يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الخميس، 5 أبريل 2018

قِصَّة كراون دايسي، وكريستل ... ( النهاية )

نشر من قبل Faissal El Masri  |  in دراسة  5:28 ص

قِصَّة كراون دايسي، وكريستل ..
الجزء الثامن، والأخير  ..




وفي المقلب الاخر من الكرَّة الارضيّة، كان حبيب كريسْتِّل الذي قارب أواسط الستينات من عمره، يسأل نفسه  قبل أن  يُسافر ..  
هل آن الاوان أن يترّجل عن صهوة جواده ..
هل هذه الرحلة، ستكون الاخيرة  في حياته العملية ..
هل سيأخذ قرارا ً بالعودة الى قريته حيث موطن الاجداد ..
وبقي  يسأل  نفسه، حتى وصل الى قرار أكاديمي مسبق، لم يعهده  في  حياته الجامعية ..

قرر ..
أن لا  يسأل الطالبة  الأسئلة  التعجيزية  التي أعدّها ..
رمى  معظمها  في  سلة  المهملات ..
وقال في نفسه، يكفي أن هذه الطالبة، تحمل إسم  بطلة روايتي الاخيرة،  حتى تجتاز كل الحواجز .. 
وسأُنهي حياتي العملية، فرحا ً مسرورا ً بأني  وجدت كريستل ..
في شخص هذه الطالبة التي سأمنحها شهادة الدكتوراه ..
قرر، ان يعطيها درجة إمتياز، لان أطروحتها فيها نظريات سبق  له  ان  نشرها  في  مقالات  ومدوّنات .. 

تقرر موعد سفره، قبل ٥ ايام من مناقشة الاطروحة ..
  
كان في إستقباله، في مطار  أورلي الدولي عميد الكلية، ترافقه كريسْتِّل الابنة ..
بعدها، إنتقلوا الى جادة الشانزليزيه ..
فقال وهو يُكّلم نفسه، ويُكلمهما ..
لو تدرون، إن هذا الشارع كنت احلم أن أزوره   منذ ٤٠ عاما ً  ...
وقد تحقّق حلمي  الان ..
ووجه كلامه، قائلا ً ....

ألا تعتقدين مَس كريسْتِّل، هذه أسطورة ؟
ما دمت مُتخصصة بعلم الأساطير ..

أجابته كريسْتِّل ..

ألا تعتقد، أنه يجب ان تكتمل، حتى  تصبح  قصة حقيقية ؟

نظر اليها، وقال :
معك حق مس كريستل ..

يجب أن تكتمل ..
يجب ان تكتمل ..
حتى تتحوَّل الى قصة حقيقية  ..

فرح عميد الكلية .. 
وتفاجئت كريسْتِّل ..   
وقال لهما .. 

يبدو أن مِس كريسْتِّل ، ستتحفّنا  يوم المناقشة بنظرياتها .. 

لما وصلوا الى الفندق، عرضت كريسْتِّل  على الضيف ان تدعوه الى السير في الشانزليزيه، فأجابها ... 

بكل سرور، مِس كريسْتِّل  ..

سار مع كريسْتِّل،  والمساء لا يغيب بسبب الأنوار المنبعثة  بإرجاء هذا الشارع العريض، فدعّته الى مقهى رصيفي .. 

لاحظت، انه لا يناديها ألا مِس  كريسْتِّل  ..

بعد أن ودعتّه على باب الفندق، قالت له أرجو ان تقبل مني هذه الهدية المتواضعة .. 

إبتسم وقال لها، لماذا ؟

قالت له :

لان  لديك تعبيرا ً رائعا ً في روايتك، قصة كراون دايسي، وكريسْتِّل ،،،، أعجبني ..

سألها ما هو التعبير ؟
قالت له ..
..... وٓصْل ِ ... ما إنقطع .. 
ولن ينقطع ...

تعّجب، وأخذته الدهشة .. 
سلمتّه الهدية، وإنصرّفت .. 

دخل غرفته، وفتح الهدية وانبهّر نظره .. 
إذ الهدية، عبارة عن زهرة كراون دايسي ..
من صناعة كريستال شواروفسكي، الأبيض والأصفر،
مغطّى، برسم هذه الزهرة ..
 ممهورا ً ،،، بتوقيعه ..
وبتاريخ ..
الاول من أيلول ١٩٧٤ 
لم يقو على الكلام .. 
لم ينم ..

وإنفجّر فجرا ً،،، هائما ً في شارع الشانزليزيه ....

يفّتش عن كريسْتِّل ..

وإنه، فهم مُقدِمة الاطروحة .. 
وإنه، فهم وصل، ما إنقطع ... ولن ينقطع .. 

وإنه، فهم ... يجب أن تكتمل ....



  




الفصل الثاني والعشرون، والأخير .... 




كانت إدارة جامعة السوربون، قد حضّرت له برنامجا ً كاملا ً، متكاملا ً لمدة  ثلاثة أيام، تسبق مناقشة أُطروحة  كريسْتِّل ..

 كان يرافقه في هذه الأنشطة، الصديق الجديد المُستجّد، عميد كلية العلوم الانسانية، حيث نشأت بينهما علاقة متينة، وقد أظهر له كل الاحترام، لمّا عرف ان أصوله، وجذوره، لبنانية ..

وفي أحد اللقاءات ..
تساءل عميد الكلية  وقال ..

إنه امر ٌ عجيب، وغريب ٌ .... 
أيها اللبنانيون، في بلاد الاغتراب تتسلقون سلالم المجد، والشهرة، والصيت الحسن، اما في الوطن، فانكم تتّخبطون، وترجعون الى كهوف التاريخ المهجورة ..

وإسترسل بالحديث، وقال له :

هل تعلم ان الطالبة كريسْتِّل  ....
لديها جذور لبنانية، مثلك ؟

قال له ..
 وكيف ؟

أجابه، ان والدتها لبنانية ..
وقد تزوجت من أستاذها الدكتور ( جاك .... ) 
وأنجبت منه كريسْتِّل ..  
سأله ..
ما اسمها، واسم عائلتها ..
قال له، ان إسمها، الحالي ايضا ً كريسْتِّل، لانه عندما تزوجّت قامت بتغيير إسمها :
من نضال، الى كريسْتِّل ..

لم يتمالك نفسه، وبدأ يشعر بصداع شديد، وألم حاد في أنحاء جسمه، وطلب ان يستريح ..

ولمّا إسترجع أدراكه، طلب من العميد، ان يُكمل حديثه .. 
  
قال له العميد، اوّد ان أبلغك ايضا ً، ان الدكتورة  كريسْتِّل طلبت مني ان أدعوك، الى حفل عشاء في دارتها، عشية يوم مناقشة الاطروحة .. 

قال له بغضب ظاهر، عجيب أمركم  أنتم في فرنسا، تُخلطون الصداقة مع العمل، كيف تطلق عليها لقب دكتورة، وهي لم تُناقش أطروحتها بعد .. 

ضحك العميد، ضحكة فرنسية عالية، صدحت بإرجاء أروقة الجامعة .. 

إنها الدكتورة كريسْتِّل ، والدتها، هي التي ستقيم هذا الحفل، وقد دعَّت اليه  نُخبة من رجال القانون، كالمحامين، والقضاة، وزملاء زوجها من اساتذة السوربون، لانها قررت التوقف عن المرافعات القانونية، امام المحاكم الدولية، والوطنية، والتفرغ كلية ً للتأليف والكتابة، والانخراط بالهيئات الدولية للإغاثة، بعد ان شاهدت الخراب، والدمار، والقتل، والتهجير، والسبي في بلاد العرب ..

وقع هذا الخبر عليه كالصاعقة، لانه منذ ثلاثة ايام، بعد ان إستلم هذه الهدية :

وهو يُسارع، في أن يلتقي بها ..
وهو يُصارع، في عواطفه، وأشجانه ..

نظر الى العميد وقال له، يبدو أنك صديقها .. 
أجابه، إني صديق ورفيق زوجها، الذي توفي منذ عشر سنوات، وزوجتي محامية، تعمل في مكتبها .. 

قال له، منذ شهر دعتنا الى لبنان، انا وزوجتي وإبنتها كريسْتِّل، لحضور حفل تسليم، منزل سائقها، الى جمعية مدنية تُعنى بالأزهار  البرية، لان لديها شغف خاص بزهرة لبنانية برية أسمها، كراون دايسي .. 

سأله، ما علاقة سائقها، بها حتى تهّب منزله الى هذه الجمعية .. 

أجابه، حسب ما أخبرتني زوجتي، ان سائقها لما عجز، طلب ان يعود الى وطنه، ولم يكن له من مُعيل، قامت واشترت له أرضا ً واقامت عليها، منزلا ً صغيرا ً من حسابها الخاص، وبقيت تُعيله، حتى مماته ..

وإستمرت في طقس ٍ إعتادت عليه، وهو  زيارة  قبره، كل سنه في تلك القرية النائية ..

سأله ..
ما اسم هذه القرية ؟

قال، له سأعود الى جهاز الخليوي، لأَنِّي لا اتذّكر الاسم، ولكني قُمْت  بتصوير لافتة على مدخل القرية، تظهر فيها أسم القرية، وعلوّها عن سطح البحر .. 

كانت الضربة القاضية، التي هزّت كيانه :

إنها  قريته ..

إنها، قرية الآباء والاجداد .. 

وتابع العميد، وكله شغف بتقليب صور هاتفه ..
ويقول :

أُنظُّر، أُنظُّر ...

كيف زرعت حديقة منزل سائقها كلها، بزهرة كراون دايسي ..

وكيف طلبت من الجمعية، أن تهتم بالأزهار البرية، خاصة كراون دايسي، وأنها تزوّد الجمعية، وتدعمها بالاموال، منها ومن تبرعات  أصحابها .. 

قال له، إنها إمرأة  رائعة ..
وصلت الى اعلى مراتب الشهرة، وكانت وما زالت تُعتبر من أهم محامي المحاكم الدولية، ليس في فرنسا فحسب، بل في العالم .. 

ولكن كان ينقصها شيئ واحد، كما تقول إبنتها .. 

أجابه ما هو الشيئ الواحد ؟
قال ..
وصلة واحدة ..

من شعار إتخذته طيلة حياتها ..

وصل، ما إنقطع ..
ولن ينقطع .....

توقفت انفاسه ..
وفاق من غيبوبة، دامت ٤٠ سنة .. 

عندما ،،، سأله .. 
هل قبلت الدعوة ؟

 بعد مناقشة الاطروحة ..
سأمر عليك بالفندق، مع زوجتي ..

دخل إلى غرفته في الفندق، وهو مهمومٌ، حزينٌ، مقهورٌ،
وسأل نفسه ..

هل، وجود كريستل في حياته ..
بعد أربعين عاما ً ... 
هو، نعمة ٌ ...
أم 
هو، نقمة ٌ ...

وبينما هو في صراعٍ،  متمادٍ ..
متهاوٍ ...

وإذ بصوت الهاتف، يقضُّ، كيانه .. 

كان الصوت المقابل إمرأة ..

أجابها فورا ً ....
 كريسْتِّل ؟

أجابت، نعم ..

مستر واو ...

لم تتمالك نفسها ..
وعادت الى سجيّتها، والى سابق عهدها، في سيل جارف من الأسئلة
مثل ..
أين ..
وكيف .. 
وماذا ..
وإذا، ووووووو

أجابها، كما كان يُجيب في الماضي .. 
أي سؤال، أُجيبك ؟؟؟
بكّت كريستل ..
وبكى هو ..
قال لها، أراك غدا ً الساعة الثالثة ..
أجابت، لن تراني .. 

لأَنِّي ما زلت أتذّكر لما، دخلت قاعة المحاضرات، في الجامعة، منذ اكثر من أربعين عاما ً، وكنت مُتخّفيا ًعني، وانا قلِقة عليك، وبقيت طيلة المحاضرة، أشيح بنظري، يُمنة ً ويُسرة ً، وخلفي، وأمامي، أبحث  عنك ..

ولمّا ألتقينا قلت لي لا تسأليني عن المحاضرة، بل إسأليني كم مرة نظرت الى الخلف، وكم مرة وقع قلمك ..

انا اليوم، سأستعيد ثأري ... 

تغير الجو، من البكاء، الى الضحك ..
قال، أين ستجلسين إذن ؟؟

قالت له، عليك بالبحث .. 

قالت له ..
هل وصلتك دعوتي ؟
أجابها، نعم ..
وان صديقك اخبرني، كل شيئ ..
وعادت تسأله ..
هل أخبرك  ..
هذا،
ذاك،
وتلك، 

أجابها، نعم ..
ولكنه لم يخبرني بأمر واحد .. 
قالت، ما هو ؟
قال :

هل ما زلت تُحبيني ؟

أجابته :
 طبعا ً،
 أكيد،
ومؤكد،
ونعم،
 وأكثر،
وأقوى، 

سألها :
هل وجدت، وصلة، 
وصل ... 
ما إنقطع ،،، 
ولن ينقطع .. 

نعم، وجدتها ،،، 
معك .. 

وسألها ..

وبقي يسألها .. 

وتسأله ..

الى ان قال لها ..

هل الاسطورة ..
أصبحت قصة حقيقية ؟
قالت، نعم .. 
وعاد يسألها ..

إذن، كيف ستبدأ الان، القصة الحقيقية ؟

بيني، وبينك ؟

قالت، له ،،،

لا ادري ..
لا ادري ..
لا ادري ..

إنتهت ..
 قصة، كروان دايسي، وكريستل.  
وبدأت،
قصة، لا ادري، لا ادري




أعداد وتأليف 

فيصل المصري
اورلاندو / فلوريدا

حقوق الطبع محفوظة
لدى ولاية فلوريدا
الولايات المتحدة الأميركية

  

0 comments:

Blogger Template By: Bloggertheme9