يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الجمعة، 23 أكتوبر 2015

محنة الاقليات الدينية، دراسة تاريخية مطّولة.

نشر من قبل Faissal El Masri  |  in دراسة  6:17 ص


الاقليات الدينية في المشرق العربي.
دراسة تاريخية، مُطوّٓلة.   


 اولا ً / المقدمة : 

 ان ظاهرة الأقليات في الشرق الأوسط  أمر دَهْرّٓي، لانه لم تنشأ أكثرية، دينّية، من اي نوع كان، استطاعت ان تصهر،  او تمتّص،  او تذِّوب،  او تُزيل، الأقليات المتواجدة، في هذه المنطقة. 

وإذا ما نظرنا عبر التاريخ، نرى ان المشرّق العربي زهّت فيه ديانات، وَمِلّل،  ومعتقدات،  قبل الأديان السماوية، وهم الأحناف والحنفية،  والصابئة  المندائيون، وقد بقّيت الصابئة حتى يومنا هذا، وبذلك يمكن اعتبارها اول أقلية، كانت وبقيّت بعد الأديان السمّاوية وعاشت في كنفهم، وبذلك، بدأت  مشكلة اسمها الأقليات الدينية. 
وحتى بعد ظهور الاسلام، وإفتراق الأمة الاسلامية الى عدة فِرّٓق، يستسهل بعض الفقهاء المسلمين، الى إعتبار ان بعض الفِرّٓق الاسلامية هي من ضمن الاقليات الدينية ايضا ً، ويجب محاربتها والقضاء عليها، او ألعفِّ عنها تحت راية، أٓسلِم تٓسلّم، وهذا ما تحاول تطبيقه دولة الخلافة الاسلامية الجديدة، على فِرّٓق  ضعيفة، ومستّضعفة في كل من سوريا والعراق.  
وقد أثبتّت الأيام، ومنذ ظهور الدعوة الاسلامية، اي اكثر من ١٤٠٠ سنة، ولغاية تاريخه، انه لا يُمكن لأية فرقة أسلامية، القضاء على الاخرى، والذي يدور اليوم في الحرب السورية، والعراقية بين أهل السُنّة، وأهل الشيعة من جهة، وغيرهما من فرق إسلامية، كطائفة الموحدّون الدروز، هو خير دليل، ليس للقضاء على فرقة إسلامية، وإلأبقاء على أُخرى، بل لإطالة هذه الحرب، والحروب الى ما لا نهابة.
 إن الرغبة الدولية، اليوم تستغّل المِحنّة، التي يمُّر بها الدين  الاسلامي، وتوسّع رقعة الخلاف، وتُبقي الفتيل مؤجّجا ً، والنفوس عطشى لسفك دّم الطرف الاخر، وأستعادة ألثأر الذي مضى عليه اكثر من ١٤٠٠ سنة، حتّى يُخَيَّل إليك ان زِمام الاسلام كدين، اصبح في غير يد المسلمين.
والملفت للنظر، ان التاريخ قد سجّل ان الدين الاسلامي، تعرّض الى حروب طويلة، من الاديان السمّاوية الاخرى، كالحروب الصليبية، والحرب المستمرّة مع الدين اليهودي. 
ولكن، لم يُسجّل التاريخ  حربا ً واحدة  قامت بها، فرقة إسلامية واستعانت بالجيوش المسيحية ، للقضاء على فرقة إسلامية  اخرى، كما يحصل اليوم، أذ  يستعين أهل  الشيعة، بالجيوش المسيحية الشرقية، للقضاء على أهل  السنة، وايضاً يستعين أهل السنة، بالجيوش المسيحية الغربية، للقضاء على الشيعة، ومن تحت الطاولة، يستعين أحدهما بالجيش الاسرائيلي للقضاء على الاخر. 
إنها مهزلة تاريخية كبرى، تُقابلها مهازل عديدة قام بها المسلمون العرب في سقوط الخلافة العباسية، وفي غروب الأندلس الى الأبد، وفي قميص عثمان بمسألة، فلسطين. 
والامر الذي يُلفتك،  ان بعض الاقلام الدينية، والدنيوية حتى داخل الكنيسة المسيحية، يطيب لهم استعمال تعبير الأقليات المسيحية في المشرق العربي،  وقد تردّد لمسامعنا في الآونة الاخيرة عن لسان الأحبار،  ورجال السياسة  هذا التعبير، وهذا التشبيه، الذي لا يُقارب الحقيقة قيد أنملة، لانه لا يمكن إعتبار مهد المسيح، والمنطقة التي يعيش فيها أتباعه، بانهم أقليات، والتاريخ يشهد بعدّد الحمّلات الصلّيبية، التي قام بها ملوك، وأُمراء الفِرّٓنجة على هذه المنطقة، لتثبيت أقدام المسيحية في المشرق العربي. 
فضلا ً عن ذلك تسمع همسا ً بالرغم من النفي، عن صفة التّدخل الروسي الأرثوذكسي، في سوريا، لحماية الاقليات المسيحية.   
وإذا رجعنا الى اللغة العربية، والى المصطّلحات الفقهية، فانه لا يمكن إعتبار رعايا الأديان السمّاوية الثلاث، أينما وجدوا في عداد الاقليات الدينية، لان ذلك بحّد ذاته،  يُظهر إشكالية بغنّى عنها. 

ويمكن ملاحظة، ان مشكلة الأقليات الدينية  في الشرق الأوسط، ظهرت  فجأة، وبقوة،  وبعنف،  وبسفك  دماء،  وتهجير،  وقتل،  وسبّي،  وهتّك  أعراض،  وتدمير امام  أعين العالم  المتحضّر، من قِبَل  الدولة الاسلامية  الباسطة  سلطانها،  وسطّوتها، على اجزاء كبيرة من  العراق،  وسوريا. 

وقف، العالم الذي  يدّعي انه متحّضر يشاهد محنة الأقليات، الآيزايدية  في العراق،  حيث  جري  غزّو  قراهم  وتدمير معابدهم، وهتّك  اعراضهم،  وسبّي  وبيع  نسائهن  كالجوارى، كما كان يتّم  في عصور  ما قبل التاريخ، وأُسر  رجالهم  وتخريب  بيوتهم. 

واليوم،  ما زالت  محنّة  الأقليات  الكردية  في العراق،  وسوريا  تشهد  فصولا، تركية مُزرّية على جرْي عادتهم، في الإبادة  الجماعية،  والتهجير القسري،  على أساس تطهير عرقي،  والدول الغربية  التي  تُعّدُ  متحّضرة، تشاهد  وتوّثق  الانتهاكات، التي حصلت مؤخرا ً، كالقول ان تركيا دخلت الحرب للقضاء على دولة الأرهاب ( أيسيز ) بينما كان القصد، ترهيب وتركيع الأكراد.  وكأن  سُبحة  تفتيت،  وتشتيت،  الأقليات  الدينية  الاخرى الباقية،  قد بدأت  فصولها، تُكتب، ورياحها  العاتية  تهّب، وامواجها  الهائجة  تُحضّر، لإقامة دولة الخلافة الاسلامية السنيّة، تُقابلها الدولة الاسلامية الشيعية الاخرى. 

ثانيا ً :  تعريف لكلمة اقليات ... لغويا ً .. ودينيا ً.

الأقليات هي جماعة،  تربطها  اواصّر القرابة،  والاصل،  باللّغة،  والدين، والوطن،  تعيش  وسط  شعب  يفوقها عددا ً.

والأقليات الدينية،  تعيش  مع طائفة  اخرى اعظم  شانا ً وتفوقها عددا ً وتخالفها،  في  خصائص،  وممّيزات عرقية،  ودينية. 

ثالثا ً :  الأقليات حسب المواثيق الدولية. 

أصدرت الجمعية العمومية للأمم المتحدة، القرار رقم ١٣٥/٤٧ تاريخ ١٨ / ١٢ / ١٩٩٢، وهي  الوثيقة الوحيدة التي تنّاولت حقوق الأقليات الدينية،  بحيث  تضّمنت  حقوق الأشخاص  المنتمين  الى اقليات  دينية  ولغوية،  في الحفاظ على  هويتهم  القومية،  والإثنية،  والثقافية،  والدينية. 
وقد توّسع  القرار في تعداد الحقوق، وأضاف واجبات على الدول التي يعيش في كنفها الأقليات، أهمها  الحماية  وتعزيز  ممارسة  الحقوق، ولكن هذا القرار لم يُطبَّق في الحرب السورية، والعراقية. 

رابعا ً : الأقليات عبر التاريخ. 

يُعتبر  الشرق الأوسط، بانه  يجمع  ألإثنيات  والأجناس، والألسنة، والامم  والعقائد، والنظّريات ، وقد وُجِدّت  اقليات دينية،  قبل الاسلام  في المشرق العربي، وحتى بعده، ولم يتمّكن  في التاريخ  اي  غاز ٍ  او  فاتح،  من  خارج  المنطقة،  او  من  داخلها،  ان  يتغّلب  على ظاهرة  الأقليات،  وبقيت  صامدة، معاندة، متشّبثة، ومحافظة  على  قيمّها  وتُراثها، في وجه  كل  فاتح  وكل  عهد، وقد  مالت  في  بعض  الأحيان  وغُلب على امرها، في احيان اخرى  كُتمّت  انفاسها، وقُهّرت  آمالها، وسُلّبت  حرياتها،  ولكنها  رفضت  ان  تنقّرض. 

الأقليات  اثناء  سيادة، الإمبراطوريات  البابلية، والفارسية، والرومان  والبزنطينيين،  ثم العرب  المسلمون، كل  هذه  القوى  جابهت  الأقليات،  فإما  تركتها  وشأنها  من  دون  ان تصارعها،  او حين  صارعتها  لم  تتمّكن من  حذفها  في الوجود. 
والذي يشِّذ عن القاعدة، هو التنّكيل، والابادة الذي برعّت، ونجحّت فيه  الإمبراطورية  العثمانية،  وبعدها  تركيا  اليوم، حيث نُشاهد ما يفعلونه بالاكراد، وبالعرب المسلمين من تهجير، وتشتيت في شواطئ أوروبا، على شاكلة عُهرهم، في السفربرلك. 

خامسا ً / الأقليات في ظل الخلافة العربية الاسلامية ( الراشدية والأموية، والعباسية ) 

لم  يأتِ التاريخ  على ذكر ان الخلافة العربية  الاسلامية،  قد حاربت  وقاتلت  الأقليات، التي كانت  سابقة  للدعوة  النبوية المحمدية الاسلامية، بدليل ان  الصابئة  او المندائيون هم فئة  من الناس  ظهرت  قبل الاسلام، وبقيّوا  على ، عقيدتهم  وأماكن تواجدهم  ... ومارسوا  طقوسهم،  بعد الاسلام،  في العراق، حتى الامس  القريب. 
كذلك  يمكن  ان يسري  هذا  القول على الاشوريين،  والكلدانيين  والسريان. 

ولم،  يكن الدين الاسلامي من  خلال  دعوّته  ينوي، او يقصد القضاء  على المعتقدات السماوية  التي  سبقته،  كالدين المسيحي، او  الدين اليهودي، واكبر دليل على ذلك، قصص الأنبياء التى ورد ذكرها في القرآن الكريم. 
ولكن  العداء  الشرس  الذي  اضمره  اليهود  للدعوة  الجديدة،  سواء علنا ً  او خفية ً  هو الذي  حدا  الرسول العربي  بمحاربتهم. 

اما، المسيحيون  العرب ( آشوريين، كلدانيين، وسريان )، لم يلقوا من ارباب الدعوة  الاسلامية  اي  تصرف  يُظهر العداء تجاههم، او مقاتلتهم، لا بل  ترى اثناء الخلافة  الأموية،  وبعدها  الخلافة  العباسية، ان  مكانة  مرموقة  وعالية  جدا ً وصل اليها  المسيحيون  العرب، بالاضافة  الى انهم  توّلوا  ارفع  المناصب  الإدارية  والاقتصادية،  والثقافية،  والعلمية   في  دواوين  الخلفاء. 

وقد أتى  التاريخ  على ذكر ان المسيحية العربية،  في ظل الخلافتين  الأموية،  والعباسية  كانت  مُنَظِّمة  تنظيما ً جيدا ً ومحاطة  باكليروس  كثيف، ساعدها  على ذلك  ما تميّز  به سلوك  الدولة الاسلامية،  من  تسامح   تجاهها  على رغم  بعض  فترات  التطرّف الذي  مارسه  اتباع  المذهب  الشافعي. 

سادسا ً :  في ظل الإمبراطورية العثمانية. 
إنه تاريخ حافل بالمذابح، ضد الأقليات الدينية، وخاصة المسيحية اي  الاشوريين. 
تبدأ  فصول،  محنة  الاشوريين  اعتبارا ً من  قضية  دير القديس غابرييل  في  تركيا،  الذي  تأسس  في  العام ٣٩٧  بعد الميلاد، حيث  يعّد  الدير،  من اقدم  المراكز  الدينية،  والثقافية،  وأكثرها  أهمية  عند الآشوريين، ومستقبل  هذا الدير  مهدد  تماما ً اعتبارا ً من العام ٢٠٠٤ م

الآشوريون، كانوا  من قبل،  أمة  قوية  وكبيرة  يبلغ  عددها  مليون  نسمة  تعيش  في  تركيا،  وكانوا روادا ً منذ ما قبل ٢٤٠٠ سنة  قبل الميلاد  في  الطب،  والقانون،  والفلك، عددهم  اليوم  في تركيا ٥٠٠٠ نسمة، وكان  المسيحيون  قبل الحرب العالمية  الاولى  يشكّلون  ٣٣  في المائة  من سكان تركيا، ولكنهم  اليوم أصبحوا  يمثِّلوا  0.1 %  بالمائة، نتيجة   المذابح  الجماعية  أهمها، رافييل  لمكن،   والهجرة  الإجبّارية. 

تلي،  هذه المذابح  الابادية،  مذبحة  الأقلية الأرمنية، وهي  أشد  ضراوة  من  مذابح  الاشوريين،  والكلدان،  والسريان. 
في  كتابه  عن المذبحة  الأرمنية ريقول  ( Richard Hofansian ) انه بالفترة ما بين  ١٨٩٥ حتى ١٩٢٥ تمّ ذبح  حوالي ٨٠٢٩٤٧  آشوري  في تركيا. 

ويلاحظ  وجود  حظر على الحديث  عن المذابح  في ظل الإمبراطورية  العثمانية،   ومن  بعدها  تركيا، واعتبار الأفعال الشائنة  هذه  من  قبيل  محاربة  التمّرد،   وأن  أفراد هذه الاقليات،  يستحقّون  العقاب، لانها  حرب  أهلية  واضطرابات داخلية.  

في سنة ١٩١٦، تمّ رفع تقرير الى مستشار الامبراطورية  الألمانية ان الاشوريين  في شرق الامبراطورية  العثمانية  أُبيدوا. 

اما الأكراد، فان الإمبراطورية العثمانية، استعانت بهم، لمهاجمة  وذبح  الاشوريين،  والكلدان،  والسريان،  والأرمن. 
بالعام  ٢٠٠٩، اعترف  رئيس الدولة  التركية  اليوم  رجب  طيب اردوغان،  بان  حوادث  التطّهير العرقي  التي ارتكبتها  الحكومات التركية  السابقة،  كانت  افعال  فاشية  ... الخ. 

لذلك، لكي  نعرف  عن  المحنة  الكردية  اليوم، يجب  ان  نعود الى التاريخ  الحديث  لتركيا. 
بدأت فعليا ً محنة  الأقلية  الكردية  في  تركيا، اعتبارا ً من العام ١٩٢٥ ويبلغ  عدد  سُكَّان  الأكراد  حوالي ١٢ مليون  معظمهم  في  جنوب  تركيا. 

بالاضافة الى الأقلية الكردية،  هناك الأقلية  العلوّية، التي  تشّكل مع الأقلية الكردية،  الهاجس الأكبر  لتركيا  اليوم،  وكان سبق للإمبراطورية  العثمانية،  ان عالجت  المسالة  الأرمنية  بالحديد، والنار،  والقتل،  والذبح،  والإبادة،  والتطهير العرقي. 
ولكن الذي يفّرق  بين  هذه  المسائل  العويصة  الثلاث  عامل  الدين. 

فلا،  يغرب  عن  البال  ان  الأرمن،  ينتمون  الى الديانة  المسيحية، اما الأكراد، والعلوييّن  ينتمون  الي الديانة  الاسلامية، وهذا بحد ذاته  يشكّل،  غضّ  الطرّف  الدولي  الغربي  المسيحي، عن  عمّا  يجري  الان  بحق  الأكراد،  في  سوريا. 

وإذا  ما نظرنا  الى التقاطع  الدولي  المريب  المبني على المصلحة  المشتركة،  ما بين  تركيا  والنظام السوري  منذ الرئيس حافظ الأسد،   في نظرتهما  تجاه  الأقلية  الكردية، تواجهك صفحات مكتوبة  ومدّونة  ظَهرت  الى العلن  منذ  تسليم سوريا  الشخصية  الكردية  اوجّلان،  الى  تركيا  في  أواخر القرن الماضي. 

ان  ما  يحدث  للأكراد  اليوم،  في  سوريا  هو ما  يؤشر  صراحة  وعلنا ً، وجهارا ً، ان مسألة  تفتيت  الأقليات  بدأت  فصولها  السوداء. 
بأواخر  القرن التاسع  عشر،  وبداية  القرن  العشرين، حيث استعانت  الامبراطورية العثمانية  بالاكراد،  لتصفية  الأقليات المسيحية. 
واليوم  تستعين  تركيا،  بالدولة  الاسلامية  للقضاء، وتهجير  وابادة  الأقلية  الكردية. 

بالماضي، هبّ المجتمع المسيحي، لنجدة  نكبة  الأرمن. 
وأُعطيت  لهم  دولة  في  أواسط  اسيا، اسمها ارمينيا. 

اليوم، هل سيّهب المجتمع  الاسلامي، لنجدة  نكبة، ومحنة  الأكراد، في سوريا والعراق ؟؟
التاريخ  وحده  الكفيل  لتبيان المخفي، في  جو  عابق  من التقاطعات  الإقليمية  والدولية المريبة،  المبني  على المصالح المشتركة،  التي  تقشّعر  منها  الابدان،  لان  فيها تقطيع  للاوصال  وذبح،  ودم،  تهابه  حتى الأصنام،  وترتجف منه الأوثان. 

أعداد
فيصل المصري
اورلاندو / فلوريدا 
تشرين اول ٢٠١٥




0 comments:

Blogger Template By: Bloggertheme9