يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الاثنين، 17 أكتوبر 2016

عرب اليوم، وعرب الأمس ... هل من فروقات.

نشر من قبل Faissal El Masri  |  in دراسة  6:01 م

عرب اليوم، وعرب الأمس ....
هل من ... فوارق ؟ 

 بادئ ذي بدء، 
هذه المُدّونة لا تتطرّٓق الى العقيدة، التى سادّت ارض العرب قبل، وبعد الإسلام، بقدر ما يُهّمُني في هذه المُدّونة الإضاءة على بعض  ألخِّصال التي سادّت في فترة من تاريخ العرب، أُطلِّق عليها ... الجاهلّية. 

الجاهلّية ... 
مُصطلّح ظهر بعد الإسلام، يُشار فيه إلى الفترة التي سبقّت الإسلام، وتعني :
" الجهل من الناحية الدينيّة. 
بالرغم من ان التعميم في التسميّة لا يجوز، ويتنافى مع وجود الدياناتين السماويتّين اليهودية، والمسيحية، في ارض العرب، عشيّة ظهور الإسلام، إلا اذا كان المقصود فئة من العرب كانت على الوثنيِّة، وفي هذه ايضا ً .. جدلّية.  
 
 "أما من الناحية الحضارّية، والفكرّية للعرب قبل الإسلام، فإن الواقع العربي في تلك الحقبّة، أظهر تضاربا ً فاضحا ً مع تسميّة الجاهلّية، 
سواء بمعناها الحصري ( جهل بالدين، حتى على الوثنييِّن ) او بمعناها الشامل للعقل، والفكر. 
تلك الفترة من حياة العرب، شِهدّت تنوعا ً فكريا ً وحضاريا ً أثبتّته الآثار  نذكر منها :
سد مأرب في اليمن كدليل على التقدّم العمراني، كذلك تشييّد وإقامة الهياكل الحجرّية للعبادّة، وبداخلها أشكال هندسية كتلك  المرسومة على جدار معبّد الحقة،  في اليمن.
وقد عثر الباحثون على رسومات، حجرّية منذ زمن ما قبل التاريخ في عدة مواضع من شبه الجزيرة العربية، منها رسومات في قرية الفاو عاصمة كندّه، وفي البتراء، وبصرى. 
وفي قصر شقر الملكي في شبوة،  وأزدهر فن الفسيفساء في مملكة الأنباط، واستمر ازدهاره حتى العصور المسيحية، وهناك عدد كبير من اللوحات الفسيفسائية صنعها سكان تلك المنطقة لا سيما في أم الرصاص وجرش، والنتل، ومأدبا، وهناك لوحات فسيفسائية ترجع لزمن الغساسنة منها فسيفساء، كنيسة سرجيوس في النتل، ويذكر المُنقِّبون وجود لوحات من الفسيفساء في كنائس المناذرّة في الحيرة، لكن لم يبق منها أثر. 
كذلك، حفرّوا ومّٓدوا الاقنية لِلرَّي، لتحسين الزراعة. 
قبيل الإسلام انهارّت ثلاث دول عربية قديمة  هي : 
مملكّة حمير (525م) 
ومملكّة الغساسنة (583 م) 
ومملكّة المناذرة (609 م)   
وكانت كل واحدة تؤلف دولة، تحكم أراضيها وتمد سيطرتها على مناطق أخرى بواسطة قبائل تحكمها تلك الحكومات بشكل مباشر.  

وقد ذكر اليهود العرب ما نُقل عن التلمود، ان أحبارهم أخذّوا الوصفات الطبيّة من العرب الوثنيين، وفي ذلك دلالة تاريخية موثقّة، ان العرب الوثنيين كان لهم في الطب، باع طويل في تلك الحقبات الساحقة. 
أما ما وصل إلينا من الكنوز الأدبية والقصائد، والمعلِّقات السبع (أو العشر) هو إثبات على التقدّم الفكري، لا يمكن دحضه. 
تمهيد : 
كان العرب، في جزء منهم على الديانة اليهودية، او المسيحية، والباقي على ( الوثنّية وفي هذا يصٍّح وصمّه بالجاهلّية، بالمعنى الحصري، والضيِّق ) وكانت حياتهم تعتمّد على الطابع القبلّي حيث الحروب، والغزوّات تستعِّر بين القبائل لمختلف الأسباب سواء كانت :
إقتصادية مثل داحس والغبراء. 
أو للحمايّة من اللصوص. 
أو للشرّف، أو لدفع الظلم. 
او للثأر.
وبالرغم من ذلك، فقد كان في المجتمع الجاهلّي صفات النُبْل :
 كالكرّم، والسخاء. 
الوفاء بالعهد، والصدق. 
 والإجارّة، والنجدة، والمروءة. 
 وغضّ البصر
 والغزل العفيف.
الصبر على المكاره، وقوة الاحتمال والقبول باليسير. 

- (الكرّم، والسخاء عند عرب الاوائل. )
كان الكرم من أهم الصِّفات التي حرص العربى على التحلّي والتفاخر بها، وكان يمقت البخل، ويُعيب، صاحبه. 
وكان لبيئة العربي وظروفه الجغرافية، ألاثر البالغ  في تدعيم هذه الصفة
لانه كان يعيش في منطقة صحراوّية، وفي احيان كثيرة يجد نفسه اثناء سفره وترحاله، ليس أمامه  سوى النزول ضيفا ً علي أهل الخيام الموجودة في الجوار، وهنا يكون استقبال الضيف واكرامه مسألة حياة او موت. 
وكان التقاعس عن القيام بواجب الضيافة، يعنى تعريض حياة الضيف لخطر الموت جوعا ً او عطشا ً، ولذلك فقد اصبح إكرام الضيف والقيام بحقه واجبا ً من واجبات الجاهلية، وكانت مدة الضيافة ثلاثة ايام، وبعدها ينتهى حق الضيف، إلا إذا جدّد المضيف هذا الحق. 

وكان من اشهر أجواد العرب، وأكرمهم، حاتم الطائى الذى كان يضرب به المثل فى الكرّم والجود، وله أخبار عديدة أهمها  كَرّمه للشعراء مثل النابغة الذبيانى وغيره، ( تراجع مُدّونتي عن حاتِّم الطائي .. أكرم العرب ) 
وكان من كرّم العرب، أيضا أنهم كانوا يتحملّون الديّات، يدفعونها من اموالهم عن طيب خاطر حقنا ً للدماء، وحفاظا ً على السلم، وتخفيفا ً عن المُعسرين من أفراد القبيلة، وكانوا يتنافسون فى ذلك ويعتبرونه من دلائل الشرف ، وعلامات السيادّة. 

- (الوفاء بالعهد ، والصدق عند عرب الامس )

كان، العربي يسترخّص كل غال ٍ ونفيس للحفاظ :
"على عهده، 
"واحترام وعده، 
ولم تكن الاتفاقيّات، والأحلاف،  موثقّة أو مكتوبة، وإنما كانوا يعتمدّون علي الكلمة، أو العهد، الذى اكتسب قوة، ونفاذا ً، ووفاء ً  
وقد جرّت الاعراف، ان  نقض العهد، او الاتفاق يعرِّض القبيلة وأفرادها  للمهانة والنقصان. 
وقد تعددّت القُصَّص وصوّر الوفاء عند العربي منها :

" السمؤال، ضُرِب به  المثل فى الوفاء بالعهد، فيقال ...
أوفى من السمؤال، وذلك عندما أودّع امرؤ القيس عنده دروعا ً وسلاحا ً، وذهب إلى قيصر يستنجّد به على أعدائه، وأستغّل هذه الفرصة الحارث بن شمر الغسانى، فطلبها من السمؤال وآصّر على انتزاعها منه، ولكنه أبّى وتحصّن بقصره فى تيماء، وكان ابنه خارج القصر، فأخذه الحارث الغسانى رهينة عنده، وأخذ يساومه، وهددّه بقتل ابنه، إن لم يستجّب لمطلبه، إلا أن السمؤال ظل محافظا ً على عهده حتى وهو يرى ابنه يُذبح أمامه. 
"ومن اعجب ما يروى أيضا من قصص وفاء العرب بوعدهم، ما حدث مع المنذر بن امرئ القيس بن ماء السماء عندما حكم على رجل من طئ يقال له حنظلة بقتله.  
وفى الموعد المحدّد التقى مع المنذر فقال له : 
لا بد من قتلك، فسّل حاجتك، 
فقال : أخرّني حتى ارجع إلى أهلى، وأفعل ما أريد ثم أصير إليك، فتفعل بي، ما تشاء، 
فقال المنذر : ومن يكفلّك أنك تعود، 
فنظر الرجل فى الحضور، فعرف شريك بن عمر بن شراحبيل الشيبانى وكان من سادات العرب وأشرفهم فقال :

ياشريك، يا ابن عمرو ... 
ويا أخا ً من لا أخا ً له ...

فوقف شريك ..
 وقال للمنذر : أبيت اللعن يدى بيده، ودمي بدمه ...
فأطلقه المنذر بعد ان أمهله عاما كاملا ً ... يعود بعده لينفّذ الحكم. 
فلما حال الحول، 
وحان الأجل، 
جلس المنذر ينتظر حنظلة، 
فلما ابطأ قليلا تقدم شريك، ليقُتل مكانه. 
وبينما هو كذلك، لم يشعر إلا بركب قد ظهر من بعيد فإذا هو حنظلة قد تكفّن، وتحنّط وتهيأ لمقتله. 
فلما رأه المنذر عجب من وفائه ...
 وقال له، ما حملك على قتل نفسك ؟ 
فقال إن لي دينا ً وخلقا ً يمنعانى من الغدر. 
فإستحسن ذلك منه وأطلقهما معا ً. 
 
 - ( الشجاعة والأنفة وعزّة النفس،  والإجارّة، والنجدة، والمروءة )

كانوا لا يقبلون ذلا ً ولا هوانا ً، ولا يقيمون على الضيم ...
وقد أشار هيرودوتس، بحُّب العرب للحرية، وحفاظهم عليها، ومقاومتهم لأية قوة تحاول استرقاقهم، او إذلالهم، او أستزلامهم. 
فكانوا إذا تعرّضوا هم أو حلفاؤهم لأى إهانة استلّوا سيوفهم، وركبوا خيولهم، وصاحوا وأشغلوها حربا ً ضروساً، ولو ضحُّوا فى ذلك بأنفسهم، وكان يُؤجّج من ذلك ما عرف عنهم من سرعة الانفعال، وفورّة الاعصاب. 

 ولا شك أن هذه النزعة عند البدو أشد وأقوي منها عند الحضّر، وقد فسّر ابن خلدون السبّب،  فى مقدمته تحت عنوان :
 " أهل البدو أقرب إلى الشجاعة من أهل الحضر "  

-  (الحلم، والصبر على المكاره، وقوة الاحتمال )

على الرغم مما عُرف عن العرب من شدة الانفعال، وفورّة الأعصاب، فقد غلب على ساداتهم، وأشرافهم، وعقلائهم صفة الحلم. 
كانوا يمتثلون لصوت العقل والحكمّة. فقد سعوا الى إطفاء نيران الحرب  وانهوا الخلافات بين القبائل، وتحملّوا الديّات. 
وكان من أشهر حكماء العرب، الاحنف بن قيس صاحب المقولة الشهيرة "سيد القوم ... خادمهم ". 
أى الساعى فى خدمة أبناء قبيلته. 
ولما سُئل بماذا سُدْت قومك، قال : 
بثلاث خصال  ..
"بذل الندى، 
"وكف الأذى، 
"ونصرة المولى، 

-  (التفاخر والزهو )

إشتهّر العرب، بالزهو والتفاخر ...
فكانوا يتفاخرون بالأباء، والأجداد، والأنسّاب، والأحسّاب، والشرف، والسيادة، وكثرة الأبناء والأعداد والانتصارات، وبأموالهم، وما ملكوه من دواب، وخيول، وغيرها. 
وكانوا يعقدون مجالس للمفاخرة بينهم، فيبدأ كل طرف بالمفاخرة بقبيلته فيرّد عليه خصمه كذلك، وكان يجلس الحكّام للحكم بينهما، وتفضيل أحدهما على الآخر،

 - وكان للعرب أيضا آدابهم :
"منها احترام النساء، 
"واحترام حرمة البيوت، وغّض البصّر.
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها. 
هذا ما قاله احد شعراء تلك الحقبة. 
"احترام كبير السن، فلا ينادونه باسمه، وإنما بكنيته ويبادرونه بالتحية، 
"في مجالسهم، يقوم القاعد للقادم، ويوجه له التحية.
"  كانوا يقومون من الأكل ويقولون : 
البطنة تذهب الفطنة، ويعيبون الرجل الأكول الجشع. 
"الصدق، والصبر والتحمّل. 

 - ( الطب، عند العرب )
" التداوى ببعض الأعشاب البرية. 
" والفصد، والحِجّامة، والكّي. 
" التكحيل، لعلاج أمراض العين. 
" الصبر، وهو دواء مر المذاق، لعلاج الرمد. 
" الطب الروحي،  بالرقيّة، وقد برع اليهود فى أعمال الرقي. 
واهم الأطباء العرب، الحارث بن كلدة ... وغيره.

-  ( علوم الفلك عند العرب الأوائل ) 
بالرغم من عدم وجود مخطوطات علمّية ترجع للحقبة الجاهلّية، إلا أن هنالك ما يدّل على أنه كانت لديهم علوم متوارثة في مجالات مختلفة، في مجال الفلك الذي كانوا  يدعونه علم الأنوار ...
وقد ثِبُت انهم عرفوا مواقع النجوم، واستدلّوا بها للاهتداء إلى مسالكهم في البر، والبحر، وكانت لهم معرفة في أوقات ظهور الكواكب، حيث كانوا يعبدون بعض الكواكب لاسيما،  الزهرة  التي تظهر في أوقات محددّة والتي مثلّوها بصنم  العزّى. 

(  في مجال الرياضيات، والعلوم )      
تذكر كُتب التاريخ عن فيثاغورس انه زار بلاد العرب،  ليتعلّم  من حكمة أهلها، وهذا إثبات قاطع ان العرب في تلك الحقبة من الزمن كانوا على دراية بالعلوم، والرياضيات. 

وأخيرا ....
هذا لا يعني ان العرب قبل الاسلام كانوا يعيشون في نعيم، ورخاء إجتماعي، بل كانت لديهم خِصال سيئة، ومُقيتّة كما دوّنها المُستشرِق جوستاف لوبون، حيث يقول :
" قد يكون أظهر، وأغرب ما فى الأعراب، هو أنهم جِماعُ الأضدّاد. 
 فالنهب، والكرم ...
والسلب، والجود ... 
والقسوة، والنبل .. 
وغير ذلك من الصفات التى تدعو إلى المُقْت، والإعجاب فى وقت واحد، وقد أعود لأكتب مُدوِّنة إن دعَّت الحاجة. 
أما الفروقات ما بين عرب الامس، وعرب اليوم أتركّها للقارئ الكريم، لانها لا تحتاج الى مُدوِّنة ... 

فيصل المصري 
أُورلاندو / فلوريدا
٥ ايلول  ٢٠١٦

0 comments:

Blogger Template By: Bloggertheme9