ابن خلدون
دراسة
التاريخ، والتأريخ
من منظور ابن خلدون
يروق لي، أن أستحضر ابن خلدون، حتى يؤرخ، ويكتب، للاجيال اللاحقة عن أحداث، ومجريات، حروب الربيع العربي التي تدور منذ سنوات.
لا يمانع ابن خلدون في القدوم، لانه جاب بلاد العرب كلها، من الأندلس، الى حواضر بلاد الشام، وشمال افريقيا، وهو العليم، البصير والقدير في احوال وتاريخ، هذه الشعوب.
وإذا قيّٓض له الحلول ضيفا ً علينا، فإن عليه ان يقابل ذوي الشأن في الاعلام العربي الحاضر، ألمتجّٓذرين والمنحدًّرين من أُصول الصدق، وينابيع الحقيقة، فضلا ً عن المؤرخين ألمستّجدين.
إنه، مِمَّا لا شك به، سيهرع جزعا ًًًً خائفا ً، الى أقبية المكتبّات العريقة، بحثا ً عن كتاب السندباد البحري، علّه يجد خارطة تدّٓله الى جُزُر الواق واق، حتى يدلف هاربا ً مختبئا ً، تجنبا ً لتأريخ هذا الربيع العربي. ومحاذرا ً الالتقاء، والاجتماع بالفحول التي تُدوِّن وتؤرخ هذه الحقّبة.
من الأمور التي تُلفت النظر، انه وبعد سنوات من هذه الحرب الضروس، لن تجّد ينبوعا ً واحدا ً للحقيقة يمكن به، أن تُشبع عطشك، لان الينابيع، والأنهر كلها كاذبة، ومموّهة ومشّوهة.
ابن خلدون، الذي عاش في مدينة إشبيلية بالأندلس، وُلد في العام ٧٣٢ هجرية.
وضع ابن خلدون، كتابا ً في التاريخ، وأُصول التأريخ.
وقد سُمي هذا الكتاب، ( بالمقدمة )، أفرغ فيه علمه الغزير والواسع.
إعتمد ابن خلدون في مادة التاريخ على :
-/ الطبَّري.
-/ المسعّودي.
-/ ابن الأثير.
كان، ابن خلدون يأخذ على المؤرخين، التزَّلف لذوي السلطان، وأخذ الأخبار، على عِلاّتها دون التقّصي، والتشيّع للمذاهب، يضاف الى الجهل، بطبائع العمران.
كان ابن خلدون، اذا أراد ان يكتب تاريخا ً عن شعب من الشعوب، كان يدرس طبائع البلد، واخلاق البشر، ومنحى حياتهم، وعاداتهم، وأخلاقهم حتى يصل الى موجبات إنحلال، وسقوط، او نجاح، وتقّدم، هذا الشعب.
يضاف الى ذلك، إهتم ابن خلدون بنشأة العلم والتعليم، لانها ظاهرة في العمران البشري، ويندّرج تحت هذا، العلوم الإلهية، لمعرفة الحقائق، في ما وراء العالم المحسوس، الذي بنظره، يُفهم النمط، الذي تسير عليه الشعوب.
شخصيا ً، لست متخصصا ً في التاريخ، ولكن، في دراساتي عن اليهود، وعلاقاتهم مع الفرس، والعثمانيون، والمنشورتين في غوغل، توخيّٓت الامور الآتية :
-/ قرأت التوّراة مرارا ً، وعن قصص الهروب من مصر الفرعونية، وعن السبّي والمحارق.
-/ قرأت عن تاريخ الفرس، والشعب الفارسي، ما يكفي.
-/ قرأت عن تاريخ بني عثمان، منذ ان كانوا في سهول اسيا الوسطى، قبل غزوّهم المظّفر الى القسطنطينية، وما زِلت اقرأ، كيف استعّمروا وإستعبدوا الشعوب، والبلاد العربية عدّة قرون.
في هاتين الدراستين، المتعلقّتين، بالفرس، وبني عثمان، لم أضع رأيي الشخصي، ضنا ً بالامانة التي تقضي بنقل الحقيقة، ويقتضي الامر مني الاستزادة والاستفاضة قبل إبداء الرأي.
وبنظري، وبكل تواضع، إستنتّجت بعض الملاحظات وهي :
اولا ً : الفرس.
بعد القراءة المتأنية لهذا الشعب، يُدرك الانسان ان، الفرس شعب جدّي، يتوق الى العلم أينما كان مصدره، لان العلم والمعرفة، يوصلانه الى القوة التي يطمح، ويحلم بها دائما ً وأبدا ً.
ثلاث محطات علمية تاريخية، خاض غمارها هذا الشعب :
١/ لمّا أرخى صولجان بأسه على ارض بابل، في الازمنّة الغابرة، كان غازيا ً للأرض والنفوذ، بقدر ما كان غازيا ً وجامعا ً، ومستفيدا ً، ومحافظا ً، ومقدِّسا ً للتراث البابلي العميق، والتاريخ يشهد له بذلك.
وهذا السِّر في الحفاظ على الحضارات، التي زهّت قبل الحقبة الفارسية، إجتهد في تطبيقه، وتكريسه قبلهم، شعوب سوّمر، وآكاد، وبابل .. الخ. وهذه حقيقة تاريخية قضت، بان الغازي يقضي على السلطان، ولا يمحي العلوم والأفكار النيّرة، بل يستفيد منها.
٢/ لمّا وصل الفرس، الى ارض بابل، كان جماعة من الشعب اليهودي، يقيم منذ نبوخذ نصَّر ، وكانوا من صفوّة اليهود بالعلم، والمعرفة، في مجالات الطب، والزراعة، والتاريخ، والتأريخ،
وقد ُذكر أن ّ اليهود، في عز ٍّ بابل، كانت كلمتهم مسموعة، ونصائحهم مقبولة، وتدوين قصص أنبيائهم مسموحا ً.
وقد نشأت علاقة جيدة بين اليهود والفرس، ذُكرّت في التوّراة ، أدّت الى إعادتهم الى ديارهم، وأن بقي جزء لا يستهان به في بلاد فارس.
وقد إختلف المؤرخون، في سبب إعادة اليهود الى أورشليم، من قِبل الفرس، منهم من قال عنها أسباب سياسية للدفاع عن أطراف المملكة، ومنهم من خاض غمار التخمين لدواعي أُخرى، وإن كنت أميل الى الرأي الاول.
٣/ توقّهم لأدراك العلوم الإلهية، ويمكن معرفتها وتأكيدها، قدوم سلمان الفارسي الى الجزيرة العربية، في رحلة الإيمان المعروفة، قبل الوحي، وما تلاه من نشر تعاليم الدين الاسلامي الحنيف.
اما الغرب، في علاقته مع ايران اليوم، دائما ً، هناك خيط رفيع يعرفه الغرب، وهو، ألتبّصر وعدم الخفّة يفرضان نفسهما في أي محادثات مع ايران، وقد ظهر ذلك في الاتفاق الأميركي / الإيراني، النُّوَّوي الأخير.
ثانيا ً : الامبراطورية العثمانية.
مما لا شك فيه، ان بني عثمان شعب مقاتل، سبق العرب في الوصول الى القسطنطينية، ومكث هناك الى الأبد.
هناك فرق مهم جدا ً بينه، وبين الشعب العربي الذي أرخى نير الاستعمار على رقبته، لقرون طويلة، وإن كان الشعبان، يدينان بالإسلام دينا ً، ولكن يمتاز العثماني على العربي، في انه لا يخاف من بني جلدته، كما هو العربي،
واليكم الدليل :
-/ عندما كان خالد بن الوليد يجتاح بخيله الصحراء العربية وصولا ً الى أسوار دمشق المُحَصَّنة، ورده كتاب عزله من الخليفة عمر بن الخطاب، ليس بسبب الخيانة، ولكن خشية أن يفتتّن به العرب، لان البعض ظن َّ، ان النصر من عند خالد، وليس من عند الله.
-/ عندما أشار، وإقتّرح موسى ابن نصير، باحتلال القسطنطينية، من الغرب بعد ان استتّب له أمر الأندلس، ورأى بان يجتاح أوروبا، من فرنسا باتجاه عاصمة بيزنطية القسطنطينية، رفض الخّطة، الخليفة الأموي ، القابع في دمشق، خوفا ً من ضياع الخلافة الأموية على يد غاز ٍ جديد.
والتاريخ يشهد، كيف كانت اخر ايام موسى ابن نصير، وطارق ابن زياد.
( يراجع دراستي عنهما في المدونة ).
إن الحوادث، في التاريخ العربي، القديم والحديث، وأهمها الهجّرة الجماعية، المُتنقّلة في أوروبا اليوم، تجعل ابن خلدون، يقف حائرا ً محتارا ً امام الفرص الذهبية التي ضاعت امام العرب، وما زالت.
لا يمكننا تجاهل ان تاريخ العرب المجيد، انتهى :
شرقا ً، بسقوط بغداد، على يد التتّار،
وغربا ً، بسقوط الأندّلس.
وأخيرا ً، إن َّ السِمّة التي تغلب الطبع العثماني، منذ الجدّ الاول، هي ركوب التيار المتدفق أينما وُجد، في سبيل تحقيق غاياته، واهدافه، لأنك تراه إستفاد من العاطفة الدينية الاسلامية الجارفة، لاحتلال الأمصار، ولمّا رأى ان موجة العلمانية، تدخلّه جناّت أوروبا، لم يتوّرع اتاتّورك، ان يركبها.
ومنذ أوائل القرن الماضي، بعد سقوط الخلافة، لا تدري أية موجة ستركبها تركيا اليوم.
إعداد
فيصل المصري
أورلاندو /فلوريدا
أيلول، ٢٠١٥
0 comments: