يتم التشغيل بواسطة Blogger.

السبت، 18 فبراير 2023

في عيون المرأة، وثغرها المُتَبَسِّم. ومنزلتها عبر التاريخ.

نشر من قبل Faissal El Masri  |   4:55 م

 في عُيون المرأة، وثغرها المُتَبَسِّم

ومنزلتها عبر التاريخ



المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها


هناك وجه جميل لآلهة الجمال لا خلاف عليه مُنذ أن تكوَّنت الخليقة  وظهرت الحضارات والشعوب التي كانت تعبدها

أمَّا المرأة العادية كانت عبر التاريخ محط أنظار الشعراء والفنانين والرسامين وكان لها الحظ الأوفر في  تنافسهم المُضني لإبراز جمالها والتركيز على عيونها وابتسامتها.  

لم يشهد الأدب العالمي قاطبةً أن اختصر جمال المرأة  في أبياتٍ من الشعر كما أنجز الأدب العربي القديم تصوير  الجمال في أبياتٍ من الشعر مِن صناعة عمالقة الشعر العربي  عنترة بن شدّاد ( في الابتسامة ) جرير و قيس بن الملوَّح وبشَّار إبن بُرد ( في العيون  ).  


في عُيون المرأة ومنزلتها عبر التاريخ 

لقد أَجْمَع الشعراء والأُدباء والفلاسفة والنحَّاتبن والرسَّامين، وأهل العشق والحُب أنَّ  أَجْمَل ما في المرأة هو عيونها. لأنَّها أسرت عقول ذَرَّية آدم عليه السلام

وسلبَت عقول الرجال ردحاً من أعمارهم


في بحثي هذا سأتناول نظرة الشعوب إلى العيون، وأقَّف لأقدِّم الخشوع، والطاعَة إلى فحل الشعراء وأميرهم قاطبةً  في كل زمان ودور ( جرير ) شاعر بني أُميَّة  والقائل :

إنَّ العيون التي في طرفها حٓوٓرٌ 

قتلننا  ثم  لم  يحيين  قتلانا 

وإن أنسى، لن أنسى ( قيس بن الملوَّح ) والقائل :

إنَّ العيون التي بالوصل تُضحكني 

هي العيون التي بالهجر  تُبكيني 


وإن أنسى، ذكِّروني ب (  بشَّار إبن بُرد ) والقائل :

يا قوم أُذني لبعض الحَّي عاشقةٌ 

والإذن تعشق قبل العين أحيانا 


هؤلاء الفحول الثلاثة ...

أخبروكم  وحذَّروكم  وأنذروكم  ونبَّهوكم.   

أنَّ عيون المرأة  تقتل ولا تُحيي.

أنَّ عيون المرأة تجعلك تبتسم ومِنْ  ثمَّ  تُبكيك

أنَّ عيون المرأة يُنافسها عذب  صوتها، ولكنَّه لا يأخذ مقام العيون.   


بعد هذا أستطرِد بالقول :

أنَّ  للعيون لغةٌ لا يدرك مراميها إلَّا من لاقى صبابتها

وأوجعته نظراتها، وأخمدَّت أنفاسه سهامها


تاريخياً :

أحبَّ البابليُّون عيون المرأة  واعتبروا أنَّ فيها سحرٌ يشِّعُ  وهجاً هادئاً ويجذُب القلوب والأفئدة.  

العيون فيها دمعة سخيَّة، وعاطفة ساميَة، تدُّل على الحُلم والدِّعة والسكون والطمأنينة والذكاء والفطنَة

هذا الحُّب  للعيون قابله  خوف ومهابة  منها، إذ يختبئ فيها أيضَّا الخُبث والدهاء والخيانة والشرّ والفتك.


عبر التاريخ اعتقد البابليون أنَّ للعيون قوة آمرة ناهية، تُخضع من حولها وتصرع الإنسان وتُكبِّله

أمَّا في العصر الذي سبق الإسلام، فقد كان الغزَل يتَّصل بالمرأة ويشيد بجمال ثغرها الذي تُخفيه أحياناً شفاهٌ رقيقة.  

ويعتبر أنَّ اجمل العيون عيون المها وهي كالظبي في كحل العينين.


وقد برع في هذا المجال الشعراء امرؤ القيس وخاله المهلهل، الذي كان عاشقاً للنساء إلى جانب كونه فارس العرب.


أمّّا النسيب فهو وصف المرأة في العيون، لانَّ  فيها تأثير ساحر على عقل الرجل وقلبه وعواطفه ومشاعره


دائماً كان بدءُ القصيدة  بالعيون، فتفيض الدموع السخيَّة  لؤلؤً  مِدراراً ...

ملخَّص القول في عيون المرأة عند الشعراء قبل الإسلام :

العيون فيها السحر بكل ما توحيه النظرَات من إشارات أو إيحاءات :


قد تكون نظرة إعجاب

قد تكون نظرة ازدراء

قد تكون نظرة  قبول

قد تكون  نظرة  رفض.  


وكما قلت لا بد من تقديم واجب الاحترام، لقائل هذين البيتين في العيون، أقصد أمير الغزل في عصر بني أميَّة ( جرير ) الذي إنْ أراد الرجل أن يُبدع في الغزل، لا بدَّ أن يقول لحبيبته ما قاله جرير :


إنَّ العيون التي في طرفها حوَّر.   

قتلننا ثم  لم يحيين  قتلانا

يصرعَن ذا اللبِّ حتى لا حراك به.  

وهنَّ أضعف خلق الله أركانا

ويقال أنَّ جرير وصف العيون في بيتين من الشعر فقط وقد اختصر في هذين البيتين كل ما قاله البابلي والشعراء قبل الإسلام، لا بل  فاق  وتقدَّم أشواطاً حتى في الأدب  العالمي.  


أما رأيي في العيون فأقول :

ما زالت عيون المرأة تُظهر الشئ الجميل.

وما إنفكَّت عيون المرأة  تحمِل الشعور النبيل.

وما أدراك من عيون المرأة التي ترزح بالهم الثقيل.

هي العيون التي تحكي ما يعجز …

عن قوله كل لسان فصيح

هي العيون التي تحرسها رموش مِن نخيل

هي العيون التي تُشفي كل عليل

هي العيون التى تسقي كل سقيم.


وأخيراً وليس أخراً ..

وما زالت نظرات المرأة  تُسحر وتحكي، وتأسر كل القلوب

وما زالت جفونها شاطئ أمان، لكل ربَّان تائه في البحار

وما زال سواد وبياض عيونها، يذكِّرك بالزمن الجميل

وما زالت ألوان عيونها مداد لريشة كل  فنان معيد

وما زالت تحكي لكل عاشق مريد

وما زالت العيونتحكي  ... إنْ بطُل الكلام.


أخيراً دُعاء :

في بلاد الشام نرى :

عُيون نساؤنا ترزح بالهَّم الثقيل. 

لعن الله المُسبِّب وأخمد عيونهم. 

العيون الحور : هي العيون التي يعشقها جرير ( هي شديدة البياض في بياض العين، وشديدة السواد في سواد العين )


في ثغر عبلة المُتَبَسِّم حبيبة 

عنترة بن شدَّاد

يُعتبر عنترة بن شداد مِن أشهر شعراء العرب في فترة ما قبل الاسلام، ولد في القصيم ( السعودية  اليوم ) وذلك بالعام ٥٢٥ وتوفي بالعام ٦٠٨  ميلادي

كان أسود البشرة لأنَّ  أُمَّه أميرة حبشيَّة أُسرَّت وهي في قافلتها وأُعجب بها شدَّاد وأنجب منها عنترة

إشتدَّ عود عنترة وشاع إسمه وذاع صيته خصوصاً  في قبيلته عبس، وأحاطَت به النساء والفتيات وكانت منهنَّ عبلة إبنة عمِّه مالك

كانت عبلة جميلة الجميلات يغار منها القمر. كانت تمازحه وتُكثر الكلام معه وهي أصغر منه عُمراً.  

تعددَّت الروايات عن عنترة وعبلة، منها ما يقول إنَّه  تزوَّجها ومنها من ينفي ذلك !  

لكن من المؤكَّد والثابت أنَّه قال فيها شعراً هو من عيون الشعر العربي الذي لم يندثر ولن يندثر، وسيبقى محفوراً في وجدان العاشقين وخيالهم لأجيال طويلة


قال عنترة في وصف ثغر عبلة :


ولقد ذكرتُكِ والرماح نواهل ... وبيض الهند تقطر من دمي

فوددُت تقبيل السيوف لأنَّها ... لمعَت كبارقِ ثغرُكِ  المتبَسِّم


يُشير هذين البيتين من الشعر لعنترة أنَّ  ثغر عبلة كان أقوى من الجراح وأعلى منها مقاماً، فلم تمنعه أن يتذكَّر مُلهمته عبلة في المعركة، والرماح منتشرة في كل مكان والسيوف تصيبه وتُقطِّر دمه. فلمعانها لم يذكِّره بالموت بل بثغر عبلة الذي يكشف عن ابتسامة ساحرة لا تُنسى


شخصياً ومع أنِّي مُعجب بالرسام العالمي ليوناردو دافينشي ولوحته الفنية ( موناليزا ) صاحبة الابتسامة الحزينة لكن إعجابي باللوحة الشعرية ل عنترة بن شداد وابتسامة ثغر عبلة تجعلني أقف بكل احترام وخشوع ل عنترة بن شداد

فيصل المصري 

أُورلاندوا / فلوريدا 

شباط ٢٠٢٣م


اللوحة الفنيَّة للرسامة لمياء غرزالدين مكارم، لوحة ألوان مائية Acrylic 

الفنانة لمياء غرزالدين مكارم من بلدة رأس المتن / لبنان. 

فنانة تشكيلية أقامت عِدَّة معارض مشتركة في لبنان والعالم العربي، وأوروبا. 

كان لها معارض فردية بين لبنان ومصر. 

شُكْر خاص مِن صاحب المُدونَّات الفيصليَّة للرسامة لمياء غرزالدين مكارم لاختيارها هذه اللوحة الفنيَّة لتكون غلاف مُدونَّة ( عُيون المرأة )

شخصياً رأيت في هذه اللوحة الفنيَّة عُيون نساؤنا في بلاد الشام وهي ترزح بالهَّم الثقيل هذه الأيام الصعبة.



المرجع : المُدونَّات الفيصليَّة

كتاب : أعلام وحوادث وشخصيات تاريخيَّة

الطبعة الاولى : حزيران ٢٠١٨م

بيروت / لبنان





هناك تعليق واحد:

  1. كلام جميل جدا ومعلومات اجمل لك الشكر والدعاء بالخير واليمن

    ردحذف

Blogger Template By: Bloggertheme9