يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الثلاثاء، 28 نوفمبر 2017

الموحدُّون الدروز، و جمال عبد الناصر وحُكَّام مصر السابقين والحاليين.

نشر من قبل Faissal El Masri  |  in دراسة  4:54 ص

الموحدُّون الدروز، و جمال عبد الناصر، وحُكَّام مصر الحاليين والسابقين .. 

المُقَدِّمة :

في أواسط القرن الماضي كان الرئيس جمال عبد الناصر شاغل الناس، والدنيا ..

كان، إذا خطب خطابا ً في القاهرة  أو دمشق، يُسمع صداه من  المحيط الهادر، الى الخليج الثائر ..

كان، إذا قال كلمة ً،  فعل ْ  ..
كان، إذا وعد وعدا ً، صدّق ْ ..

كان، مع سلطان الاطرش، ندا ً ..
كان، مع كمال جنبلاط، رفيقا ً ..
كان، مع الموحدُّون الدروز، مُقدِّرا ً عروبتهم، ومُحترما ً لعقيدتهم ..

قال له سلطان الاطرش ..
أهلا بقائد الثورة، البطَّل  جمال عبد الناصر ..
أجابه  الرئيس جمال عبد الناصر .. 
إذا نحن قمنا بثورة، فأنت  أبو الثورات ..

قال له كمال جنبلاط .. 
أنا ناصري، وجئت لأشرب من بئر الناصرية، من النبع رأسا ً ..
أجابه الرئيس جمال عبد الناصر فورا ً ..
بل أنا جنبلاطي، إشتراكي، وأنت السبَّاق في هذا المجال ..

 تمهيد :

هذه الْمُدوّنة ليست سياسية، بل هي أبعد من ذلك، لانها تتضمَّن وشائج علاقات تاريخية خاصة، مُميزَّة  بين  حكّام  مصر السابقين، والحاليين والموحدِّين الدروز، مُرورا ً بزيارة الرئيس أنور السادات الى الْقُدُس، حتى يومنا هذا .. 


 - في تسمية جبل العرب، بدلا ً من جبل الدروز. 

وما دُمنا في هذه الْمُدوّنة نُبحِر في أسمى علاقة ربطَّت ما بين الرئيس جمال عبد الناصر، والموحدُّون الدروز في بلاد الشام ..

وحتى لا أكون مُرائيا ً، بل باحثا ً تاريخيا ً .. 
وحتى لا يلتبس الامر في إسم الشخص الذي أطلق هذه التسمية، جبل العرب على المناطق التي يسكنها الموحدُّون الدروز من سوريا ..

فإني أقول أن القائل هو المُفكِّر عجاج نويهض، وليس الرئيس جمال عبد الناصر، وفي هذا تصويب تاريخي ضروري، وإنصاف لكل من السيِّد عجاج نويهض، وسلطان باشا الاطرش الذي كَرَّس التسمية، كما سيأتي تفنيده في سياق هذه الْمُدوّنة  ..

إن الإعتقاد السائد بين أهالي محافطة السويداء ومعظم الدروز في بلاد الشام، أن تسمية  جبل العرب أطلقها الرئيس جمال عبد الناصر أثناء زيارته للمحافظة عام 1958 إبان الوحدة بين سورية ومصر، عندما قال في خطابه من على شرفة السراي الحكومي :
 يا أبناء جبل العرب ..

وفي التصويب التاريخي، أقول :
في حفلة وداع المجاهدين الدروز المنفيين خلال الثورة السورية الكبرى، والتي أُقيمت  في "عمان" عام 1937 ..

وعلى إثر السماح لهم بالعودة إلى سورية، مُكرمين مُعززين، خطب المناضل والمفكِّر "عجاج نويهض" قائلا : 
« أنتم عائدون إلى جبل الدروز لا بل، إلى جبل العرب » ..

وقف  سلطان باشا الأطرش وقاطع الخطيب عجاج نويهض، قائلا : 

نعم جبل العرب، هذه هي التسمية الحقيقية، وكل ما سواها غير مقبول ..

وقد جرى تأكيد هذه الواقعة التاريخية، من :

  - السيِّد ضامن مراد ..
  - والمؤرخ اللبناني السيِّد حسن البعيني في كتابه  جبل العرب ..

ومنذ ذلك الحين، غلب هذا الاسم، وإستعمله الرئيس جمال عبد الناصر في كل مرَّة يذكُر فيها مكان إقامة الموحدُّون الدروز في سوريا، وذهبت كالنار في الهشيم ..

 - تأصيل، وتفنيد الجذور التاريخية لمنطقة جبل العرب، في بلاد الشام ..

عُرف الجبل عبر تاريخه الطويل بتسميات عديدة، 
ودائما ً كان يقترن الاسم، بساكنيه أو بميزة من ميزات الارض :

 - فالآشوريون، أطلقوا عليه أسم "جيرانواي" أي الأرض المجوفة ..
 - والإغريق، أطلقوا إسم "ترايهونيتد" أي بلاد الحجارة ..

 - و التوّراة، ذكره بإسم  باشان، إشارة إلى خصبة ووفرة مراعيه ..

 - وفي عصر الرومان سمي  أورانتد، ثم أمالدانوس ..
 - وأطلق عليه العرب، إسم  جبل الريان  لوفرة أشجاره وخصوبة أراضيه ..

حيث قال الشاعر الأموي، جرير :

يا حبذا جبل الريان من جبل 
وحبذا ساكن الريان من كانا


 - وعرف أيضا ً في فترة من الزمن بجبل "بني هلال"، وهي قبيلة عربية هاجرت من نجد، وإتخذَّت من مدينة صلخد قاعدة لها، ..
 
 - وأُطلق عيه إسم  جبل حوران، لأنه جزء طبيعي من منطقة حوران ..

 - وهناك بعض الكتَّاب، والمؤرخين العرب والأجانب  أطلقوا عليه إسم الجبل الأسود، لكثرة حجارته البركانية السوداء ..

ولكن في عهد الإنتداب الفرنسي، حَلَّت  تسمية جبل الدروز رسميا ً محل، جبل حوران بعد أن منحته السلطة الفرنسية استقلالا ً إداريا، ومنذ ذلك الحين أخذت هذه التسمية ترد في القرارات والبلاغات الفرنسية، والاتفاقيات المتعلقة بالجبل، والكتب والنشرات العربية والأجنبية ..

لم تدُّم هذه التسميَّة طويلا ً لأن الوطنيين الأحرار من الموحدِّين الدروز، رأوْا فيها مدلولا ً طائفياً شاؤوا أن يبتعدوا عنه، ففضلوا عليه تسمية جبل العرب، كما سبق وذكرت، والتي تكرسَّت رسميا ً في عام 1945  بعد استقلال سورية ..



 - لماذا أسم الْمُدوّنة، الموحدُّون الدروز و جمال عبد الناصر، وحكام مصر السابقين والحاليين ..
ليس خافيا ً على أي باحث في عمق التاريخ، أن الموحدُّون الدروز يعودون بجذورهم الى أرض الكنانة او مصر ..

وقد نشرت لي شركة غوغل، مُدوِّنات سابقة تفصيلية عن دوحة وعظمَّة الخلافة الفاطميَّة، والخليفة الحاكم بأمر الله، وهُجرة أتباعه الى بلاد الشام، في وادي التيم، ومنطقة حلب، وجبال الجليل،  وقد دحضت الإفتراءات، والاكاذيب من بعض الفقهاء المسلمين تجاه هذا الخليفة الفاطمي، وأتباعه من الموحدِّين الدروز ..

مما لا شك فيه،  إن مصر بقيَّت، وستبقى في ذاكرة الموحدِّين الدروز، جيلا ً بعد جيل، تُثير في عقولهم، وإيمانهم أشجان الحنين الدائم، والمتواصل الى زيارة المعالم التوحيدية في مصر، مثل جامع الحاكم بأمر الله، وشارع المعز، وحارة بهاء الدين وغيرها ..

هذا من ناحية الإيمان الضارب في عمق التاريخ ..

أما من الناحية السياسية ..

فإن علاقات الوِد، والتقدير، والاحترام إستمّرت، ما بين حكّام مصر، والموحدُّون الدروز، دون أن تشوبها شائبة بالرغم من ظُهُور نظريات، وتصنيفات، وفتاوى من بعض فقهاء الأزهر الشريف في القاهرة، وما يُمَثلون من إستبلشمانت الاسلام  السُنَّي المُتزمِّت، الذي  أوصلنا الى ما اليه في العالم العربي اليوم ..

وللأمانة التاريخية، بقي حُكَّام مصر السياسيين في علاقة مُميزَّة، وإحترام لعقيدة الموحدِّين الدروز،
ولنا في ذلك، أمثلة وبراهين تاريخية دامغة ..

 - في عهد الصليبيين إنتفض الموحدُّون  الدروز في جنوب لبنان والجليل، وشكلوا رأس الحربة في جيش  صلاح الدين الأيوبي، الذي دحر الصليبيين في معركة حطين .. 
وهناك واقعة تاريخية، تُفيد بأن صلاح الدين الأيوبي تقديرا ً لمؤازرة الدروز له، بنى لهم المقام التاريخي فوق ضريح نبي الله شعيب في حطين، وهذا المقام ما زال حتى اليوم ..

 - في معركة عين جَالُوت ضد التتّار، شارك الموحدُّون الدروز في صفوف الجيش المصري، تحت قيادة قطز، وحققوا إنتصارا ً كبيرا ً أنقذ المنطقة العربية من التتّار ..

 - في عهد الأمير فخر الدين المعني الثاني، وصلت أطراف حكمه إلى مدينة العريش، وكانت له علاقات حسن جوار مع الحكم المصري في سيناء ..

 - في عهد محمد علي باشا الكبير، ربطته علاقات ود وصداقة شخصية، مع العائلات الدرزية الحاكمة في لبنان، ودعا محمد علي عددا ً من أنجال الزعماء الدروز إلى مصر للعيش، والتعليم .. 
                                              
 - في القرن العشرين، سادَّت علاقات طيبة بين الحكّام في مصر وبين زعماء الطائفة الدرزية في بلاد الشام .. 

 - عند قيام الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش، صرّح زعيم مصر آنذاك سعد زغلول باشا، تصريحا ً يدعَّم فيه الثورة والثوار، ويحيِّي سلطان باشا الأطرش ويبارك الثورة ويتمنى لها النجاح ..

 - في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، كان أحد أقطاب الحركة الاشتراكية في لبنان الزعيم الدرزي، كمال جنبلاط الذي ربطته علاقات ود وصداقة بينه وبين الرئيس جمال عبد الناصر، وإلتقيا عدة مرات ..
كان الرئيس عبد الناصر يعتبر كمال جنبلاط، أحد دعائم الاشتراكية في العالم العربي ..

 - ألغى الرئيس جمال عبد الناصر كافة الألقاب في الجمهورية العربية المتحدة، ما عدا لقب الباشا، الذي بقي ملازما ً سلطان الأطرش، بالرغم من ان لقب الباشا، كان سائدا ً في مصر قبل الثورة، في حين وبأمر جمهوري بقي سلطان الاطرش هو الوحيد الذي سُمح له الاحتفاظ بهذا اللقَّب، تقديرا ً لمقامه الرفيع ولشخصيته، وأعماله ومكانته الكبيرة، وأفضاله على العرب عامة، وسوريا خاصة ..

 - في عهد الرئيس أنور السادات، لما قام بزيارة الْقُدُس، كان في أستقباله في المطار فضيلة الشيخ أمين طريف، الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في فلسطين ..
وقد توجَّه فضيلة الشيخ أمين طريف الى الرئيس أنور السادات، مُصافحا ً وقائلا له :

" سيدي الرئيس، نحن هنا في إسرائيل عربا ً ويهودا ً ودروزا ً وبدوا ً أثبتنا أننا نستطيع أن نعيش سوية، وكلنا نبتهل إلى الله أن تنجح مبادرتك من أجل إحلال السلام،  فأهلا ً وسهلا ً بك في الْقُدُس ..

 - وفي عهد الرئيس محمد حسني مبارك، إستمّرت العلاقات الطيبة بين أبناء الطائفة الدرزية وشعب مصر وزعمائه، فقد أجتمع الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط مع الرئيس  حسني مبارك في مناسبات مختلفة ..

 - أخيرا ً ..
لم يعّد خافيا ً على أحد ..

أن التركة، والإرث، والمكانة العربية، والدولية التي خلفها، وتركها للموحِّدون الدروز في بلاد الشام في القرن الحديث، كل من الزعيمين الدرزيين :

سلطان باشا الاطرش .. 
و كمال بك جنبلاط .. 
باتّت زادا ً وكرامة لأبناء طائفة الموحدُّون الدروز، ولكنها حملا ً ثقيلا ً بحاجة الى سواعد زعماء حاليين، وبُعْد نظر سياسي، يُزان به مِثْقَال المواقف ذَرَّة، تلو ذٓرّٓة .. إلى بر الأمان، في بحر هائج، مائج، يعِّج بالمكائد والدسائس لهذه الطائفة الكريمة، وأبنائها في بلاد الشام ..


قالت فرنسا، فيهما ..

في سلطان الاطرش، أنه علمها البطولة، والعِزَّة، والعنفوان ..

وفي كمال جنبلاط، وعلى لسان رئيسها فرانسوا ميتران : 
تعلمت منه أول درس في الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط ..

كلاهما ..

سلطان الاطرش، وكمال جنبلاط سكنا في ذاكرة وتاريخ الموحدُّون الدروز ..

فهل من يُحافظ على هذا الإرث، من الزعماء السياسيين الدروز الحاليين .. 
وهل مِن مُجيب. 
ويقول ..

أني لها ..
أني لهذه التركة. 
وأني مُحافظ عليها.

فليفعل ... 
فليفعل ...
قبل فوات الأوَّان ......

فيصل المصري

أُورلاندو / فلوريدا
٢٨ تشرين الثاني ٢٠١٧

هناك تعليق واحد:

Blogger Template By: Bloggertheme9