يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الجمعة، 22 فبراير 2019

وقبل العودَّة ، أحِّنُ إلى لبناني ولبنانكم، وليس لبنانهم.

نشر من قبل Faissal El Masri  |  in دراسة  7:18 م

وقبل العودة، أحِّنُ الى لبناني ولبنانكم
وليس لُبنانهم
هذه كلية الحقوق بالصنائع
هذه جامعتي


المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها :

لم أعُد أستغرب قول كل مُتشائم مِن مُستقبل لبنان إن تأوه ألماً مثلما شهق زفرةً تلو الزفرَّة أخر ملوك الطوائف في الأندلس أبي عبد الله محمد الثاني عشر وهو يغادر غرناطة، إذ إنهمر دمعه  وأجهش  بالبكاء

فصاحت به أمه عائشة
"أجل، فلتبكِ كالنساء مُلكاً لم تستطع أن تدافع عنه كالرجال".

ولم أعُد أُناقش بأن المنَّ والسلوى ( ماء، كهرباء، طرقات، عدل، أمن، وقضاء وكرامة وطنية ) قد حُرمنا مذاقها في لبنان، بل إلتهمتها بطون السلطة هدراً ونهباً وسرقةً

وقبل عودتي الى ربوع الوطن إحتاحني الحنين الى لبنان الذي أعهده، حتى أتناسى ما تتناقله وسائل الإعلام في لبنان

وقد لفتني السرعة القياسيَّة في كشف المستور قبل أن يستتِّب أمر الحكومة العتيدة في القبض على الرقاب والعباد، حيث سمعنا صراخ إحدى وصيفات ملك من ملوك الطوائف في لبنان، ( وهي نائب في البرلمان ) فأمسَّت شمسها تقدح ناراً ولهيباً في مسرحيَّة  هزليَّة  مُقيته  ومُمِلَّة أبطالها من مُمثلين لملوك أُخَرْ  …

في الولايات المتحدة الاميركية تتفوَّق بعض محطات Fake news. مثل CNN وأخواتها، بأن مُقدمي البرامج يُشترط حيازتهم على أعلى شهادات الكذب والنفاق والإفتراء، وعلى إختلاق الفضائح الجنسية، والتنقيب عن  العنصرية  العرقيَّة البغيضة

في لبنان
تشترط  ( بعض ) محطات التلفزَّة أن يحمل مُعدِّي حلقات النقاش شهادة في التهريج والقهقهة من أهم سيرك عالمي مُتجوِّل

كذلك مِن شروط مَن يقدِّم  أخبار الغد والفلك، والنجوم والرؤية، عليه أن يتأبَّط شهادة من مدرسة ( هاري بوتر ) للتنجيم  …

أخيراً
لن أقول مثلما قالت والدة أخر ملوك الطوائف في الأندلس
لأن خسارة لبنان ستكون كارثية فالبكاء والنحيب لن ينفع وقد نُصبح مثل عرب الأندلس المسلمين  الذين بقوا في اسبانيا ( الموريسكيون ) الذين خُيرِّوا بين إعتناق المسيحية  أو ترك اسبانيا

ونحن سيكون خيارنا الهجرة أو البقاء والعيش في عفونة الأيام
أثبت التاريخ أن الوطن عندما يتآكل البنيان المرصوص مِن حُكَّام على طراز ملوك وأُمراء الطوائف في أواخر الحقبَّة  الأندلسية، فإن الهوان والذل والسقوط لا بُدَّ أنَّه آت …  
هذا ما نرجو إستبعاده إذا فاقَّت ضمائر حكام لبنان من السُبات الطويل والمُهين

مِن لبناني ولبنانكم
أقتطِّع مُقدمَّة روايتي ( كراون دايسي، وكريستل ). 
أتذكَّر معكم كلية الحقوق في الصنائع ( بيروت / لبنان ). 
وأقول لكم  …
هذا لبناني ولبنانكم
هذه جامعتي
كانت أرقى كلية حقوق في لبنان، والمنطقة العربية

إنَّ قصة ( كراون دايسي وكريستل )، هي من واقع الحياة، وليست أسطورة كشقيقتها ( إمرأة الوادي المُقَدَّس، مُن تأليفي أيضاً ) فهي تُقارب الحقيقة وتُصلح أن تكون سيرة ذاتية للعديد من الْقُرَّاء

كراون دايسي، هي زهرة بريَّة تنمو في جبال لبنان وهضابه وسهوله ويُطلق عليها باللغة العربية، أُقحوان إكليلي برِّي

أما ( كريستل ) فهو إسم، الغنج  والدلال او ( الدلع ) لبطلة هذه الرواية

أحداث هذه القُصَّة حصلت في إحدى جامعات لبنان في أواسط ستينات القرن الماضي، ومعظم أحداث هذه القصة حقيقيَّة، مع بعض تعديلات لزوم السرد القصصي

وإسم الدلع ( كريستل ) مُشتقّ من حجرة الكريستال المشهور بصناعتها معمل ( شواروفسكي ) العالمي.


أحداث هذه القصة حصلت في حَرَّم احدى جامعات لبنان، في اواسط ستينيات القرن الماضي، حيث كانت أروقة وقاعات إحدى الكليَّات مسرحاً ومكاناً لهذه الرواية

كانت الجامعات اللبنانية، في ذلك الوقت  من الزمن أرضاً  وحقلاً خصبة للأفكار التحرريَّة، في عالم عربي مُدلهِم  ومُكْفهِّر، مُدجَّج بعقليَّة حُكَّام  تعود الى أزمنة تخلُّف وتقهقُر فكري ومعنوي

كانت عقلية شباب ذلك الزمن تنحو إلى تطلُّعات مستقبليَّة  زاخرة بالاحلام
وزاهية بطُموحات تصّل الى حدود السماء، بعد أن  ظنُّوا  واهمين  أنَّ  الاستقلال من نير الاستعمار الفرنسي هو طريق الخلاص، والبدء بالسير في درب تكافؤ الفرص، وتطبيق مبدأ سيادة القانون.  

من بين شباب وشابات الجامعة، إلتقى شاب بإحدى الشابات

هو، يرجع في أصله وفصله، إلى عائلة معروفة بين الأهل، وقد جار الزمن على جَدّ هذه العائلة، بأن رزح تحت وطأة نكبة الحرير، والمادة الجديدة النايلون المُبتكرة، حيث تمَّ إغراق الاسواق العالمية  بالنايلون، وإغلاق معامل الحرير في طول البلاد وعرضها، فبيعت الاراضي، وحُجزت الاملاك، تسديداً للديون

أما هي، فإنَّها تنحدّر من أُسرة ثريَّة يرافقها ويُصاحبها نُفوذ واسع، ونُبلٌ في التعاطي وعفوٌ عند المقدرة

كانت هي  … 
إن دَخَلت الجامعة، لا يُدرك أي  شاب أو  شابة من رفاقها، مدى  الثراء الذي تتمّتع به، ووفرة النعيم الذي تعيش فيه، لأنَّ  تواضعها ينسحب إلى ملبسها، ودماثة خُلقها، وكانت إن خرجت تسير سيراً  إلى محطة توقُّف حافلة الركَّاب، ومن ثم تختفي.  


تشابكت وتقاطعت النظرّات، ما بين هذا الشاب وتلك الفتاة، كان يُلفتها 
جدِّيته، وإجتهاده  وإنكبابه على الدرس والمطالعة في مكتبة الجامعة

أما هو
فقد أذهله إنكبابها على تدوير زوايا الخلاف في ما بين زملاء الصف، فإن إختلفوا على الجلوس في الصف الأمامي، كانت تُعطي مكانها، فينفضُّ النزاع خجلا ً منها


ذات يوم،  لم تاتِ إلى  الجامعة كعادتها، وتكرَّر الغياب لأكثر من أسبوع، إفتقدها الطلاب والأساتذة، حتى أنَّ  أحد الأساتذة، سأل :
( هل يعلم أحد منكم عن سبب غياب زميلتكم ؟). 

ساد الوجوم والصمت قاعة المحاضرات، وأضاف المُحاضر، عجيب أمركم، تحلمون ببناء شركات  في مخيَّلاتكم، وتتراكضون نحو سراب المستقبل، ولا تفكرون حتى برفاق الدرب الطويل، ولا تعلمون ولا تعرفون من أنتم

إنتهت المحاضرة، وتدافع الطلاب للخروج، إلا هو ...
بقي على كرسيه يُفكر بملاحظة المُحاضر، وبدأت الأفكار تأخذه، كيف السبيل للوصول إلى عنوان سكنها، أو حتى رقم هاتفها

لم يطل الأمر كثيراً، فبينما هو شارد الفكر، وإذ بصوت أحد زملائه يناديه قائلاً :
في الباب ثمَّة  شخص يسأل عنك
نظر الى هذا الشخص، وإستغرب فهو لا يعرفه،  

تقدَّم  الشاب إليه  وقال له :
أنا شقيق زميلتك في الدراسة،  وهي مريضة طريحة الفراش،  لذلك ترجو منك أن  ترسل لها المحاضرات التي أُلقيت في غيابها، وقالت لي إذا سألك لماذا  (  أنا ) أجبه فوراً  بأنِّي أعرف أنَّك من الطلاب  الأنشط  والأذكى  في الدورة

أيام مرَّت قبل أن تعود وتتعافى زميلته إلى الجامعة، لكنَّها كانت ضعيفة، مُنهكة شاحبة الوجه، ومُتعبّة

تقدَّمت منه وشكرته على المحاضرات،  وسألته إن كان لديه بعض الوقت، لأنَّها عجزت عن فهم بعض  ما جاء فيها.  

وكعادته  دخل معها مكتبة الجامعة،  وسألها لماذا أتيت وآثار المرض لا زال  بادياً عليك، وعرض عليها ان يستمرّ في إرسال المحاضرات بشكل  يومي

ومن فرط شفقته الممزوجة بالاهتمام على صحتها، عرض عليها أن  يزورها طبيب عائلته القادم لتَوِّه من أميركا من دون مقابل

إستغربت هذا الاهتمام الممزوج بعاطفة قلَّ نظيرها، وأدركت في تلك اللحظة أنَّه لا يعرف مدى الغنى والترّف الذين تنعم بهما

أبدت جزيل شكرها، وقالت له، قد أستعين بك في حال لم تتحّسن ظروفي الصحية

في تلك اللحظة  لمعت في مخيلتها أن  تُبقي هذا الصديق الجديد، في جهله المُطَبق لوضعها المادي، وشعرت أنَّ هذا الاهتمام بشخصها  يُثير إعجابها، بالأضافة  الى إدراكها أنَّه  مُتمكِّن في الدراسة

في المكتبة
وضعت أمامها أحد الْكُتُب، وكانت عندما تُشير، وتُقلِّب صفحاته تقوم بسحب زهرة من كل صفحة، تُرِيد إستفساراً  أو  توضيحاً،  وتكرَّر ذلك في الكتاب الثاني والثالث، وكانت تنزع الأزهار ثم تُعيدها الى الصفحة ذاتها.

في المكتبة طال الشرح والتفسير، لكن تبَّين له أنَّها أجهدت نفسها كثيراً  فقال  لها ( سنكتفي بهذا القدر اليوم، وغداً نّكمل إن إحتجت تفسيراً ).

وعندما همَّت بالانصراف، إستمهلها وسألها :
( هل تستعملين هذا النوع من الأزهار كعلامة ماركر، Marker بين الصفحات ). 

أجابت  ب  ( نعم ). 

وأضافت :
( أُحِب هذه الزهرة، إنها زهرة بريَّة  تعشق الشمس، وتُحب الربيع، ومُتمردة لا تهاب الشوك من حولها، فيها اللون الأصفر هو قلبها، وفيها اللون الأبيض علامة نقاؤها، وتقول الأساطير إنَّها كانت تُستعمل إكليلاً  وتاجاً لأجمل النساء ). 

وتابعت مُتوجِّهَّة بالسؤال :
( أنت  من الساحل ولا تعرف هذه الزهرة، وانَّ إسمها زهرة أُقحوان إكليلي، ثم إستدركت، لكني أنا أُفضل إسمها بالاكليزية كراون دايسي ). 

أجابها فوراً :
للتوضيح، أنا أتحدَّر  من الجبل، وأعرف هذه الزهرة تمام المعرفة، لكنِّي لم أُعرها يوماً أي إهتمام، لكن من الآن وصاعداً أعِدك أنَّني كلما أنظر إلى هذه الزهرة، سأتذكرُك

علّت وجهها ابتسامة، ناعمة ...
رسمت خيوطاً حمراء على مُحَيَّاها خجلا ً...

فبادرها قائلا :

لقد أشرقت شمس  وجهك، وها أنت تبتسمين ...
ولكنها ازدادت خجلاً

وتواعدا إلى غدٍ آخر
وودعته وبقيت تنظر اليه وهي تسير وهو ينظر اليها
وكأنها نسيَّت معه سِراً لم تَقُله
وكأنه نسي معها سِراً لم يَقُله



هذا هو لبناني
سأعود إليك  …
كما عاد والدي إليه، بعد إغتراب طويل
هو إستراح
وأنا سأستريح  …

فيصل المصري
أُورلاندوا / فلوريدا

٢٢ شباط ٢٠١٩م

0 comments:

Blogger Template By: Bloggertheme9