يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الأربعاء، 4 يناير 2017

قيس .. و ليلى.

نشر من قبل Faissal El Masri  |  in دراسة  4:59 م

قيس و ليلى.. 
قصة العشق الأسطوري .. 
التي إنقرضَّت.  


    سرَّت قِصَّة الحب السرمدِّي، والأسطوري ما بين  (قيس وليلى )  بالناس، كسريان الليل، والنهار، ودوران الشمس، والقمر حول الارض ..
حتى غدَّت أسطورة يرويها التاريخ، فيستأنس بها البشر في كل الأقطار العربية. 
اما مكان هذا الحب الملحمِّي، هو في  (جبل التوباد ) السعودية. 
هذا المكان إرتبط بالشخصيتين  الأسطوريتين، وأمسى الشخصية الثالثة  لهذا الولع، والعشق، التاريخي، في رواية قيس وليلى. 
وتكرَّر ذكر هذه الرواية على مر الأجيال ..
حتى أن قارئ اليوم ..
قد، يستهجِّن هذا الحُّب ..
ولا، يدرك خيوط الرواية ...
ولا، يُصدِّق ان البشَّر فيما مضى، كانت مشاعرهم بهذه الرِّقة .. 
ولا، يعرف من أين كانت البداية ... 
وكيف، كانت النهاية ...
إذن ..
من هو، قيس ؟ 
ومن هي، ليلى ؟ 
وأين، توجد آثارهما ؟ 
ولماذا، إفترقا ؟
وهل، إلتقيا بعد الفراق ؟ 
وهل، إنحصر قول الشعر على قيس، دون ليلى ؟ 
أم كانت، هي الأخرى شاعرة، لا يشق لها غبار ...
ومن سبق الآخر، إلى القبر ؟ 
كل ذلك سيتضِّح من خلال تلك السطور التي إختصرَّت الرواية الخالدة (قيس وليلى ) ...

من هو قيس ؟

هو، قيس بن الملوح بن مزاحم بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر، وهو ... مجنون ليلى ...
عشق، كل منهما صاحبه ... 
وقد، أصابت قيسا ً لوثَّة جنون لشدة عشقه لها ...
لُقِّب .. بالمجنون. 
يقول الأصمعي، عن قيس : 
(لم يكن محموما ً ولكن كان فيه لوثة، كلوثة أبي حيَّة )
 ويقول ابن قتيبة، عن قيس ايضا ً :
 
(وهو من أشعر الناس، وتلوَّث شعره بكثير من الأساطير، والانتحالات والمقولات، فصار كل من يقول شعرا ً في ليلى .. ينسبه  للمجنون ) .

ومن هي، ليلى ؟

هي، ليلى بنت مهدي بن سعد بن مهدي بن ربيهة بن الحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر. 

عاشا .. 
صغيرين في ديار بني عامر، بالقرب من جبل التوباد في بلدة الغيل في الأفلاج، يرعيان غنم أهلهما، وقد عاش هذان العاشقان في خلافة مروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان. ( العصر الأموي )
 
توطدَّت العلاقة بين، قيس وليلى  حتى عشق كل منهما صاحبه، ولكنهما  لم يتجاوزا الخطوط الحمراء التي حرَّمها الشرع، والتقاليد فظلا تحت وطأة العشق العذري، ردحا ً من الزمن .. حتى قال قيس المجنون :

تعلقت  ليلى  وهي غرُّ صغيرة

ولم يبدُ للأتراب من ثديها حجم

صغيران نرعى البهم ياليت أننا

إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم

وكان جبل التوباد يمثل ملاذا ً آمنا ً ل قيس حيث ينعزل، ويعود اليه هربا ً  من أعين الناس. 
وقال في جبل التوباد ... الذي أمسى الشخصية الثالثة لهذا المُجون الأسطوري. 
وأجهشت للتوباد حين رأيته
وكبر للرحمن حين  رآني
وأذرفت دمع العين لما عرفته
ونادى بأعلى صوته فدعاني

وهذا يؤكد أن جبل التوباد، ظل شاهدا ً على العشق ..
كان لجبل التوباد حضور قوي. 
وتقول الأخبار والروايات ان قيسا ً أراد  أن ينهي صراع غرامه مع ليلى.  
تقدَّم الى عمه،  يريد ليلى ... 
لكن والدها رفض طلبه، لان العادات العربية  تنبذ العشق، ولا تقبل به خاصة اذا إنكشف أمره، فتكون العقوبة حرمان العاشقين من بعضهما، وبهذا يكون أبسط وأخَّف عقاب، يلحق بهما. 

حينما أعلن والد ليلى حرمان قيس منها، رحل إلى تيماء ..
بعيدا ً عن كلام الناس ..
هذا الفراق القسري ..
أشعل، نيران الشوق اليها ..
وأجج، شُعلَّة  الغرام في قلبه ..
حتى وصل منسوب الهيام عند قيس ..
أن، هام وركب الصحاري .. بحثاً عن أطلال ليلى ..
وكان دائما، يُعلِّل النفس بأن يلقى .. ليلي ..
وكان دوما ً، يلوم الصبر، ويطلب اليه .. أن يتحمَّل ..
ويُعزِّر الفؤاد، بالقول والإنشاد ...
ألا  أيها  القلبُ  اللجوجُ  المعذلُ

أفقء على طلاب البيض إن كنت تعقلُ

أفقء  قد  أفاق  الوامقون  وإنما

تماديك في ليلى ضلال  مضلل

سلا كل ذي ود عن الحب وارعوى

وأنت  بليلى  مستهام موكل

إلى أن قال :

تعزّ بصبر  واستعن  بجلادة ٍ

فصبرك عمن لا يواتيك أجمل

فحبي  لها  حب  مقيم  مخلدُ

بأحشاء  قلبي  والفؤاد  معلل

أما ليلى  ...
فإحتضن فؤادها قسوة العشق، والفراق  ...
حتى انفطَّر .. ألما ً ..
 وهذا،  ما رواه ابن قتيبة، وأكدَّه في كتابه الشعر والشعراء :
حيث قال ...
أنه خرج رجل من بني مرة إلى الشام، مما يلي تيماء ..
فإذا هو بخيمة عظيمة، وقد أصابها المطر .. 
فتنحنح، فإذا إمرأة  قد كلمته، فقالت ..
إنزل، فنزلت وراحت إبلهم وغنمهم ...
فقالت، يا عبد الله ..
أي بلاد نجد وطئت ؟ 
فقلت، كلها .. 
قالت، بمن نزلت .. 
فقلت، ببني عامر .. 
فتنفست الصعداء .. 
ثم قالت، هل سمعت بذكر فتى، يقال له قيس يلقَّب بالمجنون ..
فقلت، أي والله .. 
نزلت بأبيه، وأتيته ونظرت إليه .. 
قالت، وما حاله .. 
قلت، يهيم في تلك الغياض، ويكون مع الوحش .. 
لا يعقل، ولا يفهم إلا أن .. تذكر له ليلى ... 
فيبكي، وينشد أشعارا ً يقولها .. فيها .. 
قال ..
فرفعَّت الستار بيني  وبينها .. 
فإذا شقة قمر لم تر عيني مثلا  قط .. 
فبكَّت، وانتحبَّت، حتى ظننت والله أن قلبها قد انصدع .. 
فقلت، أيتها المرأة .. أما تتقين الله .. 
فمكثَّت طويلاً على تلك الحال من البكاء .. 
ثم قالت :

ألا ليت شعري والخطوب كثيرة 

متى رحل قيس مستقل فراجعُ

بنفسي من لا يستقل برحله

ومن هو إن لم يحفظ الله ضائعُ

ثم بكَّت حتى غشي عليها .. 
فلما أفاقت، قلت .. 
ومن أنت يا .. أمة الله ؟ 
قالت .. 
أنا .. ليلى المشؤومة، عليه ...
غير، المواسية له ... 
فما رأيت مثل، حزنها عليه ..
وتقول .. الأخبار، والروايات ...

رحلَّت ليلى عن الحياة ... 
دون أن تودِّع  قيسا ً .. وداعا ً حارا ً .. 
يعبِّر عن ما يجول في خاطرها، تجاهه ... 
كما أنها تركته، دون أن يلقي عليها النظرة الأخيرة ...
ومن الأخبار المتوارثة .. ايضا ً ...
أنه في الديوان المنسوب إلى أبي بكر الوالبي .. 
نص قاطع، بوفاتها قبله ... 
وذلك، أنه مر به فارسان ..
فنعيا إليه ليلى ... 
وقالا له .. 
مضت لسبيلها ..
فقال :

أيا ناعيي ليلى بجانب هضبة

أما كان ينعاها إلي سواكما

ويا ناعيي ليلى بجانب هضبة

فمن بعد ليلى لا أمرت قواكما

ويا ناعيي ليلى لقد هجتما لنا

تباريح نوح في الديار كلاكما

فلا عشتما إلا حليفي مصيبة

ولا متما حتى يطول بلاكما

ثم مضى قيس ... 
حتى دخل ديار ليلى، واهلها ... 
فقدم عليهم وعزَّاهم .. 
وعزُّوه .. 
وقال .. دلوني على قبرها .. 
فلما عرفه .. رمى بنفسه عليه وأنشد :

أيا قبر ليلى لو شهدناك أعولت

عليك نساءُ من فصيح ومن عجم

ويا قبر ليلى أكرمن محلها

يكن لك ما عشنا بها نعم

ويا قبر ليلى ما تضمنت قبلها

شبيها لليلى ذا عفاف وذا كرم

ولم يطل الزمان ..
حيث .. لحق قيس بمعشوقته ليلى  سنة ٧٠ للهجرة ...
وبذلك ..
أسدل الستار على رواية صاغ الزمان أحداثها .. 
فقرأها سكان الأرض بكل اللغات ..
وبقيت شاهداً على جمال العشق، وآهاته .. 
لم ينجح الأدباء، والشعراء، ومخرجي الأفلام وجميع الممثلين، والممثلات من تصوير، او تشخيص، او كتابة، او صياغة هذا العشق الخالد، او هذا الحب الأسطوري ...
فبقي البطل .. قيس. 
وبقيت البطلة .. ليلى.
دون، سواهما.  
وبقي الشاهد ..
جبل التوباد. 
دون، سواه. 


فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا 
 ٥ كانون الثاني ٢٠١٧

0 comments:

Blogger Template By: Bloggertheme9