكان ذاته


لكن الذي كان لافتاً  على مكتب والدتها لا يبارحه أبداً، هو ذلك الإطار من الذهب الخالص الذي يحتضن رسماً بخط اليد لهذه الزهرة


ليس هذا كل ما لاحظته كريستل الإبنة، فالمرآة الصغيرة التي كانت تحتفظ بها والدتها داخل حقيبة يدها وعلى مدار الأيَّام، غطاؤها مرسومٌ عليه أزهار من النوع ذاته. وهو ما تراه منذ أن كانت طفلة


إلى أن لفتها يوماً أمراً غريباً لم تعتده من قبل، إذ سمعت والدتها تعاتب مٌدبرَّة مكتبها وتسألها بامتعاض عن سِرْ  تناقص أعداد الأزهار وعمَّا إذا كانت تقوم برميها في سلَّة المهملات !.


لم تعهد كريستل الإبنة والدتها بهذا الغضب والتدقيق

وعلى ماذا ؟

على أزهار ذابلة يجب أن تُرمى في سلَّة المهملات !.


دخلت كريستل مكتب والدتها وهدَّأت من روعها، وقالت لها سأنزل فوراً وأشتري لك باقات من الأزهار النضرة اليافعة بدلاً من هذه الذابلة


أجابتها والدتها بلهجة غاضبة آمرة :

إيَّاك أن تُزيِّني مكتبي بأي نوع من الأزهار


استغربت كريستل الإبنة هذا الغضب وهذا التنبيه فقالت لها :

لا داعي لكل هذا الغضب وما قيمة هذا النوع من الأزهار الذي لم أرَ مثلها في حياتي


هدَّأت الدكتورة كريستل من روع واستغراب إبنتها، وراحت تشرح ماهية هذه الزهرة فقالت :

أنَّ إسمها كراون دايسي، وهي زهرة برية تنمو في براري وجبال لبنان


وقبل أن تكمل الدكتورة كريستل، قاطع حديثها وصول عميد كلية الاداب والعلوم الانسانية في السوربون إلى المكتب بناءً على موعد سابق


دخل عميد الكليَّة المكتب، ولحقت بهم كريستل الإبنة حيث دار بينهم حديث عن الأُطروحة التي تُعدُّها كريستل حول علوم الماورائيات والأساطير


تحدَّث عميد الكلية عن الأُطروحة فقال إنَّ موضوعها حساس جداً نظراً إلى أنَّ العالم العربي يجتاحه اليوم التزمُّت الديني وحروب التكفير المُدمِّرة  والتي بمُجملها تجافي فكرة الأُسطورة، وتنعت علومها بالزندقة إنْ أُعتبرت أنَّها تتماشى مع عصرنا الحاضر، وبالتالي معظم الأساتذة الذين يتقنون العربية والفرنسيه في فرنسا، تجنَّبوا نقاش الأُطروحة، وقد قرَّرت الكليَّة الاستعانة بأستاذ جامعي متخصص بهذا الحقل، من إحدى الجامعات الأميركية حيث ننكبُّ حالياً على دراسة الأسماء واختيار الأنسب.  


لم تعترض كريستل الأُم، على زميل دراستها ورأيه، بل استعجلته أن يُسْرع في إختيار الاسم


وبينما كان عميد الكلية  يهمُّ بالخروج من مكتب والدتها، قام بتسليم كريستل الإبنة، لائحة بالكتب التي يقترح عليها أن تقرأها


ودَّعت كريستل  والدتها على أن تلتقيها في مساء ذلك اليوم


وصلت إلى غرفتها واستلقت على سريرها

وما إن فتحت  ورقة العميد وقرأت أسماء الكتب حتى هبَّت كالمجنونة إلى حاسوبها تُفتِّش في الإنترنت عن كتاب بعنوان :


قِصَّة كراون دايسي وكريستل .

للكاتب .......

إصدار جامعة هارفرد

تاريخ الإصدار : العام ٢٠١٥


وغلاف الكتاب عليه نصف صورة  لفتاة  تُشبه والدتها وهي صبية، تضع إكليلا من أزهار كراون دايسي، 


وفي صفحة الغلاف الأخير مجموعة أزهار من ( كراون دايسي ) على شكل قلب.


لم تنم كريستل الإبنة تلك الليلة

أرَّقتها الأزهار التي تملأ عالمها ألغازاً وأسراراً

في كل مكان أزهار كراون دايسي

ما حكاية تلك الأزهار ؟


والدتها تغرق بها

أزهار ذابلة في مكتب والدتها

ومرآة في الحقيبة عليه رسومات من زهرة كراون دايسي


والأهم الأهم  رسم زهرة كراون دايسي بخط اليد داخل إطار من الذهب الخالص


والذي زاد الأُمور غرابة صورة غِلاف الكتاب يحمل صورة لنصف وجه فتاة ... تُشْبِه ... والدتها وهي صبيَّة في عُمْر الزهور ...




0 comments:

Blogger Template By: Bloggertheme9