قصة، كراون دايسي، وكريستل.
الجزء الثاني.
الفصل السادس.
اقبل ربيع العام ٢٠١٥ على كريستل، الام شبيها ً بالربيع الجاثم على أُمَّة بلاد العرب اوطاني.
في بلاد ما بين النهرين، جرّت الدماء أنهارا ً، وعلا عواء الكلاب المسعورة، وماتّت الضمائر ميتّة الجيّاف، وأشرأب التزمّت الديني، وغرز انيابه، وأظافره في عقول البشر، فدخلوا الكهوف نياما ًً ... نوما ً أبديا ً سرمديا ً....
اما كريستل الام، سواء كانت في باريس، او في موطنها، الذي كان، لبنان، أقبلت على الستين من عمرها، وهي تبدو رتيبة، حزينة، قلقة، شاحبة، شاردة، لا يوقظها الا أمران :
-/ مُناقشة أطروحة ابنتها كريستل بومبيدو، الذي بات بعد عدة أشهر.
-/ وأسئلة ابنتها المتكرّرة، بصورة شبه يومية، عن زهرة كراون دايسي، وعلاقتها بها، كزخات المطر، في ليل عاصف ماطر، مُكفهّر.
كريستل الام، تألقت في، فرنسا، وفي بلاد الفرنكوفونية، وشق ّ صيتها آفاق، السماء، وعلا نارها أقواس المحاكم.
وكريستل الابنة، على قاب قوسين ان تنال الدكتوراه، في علم، لم يجرؤ غيرها، على سبر غوره.
كانت كريستل الام، تحلم معظم حياتها، بلقاء مع حبيب، لا يحدث الا بالأساطير، والقصص الخرافية.
وكانت كريستل الابنة، ناشطه جدا ً فى علوم الماورائيات.
فتقاطع علم كريستل الابنة، مع احلام كريستل الام.
كانت كريستل الابنة، تلاحظ في أمها حُزن عميق، وتحاول جاهدة ان تُقنعها، بالسفر في سياحة الى الولايات المتحدة، حتى انها، حرّضت عميد كليتها، وصديق والدتها، بان يُجبرها على قبول الدعوة التي وجهتها اليها، مؤسسة مارتن لوثر كينغ، لحقوق الانسان، في ذكراه السنوية، وعوضا ً عن السفر الى أميركا، آثرت السفر الى مرقد العم فؤاد في ذكرى موته.
رافقت كريستل الابنة، والدتها الى لبنان، خوفا ً وشفقة عليها، لانها كانت تلاحظ وتراقب والدتها، قبل ايام من السفر، انها خرجت الى مكتبها في يوم العطلة، فلحقتها لترى مشهدا ً لم تألفه في حياتها :
أمها تبكي، وتقّلب صفحات الكتّب، وتنزع الزهور الذابلة، وتقوم بوضعها داخل صندوق خشبي صغير، بطريقة فاق ترتيبها كل تصّور،
فتقدمت الى والدتها، وأطبقت عليها تغمرها، وتقول لها :
ما بك يا أمي، يا حبيبتي...
لماذا، تنزعين هذه الزهور، من بين صفحات الكتب ...
ان عمر هذه الزهور، يفوق عمري ...
لماذا، لماذا ...
بكّت الام، وبكّت الابنة. وأمسكت يد والدتها، وخرجن سوية الى الشانزليزيه، يمشييّن، ويبكيّن، والصندوق الخشبي الصغير، مُقفل بأحكام على صدر نضال ....
فور وصولهن الى مطار بيروت صباح ذلك النهار الربيعي، طلبت والدتها من سائقها الصعود فورا ً الى قرية حبيبها، حيث مرقد العم فؤاد.
لم تتمالك كريستل بومبيدو، الابنة العاشقة لوالدتها ان تبقى طيلة الوقت، مرمية كل جسمها، وحواسها، وعقلها، على صدر والدتها، وكأنها طفلة صغيرة، تُقبلها، وتُعانقها وتقول لها، ماذا انا فاعلة يا أمي إن غبت عني، فالشوق الى رائحتُك، وحنانك، وعطفك، لن أجده، في المعمورة، كلها.
قولي لي :
ما بك ؟
لماذا، حلّت هموم الكون على أكتافك ؟
لماذا، سكنت الاحزان قلبك ؟
انك تقتلين حبي لك، بعدم البوح لي.
انت تقولي عني، أني أسطورة حياتك، التي ستتحّقق.
أخبريني،
لماذا :
آثرت القدوم الى هذه القرية في لبنان، على ان تقبلي دعوة تكريم اعظم رجل في تاريخ أميركا الحديث.
ماذا تنوين فعله ؟
أجابتها، سترين.
لما وصّلن الى القرية، ودخَّلن منزل العم فؤاد المقفل، لاحظت ان ازهار كراون دايسي البرية، قد غطت معظم ارجاء الحديقة، فإنقشعت اساريرها، وطلبت من سائقها، ان يحفر حفرة صغيرة، وقامت بدفن الصندوق الخشبي، الذي حملته من باريس، والذي يحتوي على زهور كراون دايسي الذابلة، وقامت، وقطفت اجمل زهرة واحدة من كراون دايسي من الحديقة، وألقتها على الصندوق برفق وحنان، وبدأت بيدها، تلقي التراب على الزهرة والصندوق، حتى اختفى كل شيئ.
عادت ادراجها الى السيارة.
ولم تغسل يديها ذلك النهار.
قصة، كراون دايسي، وكريستل.
الجزء الثاني.
الفصل السادس.
اورلاندو / أيلول / ٢٠١٥
0 comments: