يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الجمعة، 31 يناير 2025

مغارة علي بابا والأربعين لصاً، مِن خيال مؤلف قِصَّص الف ليلة وليلة، أمْ هي حقيقية محمية حتى يومنا هذا.

نشر من قبل Faissal El Masri  |   10:07 ص


 


مغارة علي بابا والأربعين لصاً. 

مِن خيال مؤلف قِصَّص الف ليلة وليلة،

أمْ هي حقيقةً ماثلةً محميةً حتى يومنا.  

المُقدِّمة :

قِصَّة " علي بابا والأربعين لصاً ( حرامي ) " هي إحدى قِصَّص " ألف ليلة وليلة " تناقلتها الألسن مئات السنين وأخذها الخلف عن السلف، ونُقلِت إلى مختلف لغات العالم. 

هذه القِصَّة روتها  شهرزاد زوجة السلطان شهريار التي كان ينتظرها حكم الإعدام الجائر، وقد نجحت شهرزاد في تأجيل تنفيذ الحكم بِقصَّص الليالي الرائعة التي كانت ترويها للملك، وكانت بذكائها الحاد وسرعة خاطرها تقطع القصة عند مقطع مشوِّق لليلة التالية، فيؤجِّل السلطان تنفيذ الحكم رغبةً منه في معرفة النهاية لكل قصة.

واستمر ذلك ألف ليلة وليلة وقد تمكنت شهرزاد في خلالها مِن إظهار براءتها ونيل عفو السلطان. 

ما زالت قِصَّص الليالي الورديَّة العامرة بخيال الشرق وسحره تستحوذ ألباب القراء في عصرنا الحاضر، ومنها، قِصَّة علي بابا والأربعين لصاً وهي مِن أشهر قِصَّص ألف ليلة وليلة، أُعيد سرد هذه الحكاية ومُثِلَّتْ في الكثير من الأفلام، وحيكت عنها قِصَّص الاحتيال والنصب والسرقة وجمع الثروات من دون وجه حق أو مِن دون وازعٍ ضمير. 

علي بابا حطَّاب فقير يكتشف صدفةً ( مغارة ) أي كهفاً سرياً مليئاً بالكنوز، يُفتح بعبارة ( افتح يا سمسم ). هذه الثروة تخص الأربعين لصاً، عندما يكتشف سِرَّ هذه المغارة يُحاولون قتله.

لكن مرجانة، خادمة علي بابا الذكيَّة، تحبط مكائد اللصوص مراراً حتى تقتل زعيمهم أخيراً، وفي النهاية يكافئها علي بابا بتزويجها من إبن أخيه قاسم الذي كان قد قتله اللصوص سابقاً، وبذلك تبقى الثروة للعائلة بعد هذا الزواج. 

أوجه الشبه بين مغارة علي بابا والأربعين لصاً، والحكومات الفاسدة في عصرنا الحاضر. 

هناك أوجه شبه واضحة بين قِصَّة علي بابا والأربعين لصاً والحكومات الفاسدة بوقتنا الحاضر، حيث تتجلى في عدَّة نقاط :

الثراء غير المشروع : كما كانت العصابة في القِصَّة تسرق الأموال وتخفيها في المغارة، فإنَّ الحكومات الفاسدة غالباً ما تجمع الثروات بطرق غير مشروعة، مثل الاختلاس، الرشاوى، والاحتكار وتخفيها في حسابات سريَّة أو عبر استثمارات وهمية.

السِريَّة والخداع : العصابة في القصَّة كانت تعتمد على كلمة سِريَّة ( افتح يا سمسم ) للدخول إلى الكنز، والحكومات الفاسدة تعتمد على السِريِّة والخداع  وتزييف الحقائق والتلاعب بالإعلام، وإخفاء الأدلة لمنع كشف فسادها.

القوة والعنف لإسكات المعارضين : في القِصَّة حاول اللصوص قتل علي بابا بعد اكتشافه لمغارتهم، وهذا يشبه أسلوب الحكومات الفاسدة التي تسعى لتكميم الأفواه عن طريق إسكات الصحافة، وملاحقة الناشطين الذين يكشفون الفساد، لا بل قتلهم. 

استغلال النفوذ : زعيم اللصوص في القِصَّة كان يمتلك سلطة على أتباعه، ويستغل نفوذه للنهب والسلب، تماماً مثل بعض المسؤولين الفاسدين الذين يستخدمون مناصبهم لتحقيق مكاسب شخصيَّة على حساب الشعب. النهاية المحتومة : في القِصَّة يتم القضاء على اللصوص بفضل ذكاء ( مرجانة ) مما يشير إلى أن الفساد مهما طال عمره، سينكشف في النهاية، سواء بثورة شعبية، أو تحقيقات قانونية، أو تدخل قوى داخليَّة تحاول إصلاح النظام.

العِبرة مِن القِصَّة :

يمكن اعتبار ( مغارة علي بابا ) رمزاً للمكان الذي تُخزَّن فيه ثروات ومُدخرات الشعوب في المصارف، وهي تجسيد لفكرة ( أنَّ اللصوص ) هم تحالف الطبقة السياسيَّة والمصرفيَّة على نهب أموال الشعوب. 

أمَّا الوسائل التي كان يعتمدها اللصوص في القِصَّة، يمكن تجسيدها بوقتنا الحاضر عبر هندسات ماليَّة طبقاً لمواد غير قانونيَّة، أو أخلاقية تُفرض على أموال الناس في المصارف مما يجعل أموال المودعين رهينة داخل ( المغارة ) غير قادرين على استرجاع أموالهم.   

أمَّا حارس المغارة في القِصَّة يُمثله ( البنك المركزي ) في الدوَّل الحديثة حيث يعرف ( كلمة السِّر ) والتي يستخدمها لصالح السلطة ( اللصوص  )

أمَّا علي بابا ( الحطَّاب الفقير في القِصَّة ) هو المواطن العادي الذي عمل لسنوات عندما وجد نفسه بلا أموال، و اكتشف أنَّ ( المغارة ) قد نُهبَّت بالكامل.   

أمَّا مرجانة في القصَّة يُجسِّدها ( بعض القضاة المستقلين والصحفيين الاستقصائيين ) يلعبون دورها في كشف الحقائق ومحاولة محاسبة المسؤولين.

في القصَّة الأصلية، ولمن يهمهم الأمر يهزُم علي بابا و مرجانة اللصوص بسبب ذكاء وحكمة كليهما. 

أمَّا في الواقع هناك عِدَّة دوَّل شهدت أزمات مالية أدَّت إلى سرقة أو مصادرة أموال المودعين في المصارف، سواء من خلال تجميد الحسابات أو الاقتطاع القسري أو السياسات النقديَّة الجائرة، بعض الأمثلة :

قبرص بالعام ( 2013 ) خلال الأزمة المصرفية، فرضت الحكومة والإتحاد الأوروبي اقتطاعاً قسرياً على الودائع المصرفية فوق 100,000 يورو لإنقاذ البنوك من الإفلاس. الأرجنتين بالعام ( 2001-2002 ) فرضت الحكومة قيوداً على سحب الأموال من البنوك فيما عُرف بـ كوراليتو مما أدى إلى فقدان العديد من المودعين قدرتهم على الوصول إلى أموالهم.

اليونان بالعام ( 2015 ) خلال أزمة الديون فرضت الحكومة قيوداً على السحوبات النقديَّة والتحويلات المصرفية، مما أدى إلى شلل مالي للمودعين. 

فنزويلا وبسبب التضخم المفرط وسياسات الحكومة، فقد المودعون جزءاً كبيراً من قيمة أموالهم، بالإضافة إلى فرض قيود شديدة على السحب والتحويل.

 تركيا بالعام ( 2001 ) خلال الأزمة المصرفية، أفلست العديد من البنوك، مما أدى إلى فقدان المودعين لجزء كبير من أموالهم بسبب إنهيار العملة والتضخم.

وأخيراً لبنان : لا تعليق … 

حتى نترك للسيد رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزيف عون والسيد نواف سلام الرئيس المكلف تشكيل الحكومة فرصة إنقاذ سمعة لبنان 🇱🇧 مِن أن يبقى مغارة أو حانة على شاطئ البحر الابيض المتوسط. 

إذا تمكن المودعون اللبنانيون من استعادة أموالهم عبر محاسبة عادلة، فحينها يمكن القول إن لبنان خرج من كونه ( مغارة علي بابا والأربعين لصاً ) لكنه لن يُبرَّأ بسهولة من هذا اللقب إلا إذا تحققت إصلاحات جذرية تمنع تكرار هذه السرقة مستقبلاً.

وإذا أُعيدت الأموال المودعة بالمصارف اللبنانية لأصحابها فإنَّه يُمكن اعتباره نصراً قانونياً، وقد يصف المؤرِّخون لاحقاً هذا الانتصار القانوني، بأنَّه :

( افتح يا سمسم للعدالة )

افتح يا سمسم الجديد فيه خلع وكسر الأبواب المغلقة التي حمَت الفساد لسنوات، وإجبار اللصوص على إعادة المسروقات سيكون انتصاراً للحق على القوة، وللدولة على مافيات المصارف والسلطة.

أمَّا ( مرجانة ) في قِصَّة علي بابا، فإنها قد تعود إلى الحياة من خلال أيادي جديدة تُتْقِن الصدق والذكاء والشرف في كشف الفساد وإنقاذ الشعب، كما فعلت حين قتلت زعيم اللصوص.

مرجانة اليوم في لبنان 🇱🇧 لن تكون شخصاً واحداً، بل ستكون مجموعة من القُضاة النزيهين والصحافيين الأحرار والناشطين الشجعان والمواطنين الشرفاء الذين يرفضون الاستسلام. 

مرجانة اليوم إنَّها كل يد تمتد لكشف الحقيقة، وكل صوت يصرخ مطالباً بالعدالة، وكل عقل يخطط بذكاء لإفشال مكائد اللصوص الجدد.

 مرجانة اليوم قد تكون قاضٍ يجرؤ على فتح ملفات الفساد أو صحافي يكشف الصفقات المشبوهة أو خبير  اقتصادي يرسم طريق الخلاص أو حتى شارع ينهض ليطالب بحقوقه دون خوف أو مساومة.

السؤال الأهم : مَنْ سيحمي مرجانة اليوم ؟. هل سيحميها علي بابا الجديد أم ستُترك وحدها في مواجهة اللصوص ؟؟ 

هذا يعتمد على من سيكون علي بابا الجديد ؟. 

إذا كان علي بابا اليوم هو العهد الجديد في لبنان 🇱🇧 والمُتمثِّل برئيس الجمهورية اللبنانيَّة يعاونه رئيس حقيقي لمجلس الوزراء يؤمنان بالإصلاح ومستعدان للمواجهة، سيؤمنان حماية مرجانة و يقفا معها لأنَّهما يعلمان أنها مفتاح النجاح. 

التاريخ علَّمنا أنَّ مرجانة لا تنتظر الحماية، إنَّها تحمي نفسها بحكمتها وجرأتها، ولكن في وقتنا الحاضر إنْ وجدت سنداً قوياً  فإنَّها قادرة على إسقاط زعيم اللصوص من جديد.

الأيام القادمة في لبنان ستكشف إنْ كان العهد الجديد في لبنان سيحمي مرجانة وهل يجرؤ على مواجهة اللصوص الذين تقاسموا الكهف لعقود ؟ أم سيفاوض اللصوص سِراً ليبقي الباب مفتوحاً لهم ؟

التاريخ لا يذكر إلا الحقائق، وقادم الأيام سيذكر إنْ كان العهد الجديد جديراً ب مرجانة وعليه أن يختار معركته بوضوح، هل سيفتح الكهف ليستعيد المال المسروق، أم سيتركه مغلقاً ويبقى اللصوص في الظل ؟ 

هل سيواجه العصابات التي نهبت البلد أم سيبحث عن تسويات على حساب المودعين ؟ 

هل سيحمي العهد الجديد مرجانة أم سيتركها وحدها تواجه مصيرها ؟

الجواب : نعم، العهد الجديد سيحمي مرجانة. العهد الجديد شجاعاً لا يخاف من اللصوص، مهما كانت قوتهم ونفوذهم، ولا يغريه ذهب الكهف ويؤمن ب مرجانة ويحميها بدل أنْ يضحي بها ويملك خطَّة حقيقية لاستعادة المسروق لا مجرد شعارات.

أمَّا السؤال الأهم هل المجتمع اللبناني مستعد لدعم العهد الجديد ؟

الخوف والتبعية لا يزالان يعرقلان الانتفاضة الحقيقية فِي لبنان لأنَّ الشعب الذي يصِّرُ على عبودية زعمائه ورجال دينه فهو ( شعب الكهف ) ليس كهف الكنوز. 

كهف الظلام، حيث يفضِّل البعض مِن الشعب اللبناني العيش في العتمة بدل مواجهة الضوء، ويخافون الخروج مِن الكهف لأنهم يظنون أنَّ الظلام الذي يعرفونه أأمن مِن المجهول. 

أعمق الكهوف يأتي يوم تنكسر فيه السلاسل ويبزغ فجر جديد وينهار الكهف لأنَّ الجوع والقهر يولدان الانفجار، والألم ينخر العظم. 

أخيراً …

التاريخ لا يرحم المغارات التي ينهار سقفها فوق رؤوس من فيها. 

التاريخ يُكتب بالشجاعة والوعي وليس بالخضوع والتسويات. 

وإذا كانت المغارة لا تزال قائمة اليوم فِي لبنان، فليس لأنها منيعة، بل لأن بعض أهلها ما زالوا يخافون الخروج منها. 

لكن لا مغارة تدوم إلى الأبد.

إلا مغارة الف ليلة وليلة، كما روتها شهريار. 


فيصل المصري 

أُورلاندوا / فلوريدا 

شباط ٢٠٢٥ 


0 comments:

Blogger Template By: Bloggertheme9