الجزء الثالث
الفصل الرابع عشر :
في خريف تلك السنة كان مطار دمشق الدولي يعجُّ بالركاب المغادرين، معظمهم من اللبنانيين ومنهم ( مستر واو ) حبيب كريستل.
كانت الرحلة إلى دمشق من أقسى الرحلات وأطولها وأكثرها تعباً. فأجواء دمشق كانت تختلف كلياً عن بيروت التي كان يعيش فيها.
كان الاقتصاد السوري وغلاء الأسعار بسبب تدفُّق اللبنانيين يُثير قلق التجَّار، فالارتفاع الجنوني لأسعار العملة الوطنية كان بنظرهم لا يستند إلى مؤشرات إقتصادية، وكان الخوف إن توقَّفت الحرب في لبنان سيتقهقر الاقتصاد في سوريا وتتراجع العملة الوطنية.
ولخوف انتابه من أن تسبقه الطائرة وصل إلى مطار دمشق الدولي قبل عشر ساعات من موعد إقلاع الطائرة، فضلاً عن أنَّه تراءى له حُلم منَّى نفسه به، أنَّه قد يلتقي ب كريستل.
لم يترك ردهة أو زاوية أو مكاناً داخل المطار، إلَّا وزرعه ذهاباً وإيَّاباً لعلَّه يرى هنا في أروقة المطار حبيبة العمر، ورفيقة درب الأحلام الورديَّة.
سافر على الطائر الميمون ولا يعرف شيئاً عن مكان كريستل في فرنسا. انقطعت آماله وبقيت ذكرياته وبعض ازهار كراون دايسي الذابلة.
بعد أن أقفلت المكالمة مع حبيبها ( مستر واو ) فاجأت والدها في مكتبه الخاص. ألقت التحيَّة عليه، لكن لم يكترث لها ولَم يُعِرها أيُّ إهتمام أو التفاتة.
بعنفوان ما بعده عنفوان قالت له :
أُبلِغك إنَّي وافقت على السفر إلى فرنسا، وسأُكمل دراساتي العليا، وهو الوعد الذي قطعته لك أمَام أُمي.
نهض من كرسي مكتبه وعانق كريستل وقال لها :
أنت إبنتي الوحيدة، وكل آمالي معقودة عليك. بعد وفاة والدتك ضاقت بي الدنيا وازداد ضيقها عندما تشاجرت معك بخصوص السفر إلى فرنسا.
تابع والد كريستل حديثه بصوت ملؤه الراحة :
سيكون لك شقة خاصة قريبة من الشارع الأهم في العالم ( الشانزيليزيه ) وسيكون لك أيضاً سيارة موديل العام ومصروف شهري لا تحلم به فتاة في عمرك.
وعندما تعودين إلى لبنان ستكون شركاتي وأموالي كلها تحت تصرُّفك، لأنَّك ستحملين الشعلة قبل وبعد وفاتي.
استرسلت ( كريستل ) بسماع حديث والدها صامتة شاردة مُتعجبَّة فقاطع ذلك الصمت قائلاً بزهو :
لو تعلمين ما الصعوبة التي واجهتها حتى استحصلت لك على موافقة من جامعتين في باريس.
حينها التفتت إليه قائلة : ولماذا ؟.
أجابها شارحاً بأنَّ الجامعة التي تخرَّجت منها في لبنان، لا تربطها أي معاهدة ثقافية مع أي جامعة في فرنسا، بعكس جامعتك السابقة التي انفصلت عنها والتي كان لديها ذلك.
وعلَّل والدها سبب قبولها في الجامعة في فرنسا بأنَّ علاماتها في السنة الاخيرة كانت ممتازة بحيث حلَّت الثانية بين زملائها.
كلام ( كريستل ) أحدث حماساً منقطع النظير داخلها، فانبرت بلهجة واثقة تُخاطب والدها :
هل تعلم من كان الاوَّل في سنتنا الجامعيَّة ؟.
قال لها : لا … لا أعلم ... من هو ؟
فاجابت بلهجة حازمة :
إنَّه هو الذي كان يُرسل لي المحاضرات عندما كنت في المستشفى.
هو الذي قلت له يوماً كلاماً جارحاً.
إنَّه هو الذي يعود له الفضل في قبول الجامعة الفرنسية انضمامي إليها.
بعد كلامها الصريح لوالدها والذي أراحها كثيراً، شعرت أنَّها تنفَّست الصُعداء، فبادرت إلى شكره ومعانقته.
وسألت : في أي وقت يحين موعد السفر
أجابها : القرار لك ..
فبادرت إلى القول كمن حسم أمره مُسبقاً :
فليكن يوم ٢٥ من هذا الشهر.
يوم ٢٥ ليس يوماً عادياً في حياة كريستل، ففيه صارحها حبيبها بحبِّه لها، وقال لها أجمل كلمة سمعتها في حياتها :
أُحِبُكِ …
وهي نطقت بأجمل كلمة تنطق بها في حياتها :
أُحبُكَ …
الفصل الخامس عشر.
حبيب كريستل ... مستر واو في الولايات المتّحدة الأميركية.
عندما هبطت الطائرة التي أقلَّته في مطار نيويورك الدولي، كان في استقباله شقيقته التي فاجأته بأنَّه سيمضي ثلاثة أيَّام في هذه المدينة سائحاً، مموِّهاً عن نفسه من عناء السفر الطويل وبعيداً عن الأحزان نتيجة فراق الأهل.
كانت نيويورك مربط خَيْل والده.
الذي هاجر في بداية القرن العشرين حيث كان حينها في الثامنة عشر من عمره إلى جزيرة نائية في الكاريبي ( كوراسو ) ولمَّا أشرقت شمس نجاحه التجاري بعد حين، صارت نيويورك مقصده لترويج تجارته ومربط خيل سياحته إلى الولايات المتحدة الأميركية.
الوصول إلى الفندق كان محطَّة استعاد فيها ذكرياته مع والده حين كان يرافقه طفلاً صغيراً، أثناء زياراته المتعدِّدة إلى هذه المدينة.
مدينة نيويورك في سبعينيات القرن الماضي كانت عاصمة المال والاقتصاد والتجارة العالمية ولا تزال حتى الآن.
هنا نيويورك … لا تستطيع وأنت القادم من الشرق مكَّبلاً بتقاليده
وعاداته، إلَّا أن ينتابك الاستغراب عندما ترى كيف تجانست وتعانقت كل هذه الأديان والملّل والشعوب وألوان البشر، وكيف امتزجت مع سُدرة منتهى العلم، حتى باتت هذه المدينة عاصمة العالم دون مُنازع.
ذهب به تفكيره كيف أنَّه وغيره وقبله من سكان وطنه الجريح لبنان هُجِّروا أو هُاجروا إلى أقاصي العالم خوفاً من انفلات الملق وانبعاث روائح الجهل الديني والاستبداد في فرض هيبة ملوك وأمراء الشوارع في كل مدينة أو حارة أو زقاق من هذا الوطن الهزيل ببنيانه العلمي والديني والاخلاقي والسياسي.
كانت السنة الدراسية، في إحدى جامعات الساحل الشرقي التي قبلت طلبه لإكمال دراساته العليا.
تأخَّر وتأنَّى في إختيار تخصُّصه وكان واضحاً وبادياً عليه ميله إلى التاريخ السياسي القديم، وآداب الشعوب التي زهت قبل ظهور الاديان السماوِّية.
خلال دراسته، لفتته تعابير جديدة في مصطلحات التاريخ السياسي الأميركي إبَّان ثورة الاستقلال عن بريطانيا العُظمى في العام ١٧٧٦ وما تلاها. كذلك تأثَّر بما أنتجته الحرب الأهليَّة الأميركية في العام ١٨٦١ وما بعدها.
كان ... إذا أراد التحدُّث عن العفَّة السياسية فلا يري بديلاً عن جورج واشنطن الذي رفض أن يبقى رئيساً للولايات المتحدة لفترات طويلة، مستنداً إلى منطق الثورة، وهو نزع الذهنية الملكيَّة والتوريث السياسي في إدارة العالم الجديد.
كان ... إذا أراد أن يعطي مثلاً عن الحنكة القانونية لا يستبعد واضع وثيقة الاستقلال الرئيس الثالث للولايات المتحدة الأميركية توماس جفرسون.
كان ... إذا أراد البحث في التفوُّق الدبلوماسي، تنتصب أمامه قامة بنجامين فرانكلين، صاحب الصولات والجولات فى أروقة بلاط الملكيَّات الأوروبية سفيراً للثورة المجيدة في ذاك الزمن.
أمَّا ... فيما يخصّ شرعة وحقوق بني البشر، لا يرى مثالاً إلَّا آبراهام لنكولن.
أمَّا ... الصداقة النبيلة، المخلصة، فكان لا يجدها إلَّا في ماردين شامخين في مخزون مفهوم الصداقة الذي لا ينضب عندهما، ألا وهما الجنرال غرانت والجنرال شيرمان.
في هذا الجو العابق بأزهى ألوان العلم وحضارة القرن العشرين بدأ ينهل من تلك الحضارة الأجمل والأرقى، وبدأ يغرف من علوم الأوائل كل مفيد.
أدرك أنَّ مخزون الحضارات القديمة يُمكن أن تتدفَّق وتجري إلى العالم الجديد، لكن بوسائل وطرائق تزيدها رونقاً وجمالاً عن طريق رجالات وأدمغة تؤمن بالتطوُّر والاعتراف بالفكر الآخر.
في هذه الحقول الزاخرة بالعلم ومباهج الفنون والعلوم، كانت كريستل لا تُفارق مُخيَّلته وفكره ووجدانه. كان دائم البحث عن زهرة كراون دايسي، على حفافي الطرق وداخل الحدائق العامة.
لكن عبثاً كانت محاولاته … فبدأت تتوقَّف وهمَّته تخبو وإيمانه يضيع.
وصل به الأمر إلى اليأس وإلى قناعة جعلته يدخل دهاليز الضياع والقنوط. وصل إلى معادلة اعتقد معها أنَّه إذا لم يجد هذه الزهرة في هذا العالم الجديد، فإنَّ كريستل أيضاً غير موجودة في المقلب الاخر من العالم القديم، وأنَّها باتت سراباً وحلماً وأملاً مفقوداً صعب المنال ...
عاش لسنوات في فترة يأس شبيهة بالأيام التي تلت لقاؤه بوالدها، وقوله له بأنَّه ليس بوسعه أن يؤمِّن حياة سعيدة، وكافية لابنته كريستل.
تألَّم جداً من ملاحظة والدها له وتركت جرحاً بليغاً في نفسه وكيانه، تحوَّل مع الأيام إلى خلاقين من الغضب.
استعاد شريط الأيام وكيف كان تفكير والدها به، وكيف أحس بالمهانة، وهو لا زال منذ ذاك الوقت وبعد عقودٍ من الزمن يبحث عنها، ويفتِّش عن أخبارها، ويضحِّي بكل غالٍ ونفيس من أجلها، لا تفارق خياله ولا تترك حتى يقظته في حالها.
وعاد ليأخذ العبر من تجربته مُتسائلاً، هل أنَّ صعوده سلالم العلم والصيت والشهرة وجني المال كان بسبب كريستل !
ومن أجل كريستل ؟.
عاد إلى واقعه وتعقُّله يسأل نفسه :
لكنَّها غير موجودة الأن معه ولا هي بقُرْبه ...
فقط بالخيال تعيش معه !!
وذهب أبعد من ذلك من أنَّ إيمانه واعتقاده بالأساطير ترسَّخ في حياته وعقله … والسبب كريستل.
فهو عاش وترعرع في العالم الجديد على أملٍ واحد وهو أنَّه سيجد يوماً كريستل تنتظره على حافة النهر … نهر التاريخ. حتى لو طال أمد الانتظار.
لم يَعُّد يهتم لشكل كريستل وكيف ستكون بعد تراكم سنوات عديدة على غيابها، وسبب ذلك هو أنَّ الأُسطورة التي يؤمن
بها تقول أنَّ الأرواح تتلاقى في زهوٍ وبهجةٍ وفرح كالأطفال، ولا تشيخ وكأنَّها في عز الشباب مهما هٓرُمَ الجسد وتعب وتلاشى.
تعِبَ كثيراً من إيمانه، ولكنَّه لم يتلاشَ أو ينهار، بل كانت صور كريستل تنهمر عليه كالمطر الغزير دون كَلَلٍ أو ملل كلَّما تصفَّح كتاباً بداخله زهرة كراون دايسي.
عادت ذكرى موت والدة كريستل تؤرِّق مضجعه، حيث كان يزور أقرب المدافن في مكان إقامته ويتجوَّل بين القبور يتحدَّث مع والدتها ويشكُرها كيف أنَّها كانت له العضد والسند والأمل في علاقته مع كريستل، وإنَّه وبالرغم من وفاتها لا يزال يؤمن بقدرتها على مساعدته، على الأقل في إيجاد كريستل وهي السابحة في الأعالي.
كان يتجوَّل بين القبور ويسأل والدة كريستل في كل لقاء :
هل وجدت كريستل ؟
هل قابلت كريستل ؟
هل ما زالت تنتظرني كريستل ؟
أسئلة غزيرة تنهار بين القبور وكأنَّها صخور تتدحرج من الأعالي.
في آخر زيارة لهذه المدافن وعد والدة كريستل أنَّه لن يزورها ثانية إلَّا برفقة كريستل وطلب منها العفو والمعذرة إن تأخَّر.
زيارته الاخيرة للمدافن كان يشوبها اليأس وفقدان الأمل، ولكنَّه حافظ على رباطة جأشه وسأل نفسه :
كيف يجتاحه القنوط والخيبة وهو المؤمن بأنَّ الأساطير هي من واقع الحياة.
كيف يترك ويهجر هذا الأيمان المتجَّذر داخله … في كيانه ودمه وعقله. وهو الذي أصبح باحثاً وأديباً لا يُشقُّ له غبار …
صيتّه بين أصحابه وأقرانه وتلامذته وزملائه الأساتذة ومُريديه.
عاد وتذكَّر أنَّ قصصه ورواياته كلها حول الأساطير، وأنَّها قصص واقعيَّة، وليست من ضروب الخيال، وأنَّه آمن ونشر معتقداته في مؤلَّفاتٍ عديدة، تدور حول أنَّ القصص الحقيقية تُقارب الخيال حتى الأُسطورة، وأنَّ الأُسطورة تقارب الواقع حتى تصبح حقيقة.
امتزجت لديه الأُسطورة والقصة.
كل ذلك يحدوه الأمل بأن يجِد كريستل.
على الرغم من مرور أكثر من أربعة عقود على غياب كريستل، أنَّه لم إلَّا يتعايش مع فكرة فقدانها إلى الأبد، فانكبَّ على الدراسة وتلبية الدعوات من الجامعات فى شتى أنحاء الولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذي أدَّى الى اختمار فكرة في عقله، وهي الغوص والإبحار في معتقدات الشعوب التي عاشت وسمت وزهت قبل الأديان السماوية.
قرأ الأساطير والملاحم حتى يزيد في معتقده وإيمانه، دعَّم ذلك بالدلائل والبراهين بأنَّ الأُسطورة يمكن أن تكون قصة واقعيَّة.
بدأت مؤلفاته تدور حول الأُسطورة في عالمنا المُتمدِّن، وكانت حبكاته كلها تتمحّور حول كيف سيلتقي يوماً ب كريستل في عالم معقَّد ومُرَكَّب بألف عقدة.
بقي على هذا المنوال حتى استقال من كل مهامه، وطلب من الدوائر الحكومية إحالته على التقاعد.
حصل له حفلات تكريميَّة عِدَّة، فكان زملاؤه وتلامذته، وأصحابه من المتحدِّثين في حفلات ومؤتمرات التكريم.
في إحدى المرَّات وهو في سياحة إلى مدينة نيويورك التي كانت بالنسبة إليه ك ( مكَّّة ) يحجُّ إليها دائماً ليستعيد ذكرى والده ووالدته، وأيضاً عندما زارها في القرن الماضي وذكرى قدومه إلى أميركا في هذا القرن. سمع صوت هاتفه الخليوي يرن فأيقن أنَّها مخابرة من خارج الولايات المتحدة الأميركية، فاستمع إلى المتكلم مُعرِّفاً عن نفسه بأنَّه عميد كليَّة الآداب والعلوم الانسانية في إحدى جامعات فرنسا في باريس العاصمة، وأنَّه قد أرسل إليه دعوة على عنوانه، لمناقشة أُطروحة أعدَّتها تلميذة عن دور الأُسطورة في عالمنا الحديث، وقد حُدِّد يوم المناقشة في الأول من أيلول، أي بعد شهرين من تاريخه.
وقد أردف عميد الجامعة حديثه بالقول : أنَّ مستندات الدعوة، كتذكرة السفر والأُطروحة والسيرة الذاتيَّة للطالبة، وأيضاً الإقامة لمدَّة عشرة أيَّام في فندق يُطلُّ على أفخم شوارع العالم في باريس، شارع الشانزليزيه كلَّها مؤمَّنة.
لم يحتمل إكمال المخابرة، فأحسَّ بتعبٍ شديد قاده إلى أقرب مقهى فى شارع مانهاتن ليستعيد قِواه، وهناك بدأت الأسئلة الكبرى تنهال على رأسه وكلَّها تتمحور حول ما ستؤول إليه هذه الدعوة إلى فرنسا من ذكريات وعبّر .....
بدأت الأفكار تُراوده ( وكريستل ) الحاضر الأكبر ....
منذ أكثر من أربعة عقود، سكنت كريستل في شارع الشانزليزيه.
لم يَعُّد يتذكَّر إسم الجامعة التي تسجَّلت فيها.
وبدأت الأسئلة تتراكم، وتتزاحم في رأسه ومنها :
هل الأُسطورة شارفت وقاربت الحقيقة ؟.
عاد استغربه لهذه الدعوة يزيده اضطراباً وأرقاً، وهو لم يزر فرنسا في حياته، ولا يتكلَّم الفرنسيَّة إطلاقاً، وكل كتاباته ورواياته باللغة العربية.
كان يعتبر الولايات المتحدة الأميركية، دولة رائدة تقوم على تلاقي جنسيَّات المعمورة كلَّها، وعلى ابتلاع لغات الكون، حيث تدرَّس جميعها في جامعاتها، ولها نظام مبرمج مقونن عن الهجرة، ووسائل أو طرائق، لجذب عقول البشر من الجنسيات كافة للاستفادة منها وإنَّ عبارة :
God bless America
وُضعت للدلالة على أنَّه من نِعْم الله على أميركا، هو العلم والخير الذي يجلبه المهاجر لهذا العالم الجديد.
كان يعتقد أنَّ نظام الهجرة في فرنسا مُعقَّد وغير مفهوم وأنَّ اللغة العربية ليس لها شأن كبير في جامعات فرنسا، كما لهذه اللغة من مكانة راقية سامية في أميركا.
كان تفكيره في فرنسا ينسحب إلى كونها لم تجلب للدول التي انتدبتها إلَّا تأسيس كيانات وليس دُولاً.
ومع ذلك قرَّر السفر إلى فرنسا.
فور عودته إلى منزله بدأ بقراءة وتصحُّف بريده المتراكم، لكنَّ اللهفة كانت إلى تلك الدعوة التي التقطها بيديه وبدأ بقراءتها.
كانت الدعوة تحتوي على الآتي :
تذكرة سفر لشخص واحد.
إقامة في فندق فخم خمسة نجوم في شارع الشانزليزيه.
السيرة الذاتية للطالبة واسمها كريستل ( ......، )
جنسيَّتها فرنسيَّة.
من أبوين فرنسيَّين.
تتقن اللغتين العربيه والفرنسية بطلاقة.
تقيم في باريس.
تبلغ من العمر ٢٩ عاماً.
المرفقات :
الأُطروحة على شكل كتاب في تجليد فاخر جداً، وفي الصفحة الأولى منها إهداء من الطالبة كريستل إلى والدتها يقول :
إلى أُمي التي آمنت بقدراتي …
وقفت إلى جانبي …
وجعلت من الأُسطورة حقيقة ...
أُحبك يا أمي ...
كريستل ...
باريس ... ٢٠١٥
موعد مناقشة الأُطروحة الأوَّل من أيلول ويصادف وقوعه نهار الثلاثاء.
إنكبَّ على التحضير وقراءة الأُطروحة وقبْل أن يخلِد إلى النوم يومياً يعود ويقرأ الإهداء ....
فهم الاطروحة …
ولكنَّه لم يفهم الإهداء …
قال لنفسه …
كتاب الأُطروحة فهمته …
سطر الإهداء لم افهمه …
0 comments: