يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الأربعاء، 1 مارس 2017

النخْوة العربية، في القرى اللبنانية ..

نشر من قبل Faissal El Masri  |  in دراسة  2:59 م

النخْوَة العربية في القرى اللبنانية. 
بالعامية، العونة. 

 - المقدمة :

قال أحد الحكماء ...
وبينما كنت أمتطي صهوة جوادي في البراري ..
إستوقفني إعرابي يبدو عليه التعَّب، وطلب مني أن أُعينه في إمتطاء الفرس، بدلا ً مني ..
أمسكته اللجام ..
وقدمت له الحصان ..
أطلق، وشَّد العنان له ..
وبات الفرس، على جري عادته، كالشهب يعدو مُسرعا ً ..
وقبل أن يُمسي، أثرا ً بعد عين .
ناديت الاعرابي بأعلى صوتي ..
قائلا :
يا هذا ..
لا تقل للعرب، أنك سرقت حصاني ..
بل قُل ْ لهم أنك، إستعرته مني ..
وإلا .. 
لإنقطعت النخْوة بين العرب ..

 - تعريف ل كلمة النخْوة، او العونة بالعامية. 
النخْوة، هي الحماسة او المروءة  ..
يقال، هذا صاحب نخْوة ..
ويقال ايضا ً عن العونة، اي المعين والمناصر والمساعد. 
 - هذه الْمُدوّنة كسابقتها ( رُب أخ ٍ لم تَلِده أُمك ) حقيقية، وليست ضربا ً من الخيال القصصي. 
 - القصة :
كانت قريتي صليما، مثل باقي القرى اللبنانية، بالماضي القريب، يجتمع الأهالي مع الشخص الذي يبني بيته، طالبين اليه وبإصرار شديد أن يُعلمهم مُسبقا ً عن اليوم الذي ( سيصُّب فيه باطون السقف ) حتى يأتونه مُهرولين، راكضين وسُعداء لمساعدته، وتقديم العون له ..
لقاء لا شيئ ..
أي النخْوة في المساعدة ..
والذي يُلفت أن معلِّم الباطون، وعماله في يوم صب باطون السقف لا يأخذون أُجورهم. 
في هذا اليوم العرمرَّم ..
يعلو الحِداء ..
وتُسمع الزغاليط ..
وتشتَّد نخْوة الرجال .. بالرفوش المليئة بالباطون. 
وتأتيك نسوة، وصبايا الحي، بأشهى المأكولات. 
بعد صَّب الباطون، تُقدَّم الفاكهة والقهوة المُرَّة او حلوة المذاق. 
وينفك الأهالي، والوجوه بشوشة، فرحَّة والعرق يتصبَّب على الجبين. 

في أواسط خمسينيات القرن الماضي، كان والدي يرحمه الله في بلاد الإغتراب ..
كُنَّا، أنا وأخوتي صغارا ً في السِّن ..
وكانت، والدتي، يرحمها الله تُعيلنا في بيروت العاصمة اللبنانية. 
وكان، عمِّي الوحيد، شقيق والدي الدكتور أسد المصري يرحمه الله في الجيش الأردني برتبة طبيب كولونيل. 
شاء والدي، يُسكنه الله أوسع رحماته ..
أن يبني بيتا ً لنا في قريتنا صليما ..
الى من يطلب، ويستعين ..
وبعد مراسلات بريدية ..
مع إبن خاله، المرحوم وفيق أسعد المصري، كُنيته ابو نصر المصري ..
ومع جدي، والد أُمِّي المرحوم شاهين محمد المصري، كُنيته ابو حسيب المصري. 
إتفق الثلاثة، ابو حسيب، وأبو نصر، ووالدي يرحمهم الله، على بناء بيت لنا، في صليما ..
إتفاق الشرفاء كان :
جدي ابوحسيب، يشرف على البناء يوميا ً ..
العم ابو نصر، يدفع أُجور العمال، ويُسدد فواتير المواد ..
وأستمر الاتفاق ..
وتم بناء البيت ..
ما زلت أتذكَّر يوم صَّب الباطون للسقف الاول، حيث كان الأهالي، والأقارب، في يوم، كشبيه للأعراس التي تُقام في القرى بالماضي، كما وصفته سابقا ً ..
لما رجع والدي من المهجر ..
جرى إستقباله في بيته، الذي أُقيم في غِيابه ..
وكما يقولون ..
لكل إمرء من دهره ما تعَّودا ..
والدي، يرحمه الله تَعوَّد، على كرَّم أخواله في المهجر .. 
ولم يكن غريبا ً على إبن خاله وفيق اسعد المقيم في صليما، ان يكون كريما ً ويقوم بما قام به، من معروف، دون مقابل ..
ويُشرف على بناء منزله، أثناء غيابه ..
ولي في أخوال والدي، سليم، واسعد، ويوسف مُدوِّنات مليئة بالمحبة،  والكرم والشهامة سيأتي يوم نشرها على الملأ ..
لماذا هذه الْمُدوّنة ..
هذه، العادة ..
هذه، النخْوة ..
إندثرت الان في القرى اللبنانية ..
وشاع العسَّس، اي المخابرات، او المباحث، او الوشاة، في القرى ..
يُبلغون المخافر، والمراجع الرسمية عن قيام جارهم، او قريبهم بصَّب الباطون، وشاية صغيرة، حقيرة حتى ترى أزلام الدولة بثيابهم الرسمية، يمنعون، ويوقفون البناء، او الصَّب ..
غابت النخْوة ..
وإنقطع العون  ..
وساد الحسد ..
وعمَّت الغيرة ..
يرحم الله امواتكم، وأمواتنا ..

فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا
١ آذار ٢٠١٧ 

0 comments:

Blogger Template By: Bloggertheme9