المرأة الدرزيَّة وما أدراك عن المرأة الدرزيَّة.
وقبل الانتخابات البلديَّة للعام ٢٠٢٥
المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها !!
ومع أنَّي مُقتنع بمقولة لا حياة لمن تُنادي لأنَّ أصوات ومعاناة المُثقفين والأوادم والبسطاء غير الحزبيين من الدروز المقيمين والمغتربين لم ولن تصل إلى داخل قلاع زعماء الدروز وبعض الشخصيات المستجدة، نظراً لوجود قامات قصيرة مِن الخبراء والمستشارين تقف حاجزاً منيعاً دون وصول الأصوات والاراء إلى داخل هذه القلاع.
هذا الوضع لا يعفي أو يمنح صك براءة ذمَّة للسادَّة الزعماء السياسيين الدروز، مِن أُمراء وبكوات ومعالي وسعادة إلى أخر منظومة الألقاب العُثمانيَّة البائدة، أن يتركوا المرأة في القرى والبلدات الدرزيَّة أن يدخلن في هيكلية البلديات للعمل الدؤوب مِن أجل تقدم هذه القرى والبلدات.
إنَّ هذا الظرف العصيب الذي يعصف بدروز لبنان يفرض في أضعف إيمان زعاماتهم وقياداتهم أن يأخذوا من السلف الصالح كيف كانوا يجنبون عشيرتهم وجماعتهم على مر السنين مِن المجون والحروب الإقليمية العربيَّة والإسلاميَّة والهيجان الطائفي اللبناني.
أقول للإستبلشمانت السياسيَّة الدرزيَّة في لبنان ( زعماء وزراء نواب أحزاب وثلة مكدَّسة من المستشارين ) ماذا يختلف وضع جماعتكم اليوم عن وضع دروز فلسطين عشيَّة ضياعها، عندما نصح الغضنفر الموحِّد السوري سلطان الأطرش وفد دروز فلسطين برئاسة شيخ عقل طائفة الموحِّدين الدروز المرحوم الشيخ أمين طريف :
( إيَّاكم ثم إيَّاكم ترك قراكم، لأنَّ غيركم باع واشترى، أمَّا أنتم فما بعتم ولا اشتريتم ………. ).
كلمة ( غيركم ) لا تختلف اليوم عن الأمس. وإنَّ عملية ( البيع والشراء ) لهذا الكيان اللبناني اليوم تترنح ما بين الشرق والغرب والكيل والميزان تلعب فيه يد فارسيَّة وأُخرى عُثمانية.
وأُضيف القول للإستبلشمانت السياسيَّة الدرزيَّة في لبنان، لا أرى غضاضةً أو نقصاً فِي مقامكم السامي إنْ أخذتم القدوة والعبرة مِن المرأة الدرزيَّة عبر التاريخ في حفاظها المستميت على العشيرة في المنعطفات التاريخيَّة والمخاطر الإقليمية بالرغم من الانتقادات مثل :
السِّت الأميرة زهر أبي الَّلمع.
والسِّت نظيرة جُنبلاط.
ومثل سمو أميرة الجبل آمال الأطرش زوجة الأمير حسن الأطرش.
وإلى الإستبلشمانت الدينيَّة الدرزيَّة في لبنان أقول إنَّ حفظ الإخوان يكون بالتمسك بالعقيدة والابتعاد قدر المستطاع عن الغرضيات السياسيَّة، ولكم في الأميرة السِّت زهر أبي اللمع خير مثال في حِفظ عقيدتها وعشيرتها.
في هذه العجالة إرتأيت التوضيح والتنويه قبل فوات الاوان، والله نِعم الوكيل.
في المُدونَّة :
في مُدوِّنتي عن المرأة العربيَّة، آليت على نفسي أن أُشير إلى وضع المرأة في القرآن الكريم وما قاله النبي محمد من تكريم للمرأة العربيَّة.
أمَّا ما قيل عن فلان إبن فلان عن شيخ في قندهار أو الشيشان، في الأمصار الإسلاميَّة البعيدة وحتى القريبة، أو ما رواه بعض الرُّواة عن أبي هُريرَّة وبعضاً مِن مُريديه في قولٍ بالمرأة العربيَّة يُنافي ويُجافي الحقيقة، حتى يُناسب أهواء الإستبلشمانت الفقهية الإسلاميَّة المُتطرِفَّة، فإنه غير مقبول في مُدوِّناتي، ولا أُعيره أي انتباه.
هذه الطريقة ذاتها سأتَّبعها في مُدوِّنتي هذه عن المرأة الدرزيَّة، وبأعلى الصوت أقول :
وما أدراك عن المرأة الدرزيَّة.
حسب ما جاء في كُتُّب ( الموحدِّين الدروز ) وما جاء عن لسان أتقيائهم الأفاضل، كالسيِّد الجليل الشيخ أمين طريف وزعمائهم في التاريخ المجيد، مثل سلطان باشا الاطرش وكمال بك جنبلاط والأمير مجيد إرسلان والأرسلانيين الأدباء وسائر التنوخيَّين من الأسياد.
وإن أنسى لا انسى نساء بني معروف في التاريخ القريب، حيث أُطلق عليهُّن كلمة واحدة فيها من السُمّو، والرُقِّي اللغوِّي ما لا يفقَه به إلا أساطين اللغة العربيَّة، كالقول :
السِّتّ : السيَّدةُ والجمع سِتَّاتْ.
الأميرة السِّت زهر أبي اللمع.
والسِّت نظيرة جُنبلاط.
وباقي السِّتات الدرزيَّات، كالأميرة أمال الأطرش حيث شهد لَهُّن التاريخ أنصع الصفحات وأعتى البطولات، جنباً إلى جنب مع الاشاوس من الرجال في ملاحِم البطولات ضد حُثالة بني عثمان، وحماقَة فرنسا الانتدابية.
ولأُنهي مُقدمتي أقول، لن أُقصِّر في الذود عن حِياض المرأة الدرزيَّة، في مُدوِّناتي إن نَبُت َ في أرضنا إستبلشمانت دينيَّة كالتي ألحقَّت الاذى بالمرأة العربيَّة المسلمَة المؤمنة العريقة قُدماً بالتاريخ.
يكفي تذكيراً ما تقوله إحصائيات الغرب عن عُلُو ثقافة المرأة العربيَّة، وهذ ينطبِّق أيضاً على المرأة الدرزيَّة.
وإن سألوك كيف تدري، قُل لهم :
( من أدرى بِشعاب مَكَّة، غير أهلها،
ومن أدرى بالإحصائيات، غير من يفِّك رموزها ).
المرأة الدرزيَّة ...
لم يَعُّد مستغرباً أو صعباً على أي مراقب في تاريخ الموحِّدين الدروز أن يُدرِك معنى الدفاع عن الأرض بشراسة والذَوْد عن العرض بحماسة، لأنَّ الوجهين هما لعملة ذهبية نادرة الوجود.
يقول المرحوم السفير عبدالله النجَّار في كتابه الثمين :
( مذهب الدروز والتوحيد ) عن المرأة الدرزيَّة :
العرض في اللغة هو النفس، وجانب الكرامة والشرف، وفي اصطلاح بني معروف هو المرأة. صيانتها عندهم أعز من صيانة النفس، يستميتون في الدفاع عنها، ويفاخرون بها وتستهِّل النخْوَات بإسم ( إخت ) ويصيح أنا أخو فلانة ثم يبيع النفس ولا يهمه أن يعود.
في حرب اللِّجاه السورية ضد إبراهيم باشا المصري، تصايحَت النساء ورددَّن ( لمن تتركونا يا نشامى الدروز ؟ ) فإرتدَّ الرجال بالسيوف والحقوا الهزيمة بالجيش المصري.
وقد أجمع كل باحث صادق، أنَّ الدروز تستوي عندهم نساؤهم ونساء الغير، حتى الأعداء.
وقد سجَّل تاريخ الانتداب الفرنسي أنَّ سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى، في حادثة قلعة السويداء المحاصرة وصله رجاء من المُفوَّض السامي الفرنسي عن طريق مدير المعارف بالسويداء آنذاك السيد عبدالله النجار يطلب فيه إخراج النساء الفرنسيات من القلعة.
كان جواب سلطان باشا الاطرش :
( نحن لا نحارب الفرنسيين ومعهم نساؤهم، أُخرجُوهُنَّ لنريهم كيف يكون شرف القتال، فهم لم يَعفوا عن قتل نسائنا ).
يقول المؤرخ دانيال بلِس رئيس الجامعة الأميركيَّة في بيروت عن الحرب الأهلية سنة ١٨٦٠ بين الدروز والنصارى ( المسيحيون ) أنَّ المرأة من خصوم الدروز، كانت تمرُّ قرب معسكراتهم آمنة، لا يُرفع إليها طرْف ولا يقع في إذنها كلام.
أمَّا الكُتُّب الدينيَّة للموحِّدين الدروز فإنها حافلة عامرة وزاخرة بالحذر والتشدُّد على الحفاظ على الأعراض والتهذيب الجنسي، وطهارة الأعراض وصراحة الأنساب، ولا يعرف التاريخ جماعة دينيَّة أحرَّص من الدروز على الآداب.
وفي إحدى الرسائل الدينيَّة للدروز وردَّت منذ الف عام، يُفهم منها أنَّ على المرأة الدرزيَّة واجب تأدية الرسالة الروحية، بمعنى أنها حاضنة للعقيدة ولها دور كبير في التوجيه الروحي، أذ تقول الرسالة :
( وقد سيَّرت إلى جهتكم إبنتي سارة، الكاملة العفاف والطهارة )، وذلك للدلالة أنَّ المرأة الدرزيَّة لها ذات الحقوق، والواجبات الدينيَّة مثلها مثل الرجل.
وفي صحة الأنساب عند الدروز، وصيانة العِرض والأعراض يقول المؤرخ الدكتور محمد كامل حسين في كتابه طائفة الدروز :
المرأة الدرزيَّة أعفُّ نساء العالم وأشدَّهنَّ طهارةً ومحافظةً على شرفها.
المرأة الدرزيَّة، ماسكة الدين وحاضنة العقيدة ...
لا ينحصِّر دور المرأة الدرزيَّة على الإنتخاء في المعارك فحسب، أو تكديس العِيال أو تدبير الشؤون المنزليَّة، بل فُتح لها باب الدين على مِصراعيه دون مِنَّة أو تمنين من أي جهة كانت.
كان لها أن تحضِن اولادها وعيالها، في القلب.
وكان لها أيضاً أن تحضن العقيدة، في العقل.
ومَنْ لمعشر بني معروف خير مِثال من الأميرة السِّت زهر أبي اللَّمع سليلَة أُمراء دروز في السياسة، وحبيبة الله في العقيدة والتقوَّى والإيمان.
يقول اللورد الإنكليزي تشرشل عن عائلة أبي اللمع لمَّا زار لبنان في القرن التاسع عشر، إنَّ هذه العائلة كانت على دين التوحيد أباً عن جد، وقد اعتنقوا الديانة المسيحيََّة كلهم دفعةً واحدةً ما عدا أميرة واحدة بقيَت على دين آبائها وأجدادها ورفضت التنصُّر وجاهرت بالبقاء على دين التوحيد، هي الأميرة الفاضلة السِّت زهر أبي اللَّمع.
وقد ذكر التاريخ الصحيح غير المُزوَّر وما أكثره في تاريخ لبنان أنَّ صليما تلك القرية ( موطن أجدادي ) كانت عاصمة الإمارة اللمعيَّة، وعندما بدأت موجة التنصُّر الى الديانة المسيحية، كانت عائلة أبي اللمع مِن جملة العائلات التي تنصَّرت.
ويقال أنَّ ذويها غضبوا عليها لأنَّها لم تسلك مسلكهم في اعتناق الديانة المسيحية، وزاد غضبهم عليها لأنَّها حرمتهم من ميراثها الكبير.
ويقال أيضاً إنَّ أخاها الأمير صمَّم على قتلها، فأتى إلى صليما وترجَّل عن جواده شاهراً سيفه بيمينه، فما أن وطأت قدماه داخل قنطرَة قصر السِّت زهر حتى سقط ميتاً.
وبسبب قرار الأميرة السَّت زهر البقاء على دينها، اعتبرها دروز القرية، ومن ثم الدروز عامة « وليَّة »، يضيئون على قبرها الشموع والسُرج ويزورون مدفنها للتبرُّك والتبتُّل والدعاء.
تُعتبر الأميرة السِّت زهر أبي اللَّمع من فُضليات النساء صاحبات العقل الراجح والرأي السديد والأيمان الثابت.
كانت تُناظر الرجال في العلم والمعرفة وتقارعهم بالحجَج
وتترَّبع على عرش المحامِّد والمكارِّم وفضائل الأخلاق.
وكانت تُقيم لأعمال البر والإحسان صدارةً في أولوياتها، وقد انتقدت أهلها وذويها في اعتناقهم الدين المسيحي، لانحرافهم وراء فوائد مادية وسياسية آنية، لا كرهاً بدينهم المتوارَّث عن الآباء والاجداد، ولا حُباً بالدين الجديد.
قبل وفاتها بالعام ١٢٣٠ هجرية أوقفت أملاكها الشاسعة، وقصرها في صليما لعائلتي سعيد والمصري ( عائلتين درزيَّتين ) مناصفةً.
أمَّا قصرها المنيف والشامخ في صليما أصبح مركزاً للتعبُّد يقام فيه مجلس القرية.
هذه أميرة درزيَّة سطرَّت بالايمان ما لم يقدِّر عليه الرجال. إنَّها الأميرة السِّت زهر أبي اللّمع.
هذه أميرة.
وهذه سِت درزيَّة.
إنَّها منبع إيمان.
إنَّها حاضنة عقيدة.
إنها مُدافِعة عن عقيدة.
خلاصة القول، إنَّ المرأة الدرزيَّة تستحِّق الإجلال والتعظيم، ويصُحُّ فيها قول نابليون بونابرت :
( إنَّ أمنع الحصون المرأة الصالحة ).
وما قصة السِّت شعوانة الدرزيَّة، إلا مثلاً أعلى للنساء المؤمنات المحصَّنات العفيفات، التي فضَّلت الآخرة على الدنيا والمنزلَة الرفيعة عند خالقها عن المنزلة عند الخلق، حتى لحقَت بالصالحين الأبرار، ومأواها جنة الخلود حيث يسكن الأخيار.
أخيراً وليس أخراً …
يستغرب المراقب صافي الذهن، وثاقب البصيرة أنَّ المرأة الدرزيَّة في بلاد الشام الآن، متوقفَة أمام عجلة التاريخ، ينظر اليها وهي ترجع إلى الوراء، ولا تتقدَّم خطوات إلى الامام.
والملاحظ أنَّ دور المرأة الدرزيَّة فِي لبنان، وعلى الصعيد السياسي الحالي، وبعد قفزات الرجال نحو صحراء الحلول الاجتماعية والوطنية، لا بل الحياة اليوميَّة في شَتَّى المجالات الخدماتية متوقِّف، وأحياناً يتقهقَّر الى الوراء، مُخلِّفاً تهميشاً لدور المرأة غير مقبول أو مسموح.
أين انتُّن يا معشر الموحِّدات الدرزيَّات اليوم، من امتشاق عصا السياسة وركوب موجة التغيير التي تَلِّف الكون على بساط من ريح، لأنَّ أوضاع المناطق الدرزيَّة مِن قرى وبلدات تستدعى تدخلكُّن عاجلاً وليس آجلاً.
لن أصول وأجول في ميدان المجتمع المدني والثقافي والأدبي والتأليفي والأكاديمي والفني للمرأة الدرزيَّة فِي لبنان، لان الرايَّة معقودة للرائدات الدرزيَّات حيث لا يلحَق أو يشِق غُبارهُّن كان من كان.
فالعذر مقبول منكُّن، والعفو موصول إذا لم أُصفصِّف عقداً من اللؤلؤ بأسمائكنَّ، وعِطر أعمالكُنَّ وما أجمل أن أُنهي مُدوِّنتي بسيرتكُنَّ، وعنفوانكُنَّ، وجمالكُنَّ.
رجاءً
رجاءً
ترشحن فِي انتخابات البلديات.
فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا
نيسان ٢٠٢٥
جازاك الله بكل خير..كلامك(بفش الخلق).
ردحذفمشكور استاذ احسنت النشر المرأة الدرزيه اخت الرجال وعنا امثله كثيره من سيدات رائدات بالثقافه وتحمل المسؤولية في السياسه والاقتصاد والقانون وأكثر مجالات الحياة
ردحذفما شاء الله ....
ردحذفأدليت بحقائق دامغة.. فأجدت وأبدعت ...
حياك الله وحيى أصلك