يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الثلاثاء، 20 فبراير 2018

المسيحيون العرب ...

نشر من قبل Faissal El Masri  |  in دراسة  6:27 م


المسيحيون العرب ..
ما زالوا ذهبا ً للأمَّة العربية في الكيل والميزان ..


توطئة :


مما لا شك فيه، إن العرب قبل الاسلام كانوا في صراع عقائدي، فلا يمكن القول أنهم إهتموا فقط بالشعر، والناقَّة، والفرَّس، والغزو، والسبّي، ومارسوا وئد البنات، وتركوا الخلق والخليقة، والكون، وخالقه، ومُبدعه، ومدبِرُه .. 

بكل أسف، لم يلْق َ الصراع العقائدي  للعرب  قبل  الاسلام، عند بعض المنقبِّين، والبحاثَّة  أي  إهتمام  وهو الجانب المتعلِّق بالذين وحدوّا الله وهم فئة أهل الكتاب من العرب ..  

وأهل الكتاب، هم شريحة كبيرة من العرب من معتنقي اليهودية، والمسيحية في الفترة التي سبقَّت الاسلام ..

وَمِمَّا لا شك فيه، ان هذه الفئة، كان لها شأن كبير في الحياة اليومية للعرب، آنذاك .. 

في إنسيكلوبيديا لاروز، عن تطّور الأديان ..
يوضح  الدكتور جواد علي  المفصِّل  في كتابه، تاريخ العرب قبل الاسلام ..

إن العرب هم موحَّدون  بطبعهم،  وإن ديانتهم، هي من ديانات التوحيد ..
يراجع في ذلك ..
 - في سورة الروم ..
 - وفي سورة الإنعام .. 
من القرآن الكريم  ..


وفي كتابه، بلوغ الإرب في معرفة أحوال العرب للألوسي، يقول ..

إن العرب الأوائل، كانت على ملِّة إبراهيم ، فآمنت  بآله واحد وأقامت  لوجهه الشعائر، ورفعت البيت، وحجَّت اليه فكان حرَّمه عظيما ً..

شخصيا ً ..
آليت على نفسي أن أغوص في هذا البحر الإيماني، والعقائدي الذي سبق الإسلام، وأسبر غوره، وأمشي على ضفافه مُنقِّبا ً باحثا ً عن أحجار ثمينة،  لأني فُطِّرت على قول المتنبي الذي قال يوما ً وأصبح مضربا ً للمثَّل

لكل إمرئ ٍ من دهره ما تعودَّا ..
وقد تَعوَّدت أن أعيش دون أن أسأل من يُجاورني بالسكن، أو يُرافقني الطريق، أو يصادقني ما هو دينك ..

لأني ما زلت أؤمن بالحديث النبوي الشريف القائل .. 

ما زال جِبْرِيل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورِّثه ..
  
ولَم يُحدِّد جِبْرِيل للنبي العربي، دين أو مذهب الجار ..

المسيحيون العرب، كانوا جيرانا ً وأخوة، وأهلا ً لباقي العرب من كل الأديان، والمِلل ..

رُب َّ سائل يسأل ..
لماذا هذه المُدونَّة التي تدِّق دقّا ً في عنوانها ..

الجواب ..
لأن أحد القرّاء، إتهمني زورا ً وبطلانا ً بأن مُدونَّاتي عن الموحِّدين الدروز، ما هي إلا شحن طائفي، ومذهبي ..

ردِّي لن يكن في مستوى تفكيره الطائفي والمذهبي المُتمنطِّق به هو أو غيره من مُثيري الفتن، بل في مُدونَّة راقية، أكيل في ميزاني ذهبا ً ما يشحذه تفكيري، عن المسيحيين العرب ..

ولا يسعني في أخر هذه التوطئة، إلا أن أتساءل هل الزمن غدر بالعرب، أم العرب هم الذين غدروا الزمن الذي ضحك، وما زال يضحك لغيرنا من الأُمم، والشعوب ..

وأقول، ولطالما لا نعترف بالرأي الاخر فيما بيننا، سنبقى نحن العرب نغدر بَعضُنَا البعض، ولا نستثني حتى الزمان من غدرنا ..

وإليكم مُدونَّتي، عن عقيدة دينية غير عقيدتي أحترمها،  وأُقدِّرها، ولي في أهلها أعز، وأوفى الخلاَّن، والاصحاب ..

المُقَدِّمة :

يقول الطبري، وأبي الفداء، والمقريزي، وإبن خلدون، والمسعودي أن تلامذة المسيح عليه السلام بشرّوا في أصقاع الجزيرة العربية، وقد تنصرَّت قبائل عدة أمثال :
 - والمناذرة، مؤسسي المملكة العربيّة جنوب العراق ..
 - والغساسنة، مؤسسي المملكة العربيّة في الأردن وجنوب سوريا سيّما حوران .. 
 - وعدد من القبائل الأخرى ..

بعد ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي، إعتنقت بعض القبائل العربية المسيحية الدين الجديد، وتم حفظ أغلَّب الكنائس والأديرة ..

في الخلافة الأموية، وفِي صدر الخلافة العباسية الاول بقيَّت حريَّة ممارسة الشعائر الدينية للمسيحيين، دون قيود ..

أما في خلافة المتوكل، بالعصر العباسي الثاني تعرّض المسيحيون إلى اضطهادات جمّة وسوء في المعاملة، أدى ذلك إلى إختفاء المسيحية بين بعض القبائل العربيّة من جهة، وهجرة الحضَّر من المسيحيين نحو الجبال على سواحل البحر الأبيض المتوسط .. 

بقي المسيحيون العرب في مناطق عدة من الجزيرة العربية وبلاد الشام، لهم وجود ثقافي، علمي، وقد أدَّت الإكتشافات الأثرية في شبه الجزيرة العربية، واليمن إلى ظهور أطلال الكنائس، والأديرة وبعض الكتابات ذات المدلول الديني ..

يقول المؤرخ المسيحي روفينوس، والمؤرخ هيرويزوس أن اليمن كانت موطنا ً مهما ً للمسيحيين العرب، كذلك كانت الحبشة موئلا مهما ً لهم ..

وفِي ذلك يقول المسعودي، نقلا ً عن سيرة الرسول لإبن هشام، أنّ المسيحية العربية تقوَّت خلال القرن الثاني الميلادي ودخلت في خصومة مع اليهود العرب، بدء ً من القرن الثالث الميلادي .. 

أما المؤرخ العربي الثعالبي، والمؤرخ الفارسي الفيروزبادي يقولان أن
أغلب ملوك اليمن وشعبه كانوا من المسيحيين ..

كذلك يقول المؤرخ العربي ياقوت الحموِّي :
أن العرب المسيحيين من قبيلة بني تميم من كبريات قبائل العرب، كانت تقيم وتسكن في السواحل الشرقية للجزيرة العربية، في قطر، والإمارات، والبحرين الْيَوْمَ، وجنوب العراق جنبا ً الى جنب مع إخوانهم العرب الوثنيين أو من معتقدات دينية أخرى ..
وقد ذكر ياقوت الحموِّي أن
الشاعر طرفة بن العبد.  
والشاعر إمرؤ القيس.  
وقس بن ساعدة الايادي
كانوا على دين المسيحية ..
 كذلك الملك جذيمة الابرش الذي إتخذ من الأنبار عاصمة له، وقد تعاقب نسله في سلسلة من الملوك المسيحيين حتى الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي ..

ويضيف إبن خلكان المؤرخ العربي، أن ما ذكره المؤرخ البكري في كتابه ( معجم ما إستعجمأن جميع قبائل العراق يمانية الأصل، قد تنصرَّت بما فيه تيم، اللات، وكلب والأشعريون، وتنوخ، ومنها إنتقلوا نحو البحرين، وذلك خلال القرن الرابع الميلادي ..

وقد ذكر المؤرخ العربي المقدسي، وأيده فيما بعد أبو الفرج الأصبهاني، أن المسيحيين العرب سكنوا في مكة، وكان لهم مقبرة خارج مكة على طريق بئر عنبسة، كما وأن بعض أسر قريش إعتنقَّت المسيحية، منهم عبيد الله بن جحش، وعثمان بن الحويرث، وزيد بن عمر، وورقة بن نوفل وآخرون،  وقد أيد هذا القول لاحقا ً إبن هشام في سيرته ..

أما في يثرِب ( المدينة المنورة الْيَوْمَ )، يقول إبن تيميَّة، والمؤرخ العربي الزمخشري أنه كان يسكن يثرِب طائفة مسيحية من المريميين، والداوديين نسبة الى النبي داوود ..

وحسب ما جاء به المؤرخ الطبري، أن قبر أحد تلامذة المسيح موجود في وادي العقيق المجاور لمدينة يثرِب ..

أما المُستشرِّق سوزومان يقول :
أن العرب عموما إعتنقوا المسيحية بجهود الكهنة، والرهبان وزادت قوة المسيحية بتنصُّر كبرى القبائل، فإنتظمت في أبرشيات عديدة ورسم عليها جاثليق ( تعني أُسقف ) .. 

ومن أسماء الأساقفة العرب الذين حضروا المجامع المسكونية في القسطنطينية، الحارث و عبد الله و وهب الله ..

حركة الترجمة :
إشتهر العرب المسيحيون بالترجمة، وبقيوا على هذا المنوال بعد إنتشار الاسلام في الخلافتين الأموية والعباسية، ونبغ منهم أعلام زادَّت في الثقافة العربية الاسلامية، الى حد كبير بإعتراف العرب أجمعين ..

بدأ نشاط المترجمين للكتاب المُقَدَّس، إلى العربية ..
ومن أشهر المترجمين العرب المسيحيين قبل الاسلام طيطس رئيس أساقفة بصرى ..

كذلك، سبق وقلنا ان اليمن كانت مسكنا ً ومقاما ً للمسيحيين العرب، وقد أدخلوا الخط السرياني الى القبائل العربية الامر الذي ساعد في تطوير وبروز الخط العربي الى الواجهة في التدوين والترجمة، ويقول إبن خلدون، وإبن هشام، ويؤيدهم ياقوت الحموِّي أن الرهبان المسيحيين العرب كان لهم الفضل في بسط الخط العربي ..

أما فيما يتعلق بعروبة، وقومية المسيحيين، وحروبهم ضد سيطرة الحبشة على شبه الجزيرة، فإني أذكر وأستشهد بكتاب أنساب العرب ل سلمة بن مسلم الذي قال أن المقاومة العربية بدأت بشخصية سيف بن ذي يزن العربي المسيحي الذي قاد المعارك، وشن الحروب من أجل إستقلال الجزيرة العربية ضد كل معتد ٍ، وقد خلفه من بعده إبنه معدي كرب ..


المسيحيين العرب، بعد الاسلام ..

لا يختلف إثنان ان اللغة العربية التى وردَّت في القرآن الكريم كانت إعجازا ً لغويا ً ..

يقول المؤرخون العرب، ويوافقهم الرأي المستشرقون الأجانب أن المصطلحات والألفاظ التي إستخدمها القرآن الكريم مثل :

النصرانية
عيسى بن مريم
رهبانية
ناسك
يحي
يونس
حواريين
هي مصطلحات كانت سائدة عشية الإسلام، وإستمر الفلاسفة العرب المسيحيين، والمسلمين على إستعمال هذه المفردات حتى أواخر القرن التاسع عشر عندما أقرَّ احد المجامع المسكونية في بداية القرن العشرين على إستبدال بعض المصطلحات من المُسَمَّى اللغوي القديم الى أخر جديد، مثلا ً :

المسيحية، بدلا ً من النصرانية
ويسوع، بدلا ً من عيسى بن مريم
أما لفظة الكاهن، لم يستعملها المسيحيون العرب إطلاقا ً، بل كان رجل الدين يُطلق عليه ( قِس للمفرد، وقُسسا ً للجمع ) لان المسيحي العربي كان يعتبر الكاهن هو كل من تعاطى السحر، والشعوذَّة، كما ورد في كتاب لسان العرب ..

وقد جاء في كتاب الوفادات، للمؤرخ نضال الصالح ان المسيحيين العرب، لم يكونوا في مواجهة مع الإسلام طوال البعثة النبويّة، إذ كان النبي محمد مشغولا ً بمقاتلة وثنيي قريش، ويهود يثرِب ..

وللدلالة على عدم محاربة المسيحيين العرب للدين الإسلامي الجديد، فإن هجرة المسلمين العرب كانت الى الحبشة المسيحية، هربا ً من الاضطهاد الذي لاقوه على يد قريش ..

بعد وفاة النبي محمد عادَّت عدة قبائل عربية، كانت قد إعتنقت الإسلام، إلى المسيحية ..

ويعتبر المؤرخون والفلاسفة العرب الصادقين ، والمفكرين من عامة الناس أن :

 ( أول حرب أهلية طائفية بين عرب مسيحيين، وعرب مسلمين، كانت في أيام الخليفة الراشدي الاول أبو بكر الصدِّيق، الذي جرَّد جيشا ً بقيادة خالد بن الوليد أفضى الى مجازر، أتى على ذكرها التاريخ ..

أما الحديث النبوي الشريف الذي أخرجه عمر بن الخطاب والذي مفاده أنه لا يجتمع في جزيرة العرب دينان، كان الضربة القاضية على التواجد المسيحي المُكَثَّف في الجزيرة العربية ) ..

وتعقيبا ً على الحديث النبوي الشريف الذي إستخرجه الخليفة عمر بن الخطاب، يقول إبن النديم في كتابه الفهرست، أن الخلافة الاسلامية الراشدة، ومن بعدها الأموية، والعباسية لم تنفذ هذا الحديث بعد وفاة الخليفة عمر بن الخطاب بدليل، تعاظم الدور الهام المسيحي السياسي، والاجتماعي، والعلمي في عدة مجالات ..

وأخيرا ً وليس أخرا ً ..

وبالرغم من حروب الربيع العربي التي تطحَّن المُقَدَّسات الاسلامية، والمسيحية على حد ٍ سواء ..

وبالرغم من عمليات التهجير، والبطش، والعداء السافر ضد المسيحية في سوريا، والعراق خلال حرب هاجوح وماجوج الاخيرة ..

أقول، وحسبي الله ونعم الوكيل ..
المسيحيون العرب، ما زالو ذهبا ً في الكيل والميزان، إن بَقُّوا في ديارهم السورية والعراقية .. 
وإن جرى تهجيرهم من أرضهم، بعد هذه الحرب ..

أقول .. 
لا عَتَبَّا ً إن دار الزمان وجهه عن العرب ..
لأن الزمان، ليس بغدَّار ُ ..
بل شيمَّة الغدر، من في قلبه، غِل ٌ ونار ُ ..



فيصل المصري
أُورلاندوا / فلوريدا

٢٠ شباط ٢٠١٨  

0 comments:

Blogger Template By: Bloggertheme9