وما هو تأثير وتداعيات حرب ١٢ يوماً في حزيران ٢٠٢٥ على هذه العلاقة التاريخيَّة.
المقدمَّة التي لا بُدَّ منها :
دراسَّة تاريخيَّة وسياسيَّة تُبين سِرْ العلاقة الوثيقة ما بين إيران وإسرائيل مُنذ السبي البابلي الأول لليهود في عهد الملك الكلداني نبوخذْنصَّر، والملك الفارسي قورش.
الذي يؤرقني ويؤلمني أنَّه لم يجرؤ مؤرخو المصاطب العرب، ولا فطاحل الإعلام العرب، ولا جنرالات الوغى العرب، أنْ يقولوا دون خوف أو وجَّل أنَّ العلاقة بين اليهود والفرس سابقاً وحالياً وإلى أبعد من أخر هذا الزمن الرديء، لمْ ولنْ تتغيَّر، لأنهم الآن في هذه الحرب يتقاذفون ذلك المثل :
إختلاف الرأي لا يُفسِد بالود قضيَّة، إختلاف تقسيم المغانم لا يُفسد بالود قضيَّة، كل ذلك تحت راية حَكَمْ ( الولايات المتحدة الأميركيَّة ) الذي يعرف جيداً متى يتدخَّل مِنْ خلف الكواليس، ويعرف متى يتركهما يتصارعان ضمن حدود لا تُمَّس، كل ذلك ضمن قواعد اللعبة ( توازن بين دعم إسرائيل، واحتواء إيران ) وبمعنى أدق الولايات المتحدة الأميركيَّة لا تُريد نصراً ساحقاً لأي طرف، بل استمرار الصراع ضمن حدود تخدم مصالحها مع نفوذ قوي لها في هذه المنطقة من هذا العالم.
وما الحرب الأخيرة ليست إلا مِن أجل ترسيخ وتثبيت مغانم ونفوذ إيران 🇮🇷 والاعتراف بترسيم حدود إسرائيل 🇮🇱 على حساب بلاد ( العُرب أوطاني ) كما حصل في سرقة العصر بترسيم بحري فارسي إسرائيلي وبتواطؤ علي بابا وحرامية لبنان.
أقول :
كفى يا أهل فارس …
ممارسة أخذ الثأر مِن قبائل وأُمراء العرب قبل الإسلام وعلى رأسهم المثنى إبن حارثة الشيباني والتي دكَّت حوافر خيله بلاط ملككم ومواقد ناركم، وبعد فجر الإسلام ما زال سيف خالد إبن الوليد يؤرِّق جنرالاتكم وقادة فيالقكم في عدة عواصم عربيَّة.
كفى …
وللعرب أقول :
نامت نواطير الشرف والذود عن الحياض، بعد خلاف مذهبي سني شيعي يؤرِّق ويؤلم خاصرة عرب اليوم.
لَمَّا نشرت مُدونَّتي عن علاقة العرب بالفرس قبل وبُعيد الإسلام، ذكرت أنَّ عرب اليوم هُم أُمَّة بدأت بشعار إقرأ وانتهت بشعار أُمَّة إقرأ … لا تقرأ.
أوضحت أنَّ هذه الأُمَّة توقفت عن قراءة التاريخ الذي يؤكد أنَّ العلاقات العربيَّة / الفارسيَّة لم تكُّن على ما يرام يوماً من الأيام، وألقيت الضوء تذكيراً للعرب المسلمين على كتاب النبي محمد إلى ملك الفرس كِسرى حيث يتبين منه ما يكِّنه الفرس للعرب مُنذ القدم :
مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى كِسْرَى عَظِيمِ فَارِسَ، سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، وَآمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَشَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ وَأَدْعُوكَ بِدُعَاءِ اللَّهِ، فَإِنِّي أَنَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً؛ لأُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ. فَإِنْ تُسْلِمْ تَسْلَمْ، وَإِنْ أَبَيْتَ فَإِنَّ إِثْمَ الْمَجُوسِ عَلَيْكَ»
أثارت تلك الرسالة غضب كسرى فأمسكها ومزَّقها وقال :
« عَبْدٌ مِنْ رَعِيَّتِي يَكْتُبُ اسْمُهُ قَبْلِي »،
وسبَّ النبيّ، فلمَّا بلغته هذه الكلمات دعا النبي العربي على ملك فارس وقال : « مَزَّقَ اللَّهُ مُلْكَهُ »
تعَّمدت أن أُنوِّه بالإنسان العربي في الفترة التي سبقت الإسلام وما تلاه تحديداً حتى سقوط الإمبراطوريَّة الفارسيَّة الساسانية في العام ٣١ للهجرة، لأنِّي أيقنت أنَّ الإستبلشمانت الإسلاميَّة العربيَّة حاولت فتح صفحة جديدة مع أهل فارس بعد أن تشيَّعوا وأخذوا الإسلام ديناً.
تاريخياً أفلح الفرس في إقناع العرب بعد إسلامهم أنَّهم آمنوا وصدَّقوا الحديث النبوي الشريف الذي يقول :
لا فضلَ لِعربِيٍّ على عجَمِيٍّ ولا لِعجَمِيٍّ على عربيٍّ إلَّا بالتَّقوَى إنَّ أكرَمكمْ عند الله أتْقاكُمْ، وذلك لغاية في نفسهم.
وهكذا برعت إيران لاحقاً في حبك أُكذوبة أنَّهم الأمل في إستعادة فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي واللحاق بركب قادة العرب الذين جعلوا من القضية الفلسطينيَّة تجارة رائجة منذ عقود، لا بل باتوا السبَّاقين عليهم.
لأصحاب العقول النيرَّة من الشعب العربي سأبقى أُعيد نشر مُدوَّنتي عن سِر العلاقة ما بين الإمبراطوريَّة الفارسيَّة ( إيران اليوم ) واليهود، حتى أُثبِت أنَّ القضية الفلسطينيَّة ليست همَّاً فارسياً ولن تكون، كما تلوكه ألسن قادة إيران يومياً، لأنَّ تاريخ الفرس واليهود لم يطرأ عليه أي تعديل منذ قرون كما ستوضحه هذه المدوَّنة.
فِي المُدوَّنة :
المثل القائل خلاف الرأي لا يفسد للود قضية يُستخدم غالباً في العلاقات الإنسانية لإظهار أنَّ اختلاف وجهات النظر لا ينبغي أن يؤدي إلى القطيعة أو العداء، بل يمكن للناس أن يختلفوا في الرأي ويظل بينهم الود والاحترام.
لكن في السياق السياسي، وخصوصاً في الصراعات بين الدول، يمكن أن يُعاد تأويل هذا المثل ليفتح لنا باباً لفهم خفايا بعض النزاعات. وهنا ننتقل إلى الصراع بين إيران وإسرائيل، وخصوصاً الحرب التي دامت 12 يوماً، والتي يمكن النظر إليها من منظور مختلف، وهو أنَّها لم تكن حرب وجوديَّة أو دينيَّة بل كانت خلافاً على تقسيم المغانم.
المقصود بـ المغانم ( سوريا الدولة المُتعبة بعد أكثر من عقد من الحرب، والعراق البلد الذي يعاني من انقسام داخلي ونفوذ خارجي متعدد، لبنان الدولة المأسورة اقتصادياً وسياسياً، واليمن هو ساحة صراع بين الحوثيين المدعومين من إيران، والتحالف العربي ).
كل من إيران وإسرائيل تتدخلان بشكل مباشر أو غير مباشر في هذه البلدان، كلٌّ بطريقته وتحت شعارات مختلفة، لكن الهدف الأساسي هو النفوذ الاستراتيجي والسيطرة.
وإذا اعتبرنا أن الحرب التي دامت 12 يوماً كانت حرباً محسوبة ومحدودة، فبإمكاننا أن ننظر إليها على أنها رسائل سياسيَّة بين الطرفين، لا تهدف للإطاحة بأحدهما الآخر، بل تهدف إلى إعادة ترسيم حدود النفوذ. فرض قواعد اشتباك جديدة. تعديل توازن القوى في المناطق المتنازع عليها.
بمعنى آخر، هذه الحرب ليست ناتجة عن عداء جوهري بين إسرائيل وإيران، بقدر ما هي خلاف مرحلي على توزيع النفوذ في الجغرافيا العربيَّة. تماماً كما يحدث بين شركاء تجاريين يختلفون على الأرباح، فيعلو صوتهم لفترة، لكنهم يعودون للاتفاق لأن المصالح أكبر من الخلاف.
التطبيق الرمزي للمثل “ خلاف الرأي لا يفسد للود قضية ” على هذا الواقع، فإننا نعيد تأويله ونقول : إيران وإسرائيل تختلفان في طريقة السيطرة والتوسع، لكن تجمعهما المصلحة في إضعاف الدول العربيَّة وتفكيك بنيتها،وتوزيع الغنائم بهدوء، حتى وإن علا صوت المدافع مؤقتاً.
وهكذا بينما انشغلنا نحن العرب بتتبع الصواريخ الهوليودية وسماع أنين الأمهات، كان اللاعبان الكبيران إيران وإسرائيل، يديران حرباً محدودة، استمرت اثني عشر يوماً، لا لتصفية وجود أحدهما، بل لإعادة ترتيب الغنائم على رقعة الشطرنج العربي.
كل هذه الدول تحوّلت إلى ساحات نفوذ متنازع عليها بين إيران وإسرائيل، كل واحدة منهما تدّعي الطهر، وتحمل شعاراً مقدساً، لكن خلف الستار، ما يجري ليس صراعاً وجودياً، بل خلافاً على التقسيم، من يأخذ حصة الأسد، ومن يكتفي ببعض الفتات.
كل مِن اسرائيل وإيران أراد أن يقول للآخر :
أنت تجاوزت حدودك في سوريا.
وجودك في العراق يهدد مصلحتي.
ساحة لبنان يجب أن تبقى متوازنة.
الحوثي خرج عن الإيقاع المطلوب.
وهذا يعني وبكل أسف لم يكن الهدف إسقاط النظام الإيراني أو القضاء على إسرائيل، بل ترسيم حدود اللعب، وتأكيد أن اللعبة مستمرة، وأن اللاعبين الكبار يتصارعون، لكنهم لا ينقلبون على قواعدهم.
أمَّا الولايات المتحدة الأميركيَّة يمكن تشبيهها بـ ( العرّاب ) الذي يُمسك بخيوط اللعبة كلها، ويوزّع الأدوار، ويمنع سقوط الطاولة بالكامل، لأن انهيارها يُهدد نظاماً عالمياً تستثمر فيه منذ عقود.
واشنطن، بسياساتها المتقنة، لا تريد حرباً كبرى بين حليفها المدلّل إسرائيل وعدوّها المدجَّن إيران، بل تُدير ما يمكن تسميته بالفوضى المدروسة :
تُسمح ببعض الضربات …
وتُدين أخرى …
لكن دون كسر الطاولة.
أما الغنائم فهي ليست حكراً على طهران وتل أبيب.
إنها سياسة ( الحافة بلا سقوط ) حيث الجميع يصرخ ويهدد ويقصف، لكن أحداً لن ينتصر.
واشنطن تُدير اللعبة كما تشاء …
تُطيل العرض …
وتبيع التذاكر …
وتُبقي الجميع تحت سقفها.
خلاف الرأي لا يُفسد للود قضية
صراع إيران وإسرائيل لم يكن ولن يكن على الوجود أو العقيدة، بل على تقسيم الغنائم في ( سوريا، العراق، لبنان، اليمن ).
والعرَّاب الذي يُدير اللعبة دون خوف أو وجل هو :
الولايات المتحدة الأميركيَّة.
إيران تقاوم …
إسرائيل تدافع …
وأميركا تحكم بـ”العدل …
إنَّها شراكة الغنائم، لا صراع الأضداد …
في ظاهرها حرب…
وفي باطنها تقاسمٌ للمغانم …
فيصل المصري
٢٦ حزيران ٢٠٢٥
0 comments: