إمرأة الوادي المُقدَّس.
أُولى رواياتي.
المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها :
عندما يتقاعد الانسان مِن عمله عليه أن يبدأ بممارسة الهواية التي انقطع عنها بسبب الالتزام الذي أخذه على عاتقه في هذه الحياة، وإلا أخذه الضجر والملل والذهاب بعيداً والتحسُّر على ذكريات الصبا والشباب.
شخصياً كنت أهوى قراءة الأساطير والغوص في التاريخ والحضارات التي سبقَّت الأديان السماويَّة، وبعد تقاعدي اختلطت في مُخيلتي هذه الهواية مع ذكريات أيام الشباب الغَّض وما افتقدته من رفقة المرحوم والدي الذي كان قليل الحِّلِ والمكوث ودائم والترحال والهجرة، ولكن روحه الهائمة والمُحبَّبة على قلبي وعقلي وتفكيري نادراً ما كانت تُفارقني لَمَّا بدأت أكتب قصتي الأُولى ( امرأة الوادي المُقدَّس ).
هذه القصة وقُصَّتيَّ الثانية والثالثة على المنوال نفسه مِن مزج للأُسطورة بالخيال وصولاً إلى واقع حياتنا الحالية المُعقَّدة والصعبة.
كانت بصمات والدي يرحمه الله واضحة وجلية في كل قِصَّة.
الهجرة إلى بلاد بعيدة.
العودة بدافع الحنين.
الحب الأبدي السرمدي.
التضحية دون حساب.
كل ذلك سكبته بقوالب من :
الأُسطورة وكأنَّه حقيقة.
الخيال وكأنَّه في متناول اليد.
والحقيقة في مرورتها وصعوبتها.
وأخيراً …
الأمل باللقاء وإن كان صعب المنال.
وأُنهي مُقدِّمتي بالقول …
إلى روح والدي الهائمة والمرافقة لي دوماً.
إلى مسقط رأسه وموطنه وقريته صليما المُحببة على قلبه.
إلى موطئ قدمه وهو في ريعان الشباب تلك الجزيرة النائية في بحر الكاريبي كوراسو، حيث وُلدت.
إلى روحه التي اشتقت إليها.
إلى لقائه الذي أتوقَّعه وأتوقه وأنتظره على مدى ما بقي لي من وقت.
إلى والدي …
أقول لك …
لا ترحل ثانية إلى مقلبٍ أخر من هذه المعمورة
إنتظرني.
إنِّي قادم.
إنِّي قادم.
لقد آن الرحيل من هذا العالم.
في رواية إمرأة الوادي المُقدَّس :
تدور أحداث هذه القصَّة الخرافية في الحقبة التاريخيَّة المعروفة بالحضارة البابليَّة وما سبقها من فترات كانت البشريَّة تبحث فيها عن وسائل وطرائق حتى ترتقي إلى معرفة سرّ الكون والخليقة.
أبطال القصَّة ثلاثة :
- إمرأة الوادي المُقدَّس، هي إمرأة أُسطوريَّة فائقة الجمال كانت عظيمة الشأن بين أهلها، لها من العلم والمعرفة ما لم يكسبه إنسان. وجدت نفسها في الوادي بعد هلاك أهلها وعشيرتها. صوتها ملائكي، ألحان تراتيلها لها مقامين، الأوَّل تدعو فيه الطيور عندما تشرق الشمس، والثاني فيه من التهديد والوعيد للحيوانات المفترسة عندما تتقاتل، لأنَّها لا تريد أن يُنغِّص عيشها أزير الوحوش الضارية !
- الهدهد، هو طير جميل جداً يُحسن لغة إمرأة الوادي وهي تحبُّه كثيراً لأنَّه كاتم أسرارها ورفيق حزنها، يطربها ويواسيها في الوقت نفسه.
- الرجل العجوز، وهو الذي وفد إلى الوادي بعد أن حطَّته الطيور المهاجرة. أدهشها وسلب عقلها لأنَّه يُحسن قراءة ما تكتبه على أوراق الأشجار، بينما الآخرون من بني البشر يوقدون نارهم من هذه الأوراق. القدر وضعه في الوادي لأنَّه جاء يبحث عن حبيبته التي افترق عنها في ريعان الشباب، وقد هبَّت عليه رياح الحب وهو في أيامه الأخيرة.
تدور الأُسطورة على منوال واحد.
الخيال وتلاقي الأرواح والحب والعشق الروحاني.
في هذه القصَّة إلقاء ضوء خافت على دور الأُسطورة في حياة البشر.
امرأة الوادي المُقدَّس.
في إحدى البقاع نشأت علاقة حب بين شاب وفتاة، تعارفا وتحابَّا وعشقا بعضهما البعض، كانا يلتقيان في السهول والحقول والهضاب، يساعدان الأهل في الزرع وحراثة الأرض ويلتقيان في المواسم، والأعياد وكانت الفرحة تغمر قلوبهما لا يُعكِّر صفاء حبُّهما أي عائق أو مانع.
ترعرع حبَّهما في أجواء من المعتقدات والطقوس المختلفة، فهو كان يمارس طقوساً دينية تختلف عن طقوسها، لكن بالرغم من ذلك لم يتقاتلا أو يتخاصما لأنَّ الشعوب في تلك الفترة من الزمن كانت تنعم برقي في المُعتقدات والعادات بحيث تحترم معتقدات وعادات الشعوب الأُخرى، لا بل كانت تترك ممارسة المُعتقدات للكهنة والسحرة والمنجِّمين، دون تدخُّل أو عبث أو خصام في معتقدات الطرف الآخر.
كان حبَّهما حديث الأهل ولكنَّهما اعتقدا أنَّ هذا الحب قد أخذ مداه واتفقا على أن يضعا حداً لهذه القصة وأن يرحل كل منهما في سبيله.
اعتقد الشاب والفتاة أنَّهما أدركا أقصى درجات الحب، ولكنَّهما لم يدركا سر الكون والخليقة في حياتهما هذه، ولهذا تعانقا وافترقا على أمل ان يلتقيا في جيل اخر.
كان هذا الشاب وهذه الفتاة قد خُلقا من أجل غاية تختلف عن بقية من عاش حولهما.
هو ذهب غرباً حيث الشمس تغتسل في ذلك المدى الأزرق قبل أن تتوارى خلفه، وهي ذهبت شرقاً حيث الشمس تصحو من خلال تلك الجبال وتوقظ الوجود.
كان الوداع صاخباً عزَّ على الأهل فيه أن يهاجر الإبن وترحل الإبنة، لكنَّ ما كُتِب كان قد كُتِب، حيث الإصرار من الطرفين كان سيِّد الموقف.
بعد فترةٍ من السفر حطَّ الشاب رحاله في أرضٍ خصبة، وهناك بدأ يقارع الحياة من جديد يتدفَّقُ شباباً وحياةً في حراثة الأرض والكدِّ والتعب. لكن حنينه كان دائماً وأبداً إلى حبيبته يتذكَّرها ويحلم كل ليلة بأن يلتقي بها.
السنون تمرَّ وحنين الشاب وشوقه وحبه وشغفه للفتاة يزداد سنة بعد سنة. لم تستطع تلك السنوات أن تُحيل حُبَّه إلى حُبَّا دفيناً، بل أبقته مُتوهِّجاً حيَّا يُناديه للبحث والتقصي عن أسرار الكون وسبر أغواره. راح ينهل من العلوم بحثاً عن الحقيقة وأدرك ما كان مخفياً عليه وتجلَّت لديه فكرة أن يبدأ رحلة البحث عن حبيبة العمر ورفيقة الصبا.
الانتظار ومراقبة الطيور المهاجرة، تمُّر كل سنة سابحة في صحن السماء وعودتها بعد غياب هو ما أصبح يمضي أوقاتاً طويلة في تأمُّله، ومعه سأل نفسه ؟، لماذا لا يستعين بتلك الطيور في البحث عن حبيبته خصوصاً وأنَّه بات قاب قوسين أو أدنى من دنو أجله، وهو العالم والمُدرك بخفايا الأمور بعد أن وصل إلى خواتيم العلم والمعرفة.
موعد مرور الطيور المهاجرة، هذا العام لم يكن للتأمُّل فقط، بل للإشارة إليها بالتوَّقف والطلَب منها أن تأخذه معها في رحلتها السنوية ثم إعادته الى مكان إقامته. أبلغ الطيور طلبه وهو أن تساعده في البحث عن حبيبته.
إجابته الطيور ( سمعاً وطاعةً ).
على أجنحة الطير هاجر الشاب مع الطيور المهاجرة مُتقفياً آثار حبيبته، تُحلِّق به بعيداً، وتُعيده إلى مكانه وموطنه.
توالت الهجرات وتعدَّدت مواسم الرحيل على مدى سنوات طويلة، ولكن الخيبة هو ما حصده الشاب من حلِّه وترحاله. شعر أنَّ العمر يمضي وينهش أضلعه. خارت قواه وغزا الشيب مفرقه والعمر ضاع سدىَّ بحثاً عن الكنز المفقود وبحثاً عن القلب الضائع بين أروقة العمر وريعان الشباب.
لم ييأس ولَم يستكن وتابع التحليق والعودَة والدوران في مواسم الرحيل والهجرة التي قرَّر أن تكون الأخيرة هذه المرَّة.
مواسم الهجرة في هذه الرحلة لم تكن مختلفة عن مواسم الرحيل الأُخرى، لكن ما لم يكن في الحسبان حصل هذه المرَّة. فبينما كان يأخذ قسطاً من الراحة بعد عناء نهار طويل، جلس واستراح على أكمة تطل على وادٍ، فيه من الأغصان المتشابكة والاشجار المتطاولة والأعشاب الداكنة الخضرة، والنباتات دائمة النضرة ما يُبهر القلب ويُؤنس النظر.
ليس هذا فقط ما رآه في جلسته السحريَّة تلك، فالمرأة التي شاهدها عن بُعد تعيش وحيدة في الوادي لفتت نظره. راح يتأمَّلها ويُمعن النظر فيها، فإذ هي فائقة الجمال، تمشي حافية القدمين يرافقها سربٌ من طيور الهدهد تصدح في الأجواء ألحاناً جميلة. غاص في ماورائياته وتأكَّد له أنَّ هذه المرأة كانت فيما مضى عظيمة الشأن بين ناسها وأهلها. دخل إلى مكامن عقلها وبان له كم من العلم والمعرفة تدركه هذه المرأة، فهي تقوم بنشر العلم والمعرفة على أوراق الأغصان بعد ان تمشقها.
لم يمضِ وقت طويل قبل أن يُقرِّر أن ينزل إلى الوادي ليتعرَّف إلى تلك المرأة.
على جري عادتها في كل صباح وفي وقتٍ محدَّد كانت تمر وتمشق من الأوراق. تكتب وتكتب، إلى أن قرَّر في الصباح الباكر أن يسبقها ليقرأ ما كتبته في الأيام السابقة.
قبل بزوغ الفجر بقليل وصل إلى الوادي وبدأ يلتقط الأوراق المتناثرة أرضاً، يقرأها ويقرأها فوجدها تتضمَّن من العلوم وصلت اليه بعد سنوات طويلة أمضاها يبحث عنها. تبيَّن له أيضاً أنَّها تحوي على علوم جديدة لم يتوصَّل إليها بعد. وها هو يجدها في أوراق مرميَّة على الأرض وقد اعترته الدهشة والاستغراب، فقوافل البشر التي تعبر هذا الوادي، تدوس والدواب على تلك الأوراق التي تختزن العلم والمعرفة وبواطن الأمور، دون أن تُدرك مضامينها.
في هذا الوادي كانت القوافل تمرُّ وتأخذ ما طاب لها من طعام وشراب، ولم تكن امرأة الوادي ترغب في أن يقيم أي إنسان في الوادي إذا كان جاهلاً لا يفقه من العلم والمعرفة شيئ، لذلك انصرفت لتنظيم حقوق وواجبات الحيوانات والطيور المقيمة، حيث كان السمع والطاعة هو الشرط لبقاء هذه الحيوانات والطيور، وإلا الخروج من الوادي والنفي إلى جهة مجهولة هو ما سيكون عليه مصير من لم يطِع اوامرها.
حُلم إمرأة الوادي المُقدَّس كان أن تلتقي من بين ركاب
القوافل برجل تأخذه زوجاً لها يؤنسها في وحدتها، لكنَّها لم تفلح بإيجاد رجل من بني البشر يأسرها أو يعجبها، لأنَّ الجهل والغباء كانا يسيطران على أرجاء المعمورة في ذلك الوقت.
الفصل الثاني :
مشهد الوادي في ذلك اليوم لم يكن مألوفاً، فالرجل الكهل الذي كان يُفلفش ويقرأ أوراق الأغصان ومن ثم يقوم بجمعها حيث يُفرغ جيوبه من كل مأكل أو مشرب ليحتفظ بها، لفت نظر إمرأة الوادي.
تعجَّبت لأمر هذا العجوز كيف أدرك ما كُتِب على الأوراق وفهم معاني الكلمات. لم تأبه كونه عتياً في العمر بقدر ما لفت نظرها العلم الواصل اليه.
فاجأت إمرأة الوادي المُقدَّس الرجل العجوز وهو يلملم أوراق الأغصان ويقوم بتوضيبها فنهرته بصوت عالٍ :
( ماذا تفعل هنا ) ؟؟ وما هذا.. الذي تجمعه من أوراق أغصانٍ مُتساقطة ذابلة وضامرة ؟.
هاله الصوت وارتبك العجوز ولم يعد يقوَ على الإجابة وانهارت قواه بعد أن تجمَّعت حوله الوحوش الكاسرة والحيوانات الضارية تزأر بأصواتها من كل حدبٍ وصوب.
تعالت الأصوات واختلطت إلى أن وضعت إمرأة الوادي المُقدَّس حداً لها، فزجرت الحيوانات طالبة السكوت والخنوع والخشوع ! فامتثلت لها.
ساد الصمت وهدأت الأجواء وخلت من الأصوات. تقدَّمت المرأة نحو العجوز تسأله :
من أنت ؟
ولماذا أنت هنا ؟
واستدركت طالبةً إليه نزع حذائه، لأنَّها أرضٌ مُقدِّسة.
هدَّأ الرجل العجوز من روعه وزال الخوف الذي كان يمتلكه فبدأ وقصَّ على المرأة قصَّته حرفياً …
سمحت له أن يُكمل ما كان منكَّباً عليه وجمع ما يشاء من أوراق الشجر.
جمع العجوز ما أراد من الأرواق، وعندما التفت لشكر المرأة لأنَّها سمحت له بذلك، لم يجدها واختفت عن ناظريه.
أصابه الحزن. واعتراه الخوف من جديد.
لم يُبدِّد ذلك سوى استئناسه بمتابعة جمع ما يراه مفيداً من الأوراق. من بين الأرواق لفتت نظره واحدة التقطها عن الأرض، فإذا بها رسالة موجَّهة من إمرأة الوادي إليه أفادته فيها أن ينتظر رسالة تُخبره من هي.
عودة العجوز إلى دياره لم يكن عادياً هذه المرَّة، فسحر تلك المرأة أخذه بعيداً، وحفر على أوراق قلبه كلمات قد يحتاج وقتاً طويلاً لكي يفك رموزها وأحرُفِها.
التحسُّر على أيَّام الشباب والصبا كان من النتائج الأولى لرؤية تلك المرأة، وتبدُّل إشارات القلب والعقل من التي كان يبحث عنها طوال سني عمره إلى هذه المرأة، كان من النتائج الثانية لتلك الرحلة التي قادته إلى ذلك الوادي ولقائه بتلك المرأة.
غربته طالت، والطائر الميمون الذي سيحمل له تلك الأُقصوصة الورقيَّة التي تحكي له إمرأة الوادي المُقدَّس عن نفسها، ينتظرها على أحرٍّ من الجمر، فالشوق لأخبارها وأحوال رعيِّتها كبير، ومعرفة ما تكتبه على أوراق الشجر أكبر.
فالانتظار لا بُدَّ أن يحطَّ رحاله والطائر لا بدَّ أن يعود من مواسم الرحيل وهو ما حصل مع الهدهد الذي حمل تلك الأُقصوصة وفيها تقول له :
غيابك عنِّي هذه السنه قد آلمني.
والشوق إليك يزيد من أحزاني.
والنوم غاب عن أجفاني.
وحُبُّك هو كل أحلامي.
عُد إليَّ لأن وجهك ما زال في خيالي.
فمَنْ غيرك يفهمني.
ومَنْ غيرك يقرأ أوراقي.
الرجل العجوز اعترته الدهشة، ولم تُصدِّق عيناه بعدما قرأ تلك الرسالة، أنَّ هذه المرأة الفائقة الجمال تكتب إليه هذا الكلام. بدأ التفكير المضني والقاتل، كيف له أن يذهب اليها ؟. وقد طلب من الطيور المهاجرة عدم التوقُّف في هجرتها.
صحته تدهورت وحاله ساءت وحياته انقلبت إلى تعاسة. بدأ يعدُّ أيَّامه ونهش قلبه الندامة. تجمَّعت أحزان الكون في قلبه وسطَّرت على صفحة وجهه شقوقاً من الصعب أن تمحوها الأيَّام. الندم على حبيبته الاولى والشيخوخة التي لا تخوِّله قضاء بقيَّة عمره مع شابة في مقتبل عمرها قضَّا مضجعه.
لم تعد أيَّام امرأة الوادي المُقدَّس كما كانت، فانتظار الهدهد الذي تأخر في العودة بدَّل أيَّامها. لم تعد ترتَّل كل شروق شمس أغنياتها الرقيقة، وصوتها الشجي الذي يملأ الوادي سحراً وخشوعاً لم يعد يصدح، حيث كانت الطيور تسجد لرقته، وتتوقف زقزقة العصافير لسماعه لأنَّه كان سيِّد الأصوات.
لم تعد الطيور تستطع مُؤانستها والغناء معها، وإن استطاعوا منعتهم.
الوحوش المفترسة تحاول التودُّد إليها لكنَّها تزجرهم.
الشيئ الأخير الذي طلبته من الجميع تركها وحيدة وعدم الاقتراب منها.
على حافة صخرةٍ جرداء ملساء جلست إمرأة الوادي تنظر نحو الأفق، سرحت في ذلك الفضاء الفسيح تتأمَّل أزرقه اللامتناهي. شيئ ما حدث بدَّل ما كان …
بان الهدهد ومعه انقشعت الأسارير وارتسمت الابتسامه وحلَّ الانشراح والحُبور. تنهَّدت وعادت الروح …
بسطت يدها لاستقبال الهدهد الآتي الذي ما كاد يستقرَّ حتى بدأ بتقبيل يديها ووجنتيها ولثم أصابع قدميها، وكل ما سمحت له بأن يفعل.
قاطعته قائلة :
توقَّف واخبرني عنه.
دبَّت الغيرة بالطائر المسكين المُتعب من الطيران والتحليق، منعته إمرأة الوادي من إظهار حبِّه لها وطلبت إليه أن يخبرها عنه ممَّا أثار حفيظته، لكنَّ بالرغم من ذلك سجد لها وبدأ يخبرها :
وصلت اليه وأعطيته الأُقصوصة فقرأها مرَّتين ثم تناول صندوقاً خشبياً مرصَّعاً بالجواهر الثمينة من ثلاث جهات ووضع الأُقصوصة داخل الصندوق.
ثمَّ عادت وسألته :
ماذا قال عندما قرأها ؟
أجابها الهدهد :
كان حزيناً مُحبطاً تنهشه الهموم وتنخر وجهه الكآبة. سالت من مقلتيه الدموع وروت الارض. الشيب يغرس أنيابه في رأسه وتقوَّس ظهره وبان عليه التعب والضمور.
صرخت في الهدهد :
كفى .. كفى .. يا هذا.
وانهمرت الدموع من عينيها مِدراراً تروي الوادي كما لم يُروى من قبل.
قدِمت الطيور تواسيها ولم ينقطع بكاؤها وحزنها إلاَّ بعد أن اخبرها الهدهد قصَّة الصندوق المرصَّع.
قال الهدهد ...
سألته عن الصندوق المرصَّع، ولماذا يحتفظ بكل أُقصوصات الورق التي ترسليها له.
أجابني الرجل العجوز أنَّ هذه الأوراق تحتوي على كنوز وجواهر، فيها العلم المكنون في صدور الآلهة وقد التقطها من الوادي المُقدَّس وأنا أنهل منها ما لذَّ وطاب لي من معرفة أتوق لأن أُدرك مقاصدها ومعانيها.
كلام الهدهد عن الصندوق الخشبي المرصَّع بالجواهر، بدَّد غيمة سوداء كانت تلف الوادي، انقشعت الرؤيا وتوَّقفت الرياح العاتية، وساد السكون وسجَّدت الطيور وعبَق الوادي بروائح الزهور العطرة وبانت روائع رسومات الحواري على مداخل الوادي وعكست أشعة الشمس أقواس من قُزح الألوان.
ليس هذا ما أصاب الوادي فامرأة هذا الوادي المُقدَّس ابتسمت …
الشمس والقمر والنجوم ساروا كلٌّ إلى سبيله.
الأجواء عبقت بعطر رائحة ثغرها المتبسم.
همست بحنان ما بعده حنان.
بسطت يدها برفق تُداعب وجه الهدهد، وأعطته من ريق عسل فمها حتى يحلو في تغريداته ويمضي دون أن ينسى.
جذبته إليها … تعالى يا حبيبي.
ضمته إليها تقول :
حواسي معك …
أخبرني ما قصة هذا الصندوق.
قال لها :
الصندوق أمره عجيب غريب مرصَّع من جهاته الثلاث لم ترَ
عيناي في حياتي جواهر أو أحجار كريمة تضاهيها.
ولَم أرَ في الوادي مثيلاً لها.
يُتابع الهدهد حديثه لامرأة الوادي المُقدَّس :
قال لي الرجل العجوز :
هذا الصندوق كان هديتي إلى حبيبتي المفقودة وما زلت أبحث عنها منذ عقود، عندما افترقنا أبت أن تأخذه معها، وقالت :
إبقِه معك وفاءً وعربوناً وتذكاراً.
ومنذ ذلك الوقت، ( يتابع الهدهد نقلاً عن الرجل العجوز )
في كل يوم على فراقنا أضع حجرة ثمينة حتى أُحصي الأيام التي غابت عني.
وعندما سألته أيضاً عن سبب عدم إكمال الجهة الرابعة أجابني :
أنَّه توقَّف عندما التقى بك يا سيدتي، وأصبح بدل الجواهر والأحجار يحتفظ برسائلك التي أرميها له كل يوم.
ابتسمت إمرأة الوادي المُقدَّس ابتسامة الفرح والانتصار وقالت :
إذن أحبني ونسي التي يبحث عنها، وعندما سأذهب إليه سيستقبلني ويحبُّني كما أحببته أنا منذ أن التقيت به هنا في الوادي.
ارتبك الهدهد وتلعثم قبل أن يقول :
كلا يا سيدتي :
كان سيحصل ذلك.
كان سيقع صريع غرامك، لولا الأُقصوصة التي حملتها إليه من الوادي !
فقد أخافته وأرعبته ودبَّ الذعر في كيانه.
انتفضت من مكانها وصرخت ما هي هذه الأُقصوصة التي خاف منها ؟
تغيَّر الجو،
وتلبَّدت الغيوم.
وغابت الشمس.
وهربت الطيور.
وجفلت الوحوش.
الهدهد كاد من هول غضبها أن تصيب منه مقتلاً.
نهرته بأعلى صوتها :
هل أخدت أُقصوصة مختلفة عن التي أعطيها لك كل يوم ؟
أجاب وهو يرتجف خوفاً :
نعم يا سيدتي.
أطلقت إمرأة الوادي المُقدَّس تراتيل ذي مقام حزين.
انسحبت لها مياه الأنهار وعادت إلى منابعها.
وعادت الطيور إلى أعشاشها.
وخلد ملك الأسود إلى عرينه.
وعادت الشمس من حيث أشرقت.
ولم يبق أمامها الَّا الهدهد.
نظرت إليه واضاءت الوادي بعين فيها انتقام.
وعين أخرى فيها أسى وحزن عميقين.
إنَّه الهدهد حبيب قلبها ورفيق دربها وكاتم أسرارها وكليمها منذ الصغر بعد أن تركها أهلها.
قالت بغضب واضح.
ماذا أعطّيته ؟
أيَّة أُقصوصة ؟
أجابها الهدهد والخوف يلِّف كيانه :
أعطيته الأُقصوصة التي كتبها والدك عندما ترك الوادي، وفيها يقول إنَّه رجل سماوي، تزوَّج من إمرأة بشرية هي أّمُّك وأنَّها قد هلكت من الحزن بعد رحيله إلى السماء فور ولادتك.
وأعطيته أُقصوصة ثانية تُبيِّن أنَّ طيور الهدهد، هي التي قدَّمت لك الغذاء والحماية والرعاية.
وأعطيته أُقصوصة ثالثة تُظهر أنَّك تمقتين وتكرهين الرجال بسبب ما فعله والدك السماوي بأن هجر والدتك وهي في ريعان الشباب.
وأعطيته أُقصوصة رابعة تتضمَّن أسماء الرجال الذين تقضين وطرك منهم ومن ثم تعدميهم.
وسألته إمرأة الوادي المُقدَّس ...
لماذا ؟ ...
ولماذا ؟ ....
ولماذا قمت بهذا ؟
استشاطت إمرأة الوادي المُقدَّس غضباً من هذا التصرُّف الأرعن الذي قام به الهدهد، واعتبرت أنَّ الخيانه فعل كبير ومن الكبائر التي لا يمكن السكوت عنها أو التستُّر عليها، لأنَّ انتظام حكمها على رعيتها لا يقوم إلاَّ على الولاء المطلق.
أدركت إمرأة الوادي المُقدَّس أنَّ الذي كانت تبحث عنه، ضاع بفعل خيانة الهدهد المقرَّب إليها وإلى قلبها.
وسرحت في أفكارها تستذكر الماضي.
عاشت لسنوات طويلة في هذا الوادي تبحث :
عن رفيق.
عن صديق.
عن حبيب.
عن زوج.
ضاعت الأحلام التي بنتها. خابت الآمال التي علَّقتها.
بدا عليها الغضب والنيَّة بالانتقام، وقرَّرت مُحاكمة الهدهد.
استدعت ملك الغابة الأسد من عرينه، ونادت التنين من مغارته، وساقت قطعان الغزلان من مراعيها.
وأشارت لأسراب الهدهد أن تغطَّ.
وأعادت الشمس إلى قرص السماء.
وأمرت الأنهار أن تتوقف عن الجريان وتعود إلى ينابيعها.
على يمينها جلس ملك الأسود، وعن يسارها وقف التنين.
وأمرت الأسد بأن يُطلق زئيره إيذاناً ببدء محاكمة الهدهد.
ارتعدت الجبال وردَّد الصدى صداه، وتكاثرت بلبلة الأصداء في الارجاء، وزجرت التنين بأن يقذف حممه،
فاشتعل الوادي، وأُضرمت النار في كل مكان.
وقف الهدهد يرتجف خوفاً .
تقدم سرب من طيور الهدهد والدموع تنهمر من عيونهم يطلبون العفو والمعذرة والغفران.
سألت إمرأة الوادي المُقدَّس الهدهد :
لماذا أعطيته الأُقصوصة التي فيها إنَّ أبي رجل سماوي ؟
أنا أريده أن يعلم أنَّي من والد بشري وأمٌ بشرية أيضاً. أنت جعلته يهابني ويخاف من ملامحي.
أطلق الأسد زئيراً اهتزَّت له أرجاء الوادي كانت كفيلة بأن يسقط الهدهد مغشياً عليه، لكن إمرأة الوادي مدَّت يدها وأعادت إليه توازنه.
وأكملت حديثها تسأل الهدهد :
لماذا قلت له أنَّ اسراباً من الهدهد قدَّمت لي الغذاء والحماية والرعاية. هذا شأنكم يا أهل الوادي بأن تمدحوا أعمالكم وتجعلوا من قدَّمتم له خدمةً أن يكون عبداً لكم طوال حياته.
صرخت إمرأة الوادي صوتاً ردَّدت الوديان صداه.
يا أهل الوادي ليس عندكم نبتة العطاء.
فالشمس من عندي تعطيكم النور طوال النهار.
والقمر والنجوم ينيران دروبكم بالليل.
والأزهار من حقلي إن اعطتكم لا تعطوها شيئاً.
كل فعل تأتوه تطلبون مردوداً.
في الأُقصوصة الاولى.
وفي الأُقصوصة الثانية.
سأعفي عنك أيُّها الهدهد، لأنَّ الوفاء يسكن عروقي والغدر ليس من شيمي، ونكران الجميل لست أنا من أهله.
أنت أيُّها الهدهد رفيقي منذ الصبا، أفشيت سراً يمكنني أن اتجاوزه.
تعالت تغريدات أسراب الهدهد فرحة ً وسجدوا لامرأة الوادي المُقدَّس.
لكنَّها قالت لهم إنَّ المُحاكمة في الأُقصوصتين الثالثة والرابعة ستبدأ غداً.
طلبت من ملك الأسود أن يزأر إعلاناً برفع الجلسة،
وطلبت أن تخلد للراحة وأن تبقى وحيدة.
الفصل الثالث :
في كل ليلة اعتادت أن يكون الهدهد معها يُكلِّمها، يُناجيها يقصُّ عليها قصصاً حتى تنام.
هذه الليلة مختلفة عن تلك الليالي ولا تُشبهها.
منذ أن التقت ذلك الرجل الذي وطأت أقدامه الوادي تعلَّقت روحها بروحه، وأقسمت أن تُقلع عادتها في الانتقام لوالدتها بعد أن هجرها والدها إلى السماء.
لم تقض ِ وطرها مع أي رجل من الوادي منذ أن التقت به.
جذوة الإخلاص له جعلتها تتوقَّف عن عادة الانتقام.
قلقها وعدم نومها حتى انبلاج الفجر أنهك قواها وأتعبها فخارت قواها ورياح الحنين للهدهد قضَّت مضجعها فنادت المنادي أن يأتوها بالهدهد.
كان محبطاً عندما دخل عليها مُدركاً المخاطر التي تنتظره. طلبت إليه أن يستمع إليها جيداً، ويجيب على أسئلتها.
أنت تعرف إنِّي توقَّفت عن عادة الانتقام.
وأنت تعلم أنِّي وقعت في غرامه وعشقه.
أجابها ..
نعم.
قالت لماذا إذن ؟.
قال إنِّي خائف عليك وخائفٌ عليه.
خائفٌ عليك لأنَّه رجلٌ كهلٌ مسنٌّ لا يصلح لك !
وخائفٌ عليه لأنَّه سيتوقَّف عن البحث عن حبيبته الأُولى.
انتفضت وقالت له :
هل دبَّت الغيرة في قلبك يا أيُّها الهدهد.
هل تصرُّفك هذا يمنعني من الالتقاء به.
هل تعتقد أنَّ العمر يقف حاجزاً بيني وبينه.
أقول لك إنَّ روحي تعلَّقت بروحه، وقد أعود لعادة الانتقام !
إليك فرصة وحيدة حتى لا تكون الأوَّل من بين ضحايا الانتقام الرهيب.
ارتعد الهدهد خوفاً من كلامها ...
فقالت له :
أُعطيك مُهلة حتى غروب النهار، عليك أن تتدبَّر لي لقاءً سرياً معه ! ....
وإلاَّ ...
استأذن الهدهد إمرأة الوادي المُقدَّس بأن يصطحب معه رفاقه للاجتماع بالرجل، رفضت الطلب لأنَّ الاجتماع الذي تريده سرياً قد تنتشر أخباره في أرجاء الوادي.
قالت له ما زلت يا هدهدي كاتم أسراري، لكن كيف لي الوثوق برفاقك .
وبناءً لإصراره، قبلت أن يصطحب معه رفاقه شرط أن تضع عينها محل إحدى عينيه حتى ترى كيف تسير الامور وتراقب رفاقه.
لم يكد الهدهد يصل إلى قومه حتى علت الصيحات ودبَّت الفرحة وأُقيمت حفلات الغناء والرقص والموسيقى.
توقف الهدهد وقال لأترابه :
ارتكبت أخطاءً عديدة في حياتي، لكن كان أعظمها هذه في إشارة الى المُحاكمة.
كانت إمرأة الوادي تحاول افهامنا من خلال تصرُّفاتها وعاداتها أنَّ علينا إتبَّاع طقوس جديدة في حياتنا.
كان سبب انتقامها من الرجال، إفهامنا بأن لا نترك أولادنا صغاراً كما فعل والدها عندما رحل تاركاً والدتها مع طفلتها.
كان وقف إعدامها للرجال إعلامنا بأنَّ العفو عند المقدرة هو الأسمى.
كان عشقها لهذا الرجل دليلاً على أنَّه لا عوائق أو حواجز أمام الحب وأنَّ الأعمار إن زادت لا تقف حجر عثرة أمام جبروت الحب.
وكان إصرارها أن أتدبَّر لها لقاءً سرياً مع ذلك الرجل دليلاً ساطعاً على نيَّتها في بدء حياة كسائر أهل الوادي المُقدَّس.
لذلك مَنْ منكم على استعداد لمرافقتي لإقناع ذلك الرجل للقاء إمرأة الوادي المُقدَّس.
تطوَّع عددٌ كبير من طيور الهدهد للذهاب معه.
فالأمر يحتاج إلى حيلة ذكيَّة لإقناع العجوز بأن يأتي معهم إلى الوادي المُقَدَّس.
لحق بركب الهدهد سربٌ من الحكماء، وكانت عين إمرأة الوادي تحرُس وتراقب.
بقيت إمرأة الوادي المُقدَّس تراقب الهدهد ورفاقه، وقد صمَّمت إن أتى بأي هفوة أو غلطة يرتكبها فإن صاعقة قد جهزَّتها للقضاء عليه ورفاقه.
عندما حطَّ سرب الهدهد أمام الرجل العجوز أخذته الدهشة ولم يتمالك نفسه من إبداء الاستغراب لهذا العدد من طيور الهدهد.
بادره الرجل العجوز بالسؤال.
من صحبُك أيها الهدهد، ومن أرسَلك.
أجابه الهدهد.
نحن وفد من علماء الوادي المُقدَّس أتينا لمقابلتك وامرأة الوادي المُقدَّس هي التي أرسلتنا، وهذه هي الأُقصوصة التي طلبت منَّا أن نقوم بتسليمها لك.
كانت الأُقصوصة تختلف عن غيرها من الأُقصوصات التي سبقت.
بدءُ الاحرُفِ عطرٌ ونهايتهُ سِحرٌ.
فيه من الظاهر والباطن ما يعجز عن فهمه إلا هو.
أحس برائحة العطر.
ونال منه السحر.
أدرك باطن الكلام من ظاهره.
رفض أن يحتفظ بها بالصندوق المُرصَّع أُسوة بالتي سبق واستلمها.
نظر إلى الهدهد ورفاقه.
وقال :
قُل لها لن يكون هناك لقاءً سرياً.
بالرغم من أنَّها هزَّت كياني ووقعت في شباكها، ولكنِّي لست مُستعداً للموت على يدها وفقاً لطقوس أكل الدهر عليها وشرب.
قُل لها :
يكفيني أنَّي معها تمكَّنت من أن أطوي صفحة الماضي بعد عقود من البحث عن حبيبتي.
وَقُل لها أيضاً :
لقد أقفلت الصندوق الخشبي المرصَّع بكل الأُقصوصات التي استلمت.
وقُل لها أيضاً :
لقد طال انتظاري وملاك الموت يحوم حولي.
نظر اليه الهدهد وقد احمرَّت احدى عينيه فخاف عليه الرجل العجوز وحاول أن يداويه.
قال الهدهد :
دّعك من هذا، معي وفد العلماء أتينا لنبلِّغك أنَّها تبدَّلت وتغيرت. وقد تركت هذه العادة، وهي تطلب، ودُّك وتأمل أن تلتقي معها، لتبث لك مشاعرها وحبها وتعلُّقها بك.
أجابه الرجل العجوز :
أدركت ذلك من باطن النص، لا من ظاهره، وأنَّها توقَّفت عن قتل الرجال بعد أن تقضي وطرها منهم، ولكنِّي لست مستعداً لهذا اللقاء السري.
إنِّي رجل عجوز مُثقل بهموم الدهر لا أقوى على السفر.
أمرت الهدهد من خلال عينها التي ترى وتراقب، أن يسأله إذا قدمت هي اليه، هل يستقبلها ؟.
أجابه، كيف لي أن أستقبلها وأنا على باب القبر، وملاك الموت يحوم فوق راسي .. إيذاناً بالرحيل.
قالت للهدهد قل له :
سأقضي على ملاك الموت فوراً ...
وعاجلته بشهب مضيئ ...
وأضرمت به، ناراً مشتعلة ...
فهدر صوته من الألم، ودوَّى صراخه وعويله في المكان.
ثم ما لبث أن وقع صريعاً في مكان بعيد.
وقالت للهدهد :
قُل له إنَّي قادمة.
قُل له إنَّني مثل أبي إمرأة سماويَّة.
قُل له أن ينظر في عينك ليرى صورته الجديدة.
وما إن بدأ الرجل العجوز بالتقدُّم نحو الهدهد، حتى بدأ شكله يتغيَّر إلى عمرٍ أقل، إلى أن أصبح في ريعان الشباب.
لم يُصدَّق الرجل العجوز ماذا حلَّ به.
رقص لكثرة فرحه ومع هذا الرقص والفرح مرَّت غيمة بيضاء كلون الثلج غمرت المكان.
أينعت ثمار الأشجار في غير ميعادها.
وغطَّى المكان عُشبٌ أحمر.
إيذاناً بقدوم زائر !
وما لبث أن نبتت أزهار ورياحين مُتعددة الألوان والأشكال.
وما لبث أن عبق الجو برائحة البخور والعنبر.
انفتحت السماء ومع انفتاحها نزلت إمرأة الوادي المُقدَّس من على صهوة حصان أبيض له جناحان، يرافقها نسرٌ وعقاب.
أمرا الجمع بالركوع والسجود.
تمايلت إمرأة الوادي المُقدَّس وهي تسير ويتطاير الغنج والدلال منها.
أومأت بيدها للهدهد أن يترك المكان وصحبه.
تقدمت إمرأة الوادي المُقدَّس نحو حبيبها.
كان بأجمل حلةٍ وأذكى رائحةٍ.
كان جسمه ممتلئاً.
تصافحا ...
وأذنت للشمس بالمغيب.
تبادلا القُبل على ضوء القمر.
واختلت به ...
وبعد أن قضت وطرها منه.
اصطحبته معها للوادي المُقدَّس .
حبيباً ...
رفيقاً ...
وزوجاً ...
إنتهت رواية إمرأة الوادي المُقدَّس.
مِن إصدارات المُدونَّات الفيصليَّة.
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف.
الطبعة الأولى : حزيران ٢٠١٨م.
فيصل المصري
أُورلاندوا / فلوريدا
0 comments: