يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الأحد، 17 فبراير 2019

هذا هو لبناني، هذا هو لبنانكم، هذا ليس لبنانهم.

نشر من قبل Faissal El Masri  |  in دراسة  4:46 ص

هذا هو لبناني
هذا هو لبنانكم
هذا ليس لبنانهم


المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها :

لامني ويلومني بعض الأصدقاء على إستعمالي تعبير ( الحُثالَةفي مُدونَّاتي التي أشرت فيها إلى بعض المؤرخين والفقهاء العرب

أعدكُّم بأنني لن أستعمل هذا التعبير في هذه المُدونَّة التي قررت أن  أنشرها بعد سماعي ( بعض ) جلسات مجلس النواب اللبناني أمس وأمس الاول، حيث إعتلى بعض نواب الأمة  منبر المزبلَّة  ليصيح  وكأنه الديك الفصيح على بيانٍ وزاريٍ جرى مسخه ونسخه  ليجسَّد آمال الأُمَة للشعب العنيد

فلا يلومني لائم إن لم أستعمل تعبير الحُثالَة في سيل مزاريب الغَثِّ التي ملأت أفواه بعض النواب حيث ضُرِب فيهم  فسادٌ في العقول، وحماقةٌ  في التعبير والتوصيف لا بعدها رداءة حتى في التأتأة



لا يغرنَّكُم أنَّي كنت أستمع إلى تلك المناقشات المُخزية، بل الذي كان مُستمعاً هو إبني الذي بادرني بالسؤال :

هذا هو لبنان الذي أخبرتنا وتخبرنا عنه ؟
هذا هو لبنان الذي كانت  لخيولك  صولات  وجولات أيام العِّز وشرخ الشباب ؟
هذا هو لبنان في مجلس نوابه حيث المبارزة الكلامية فيه، بَرَازٌ تلفظه الألسنة عِند قضاء الحاجة ؟

أجبته بعد أن أوجزت في الكلام :
هذا هو لبناننا نحن الذين عِشنا وترعرنا بسهوله وجباله وشواطئه  في أواسط القرن الماضي
وهذا سيكون لبنانكم أنتم الشباب والشابات إن أحسنتم الإختيار في الإنتخابات
وهذا ليس لبنانهم الذين شاهدتهم في مجلس النواب يتشدَّقون ويعلكون ويمضغون الغَثُّ، وإنَّي أَرى فيهم يأكُلون أربع سنين سنابل الوطن الخضراء، ويتركون لنا سنابل أُخر يابسات

وقبل أن أعطي إبني كتاب ( ناس وحكايا، للكاتب أكرم سليمان سلمان ) ليقرأه ويعرف لبناننا

قرأت عليه قِصَّة سردها الصديق أكرم سلمان في كتابه عن القاضي سعيد بك زين الدين من عين قنيه / الشوف، لبنان والذي عاش ما بين ( ١٨٧٧ - ١٩٥٤م.). وهو والد السِّت نظيرة زين الدين  صاحبة ( كتاب السفور والحجاب ) وكان رئيساً لمحكمة الاستئناف الاولى والمُدعي العام في لبنان والقدس

تقول القصة
( أن سعيد بك قرأ العنوان الرئيس في الجريدة  " إعلان إستقلال لبنان "، فنادى على أبي سليم وهو صديقه في القرية يلازمه دائماً  " تعالى يا حسيب وإقطف من شجرة التين ثمرة وكُلْها " فقال أبو سليم : كيف  آكلها يا  بك  وهي  ما زالت عجراء ؟ " قال سعيد بك " هذا ما قصدت به، أظن أننا لم ننضج بعد لحكم أنفسنا دون وصاية  أو رعاية من أحد كتلك الثمرة العجراء التي بين يديك ". 

بهذه الرواية أُنهي مُقدِّمتي


يقول الكاتب أكرم سلمان في كتابه ( ناس وحكايا ). 
( إعتمدت في هذا الكتاب أسلوب الأدب الشعبي الذي عُرف به الأديب الراحل سلام الراسي، وإن الغاية من هذا الكتاب إطلاع الأجيال الجديدة ( الشباب والشابات ) على ينابيع تقاليدنا وعاداتنا الموروثة من الأجيال القديمة والتي نفتخر بها ونعتز ). 

وكأن الكاتب أكرم سلمان يقول هذا هو لبنان، ليس لبنان الحالي.  

وقد أتى الكاتب على ذكر الأمثال الشعبية اللبنانية مثلاً، كأن تقول عندما تتلفَّظ باسم شخص ما فيحضر :
أذكر الذيب وهيِّء القضيب
ذكور الفِلِّ وشم ريحتو
إبن الحلال عند ذِكْرو بيبان

 ومِن التقاليد الموروثة الحداء والندب
يقول الكاتب أكرم سلمان أن الحداء هو تقليد يعود الى زمن قديم من التراث وهو كناية عن أهازيج تُطلق في المناسبات السياسية او الوطنية وهي تتضمن تعابير سامية ونبيلة تدل على السرور بالفوز

أما الندب فهو الشعر الذي يتناول الخصال الحميدة للمتوفي
وفِي كتاب ( ناس وحكايا ) عدة أبواب تتطرَّق كيف كان الشعب اللبناني من كافة الأطياف القاطنين في القرى والأرياف وفِي الجبال، عندهم المروءة، والصدق والأمانة، يطبقون مقولَّة جار الرضى وغيرها من الأبواب

قلت لابني :
هذا هو لبنان الذي أخبرتكم عنه

أخيراً

أتذكَّر، وأتحسَّر وتدمع عيني في هذا الفجر الفلوريدي البديع  كيف كانت خيولي تصول وتجول في لبناني

أيام الصبا والشباب
وبعدها، أيام كلية الحقوق في مقابل حديقة الصنايع
وقبلها، وبعدها أيام السهر في مرابع بيروت حتى الفجر، عائداً داخلاً منزل الأهل في صليما ماسكاً ( خفي حنين ) لئلا أوقظ من بداخله، يعترضني والدي يرحمه الله وعلى وجهه بشائر الخير، والاطمئنان لعودتي سالماً بعد ليلٍ طويل

قائلاً :
وكأن شمس الصباح بزغَّت، أمامي
وكأن كنوز الارض كُشفت. أمامي
وكأن القمر عاد ينثر ضوءه. أمامي

يعطيك العافي يا إبني
صباح الخير
يبتسم ويعود ليطمئن والدتي

هذا هو لبناني
هذا هو لبنانكم
هذا ليس لبنانهم

فيصل المصري
أُورلاندوا / فلوريدا
١٧ شباط ٢٠١٩م




0 comments:

Blogger Template By: Bloggertheme9