يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الأربعاء، 7 مارس 2018

المُوحِّدون الدروز، والتجديد ..

نشر من قبل Faissal El Masri  |  in دراسة  6:58 م



المُوحِّدون الدروز ..
والتجديد ..


توطئة :

سألني صاحبي، إذا قُمْت بنشر  كتابك  في  لبنان ( المُدونَّات الفيصليَّة  والمُوحِّدون الدروز ) مَن  سيُقدِّم،  مُقدِمَّة  كتابك ..

أجبته  دون  تردد، إما كمال جنبلاط، او  ميخائيل نعيمة، لو  كانا  أحياء ً ..
وعاد يسألني ..
وهل  لا يوجد  فَقِيه  حي ُّ، أو  مؤلف  كُتُّب  يعادلهما، حتى  يُقدِّم  كتابك ..

قلت : لا يوجد ..
 -  لان تفسير الفِقْه، وشرح  وتجديد العقيدة  عند الموحِّدين  الدروز  توَّقف  عند الامير السَّيِّد عبد الله التنوخِّي الذي جاء بعد حوالي خمسمائة سنة من الدعوة ..
( يراجع مُدونَّتي عن الامير السَّيِّد عبد الله التنوخِّي )

 - ولولا السياسة اللبنانية، التي أخذَّت وقته، وَمِن ثُم خطفَّت عمره، كان بالإمكان إعتبار المرحوم كمال جنبلاط المُجدِّد الثاني عند الموحِّدين الدروز ..
( يراجع مُدونَّتي، المُوحِّدون الدروز، والفقيه المُفوَّه كمال جنبلاط )

وقلت لصديقي حتى أُثبت قولي لك ..
جاء في كتاب الملاحم لأبي دَاوُدَ أن النبي محمد صَلَّى الله عليه وَسَلَّم قال :
( يبعث الله على رأس كل مائة عام من يُجدِّد لهذه الأُمَّة أمر دينها ) ..

وأضفت، أين هذا من ذاك ..

مِن هذا الحديث النبوي الشريف، تفهم يا صديقي، مدى هواجسي، ومخاوفي،  مِن عدم وجود مُجدِّد عند الموحِّدين الدروز، بعد رحيل الفقيه كمال جنبلاط، في عالم ٍ يعِّج  فضاؤه  بالذبذبات الرقمية العلمية، الصحيحة، وغير الصحيحة  وفي  متناول كل  من  يسكن على وجه هذه البسيطة ..

وقد ألمح إلى هذا الواقع الموجِّع في عدم إحياء التجديد عند الموحِّدين الدروز، المرحوم كمال جنبلاط في عدة مناسبات خاصة، وبالتفصيل  وبالاضاءة  علنا ً في مناسبة عامة  سنة ١٩٤٧  عند إفتتاح مدرسة العرفان التوحيدية  في  قرية السمقانية ..

( يراجع مُدونَّتي الموحِّدون الدروز، والنبي أيوب )



المُقدِمَّة ..

تأخرت كثيرا ً في نشر هذه المُدونَّة ..
سبق وأعددَّتها نزولا ً عند طلب قُرائي الأعزاء من جيل الشباب، والشابات الذين يتوقون شوقا ً لمعرفة بعض البديهيات في أمور ومسلكية دين التوحيد، لأن المؤلفات والكُتُّب المسموح نشرها والموجودة في الاسواق والمكتبَّات العامة لا تُرضي، ولا تُشبع، ولا تُقنع فضول المُثقفين والمثقفات، من الجيل الجديد، وحسبهم في ذلك ما قاله جبران خليل جبران إذا أردت أن تعرف، فلا تصغي إلى ما يقوله ... بل إلى ما لا يقوله ..

شخصيا ً .. 
أنتقي مواضيع مدوناتي بتؤدَّة، وفِي هذه لن أكتب سبب عدم التجديد إن كان يعود الى عدم المعرفة في بواطن العقيدة، او حتى المعرفة بها والامتناع يعود الى تطبيق مبدأ التقيَّة ..   



في هذه الْمُدوّنة، سأُلقي  ضوء ً خافتا ً، وبدون  ضجَّة، على عدم وجود محاولات من كُتَّاب، أو  مشايخ  أتقياء  في شرح أمور الدين لهذا الجيل الصاعد، تطبيقا ً للحديث النبوي الشريف المنوه به أعلاه .. 

كذلك سأشير الى محاولات المرحوم كمال جنبلاط في هذا الخصوص ..
وقد  أثبتت الأيام أن هذه المحاولات، إن كانت من رجال دين، او كُتَّاب  وصلت الى خواتيم مسدودة ..

إليكم  البعض، من البعض من هذه المحاولات ..

 بعد صدور كتاب الدكتور سامي مكارم ( أضواء على مسلك التوحيد )، ردا ً على كتاب السفير عبدالله النجار ( مذهب الدروز والتوحيد )، طلبَّت المرجعيات الدينية في ذلك الوقت وقف هذا الكتاب وسحبه من الاسواق ..

وبنفس الوقت جرى تكليف الدكتور سامي مكارم، وبعض رجال الدين الفاقهين، تأليف كتابا ً ردا ً على كتاب السفير عبد الله النجار ..

قبل طبع كتاب الدكتور مكارم، عُرضَّت نسخه منه على الفقيه كمال جنبلاط الذي رأى فيه بعد قراءته ضُعفا ً في بنيان المادة الدينية، وشططا ً، وخطأ ً في إصابة الهدف المنشود، وميلا ً إلى إثخان جِراح السفير نجار، بتعابير أمضى من الضرب بالسلاح ..   

قرر الفقيه كمال جنبلاط أن يدعم بنيان هذا الكتاب، ووضع له مُقدِمة، كانت بنظري تُماثل مُقدِمة إبن خلدون المشهورة، وقد أشرت الى ذلك في مُدونَّتي المذكورة سابقا ً  ..

أرسل الفقيه كمال جنبلاط نسخة من كتاب الدكتور مكارم إلى الفيلسوف ميخائيل نعيمه ..

أجابه الفيلسوف نعيمة بتاريخ ٢٤ نيسان ١٩٦٦ بما يلي :

قرأت كتاب الدكتور سامي مكارم أضواء على مسلك التوحيد الذي تكرَّمتَ عليَّ بنسخة منه، فكانت المقدمة الممتازة التي وضعتَها له  أهمَّ  ما إستوقفني فيه، إذ إنها جاءت عرضا ً وافيا ً ومركَّزا ً للنظرة الباطنية إلى الكون والإنسان، منذ أيام هرمس المصري وحتى أيام آتمانندا الهندي، مرورا ً بطائفة من أبرز المتصوفين، المسلمين وغير المسلمين .. 

وجليٌّ أن هذه المقدمة لم تكن غير الخلاصة لدراسات طويلة وعميقة قمتَ بها في حقل من حقول النشاط الإنساني لعله أخصبها، ثم لعله أقربها إلى قلبك وروحك، مثلما هو أقربها إلى قلبي وروحي ..

لست أجهل الظروف التي دَعَتْ لتأليف الكتاب ووضع مقدمة له من قِبَلك. فهذه لم يخلقها غير صديقنا الأستاذ عبد الله النجار بكتابه ( مذهب الدروز والتوحيد )، الذي تجرأ أن ينشر فيه على الملأ ما كان يُظَنُّ أنه مكتوم من العقائد الدرزية إلاِّ عن الذين اكتسبوا حقَّ  الاطلاع عليه،  وهم المعروفون بين تبَّاع العقيدة بـ"الأجاويد" ..

ويبدو أن كتاب السيد عبد الله النجار قد أثار سؤالين كبيرين في أذهان إخواننا الأجاويد :

أولاًهل يجوز أن تُنشَر العقيدةُ على الملأ ؟ 
والذي إنكشفت له قبل ألف عام قد حدَّد فسحة ً من الزمان لنشرها، ثم أقفل بعدها الباب، وحرَّم على الذين إعتنقوها، ضمن الفسحة المحدَّدة، أن يبوحوا بها إلاَّ للمستحقين  منهم  ومن ذرِّيتهم، إلى أن يكون " كشف " جديد ..

ثانيًاإلى أيِّ حدٍّ أصاب عبد الله النجار في عرض العقيدة وما يتفرَّع عنها، وإلى أيِّ حدٍّ أخطأ ؟

أما أنت فقد إنبريت إلى الإجابة على السؤال الأول،  وهو الذي يهمني ..

وإنبرى المؤلِّف للردِّ على السؤال الثاني، وهو الذي لا أملك المؤهِّلات ِ للخوض فيه، وإنْ كان يشوقني أن أرى الوجهَ الصحيحَ للعقيدة كما يراه أهلُها ..

لقد شددتَ كثيرا ً على قدسيَّة الحقيقة الروحية كما إنكشفت لنفر من المستنيرين عبر العصور، وشدَّدتَ أكثر من ذلك على حرمة تلك الحقيقة وضرورة كتمها عن الذين لم يبلغوا بعدُ ذلك المستوى من التفتُّح الروحي والنضج الخُلُقي الذي يؤهِّلهم لاقتبالها وصيانتها من الفساد،  وهؤلاء هم الكثرة الساحقة في الأرض .. 
وإستشهدت في تبرير هذا التكتُّم هرمس وأسراره، وأسرار دِلْفي، وما جاء على ألسنة عدد من المفكِّرين الباطنيين، شرقا ً وغربا ً، وبعض الجمعيات السرِّية التي لا تزال على قيد الحياة ..

وكان بإمكانكَ أن تستشهد بالسيد المسيح كذلك، حيث قال
"لا تطرحوا دُرَرَكم قدَّام الخنازير لئلا تدوسها بأقدامها ثم تعود فتمزقكم." [إنجيل متى 7: 6] .. 

فما أكثر ما تناول غير المؤهَّلين أسرارا ً سماوية فاستخدموها لأغراض شخصية، أرضية، فكان ذلك وبالا ً عليهم، وقط لم يكن وبالاً على الأسرار ذاتها .. 

إننا قد نُسيء إستخدام الحقيقة، ولكننا لا نستطيع تشويهها .. 
ولنا اليوم في أسرار الذرَّة خير المثال على ذلك
فقد يهدم الإنسان بالذرَّة حضارات ٍ متعاقبة ً شادها بكدِّ النفس والجسد، ولكنه لن يهدم الطاقة الكامنة في الذرة، ولو كان له الفهم الكافي لبنى له بالذرة عبَّارة ً من الأرض إلى السماء،  من عالم المحسوسات إلى عالم وراء المحسوسات .. 

فهل نقول إن سرَّ الذرة قد إنكشف للإنسان قبل الأوان ؟ 
أم نقول إن الذي كَشَفَه قد أخطأ في الحساب ؟ 

ومن ثم َّ .. 
متى كانت الحقيقة قابلة للإحتكار من الناس ..



  أليس أنها كالشمس، تشرق على الأبرار والأشرار بالسواء فشأن البارِّ
أن يهتدي بنورها إلى البِرِّ، وشأن الشرير أن يستخدم نورَها للشر .. 

فيلقى الأولُ ثوابَه ..
ويلقى الثاني عقابَه .. 
 إذا كان لنا أن نحتكر نورَ الشمس، أو أن نبيحه للبعض ونحجبه عن البعض، كان لنا أن نحتكر الحقيقة، فنحصر نورَها في طائفة من الناس دون كلِّ الناس فلا مبرِّر، في نظري، للضجة التي أثارها كتابُ عبد الله النجار، ولا لتحريمه على الموحِّدين وغير الموحِّدين ..

على الزارع الصالح أن يلقي بذارا ً صالحا ً، وليس عليه أن يعرف أين تقع كل حبَّة من بذاره، على الطريق، أم على الصخر، أم في حقل كثرت فيه بذورُ الشوك، أم في تربة كلُّ ما فيها مُهيَّأ لاقتبال تلك الحبَّة .. 


 وخلص الفيلسوف ميخائيل نعيمة الى القول :
ومن ثُم فالحقيقة ذاتها تفرض على الذين إهتدوا إليها أن يهدوا غيرَهم إليها، وتأبى أن تكون مِلكاً لأيِّ إنسان أو لأية جماعة من الناس
" مجانًا أخذتم، مجانًا أعطوا " [إنجيل متى 10: 9].

أرجو أن لا تبدو لكَ هذه الملاحظات السريعة كما لو كانت تقلِّل من قيمة مقدِّمتك، في نظري ..
فحسْب الكلمة قيمة ً أن تدفع الفكرَ إلى أجواء أبعد وأرحب بكثير من التي نعيش فيها بأجسادنا ..





هذه هي، كانت العلاقة ما بين الفقيه، والفيلسوف ..
وإستمرَّت ..
بعد المُقدِمة، والرد عليها ..

فيصل المصري
أُورلاندوا / فلوريدا 
٨ آذار ٢٠١٨ 



0 comments:

Blogger Template By: Bloggertheme9