يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الثلاثاء، 9 يناير 2018

رابعة العدويَّة، مِن عاشقات الله ..

نشر من قبل Faissal El Masri  |  in دراسة  8:05 م

رابعة العدويَّة ...
مِن عاشقات الله .. 
ومن أعلام التصَّوف .. 



 - تمهيد : معلومات عامة. 

رابعة العدوِّية ...
دراسة تاريخية ...

ميلادها : نحو ١٠٠ هـجرية
مكان ولادتها : البصرة، العراق

وفاتها : ١٨٠ هجرية 
 عاشت ٨٠ سنة
دُفنت، في بيت المقدس. 
موطنها، العراق. 

رابعة العدوِّية ...
وكُنيتها أُم  الخـير ...
عابدة  مسلمة  تاريخية ...
وإحدى الشخصيات المشهورة في عالم التصَّوف الإسلامي ..
وتُعتبر مؤسسة أحد  مذاهب  التصَّوف  الإسلامي، وهو مذهب الحُّب، والعشق الإلهي. 
ولهذا تُعتبر مِن عاشقات الله. 

أصلها، ونشأتها ..

هي، رابعة بنت إسماعيل العدوي شخصية عراقية، وُلِدَت في مدينة البصرة، ويرجح مولدها حوالي عام (100هـ / 717م)، من أب عابد فقير، وهي إبنته الرابعة، وهذا يفسر سبب تسميتها رابعة .. 
كانت رابعة العدويَّة، رائعة، وفائقة الجمال ..
وقد روى أبوها أنه رأى في المنام، النبي محمد صلى الله عليه وسٓلّم، يقول له ... 
لا تحزن، فهذه  الوليدة  سيدة جليلة .. 
وقد صَدَق الرسول عليه السلام، إذ جاءه بعد ولادتها، الرزق الوفير، والخير الكبير.

وقد سألها أبوها يوما ً .. 
أرأيت إن لم نجد، إلا حراما ً يا رابعة ..    
أجابت :
نصبر يا أبي في الدنيا على الجوع ..
خير من أن نصبر في الآخرة على النار .. 

وقد توفي والدها، وهي طفلة دون العاشرة، ولم تلبث الأم أن لحقت به، لتجد رابعة، وأخواتها أنفسهن بلا عائل، يُعيلهن على الفقر والجوع والعوز .. 

ذاقت رابعة، مرارة اليتم الكامل دون أن يترك والداها، من أسباب العيش لهَّن، سوى قارب ينقل الناس بدراهم معدودة في أحد أنهار البصرة، كما ذكر المؤرخ الصوفي، فريد الدين عطار في كتابه (تذكرة الأولياء )

كانت رابعة، تخرج لتعمل مكان أبيها ثم تعود بعد عناء، تهوِّن عن نفسها بالغناء، بسبب حرمانها من الحنان، والعطف الأبوي ..
وقد ذكرت الكتُّب، أن رابعة العدوية، رأت في منامها نورا ً ساطعا ً يُحيط بها، فسبحت فيه، وسمعت مناديا ً يطلب منها ترك اللهو، والغناء، والتفرُّغ للتضرُّع، والمناجاة، وإستبدال الغناء، بالقرآن الكريم .. 

إنقطعت رابعة العدوِّية عن الغناء ..
وإستبدلت إشعار اللهو، بإشعار الزهد، والصلاح ..
وأقبلت على عبادة ربها، وبدأت بحفظ القرآن الكريم، والعبادة في هدأة الليل ..  

بعد وفاة والديها، غادرت رابعة مع أخواتها البيت بعد أن دبَّ  في البصرة جفاف ٌ، وقحط ٌ، وصل إلى حد المجاعة ...

ثم فرَّق الزمن بينها وبين أخواتها، وبذلك أصبحت رابعة وحيدة مشردَّة .. 
وبسبب المجاعة، إنتشر اللصوص، وقُطَّاع الطرق، حيث خُطفت رابعة من قبل أحد اللصوص، وباعها في سوق النخاسة، لأحد التجار .. 

وأثناء عبوديتها، أذاقها التاجر العذاب، والمذلّة.
ويقال، أن سيدها سمعها ذات ليلة، تدعو الله ان يخلصها من الرِّق والعبودية، ورأى حولها نورا ً، فرَّق قلبه عليها، وأعتقها .. 

بعد ان تحررَّت رابعة العدويَّة، جعلت همَّها، وإهتماماتها الآخرة ..

وإعتزلّت الخلق ..
وبنت لنفسها مُصلَّى ..
وإنقطعَّت فيه للعبادة ..
وقصدَّت المساجد، لسماع الفقه ..

إختلف الكثيرون، في تصوير حياة، وشخصية العابدة رابعة العدوٍّية .. 
صورّتها السينما المصرية كعادتها، في فيلم يُقصد منه التسويق التجاري، ولا يقرب من الحقيقة التاريخية ..

في الجزء الأول من حياة رابعة العدويَّة جرى تصويرها، كفتاة لاهية، تمرّمغت في حياة الغوايَّة، والخمر، والشهوات، قبل أن تتجه إلى طاعة الله وعبادته ..

في حين يقول البعض، وهم الكِثرة أن هذه صورة غير صحيحة، ومشوّهة، لرابعة العدوَّية، كما حصل في فيلم صلاح الدين الأيوبي من أكاذيب وأضاليل تاريخية ..  
كانت رابعة العدويَّة، في بداية حياتها، تعيش في بيئة إسلامية صالحة، وقد ذُكِر عنها انها حفظت  القرآن  الكريم، وقرأت الحديث، وحافظت على الصلاة، وهي، لمَّا كانت في عمر الزهور .. 

عاشت رابعة العدويَّة، طوال حياتها وحتى مماتها  عذراء، بتولا ً ..
إنصرفت إلى الإيمان، والتعبُّد ورأت فيه بديلاً عن الحياة مع الزوج، والولد ..

وقد أيَّد، عبد الرحمن بدوي، في كتابه، شهيدة العشق الإلهي، ان رابعة  العدويَّة، هي غير الصورة، التي صورتها السينما المصرية، بدليل ان بيئتها  والاستعداد الشخصي، الكامن في كينونتها، يوحي انها، والإيمان صنوان لا ينفصلان. 

من أقوال رابعة العدوِّية :


كانت رابعة، تقول .. 
أن نحب من أحبنا، أولاً ... 
وهو الله.

وكانت تقول ايضا ً :
حين يحٍّن الليل، ويرخي عتمته ..
إلهي هدأت الأصوات وسكنت الحركات ..
وخلا كل حبيب بحبيبه ..
وقد خلّوت بك أيها المحبوب ..
فإجعل خلوتي منك، هذه الليلة .. 
عتقي من النار. 


رابعة العدويِّة  .. 
كانت تختلف عن متقدمي الصُّوفية، الذين كانوا مجرد  زهّاد، ونسَّاك، ذلك أنها كانت صوفية، بحق يدفعها حب قوي متدفِّق، كما كانت في طليعة الصُّوفية، الذين قالوا بالحب الخالص، الحب الذي لا تقيّده رغبة سوى .. حب الله. 

تَمتَّعت  رابعة العدويَّة ..
بموهبة الشعر، وتأججَّت تلك الموهبة، بعاطفة قوية ملكت حياتها فخرجت الكلمات منسابة، تعبّر عما يختلج بها من وجد وعشق لله ..
وتُقدِّم ذلك الشعر كرسالة لمن حولها .. 
ليحبّوا ذلك المحبوب العظيم .. 

من أقوال رابعة العدويَّة :
محب الله، لا يسكن أنينه، وحنينه حتى يسكن مع محبوبه ...

إكتموا حسناتكم، كما تكتمون  سيئاتكم ..
إني لأرى الدنيا، بترابيعها في قلوبكم ..
إنكم نظرتم إلى قرب الأشياء، في قلوبكم فتكلمتم فيه ..

سُئلت رابعة العدويَة ..
أتحبين الله تعالى ؟ 
قالت : نعم أحبه حقا ً ..
وهل تكرهين الشيطان ؟ 
فقالت : 
إن حبي لله، قد منعني من الاشتغال بكراهية، الشيطان ..

وفاتها :
خرجت رابعة العدويَّة من الحياة، بعد أن بلغت الثمانين من عمرها، وقد ذاقت ما ذاقت من البلاء، لكنها تَمتَّعت  بالأنس بالله، والفرح، بطاعته، وكانت ترى أنه لا راحة للمؤمن، إلا بعد الموت على الإيمان الذي لم يفارقها ذكره ..

وقد كفنَّت في جَبَّة من شعر، كانت تقوم فيها إذا هدأت العيون ..

وقد رأتها خادمتها في المنام وعليها حلة من إستبرق وخمار، من سندس أخضر، لم ير أجمل منه ..
وكانت وفاتها سنة ثمانين ومائة هجرية، ودفنت بالقدس وقبرها على رأس جبل الطور وقد كرَّمها الله بهذه الذكرى الطيبة التي تحيي في القلوب الفاترة الغافلة، الهمة واليقظة ..

وذكر ابن خلكان عن بعض من أحبُّوها قوله :
 كنت أدعو لرابعة العدوية ..
فرأيتها  في المنام تقول : 
هداياك تأتينا على أطباق من نور مخمرة، بمناديل من نور ..

قال عنها ابن الجوزي :
كانت رابعة، فطِنَّة، ومن كلامها الدّال على قوة فهمها، قولها :
أستغفر الله من قلة صدقي، في قولي ..
أستغفر الله ..

كان، قلب رابعة العدويَّة  طاهرا ً متضرعا ً بكاء، مما هيأها لاستقبال أنوار الحق ..
فإذا مرت بآية، فيها ذكر النار سقطت مغشيا ً عليها من الخوف ..
وإذا مرت بآية، فيها تشويق إلى الجنة ركنت إليها .. 
 
وكانت تُصَلِّي الليل كُلَّه، وتأنس في خلوتها بالله ..
وتجد في ذلك لذة لا يجدها الملوك ..
وكانت تضع كفنها أمام عينيها، حتى لا تنسى الموت ..
وتلوم نفسها، إذا تكاسلت قائلة :
 يا نفس إلى كم تنامين، يوشك أن تنامي نومة لا تقومين منها إلا لصرخة يوم النشور ..
وكانت تبكي في سجودها، حتى يبتل موضع رأسها ..
وكان من سِماتها، أنها لا تتعجَّل الانصراف من وقوفها بين يدي الله ..
بل تحب طول المقام ..
وكانت، تصوم معظم الأيام ..
وكانت، متواضعة منكسرة لله، لا تزهو ولا يأخذها العجب، وقد وقاها إيمانها، وإخلاصها. الوقوع في شباك الشيطان، أو الترفع على العباد بقربها من الله ..
ولقد بلغت من التواضع، والزهد درجة لا يبلغها إلا الصالحون، وأصبحت نموذجا ً يحتذى به في التطلع إلى ما عند الله من الكرامة والنعيم في جنة الخلد المقيم ..
وأصبحت تبعث في القلوب الهمّة العالية، والنشاط الموصول .. 
فلم يصبها الغرور ..
بل تجمَّلت بالتواضع الشديد، وكانت في عين نفسها أقل العبّاد ..
ومن تواضعها، أن جاءها رجل يومًا يطلب منها الدعاء فقالت : 
من أنا يرحمك الله ؟ 
أطع ربُّك، وادعه فإنه يجيب دعوة المضطر ..
وقد ذكر المؤرخون، انه عُرض عليها الزواج من صاحب غنى، وجاه واسع يتفاخر به بنات جنسها كتبَّت له :
 أما بعد ..
فإن الزهد في الدنيا راحة القلب والبدن .. 
وإن الرغبة فيها تورِّث الهم والحزن .. 
فما يسرني أن الله خولني أضعاف ما خولك ..
فيشغلني بك عنه طرفة عين،  والسلام. 

فالمال عندها ليس مدعاة للفرح ..
بل يستوي عندها والتراب ..
وهي بزهدها ترد عباد الدنيا إلى صوابهم حتى يكون مقياس الفلاح، والنجاح، هو الإيمان ..
ونفهم من هذا ألا تكون الرغبة في الزواج ناشئة عن الشهوة وحب المال والزينة، ولكن أن يكون الزواج، عونًا على طاعة الله ..
وروي أنها ناجَّت ربها فقالت :
 يا إلهي تحرق بالنار، قلبا ً يحبك ؟
فهتف بها هاتف : 
ما كنا نفعل هذا، فلا تظني بنا ظن السوء .. 



تكريما ً لذكراها، أنشئ في القاهرة، عام ١٩٩٣، مسجد على اسم رابعة العدوية، بمدينة نصر، وأطلق على الميدان المقابل  للمسجد اسم ميدان رابعة العدوية ..


فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا
١٠ كانون الثاني ٢٠١٨


ومن أشعار رابعة العدوَّية  :
في إحدى قصائدها التي تصف حب الخالق،  تقول : 

عـرفت الهـوى مذ عرفت هـواك
واغـلـقـت قلـبـي عـمـن سـواك
وكــنت أناجيـــك يـــا من تــرى
خـفـايـا الـقـلـوب ولسـنـا نـراك
أحبـــك حـبـيــن حـب الهـــــوى
وحــبــــا لأنـــك أهـــل لـــذاك
فــأما الــذي هــو حب الهــــوى
فشـغلـي بـذكـرك عـمـن سـواك
وأمـــا الـــذي أنــت أهــل لــــه
فكـشـفـك للـحـجـب حـتـى أراك
فـلا الحـمد فـي ذا ولا ذاك لـــي
ولـكـن لك الـحـمـد فـي ذا وذاك
أحبــك حـبـيـن.. حــب الهـــوى
وحــبــــا لأنــــك أهـــل لـــذاك
وأشتـاق شوقيـن.. شوق النـوى
وشـوق لقرب الخطــى من حمـاك
فأمـا الــذي هــو شــوق النــوى
فمسـري الدمــوع لطــول نـواك
وأمــا اشتيـــاق لقـــرب الحمـــى
فنــار حيـــاة خبت فــي ضيــاك
ولست على الشجو أشكو الهوى
رضيت بما شئت لـي فـي هداكـا

ومن أشعارها
ومن 

0 comments:

Blogger Template By: Bloggertheme9