يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الاثنين، 15 فبراير 2021

عملية السيِّد عبدالله العسكريَّة في ١٤ شباط ١٩٨٤ لتحرير المقام الديني.

نشر من قبل Faissal El Masri  |   8:54 م

 عملية السيِّد عبدالله التنوخي 

في تاريخ ١٤ شباط ١٩٨٤ 

لتحرير مقام السيِّد عبدالله في عبيه، قضاء عاليه. 

محافظة جبل لبنان. 


المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها : 


رُبَّ سائل يقول لماذا تتناسى في مُدونَّاتك ذكرى ١٤ شباط التي تمَّ فيها اغتيال رئيس حكومة الكيان اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وتُمعن في تجاهلك هذه السنة ولا تُشير إلى تلك المعلقَّة في ذِكرى اغتياله التي ألقاها إبنه سعد الحريري الذي من فرط اهتمامه بتراث والده المغدور لم تتناسى المروءة المربوطة في ذيل جلبابه إلَّا أن يبقى حافظاً وحارساً لألقاب حُثالة بني عُثمان في نفي تهَّم الكذب المتبادلة بين دولته وفخامة رئيس الكيان.

لعمري لم تسمع أذناي كيف المهانة يجري إغفالها عن طريق الحفاظ على خلع ألقاب الحُثالة حتى في المُخاطبة، لأنَّ هذا الصنف من نسل البشر له ناموس وصراط عبادة من طقوسه الإبقاء على تراث خسيس وصل اليه وزاده خسَّة في لعق مزايا الانتداب الفرنسي وتعاليمهم في السرقة والنصب والاحتيال. 


من قرأ مُدونَّاتي يعرف أنَّي أُحاول التركيز على شخصيات وأحداث سطَّرت على جبين وطني آيات العز والكرامة، وما يزيدني شرفاً أنَّي أقوم بالتذكير سنوياً لتكون عبرة إلى كل من يهتم بكرامة الوطن وليس الكيان. 

أمَّا خلاف ذلك مكانه في مزبلة التاريخ وليس في مُدونَّاتي. 


في المُدونَّة :

لكل إمرءٍ من دهره ما تعَّودا … والعادة عندي عندما أزور لبنان كل سنة أن أقوم بزيارة المقامات والمزارات الدينيَّة المُقدَّسة لدى الموحِّدين الدروز، منها مقام الأمير السيِّد عبدالله التنوخي لأنَّي أعتبر الأمير السيِّد عبدالله هو مُجدِّد هذه الدعوة بعد حوالي خمسمائة سنة من نشرها في مصر وفي قاهرة الحاكم بأمر الله قدَّس الله سرَّه

هذه المُدونَّة هي تذكير بالعملية العسكريَّة التي نفذها الأشاوس الأبطال لتحرير الشحَّار الغربي تحت إسم عملية السيد عبدالله التنوخي في تاريخ ١٤ شباط ١٩٨٤. وبالأخص تحرير قرية عبيه والأخص الأخص تحرير مقام السيِّد عبد الله التنوخي الموجود في هذه القرية.  

هذه المُدونَّة توضح المعنى والمغزى وراء إسم العمليَّة التى طبَّقها هؤلاء الرجال في تفانيهم واستبسالهم بالروح والدم وصولاً إلى تحقيق الانتصار المبين.  

تعريف مُسمَّى العمليات العسكريَّة على مر التاريخ ..

في الدراسة التي أعدها أستاذ العلوم العسكرية في جامعة كرانفيلد البريطانية كريستوفر بيلامي، تساءل عن المعنى والمغزى في إطلاق أسماء شخصيات على العمليات العسكريَّة وما هو القصد من ذلك، ولماذا تكون التسميات فيها الوضوح أو الغموض.  

وكما هو واضح ومعلوم، إنَّ العمليَّة  العسكرية هي وثيقة تُوضع لتحقيق هدف عسكري معيَّن حيث تُقرر القيادة إعطاء إسم في غاية الوضوح، يُجسَّد الحمية والنخوَة النفسيَّة في قلوب وعقول المقاتلين.  

في الولايات المتحدة الأميركية، الوضوح يكون في إسم العمليات العسكرية بحيث لا تتعدى الكلمتين، وهي تعكس وجهة النظر الأميركية. 

مثلاً : العزيمة الصلبة. درع الصحراء. عاصفة الصحراء.  

أمَّا بريطانيا العظمى تعتمد الغموض في إسم العمليات العسكرية، وهي تعكس سياستيها الخارجية والدبلوماسية الغامضتين.  

مثلا : جرانبى، هى قرية فى نوتنجهام فى المنطقة الوسطى بإنجلترا، وهي أيضا إسم لقائد لمع فى حروب المملكة الإنجليزية ضد الفرنسيين فى القرن السابع عشر الميلادى، وإلى الآن لم يُعرف سبب تسمية هذه العملية العسكريَّة بهذا المسمَّى.  

أمَّا الاتحاد السوفياتي سابقاً وحالياً روسيا، تعتمد الإثارة في إسم العمليات العسكريَّة، كما حصل في الحرب العالمية الثانية.  

مثلاً : أورانوسزحلالمريخ

وخلاصة القول إنَّه دائماً وأبداً كانت الحرب النفسيَّة تكتنف العمليات العسكريَّة ، وقد أتى التاريخ القديم، على شرح مُسهب كيف كانت تُطبَّق العمليات النفسيَّة في المعارك.  

الفراعنة، اعتمدوا وطبَّقوا الحرب النفسيَّة وقد تحدَّث عنها المؤرخ هيرودوت، كالخديعة والحيلة والمفاجأة ..

أمَّا الإغريق، استخدموا الحرب النفسيَّة بإطلاق السَّب والشتائم قبل تلاحم جيشهم مع الجيش المقابل، وقد وصف الشاعر اليوناني (هوميروس) القتال الذي دار بين الإغريق والطرواديين حيث قام المتحاربون في كلا الجيشين اللذين يقفان وجهاً لوجه، بتبادل الشتائم حتى يؤثر كل طرف في الروح المعنوية للطرف الآخر.  

وقد إستخدم الإغريق سلاح التخويف والخداع كثيراً، في حربهم التاريخية المعروفة ب حصان طروادة للاستيلاء على مدينة طروادة.  

أمَّا الرومان، كغيرهم من الأمم في حروبهم ومعاركهم استخدموا العمليات النفسيَّة كالحيلة والخديعة والدعاية.  

أما العرب قبل الإسلام، عرفوا الحرب النفسيَّة بأبهى حُللها في سوق عكاظ التي كانت تجمع أبلغ شعراء القبائل في شحن الهِمَم للفخر بالقبيلة لأن الحرب عندهم كما قال أحد الشعراء ..

ولا تحسبن الحرب سهماً ومغفراً         

فإن  سلاح الصائلين عقولُ

أما الحروب العربية بعد الإسلام، كانت ترتكز على الحماسة والغيرة في الدين، كما فعل الخليفة عمر بن الخطاب عندما خرج من بيته حاملاً السيف في يده مهدداً ومُردِّدِّاً آية من القرآن الكريم :


وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ  (سورة آل عمران: الآية 144)، 


وقد جرى إستخدام الشعارات الدينية من آيات القرآن الكريم في المعارك الاسلامية، لانها تُجسِّد الحرب النفسيَّة في المقاتلين ..

أمَّا الموحِّدون الدروز فإن طبعهم غلب تطبعهم، لأن الدفاع عن العرض والأرض عندهم من صلب العقيدة، فلا عجباً أن يُطلقوا أسماء واضحة وضوح الشمس في عملياتهم العسكريَّة ، فيها غيرة الدين والحماسة والنخوة حتى يستبسل المقاتل، خاصةً إذا كان الهدف العسكري تحرير المُقَدَّسات الدينية أو الدفاع عن الارض والعرض ..


وقد ارتبط إسم السيِّد عبدالله التنوخي في عملية تحرير الشحار الغربي في الحرب الأهليَّة اللبنانيَّة المعروفة بحرب الجبل في ١٤ شباط ١٩٨٤ حيث جرى تحرير أهم القرى الدرزيَّة آنذاك وهي عبيه جنوب مدينة عالية، فيها مقام الأمير السيِّد جمال الدين عبدالله التنوخي، وهو مقام يُقدِّسه الموحِّدون  الدروز في بلاد الشام ..

تعريف :

هذه المُدوَّنة هي أيضاً إظهار مقام هذا الأمير السيِّد من النواحي الدينية والتقوى والورع والإيمان والخشوع إلى الله سبحانه وتعالى في نفوس وأفئدة الموحِّدين الدروز.  

الأمير جمال الدين عبد الله، إبن الأمير علم الدين سليمان التنوخي، المعروف بين الموحِّدين الدروز بكنيته (الأمير السيِّد)، هذا اللَّقب وصل إلى الأمير بعد أن هاجر إلى دمشق حيث توطَّدت علاقة متينة، وصداقة قوية بينه وبين آلِ الحسيني، فلقَّبوه (بالسيِّد) لإيمانه الراسخ وتعمُّقه بالعلوم الدِينيَّة والزمنيَّة ومكانته الرفيعة في الدين والدنيا التي كان يحتلَّها بين الناس،

فسيَّدوه وألبسوه السيْدة الخضراء (العمامة)   

(السيْدة تعني العمامة ذات اللون الاخضر).  

وُلِد في قرية عبيه في قضاء عاليه بلبنان سنة ١٤١٧ وتوفي فيها سنة ١٤٧٩. والدته السيدة ريما بنت الأمير شهاب الدين أحمد.   

تزوج الأمير السيِّد عبدالله من السيدة عائشة المشهورة

(سيدة العيش) أو "سِّت الناس" وهي إبنة خاله الأمير سيف الدين أبي بكر بن شهاب الدين وهي من نفس الأسرة التنوخيَّة.  

رُزق الأمير السيد عبدالله بثلاثة ذكور وبنت واحدة كلهم توفوا أثناء حياته.  

يُعتبر الأمير السيِّد عبدالله من أهم الفقهاء لدى الموحِّدين الدروز، ومن أشد المدافعين عن حقوق المرأة الدرزيَّة وما زالت شروحاته من المصادر الموثوق بها.  


يُعتبر الأمير السيِّد عبدالله من العمالقة الكبار في الفكر التوحيدي الدرزي، فهو يحظى بمنزلة دينية عريقة عند الدروز، ويُعتبر مُجدِّد المذهب والتراث الدرزي.   

يُعتبر الأمير السيِّد عبدالله الذي جاء بعد حوالي خمسمائة سنة من الدعوة، حيث كان الموحِّدون الدروز يقطنون في بلاد الشام، مُبتعدين عن المدن والمراكز، محاولين أن يحافظوا على دينهم بأي طريقة، لكن مرور الوقت وابتعادهم عن مراكز الدعوة، أدَّى إلى وهن في العقيدة، وقد جاء الأمير السيَّد عبدالله ليضع الأمور في نصابها الصحيح، ويجمع الرسائل ويحققها ويزيل الدخيل منها ويشرحها بعد أن وضع أُسسَّاً جديدة للتراث والتقاليد الدرزيَّة العريقة.  


نشأ الأمير السيَّد عبدالله في عائلة تنوخ الدرزيَّة، والتي تزعّمت الدعوَّة الدرزيَّة في بدءها وتولَّت الحكم في لبنان حتى بداية العهد العثماني عام ١٥١٧


كان أسلافه من ذوي السيادة والعلم والدين. نبغ منهم الكثيرون من الحُكَّام والعلماء والأدباء والشعراء، ومع هذا فقد أراد الاستزادة من العلم وقضى في طلبه ثلاثين عاما في دمشق وهناك درس ودرَّس ونبغ في علوم الدين والشرع والفلسفة وألمَّ بالطُّب والفلك.  


بالرغم من أن الأمير السيد عبدالله كان من المقربين إلى السلطة وكان باستطاعته تسلمها، إلا أنه آثر الدين على الدنيا وانصرف يعمل لآخرته مهملاً دنياه الفانية.  

وكان الأمير السيَّد عبدالله بالإضافة لكونه مصلحاً وواعظاً وحكيماً، شاعراً وأديباً ومثقفاً، قلَّ أمثاله في عصره، لا بل في وقتنا الحاضر.

يكشف الدكتور فؤاد أبو زكي في كتابه عن الأمير السيِّد عبدالله، أنه شخصيًة أدبيَّة كبيرة مغمورة طوَت معالم أدبها أيدي السِّتر والصيانة، ولم تُعرف إلا في أوساط الموحدِّين الدروز الذين رأوا في شخصه طهارة القلب وصفاء النفس وصدق القول والعفَّة والتقوى والتديُّن.  

يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتابه مذاهب الإسلاميين، لعَلَّ  أكبر شخصية علميَّة بين الدروز منذ بهاء الدين المقتني، هي شخصيَّة الأمير السيِّد جمال الدين عبد الله التنوخي، ولشروحه لبعض رسائل الحِكْمَة  أثر بالغ.  

يقول الكاتب سليمان علم الدين في كتابه ( المدارس الفكرية والتيارات السياسية ودعوة التوحيد الدرزيَّة ) 

"يعتبر الأمير السيَّد عبدالله بحق، مُحيي المذهب التوحيدِي الدرزي، بعد أن كاد يندثر ويزول نتيجة الجهل وعدم الاطلاع على الرسائل أو تفسير ما بقي منها، فانبري بكل قوته وجهده إلى ترتيب القواعد وشرح النصوص ووضع قواعد السلوك، وبجهده وعمله المتواصل أصبح لمذهب التوحيد هويَّة فرقة مميزة، لها قواعدها الدينية المسلكية وكتبها التي تُحدِّد معتقداتها الروحانية ".


وحتى يستطيع الأمير السيَّد عبدالله أن يقوم بكل هذه الجهود، كان يتطلَّب منه أن يقتني مكتبة ضخمة، حيث كانت مكتبته زاخرة بالمراجع والمخطوطات، وبلغ عددها ٣٤٠ مرجعاً تحتوي على الكُتُّب النفيسة والمخطوطات النادرة.  

عن مكتبة الأمير السيِّد عبدالله، يقول الدكتور فؤاد أبو زكي :

رغب الأمير عبد الله منذ حداثته في اقتناء الكُتُّب ومطالعتها، فجمع الشروحات والتفاسير، منها تفسير القرآن الكريم، وكتب اللغة العربيَّة والفلسفيَّة والفقهية والنحويَّة وسيَر الملوك وأخبار الأنبياء، ودواوين الشعراء وكتاب إخوان الصفاء، وجهَّز إلى مصر رجلاً لابتياع معجمي"المُحكَّم" لابن سيدة، و"القاموس المحيط" للفيروزبادي، وغيرهما من الكُتُّب النفيسة ..

أمَّا المؤرخ الْمُحدِّث عجاج نويهض الذي اعتمد في سيرة الأمير السيد عبدالله على المؤرخ الدرزي إبن سباط الذي عايش وعاصر الامير السيِّد قال :

"أخبرنا إبن سباط أنَّ  الأمير السيِّد عبدالله كانت لديه خزانة عامرة من نفائس الكتب في الشرع والدين والتاريخ والشعر واللغة والأدب وقصص الأنبياء، فضلا عن كتب السيرة  والتفسير والفقه على المذاهب الأربعة. وجملة ذلك ٣٤٠ مجلداً ما عدا الصغير من الكُتُّب والكراريس المفردة، أو ما هو معروف في بيوت لبنان "بالسفينة" وكان يُحضر الكُتُّب التي يسمع بها من القاهرة ودمشق والقدس وغيرها


وكان الأمير السيِّد عبدالله ذا خط جميل، حريصاً على صحَّة النسخ والنساخة، وكانت صناعة النسخ تُعد من أعلى الصناعات مرتبةً عند أهل الفنون حتى زمن قريب".


وفي السنوات الأخيرة، تمَّ في دمشق العثور على مخطوطات قديمة في المكتبة الظاهرية بدمشق، تتعلَّق بالأمير السيِّد عبدالله.   

جاء في مقدمة كتاب الشيخ أبو صالح فرحان العريضي الرسالة الموسومة بنهر الجمان، ما يلي :

(تسرَّب إلينا نبأ سار من فضيلة القاضي ربيع زين الدين مفاده أنَّ في مدينة دمشق في المكتبة الظاهرية بالتحديد مخطوطات قديمة تتضمن أخبار السيد التنوخي أثناء إقامته في دمشق وما جرى له وما كتبه عنه الأئمة والأدباء والمؤرخون وأثنوا عليه بما هو أهله، فبحمد الله تعالى وعونه وتوفيقه حصلنا على تلك المخطوطات تصويراً طبق الأصل وليس نسخاً عنها ).  وقد جاء في إحدى هذه المخطوطات عن الأمير السيَّد عبدالله القول :

( كان بيته قُبلة للعلماء والفقهاء والفضلاء، وكان له مكتبة عامرة بالكُتُّب القيمة يختلف إليها أهل العلم للإطلاع والبحث والدراسة وإفادة الناس وتفقههم في أمور دينهم )

وقد مرَّ على وفاة الأمير السيد ( تاريخ وفاته  ١٤٧٩ ) أكثر من خمسة قرون، لكن تعاليمه ما زالت سائدة، منتشرة في أوساط الموحِّدين الدروز يسيرون على هداها، ويتَّبعون أركانها وهم مطمئنون أنَّ العلوم الكبيرة الفائضة التي تمتَّع بها الأمير السيِّد، هي الركن والأساس والقاعدة للإيمان العميق والتقوى الكبيرة التي يدعو إليها الأمير السيِّد عبدالله ..

يقول المؤرخ إبن سباط :"لم يكن الأمير يخالط أقرباءه لعلمه أنَّ أموالهم لم تكن حلالاً محضاً حتى أنه لم يرضَ أن يضيء عليه مصباحاً فيه زيت من رزقهم، وكان يطوف البلاد ويزور رجال الدين أينما كانوا، وكان يحب مطالعة الكتب حتى قيل إن مكتبته تضمنت ثلاثمائة وأربعين مجلداً، ونهى عن شرب الخمر والمسكرات فتاب الناس على يده وكانت نواهيه وإرشاداته تُبَّث بواسطة تلاميذه في جميع القرى وكان الناس يتوافدون عليه من كل مكان فيدرسون عليه ويتقاضون لديه. ثم أمر تلاميذه في القرى أن يأمروا الناس بالمعروف وينهونهم عن المنكر على غرار خطته.  

وقد أضاف إبن سباط :

( ومما بلغ إليه أنَّ أفراداً  من النصارى واليهود كانوا يأتون على خبره ويحضرون بين يديه في إختلافٍ بينهم في أمر الدنيا، يسمعون له ويمتثلون بما يحكم به ويرجعون راضين بقضائه. لأنه كان إذا حضرت الأخصام عنده، يبتدئ بالمواعظ عليهم، ثم يأخذ العهد عليهم في استماع كلامه ثم يتلطَّف بينهم بما يراه فيجيبون إلى حكمه من غير إكراه ولا إجبار. وكان مجرداً من الميل إلى جهة أحد الأخصام ولو كان أعز الناس عنده، وبهذا ارتضته الناس من الخاص والعام قريباً وبعيداً


وكانت الأخصام تختصم في أطراف المعاملة (الولاية أو المنطقة) ويعجز ولاة تلك الجهة عن الفصل بينهم فيقول الخصم لصاحبه :

" بيننا الأمير جمال الدين التنوخي

فإذا قدما عليه وشرحا قصتهما له يقول لهما

" قد جئتماني من أقصى البلاد فوجب علينا تصريح ما نقدر عليه لكما من الحق ثم يعظهما المواعظ اللطيفة ويحكم بينهما بما يراه شرعا أو مصالحة، فيرجعان راضيين مسلمين شاكرين متصادقين بعد العداوة

وكانت تأتيه الأخصام من نواحي صفد إلى أطراف حلب إلى حدود طرابلس إلى الشوف وبعلبك إلى أطراف دمشق. ولا يعلم من أين هم ولا من أي بلد قدموا عليه، ويرجع كل منهم راضياً بحكمه مثنياً عليه بكل جميل".

خلاصة القول :

عاش الأمير السيِّد عبدالله في القرن الخامس عشر وكان هذا العهد عهد جمود، وتأخر ومقاومة لكل تجديد ومجدِّد. ولم يكن هذا ليثبط عزيمة الأمير السيِّد الوثَّابة ويجعله يتراجع عما يدعو إليه، ولما لم يستطع إدخال إصلاحاته في بلده رحل إلى دمشق وقضى فيها سنوات عدة.  

لكن أهل لبنان ندموا على ما فعلوه إتجاهه فكتبوا إليه وطلبوا منه العودة إلى بلاده، فأرسل لهم جوابا تضمن مطالبه للعودة ولما تلي جوابه وسمعه المشايخ، وقفوا إجلالاً له، ولا زال الدروز حتى اليوم يقفون عند قراءة كتبه في المجالس الدينية.  

مؤلفات الامير السيد عبدالله، هي

دينية درزيَّة.  

أهمها كتاب، شرح عقيدة التوحيد ١٤ مجلد، يعتبر المرجع الديني الرئيسي لدى الموحِّدون الدروز، شرح فيه أُمور دينيه واجتماعية، وشمل إصلاح النفوس وحسن التربيه وصدق المعاملات وجمال الاخلاق وهذه الكُتُّب، خوصوصاً  كُتُّب الشرح متداوله بين الموحِّدين  الدروز فقط، يتناقلوها بطريقة النسخ .. 

ومؤلفات عامة.

معجم للغة العربية أسماه اللغة العرباء 

وكتاب في السيرة النبوية هو سياسة الأخيار في شرح كمالات النبي المختار."

توفي الأمير السيد عبدالله في النصف الثاني من شهر أيلول سنة ١٤٧٩ وقد وصف تلميذه الشيخ أبو علي مرعي زهر الدين ساعاته الأخيرة وجنازته فقال :

( ولبث على فراشه على الهيئة الجليلة وحُسن الصورة ووضع كفه تحت خده إلى أن نفذ قضاء الحكيم، والرب الرحيم وبادر إليه تلاميذه والإخوان تناديه ويقبلون أياديه ويتذكرون إنعامه )


ويقول المؤرخ الدرزي إبن سباط إنَّ الذين وفدوا إلى عبيه لتشييع جثمان الأمير الإمام ( وكان عند وفاته بمرتبة الإمامة ) لا يقلُّون عن سبعة آلاف رجل، وألقيت المراثي والخطب .. 


شُيِّد مقام الأمير السيِّد عبدالله في عبيه مسكن أمراء آل تنوخ، ويقع شمال غرب البلدة ويضم معبداً صغيراً في داخله قبة فيها ضريح الأمير الجليل، وعلى الضريح شاهد كُتب عليه كلمات الرثاء وبعض أبيات من الشعر، وإسم الأمير وتاريخ وفاته وفي الجانب الغربي الشمالي من المقام قبة فيها ضريح إبنه الأمير عبد الخالق الثاني ..


كان رضوان الله عليه، حكيماً عادلاً ولا يحسب إلا للحق حساباً. وكان إذا لجأ إليه المتخاصمون لا يفرِّق بينهم، فلا فرق عنده بين الصديق والعدو، والقريب والبعيد والمسيحي والمسلم والدرزي، فيحكم بالعدل ويعيد الحق إلى أصحابه. وقد جاءت في سيرته أمثلة كثيرة وحوادث منوعة .. 

من أقوال الأمير السيِّد عبدالله : 

- الرضى بحكم الله وقدره فرض لازم، علم السبب أم لم يعلم.

- المعرفة أساس الخير جميعه

- إياك أن تقول إن الله غفور رحيم يغفر ذنوب العصاة، فتضيع العمل وتتوكل على الرحمة.

- لا تطمع في أن تحصد ما لم تزرع

- من لم يكن صادقا بلسانه فهو بالقلب أكذب.

- فرائض الله على القلب لا تعد ولا تحصى.

قيل، يهلك الناس في شيئين

فضول المال، وفضول الكلام.

المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه

أبوهما النور، وأمهما الرحمة.

قيل إن حكيماً لقي حكيما فقال له عظني وأوجز فقال، عليك بشيئين، لا يراك الله حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك ..


الأمير السيد عبدالله إمام الموحِّدين الدروز.

تقول الرواية في تنصيب الأمير السيِّد عبدالله إماماً.   كان الشيخ أبو مرعي زهر الدين ريدان، شيخ المشايخ وإماماً على طائفة الموحِّدين الدروز وهو من بلدة الفساقين ( اليوم البساتين ) قد دعا الامراء والشيوخ والاكابر من إمارة الغرب التنوخية واهالي المتن والشوف وغيرها الى اجتماع عام يعقد في عبيه.  في هذا الاجتماع، وبعد حضور الجميع وقف الشيخ زهر الدين ريدان وفاجأ الحاضرين بتنازله عن رئاسة الموحِّدين الروحية للامير السيد عبدالله، لحسن تدينه وصدقه وزهده بالدنيا وحسن مسلكه التوحيدي، وتقواه وورعه وحبه لله تعالى ..  

كذلك ألبسه عباءة المشيخَة وعمَّم رأسه بعمامَّة ناصعة البياض، وكان ذلك اليوم يوماً تاريخياً في تاريخ مشيخَّة العقل باختيارهم أميراً تنوخياً لإمارتهم

مِن أوامر الامير السيِّد عبدالله. 


1 – تُغلق أبواب مجالس الذكر على مرتكبي الزِّنى والقتل، حتى يتوبوا توبةً نصوحاً (التوبة الصادقة). 

2 – تقطع مناداة الميت ونواح النساء في الماتم.  

3  - تكون المعاملة حسنة في البيع والشراء بين الناس.  

4  - أن لا تُقرأ الابيات الكريمة ولا تنشر إلا عند المؤمنين الكرم ( المتدينين )

5 – أمر بزواج المتدينات للمتدينين.  

6 – لا تزوَّج البنت إلا برضاها ورضا وليّها، ( والدها أو ولي امرها ).

7 – على الوالدين تعليم اولادهم الذكور والاناث من غير تمييز .

8 - أن يُعامل الزوج زوجته معاملة حسنة ُينصفها ويساويها بنفسه، وعلى المرأه الواجبات نفسها تجاه زوجها.  

9– أن يحافظ الاخ على أخيه ويساعده عند الحاجة.  

10 – أن يكتب الانسان وصيته وهو في كامل قواه العقلية والجسدية، بجميع ما يملك لوارث ولغير وارث. أخيراً ...

مرَّ على وفاة الأمير السيد أكثر من خمسة قرون، لكن تعاليمه ما زالت سائدة منتشرة في أوساط الموحِّدين الدروز، يسيرون على هداها ويتبعون أركانها.  وهم مطمئنون أنَّ العلوم الكبيرة الفائضة التي تمتَّع بها الأمير، هي الركن والأساس والقاعدة  للإيمان العميق والتقوى الكبيرة التي يدعو إليها



فيصل المصري

أُورلاندوا.  فلوريدا 

١٤ شباط ٢٠٢١م

المرجع :

كتاب الموحِّدون الدروز عبر التاريخ 

( المُدونَّات الفيصليَّة )

حزيران ٢٠١٨ 



هناك تعليق واحد:

  1. تلميذه الشيخ ابو على مرعي حماده من بلدة بعقلين
    والشيخ الذي تاب عنده وتوج على على يديه الشيخ ابومرعي زهر الدين من بلدة البساتين

    ردحذف

Blogger Template By: Bloggertheme9