يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الأربعاء، 10 يناير 2018

المُوَحِّدون الدروز، والجنرال عصام زهر الدين ...

نشر من قبل Faissal El Masri  |  in دراسة  6:36 م

المُوَحِّدون الدروز، 
والجنرال عصام زهر الدين ..


المُقَدِّمة :

دائما ً أتعب حتى أعطي الْمُدوّنة إسما ً ..
في هذه الْمُدوّنة وقع خياري على إسم له دلالات واضحة، يُدركها من عَرَف الوغى، وساحاته، ومعاركه ..
 
لا يُظنَّن أحد من القرّاء الأعزاء أني لا أُجيد اللغة العربية في أسماء الرِتَّب العسكرية لضباط الجيوش والقول :

هذا لواء ٌ، أو عميد ٌ، أو عماد ٌ، أو مُشير ٌ، فهذه الرِتَّب لا علاقة لها بهذه الْمُدوّنة، من قريب أو بعيد ..

السبب في ذلك، أن الرِتَّب المشار اليها، يجب ان يحمل نُجومها المُذهبَّة ضُباط خاضوا غمار المعارك في حرب شهد العالم بضراوتها وقساوتها، لا بل شراستها فاقت معارك الحرب العالمية الثانية ..
أقصد بذلك الحرب في سوريا ..

في حرب سوريا، لمع إسم  جنرال سوري، مُوحِّد درزي  خاض المعارك، وقاسى العذاب، وتحمَّل أشعة الشمس، وصقيع الشتاء، وصُمَّت أُذنيه بأصوات المدافع، وزينَّت ثيابه الكاكيَّة بأوسمَّة من دماء نقيَّة حمراء، هو الجنرال عصام زهر الدين ..

لهذا السبب أطلقت عليه الجنرال عصام زهر الدين، في كُنيَّة أكاديميَّة تعني الحرب، المعركة، القتال الشرس جنبا ً الى جنب مع عناصره الجنود .. 

باديئ ذي بدء ..

هذه الْمُدوّنة، عسكرية بإمتياز، وليست سياسية ..
هذه الْمُدوّنة، عن ضابط عسكري يسري في دمه الوطن، والذود عن حياضه ..

هذه الْمُدوّنة، عن جنرال عربي سوري، ينتمي الى طائفة الموحدِّين الدروز في سوريا الحبيبة، قلب العروبة النابض ..

هذه الْمُدوّنة، وضعتها تكريما ً لذكرى الجنرال عصام زهر الدين، ذلك العسكري الفَّذ ..


تمهيد :

ليس مُستغربا ً أن يكون للضابط الناجح ميول سياسية، وهذا ما عرفته ساحات الوغى بالحروب العالمية، وأذكر بعض الجنرالات الأميركيين، مثل الجنرال جورج باطون، والجنرال دوغلاس ماك أرثر حيث كانت لهما أراء تختلف عن من كان في السلطة،  أدَّى هذا الى عزلهما عن قيادة الجيوش، ومن ثم إعادتهما بعد الهزائم العسكرية في وسط أوروبا، والباسيفيكي ..

ولكن هذا الوجه السياسي، والاراء المختلفة لهما،  لم يمنع إعتبارهما من أعظم جنرالات أميركا بالعصر الحديث، وإن الأكاديمية العسكرية ويست بوينت تقوم بتدريس النبوغ العسكري لكليهما في معارك الحرب العالمية الثانية في جبهة أوروبا، والجبهة الشرقية بالباسيفيكي ..

الجنرال عصام زهر الدين، يُشبه الجنرالين باطون وماك أرثر، في بسط أرائه وميوله، ولكن نزل إسمه في سجل التاريخ السوري، بأنه من أعظم جنرالات سوريا بعد الاستقلال ..

كانت قيادة أركان الجنرال باطون، تحاول إقناعه بعدم التوغُّل شخصيا ً في الخطوط الأمامية لجبهة القتال حفاظا ً على سلامته، ولكنه كان يأبى إلا أن يكون مع أفراد جيشه المقاتل ..

كان الجنرال عصام زهر الدين، مُنفردا ً بذاته، عن باقي الضباط .. 

كان جنرال، وغَى ..
كان جنرال، يحمل البندقية، بدل العصا ..
كان جنرال، يُقاتل مع أفراد جيشه بالصفوف الأمامية ..
كان جنرال، يُشارك الهموم الحياتية مع عسكره ..
كان جنرال، تُرفع التقارير عنه الى قيادة أركان الجيشين الروسي، والسوري تتضمَّن الإعجاب الشديد ببسالته، وتخطيطه العسكري الدقيق، وصولا الى محق، وسحق عدوه ..


من هو الجنرال عصام زهر الدين :
 - الاسم، عصام جدعان زهر الدين ..
 - ميلاده، ١٩٦١م. 
 - وفاته، ٢٠١٧م. 
 - ينتمي إلى طائفة الموحدِّين الدروز. 
 - من محافظة السويداء. 
 - كنيته، أسد الحرس الجمهوري، نافذ أسد الله، في الجيش السوري العربي.  
 - جده لأبيه، الفريق عبد الكريم زهر الدين وزير الدفاع السوري السابق. ( إلتقيت به عدة مرات )
 - كان الجنرال الوحيد الذي أذاق تنظيم داعش الإرهابي مرارة الهزيمة تلو الاخرى. 

 - المهام العسكرية التي كانت بأُمرة الجنرال عصام زهر الدين. 


 - قائد قوات الحرس الجمهوري. 
 - قائد حامية مدينة، ومطار دير الزور، خلال حصار تنظيم داعش الإرهابي لها، حيث صرح الجنرال زهر الدين :
إن مطار دير الزور ليس مطار الطبقة، وسيكون مقبرة لإرهابيي داعش، وفعلا هذا ما حصل.
 - قائد لقوات المخابرات الجوية في المنطقة الشرقية. 
 - قائد العمليات العسكرية لعملية فك الحصار عن مدينة حلب، المهمة تاريخيا ً لأثارها. 
 - قائد عملية بابا عمرو في حمص، والتل في محافظة ريف دمشق. 

 - من مبادئ الجنرال عصام زهر الدين، من يخاف الموت فالموت يلحق به، ولكن من لا يخاف الموت فالموت يهرب منه، هذه كانت فلسفته في الحياة، وطبقها في حياته العسكرية.
 - أصيب الجنرال عصام زهر الدين، عدة مرات وكان يرفض أن يغادر مكان المعارك، ويقول أنا عسكري وأينما يحتاجني الوطن سأحارب، وأنا فداء للوطن.   


  - الخاتمة :

هذا جنرال ٌ ..
وهذا محارب ٌ ..
وهذا شهيد ٌ ..
وهذا يستحق أن يكون عنوانا ً لل الْمُدوّنة ..

المُوَحِّدون الدروز، والجنرال عصام زهر الدين. 
أُسْوَة برجالات، وعُظماء الموحدُّون الدروز، العرب الاقحاح الذين لهم في ساحات القتال ..

عدَّة رايات، للنصر ..
وعدَّة بيارق مُخمسَّة الألوان ..

مرفوعة ..
على رؤوس الجبال ..
تجري من تحتها أنهار من الدماء الحمراء الذكية، النقيَّة، والتقيَّة ..
يرحمك الله ..
أيها الجنرال المحارب. 
  

فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا

١١ كانون الثاني ٢٠١٨

الثلاثاء، 9 يناير 2018

رابعة العدويَّة، مِن عاشقات الله ..

نشر من قبل Faissal El Masri  |  in دراسة  8:05 م
رابعة العدويَّة ...
مِن عاشقات الله .. 
ومن أعلام التصَّوف .. 



 - تمهيد : معلومات عامة. 

رابعة العدوِّية ...
دراسة تاريخية ...

ميلادها : نحو ١٠٠ هـجرية
مكان ولادتها : البصرة، العراق

وفاتها : ١٨٠ هجرية 
 عاشت ٨٠ سنة
دُفنت، في بيت المقدس. 
موطنها، العراق. 

رابعة العدوِّية ...
وكُنيتها أُم  الخـير ...
عابدة  مسلمة  تاريخية ...
وإحدى الشخصيات المشهورة في عالم التصَّوف الإسلامي ..
وتُعتبر مؤسسة أحد  مذاهب  التصَّوف  الإسلامي، وهو مذهب الحُّب، والعشق الإلهي. 
ولهذا تُعتبر مِن عاشقات الله. 

أصلها، ونشأتها ..

هي، رابعة بنت إسماعيل العدوي شخصية عراقية، وُلِدَت في مدينة البصرة، ويرجح مولدها حوالي عام (100هـ / 717م)، من أب عابد فقير، وهي إبنته الرابعة، وهذا يفسر سبب تسميتها رابعة .. 
كانت رابعة العدويَّة، رائعة، وفائقة الجمال ..
وقد روى أبوها أنه رأى في المنام، النبي محمد صلى الله عليه وسٓلّم، يقول له ... 
لا تحزن، فهذه  الوليدة  سيدة جليلة .. 
وقد صَدَق الرسول عليه السلام، إذ جاءه بعد ولادتها، الرزق الوفير، والخير الكبير.

وقد سألها أبوها يوما ً .. 
أرأيت إن لم نجد، إلا حراما ً يا رابعة ..    
أجابت :
نصبر يا أبي في الدنيا على الجوع ..
خير من أن نصبر في الآخرة على النار .. 

وقد توفي والدها، وهي طفلة دون العاشرة، ولم تلبث الأم أن لحقت به، لتجد رابعة، وأخواتها أنفسهن بلا عائل، يُعيلهن على الفقر والجوع والعوز .. 

ذاقت رابعة، مرارة اليتم الكامل دون أن يترك والداها، من أسباب العيش لهَّن، سوى قارب ينقل الناس بدراهم معدودة في أحد أنهار البصرة، كما ذكر المؤرخ الصوفي، فريد الدين عطار في كتابه (تذكرة الأولياء )

كانت رابعة، تخرج لتعمل مكان أبيها ثم تعود بعد عناء، تهوِّن عن نفسها بالغناء، بسبب حرمانها من الحنان، والعطف الأبوي ..
وقد ذكرت الكتُّب، أن رابعة العدوية، رأت في منامها نورا ً ساطعا ً يُحيط بها، فسبحت فيه، وسمعت مناديا ً يطلب منها ترك اللهو، والغناء، والتفرُّغ للتضرُّع، والمناجاة، وإستبدال الغناء، بالقرآن الكريم .. 

إنقطعت رابعة العدوِّية عن الغناء ..
وإستبدلت إشعار اللهو، بإشعار الزهد، والصلاح ..
وأقبلت على عبادة ربها، وبدأت بحفظ القرآن الكريم، والعبادة في هدأة الليل ..  

بعد وفاة والديها، غادرت رابعة مع أخواتها البيت بعد أن دبَّ  في البصرة جفاف ٌ، وقحط ٌ، وصل إلى حد المجاعة ...

ثم فرَّق الزمن بينها وبين أخواتها، وبذلك أصبحت رابعة وحيدة مشردَّة .. 
وبسبب المجاعة، إنتشر اللصوص، وقُطَّاع الطرق، حيث خُطفت رابعة من قبل أحد اللصوص، وباعها في سوق النخاسة، لأحد التجار .. 

وأثناء عبوديتها، أذاقها التاجر العذاب، والمذلّة.
ويقال، أن سيدها سمعها ذات ليلة، تدعو الله ان يخلصها من الرِّق والعبودية، ورأى حولها نورا ً، فرَّق قلبه عليها، وأعتقها .. 

بعد ان تحررَّت رابعة العدويَّة، جعلت همَّها، وإهتماماتها الآخرة ..

وإعتزلّت الخلق ..
وبنت لنفسها مُصلَّى ..
وإنقطعَّت فيه للعبادة ..
وقصدَّت المساجد، لسماع الفقه ..

إختلف الكثيرون، في تصوير حياة، وشخصية العابدة رابعة العدوٍّية .. 
صورّتها السينما المصرية كعادتها، في فيلم يُقصد منه التسويق التجاري، ولا يقرب من الحقيقة التاريخية ..

في الجزء الأول من حياة رابعة العدويَّة جرى تصويرها، كفتاة لاهية، تمرّمغت في حياة الغوايَّة، والخمر، والشهوات، قبل أن تتجه إلى طاعة الله وعبادته ..

في حين يقول البعض، وهم الكِثرة أن هذه صورة غير صحيحة، ومشوّهة، لرابعة العدوَّية، كما حصل في فيلم صلاح الدين الأيوبي من أكاذيب وأضاليل تاريخية ..  
كانت رابعة العدويَّة، في بداية حياتها، تعيش في بيئة إسلامية صالحة، وقد ذُكِر عنها انها حفظت  القرآن  الكريم، وقرأت الحديث، وحافظت على الصلاة، وهي، لمَّا كانت في عمر الزهور .. 

عاشت رابعة العدويَّة، طوال حياتها وحتى مماتها  عذراء، بتولا ً ..
إنصرفت إلى الإيمان، والتعبُّد ورأت فيه بديلاً عن الحياة مع الزوج، والولد ..

وقد أيَّد، عبد الرحمن بدوي، في كتابه، شهيدة العشق الإلهي، ان رابعة  العدويَّة، هي غير الصورة، التي صورتها السينما المصرية، بدليل ان بيئتها  والاستعداد الشخصي، الكامن في كينونتها، يوحي انها، والإيمان صنوان لا ينفصلان. 

من أقوال رابعة العدوِّية :


كانت رابعة، تقول .. 
أن نحب من أحبنا، أولاً ... 
وهو الله.

وكانت تقول ايضا ً :
حين يحٍّن الليل، ويرخي عتمته ..
إلهي هدأت الأصوات وسكنت الحركات ..
وخلا كل حبيب بحبيبه ..
وقد خلّوت بك أيها المحبوب ..
فإجعل خلوتي منك، هذه الليلة .. 
عتقي من النار. 


رابعة العدويِّة  .. 
كانت تختلف عن متقدمي الصُّوفية، الذين كانوا مجرد  زهّاد، ونسَّاك، ذلك أنها كانت صوفية، بحق يدفعها حب قوي متدفِّق، كما كانت في طليعة الصُّوفية، الذين قالوا بالحب الخالص، الحب الذي لا تقيّده رغبة سوى .. حب الله. 

تَمتَّعت  رابعة العدويَّة ..
بموهبة الشعر، وتأججَّت تلك الموهبة، بعاطفة قوية ملكت حياتها فخرجت الكلمات منسابة، تعبّر عما يختلج بها من وجد وعشق لله ..
وتُقدِّم ذلك الشعر كرسالة لمن حولها .. 
ليحبّوا ذلك المحبوب العظيم .. 

من أقوال رابعة العدويَّة :
محب الله، لا يسكن أنينه، وحنينه حتى يسكن مع محبوبه ...

إكتموا حسناتكم، كما تكتمون  سيئاتكم ..
إني لأرى الدنيا، بترابيعها في قلوبكم ..
إنكم نظرتم إلى قرب الأشياء، في قلوبكم فتكلمتم فيه ..

سُئلت رابعة العدويَة ..
أتحبين الله تعالى ؟ 
قالت : نعم أحبه حقا ً ..
وهل تكرهين الشيطان ؟ 
فقالت : 
إن حبي لله، قد منعني من الاشتغال بكراهية، الشيطان ..

وفاتها :
خرجت رابعة العدويَّة من الحياة، بعد أن بلغت الثمانين من عمرها، وقد ذاقت ما ذاقت من البلاء، لكنها تَمتَّعت  بالأنس بالله، والفرح، بطاعته، وكانت ترى أنه لا راحة للمؤمن، إلا بعد الموت على الإيمان الذي لم يفارقها ذكره ..

وقد كفنَّت في جَبَّة من شعر، كانت تقوم فيها إذا هدأت العيون ..

وقد رأتها خادمتها في المنام وعليها حلة من إستبرق وخمار، من سندس أخضر، لم ير أجمل منه ..
وكانت وفاتها سنة ثمانين ومائة هجرية، ودفنت بالقدس وقبرها على رأس جبل الطور وقد كرَّمها الله بهذه الذكرى الطيبة التي تحيي في القلوب الفاترة الغافلة، الهمة واليقظة ..

وذكر ابن خلكان عن بعض من أحبُّوها قوله :
 كنت أدعو لرابعة العدوية ..
فرأيتها  في المنام تقول : 
هداياك تأتينا على أطباق من نور مخمرة، بمناديل من نور ..

قال عنها ابن الجوزي :
كانت رابعة، فطِنَّة، ومن كلامها الدّال على قوة فهمها، قولها :
أستغفر الله من قلة صدقي، في قولي ..
أستغفر الله ..

كان، قلب رابعة العدويَّة  طاهرا ً متضرعا ً بكاء، مما هيأها لاستقبال أنوار الحق ..
فإذا مرت بآية، فيها ذكر النار سقطت مغشيا ً عليها من الخوف ..
وإذا مرت بآية، فيها تشويق إلى الجنة ركنت إليها .. 
 
وكانت تُصَلِّي الليل كُلَّه، وتأنس في خلوتها بالله ..
وتجد في ذلك لذة لا يجدها الملوك ..
وكانت تضع كفنها أمام عينيها، حتى لا تنسى الموت ..
وتلوم نفسها، إذا تكاسلت قائلة :
 يا نفس إلى كم تنامين، يوشك أن تنامي نومة لا تقومين منها إلا لصرخة يوم النشور ..
وكانت تبكي في سجودها، حتى يبتل موضع رأسها ..
وكان من سِماتها، أنها لا تتعجَّل الانصراف من وقوفها بين يدي الله ..
بل تحب طول المقام ..
وكانت، تصوم معظم الأيام ..
وكانت، متواضعة منكسرة لله، لا تزهو ولا يأخذها العجب، وقد وقاها إيمانها، وإخلاصها. الوقوع في شباك الشيطان، أو الترفع على العباد بقربها من الله ..
ولقد بلغت من التواضع، والزهد درجة لا يبلغها إلا الصالحون، وأصبحت نموذجا ً يحتذى به في التطلع إلى ما عند الله من الكرامة والنعيم في جنة الخلد المقيم ..
وأصبحت تبعث في القلوب الهمّة العالية، والنشاط الموصول .. 
فلم يصبها الغرور ..
بل تجمَّلت بالتواضع الشديد، وكانت في عين نفسها أقل العبّاد ..
ومن تواضعها، أن جاءها رجل يومًا يطلب منها الدعاء فقالت : 
من أنا يرحمك الله ؟ 
أطع ربُّك، وادعه فإنه يجيب دعوة المضطر ..
وقد ذكر المؤرخون، انه عُرض عليها الزواج من صاحب غنى، وجاه واسع يتفاخر به بنات جنسها كتبَّت له :
 أما بعد ..
فإن الزهد في الدنيا راحة القلب والبدن .. 
وإن الرغبة فيها تورِّث الهم والحزن .. 
فما يسرني أن الله خولني أضعاف ما خولك ..
فيشغلني بك عنه طرفة عين،  والسلام. 

فالمال عندها ليس مدعاة للفرح ..
بل يستوي عندها والتراب ..
وهي بزهدها ترد عباد الدنيا إلى صوابهم حتى يكون مقياس الفلاح، والنجاح، هو الإيمان ..
ونفهم من هذا ألا تكون الرغبة في الزواج ناشئة عن الشهوة وحب المال والزينة، ولكن أن يكون الزواج، عونًا على طاعة الله ..
وروي أنها ناجَّت ربها فقالت :
 يا إلهي تحرق بالنار، قلبا ً يحبك ؟
فهتف بها هاتف : 
ما كنا نفعل هذا، فلا تظني بنا ظن السوء .. 



تكريما ً لذكراها، أنشئ في القاهرة، عام ١٩٩٣، مسجد على اسم رابعة العدوية، بمدينة نصر، وأطلق على الميدان المقابل  للمسجد اسم ميدان رابعة العدوية ..


فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا
١٠ كانون الثاني ٢٠١٨


ومن أشعار رابعة العدوَّية  :
في إحدى قصائدها التي تصف حب الخالق،  تقول : 

عـرفت الهـوى مذ عرفت هـواك
واغـلـقـت قلـبـي عـمـن سـواك
وكــنت أناجيـــك يـــا من تــرى
خـفـايـا الـقـلـوب ولسـنـا نـراك
أحبـــك حـبـيــن حـب الهـــــوى
وحــبــــا لأنـــك أهـــل لـــذاك
فــأما الــذي هــو حب الهــــوى
فشـغلـي بـذكـرك عـمـن سـواك
وأمـــا الـــذي أنــت أهــل لــــه
فكـشـفـك للـحـجـب حـتـى أراك
فـلا الحـمد فـي ذا ولا ذاك لـــي
ولـكـن لك الـحـمـد فـي ذا وذاك
أحبــك حـبـيـن.. حــب الهـــوى
وحــبــــا لأنــــك أهـــل لـــذاك
وأشتـاق شوقيـن.. شوق النـوى
وشـوق لقرب الخطــى من حمـاك
فأمـا الــذي هــو شــوق النــوى
فمسـري الدمــوع لطــول نـواك
وأمــا اشتيـــاق لقـــرب الحمـــى
فنــار حيـــاة خبت فــي ضيــاك
ولست على الشجو أشكو الهوى
رضيت بما شئت لـي فـي هداكـا

ومن أشعارها
ومن 

الاثنين، 8 يناير 2018

المُوحدُّون الدروز، والتصَّوف ..

نشر من قبل Faissal El Masri  |  in دراسة  7:32 م


الموحدُّون الدروز، والتصَّوف ..
دراسة تاريخية، ودينية عن التصَّوف  :


المُقَدِّمة : تعريف معنى التصَّوف :

تاريخيا ً ...

 - التصَّوف هو إتصاف بمحاسن الأخلاق والصفات، وترك المذموم منها ..
إنه من الصُفَّة، لأن صاحبه تابعٌ لأهل الصُفَّة وهم مجموعة من المساكين الفقراء كانوا يقيمون في المسجد النبوي الشريف، ويعطيهم النبي محمد، من الصدقات والزكاة طعامهم، ولباسهم ..

 - إنه من الصوف، لأنهم كانوا يؤثرون لبس الصوف الخشن للتقشف ..

 - إنه من الصفاء الروحي ..

 - يقول  إبن تيمية أن الصوفيَّة تعود أصلها إلى صوفَّة بن أدبن طابخة، وهو من قبيلة عربية  كان أفرادها يُعرفون بالنسك، والتزهُّد .. 

 - أما إبن الجوزي، فإنه ينسب الصوفيين إلى ( صوفَّة بن مرَّة ) والذي نذرت له والدته أن تعلقه بأستار الكعبة، فأطلق إسم صوفي، على كل من ينقطع عن الدنيا وينصرف إلى العبادة فقط ..


 - أما بعض الباحثين، والمؤرخين المختصين بعلوم الديانات القديمة من غير المتصَّوفة، يؤكدون ان الكلمة تعود إلى أصل يوناني، هي كلمة : 
(سوفيا)، ومعناها الحكمة .. 
( يُراجع بذلك، البيروني، والدكتور محمد جميل غازي، من المُحدِّثين الذين قالوا : 

الصوفية كما نعلم أسم يوناني قديم مأخوذ من الحكمة (صوفيا) وليس كما يقولون إنه مأخوذ من الصوف ..

 - أما المؤرخ العربي الصادق، إبن خلدون، فإني أذكر ما قاله في كتابه ولاة مصر لان فيه  الكثير من الدلالات المطموس ذكرها، لما زار القاهرة ايام الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، أكتفي بذكرها دون أي تعليق ..

يقول إبن خلدون عن بدء ظهور التصَّوف :

 - إنه ظهر بالإسكندرية طائفة يسمَّوْن بالصوفية يأمرون بالمعروف .. 

 - وقد أيَّد المسعودي في كتابه، مروج الذهب
كلام إبن خلدون في تاريخ نشأة التصَّوف في مصر، أثناء خلافة الحاكم بأمر الله .. 

ومن هذين المصدرين، إبن خلدون، والمسعودي يُستدَّل أن هذه الجماعة التي عاصرت الحاكم بأمر الله، عُرفت بأنها مارسَّت التصَّوف في عيشها، وعُرفت أيضا ً بأنها تأمر بالمعروف ..

 تعريف :


لم يقتصِّر التصَّوف على دين سماوي، دون غيره ..

ولم يقتصِّر التصَّوف على الرجال، دون النساء ..
بل، إختلفت التسمية لغويا ً، ولكن بقي المعنى مُلاصقا ً بالأصل ..

يقال مثلا ً ..
المتصَّوف، الزاهٍّد، العابِّد، الناسِّك، الفقير لله وغير ذلك من مرادفات .. 
وكذلك يقال، العابدَّة، الزاهدَّة، الناسِّكة ..

وقد إتبعَّت الاديان السماويِّة، تراتبيَّة، هرمية لوصول المتصَّوف، او المتصَّوفة الى سُدرَّة المُنتهى في الكمال الروحي .. 
( اي أعلى الدرجات الروحية )

  - في الدين الاسلامي ..
عندما يصِّل المتصَّوف الى سُدرَّة المنتهى، يقال له الولِّي، او مولانا .. 
أي أسمى الدرجات .. 

وقد أتيت على ذِكْر سيرة بعض هؤلاء المتصَّوفين  في مُدوِّناتي، مثل الشيخ محي الدين إبن عربي، والشيخ جلال الدِّين الرُّومِي، والسيدة الفاضلة رابعة العدويَّة .. 
  
 - في الدين المسيحي ..
عندما يصل الناسِّك، او الزاهد، او العابد الى سُدرَّة المنتهى، يقال له قديسا ً بعد تطويبه، وفق إجراءات مُعقّدة، وطويلة قد تأخذ عقودا ً او قرونا ً من الزمن ..  

وقد ذكرت في إحدى مُدوِّناتي، عن سيرة القديس شربل، والقديسة رفقا من لبنان، وهناك عدد وفير من القديسين والقديسات في الغرب، حفِلَّت بهم الكتُّب .. 
أما لفظة، او كلمة القداسة ..

عند الموحدُّون الدروز،  فقد أتى ترداد هذه الكلمة، او هذا اللفظ عند الإشارة  الى أحد الاولياء، كأن يقال :

قدَّس الله سِرَّه .. تقال للأمير السيِّد عبدالله التّنوخي، على سبيل المثال لا الحصر .. 
او ..
قدَّس الله سِرَّها .. في المقامات والمزارات ..

 - في الديانة اليهودية ..

عندما يصل العَابِد، او الزاهد الى سُدرَّة المنتهى، يقال له نبيا ً وقد أَتَّت أسفار العهد القديم على ذكرهم ..
مثلا ً :
في أسفار النبي موسى الخمسة، وأسفار الأنبياء  مثل هارون، يشوع، داوود وغيرهم .. 

هذا فيما يتعلق بالتصَّوف ..

أما الاصولية المتشددَّة، والراديكالية في المسلك، الديني، الدي يتبَّعه البعض من أتباع الاديان السماوية، وبات الان مُنتشرا ً كالنار في الهشيم، والذي أدى، ويؤدى الى الحروب والدمار الذي عاشته أوروبا في القرون الوسطى، ونعيشه الان في هذا القرن  ..

فإنه، لعمري ...
لم تأت ِ على ذكرهما، الكتُّب السماوية ...
لان الأنبياء والرُسُّل كانت رسائلهم ...
بشارَّة، ومحبة، وخير، ورغد، وسعادة للبشرية ..

وما نشهده اليوم، خلاف ذلك .. 







فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا 
٩ كانون الثاني ٢٠١٨

الخميس، 4 يناير 2018

المُوحدُّون الدروز، والتقيَّة ... ( ٢ )

نشر من قبل Faissal El Masri  |  in دراسة  6:57 م

الموحدُّون الدروز، والتقيَّة.. ( ٢ ) 


 - تمهيد :

بعد مُدوِّنتي عن الحاكم بأمر الله، الخليفة المُفترَّى عليه وعلى أتباعه، كان لا بد من توضيح، وتفسير معنى التقيَّة، لدى الموحدُّون الدروز، خلال فترات الظلم التاريخي الذي تعرضوا له ..


 -  توطئة تاريخية، دينية ..

لقد شهدَّت البشرية منذ هبوط الاديان السماوية، حروبا ً تدميرية بسبب المعتقَّدات الدينية، وإختبر الانسان التهجير، والنفي، والسبي، والاغتصاب، والذبح، والقصاص الهمجي .. 

وبالرغم من تطوُّر الانسان، العلمي، والثقافي بقي مفهوم حرية الإيمان الديني عنده، مُنحطا ً ..
وإستمر في عدائه تجاه المعتقد الديني الاخر والمغاير ..
وبقي يضمر  في نفسه غايات دفينة عدائية، وهي الدين، أو المعتقد .. 
وبقيت المُعتّقدات تُؤجِّج، وتُغلي النفوس  نحو الشرُّور، والحروب ..  

لذلك ..

قامت وعايشَّت ْ، وإختبرَّت ْ البشرية أن كل دين سماوي يهاجم غيره، ويتعرَّض له ..

فاليهودية، تنكرَّت للمسيحية .. 
والمسيحية عارضَّت اليهودية .. 
واليهودية، والمسيحية، تُخالفان الاسلام .. 
والاسلام يدحَّض كثيرا ً من عقائد اليهودية، والمسيحية ..

أما العجَّب، والغرابة ..
أن في كل دين سماوِّي هناك ملِّل، ونحَّل، وفرَّق، وطوائف، ومذاهب ..

تعارِّض، وتكفِّر بعضها البعض ..
ولا ترى غضاضة ً في شّن الحروب للقضاء على من يخالفها ..

وقد أطلقت عليها في مُدوِّنات سابقة، بالمِحَّن، أي مِحَّن الاديان السماوية ..

  - مِحنة الديانة المسيحية في أوروبا بالقرون الماضية، ما بين المذاهب المسيحية، أدَّت الى شد َّ الركاب، والرحيل والهجرة، لبعضهم الى العالم الجديد، بالقارة الأميركية ملاذا ً آمنا ً لممارسة شعائرهم ..  
 
- مِحَّنة الديانة اليهودية، حدِّث ولا حرَّج بما يُسمَّى ( الديسابورا ) اي اليهودي التائه، والمنفي، والجوَّال الأزلي .. 

 - أما مِحنَّة الاسلام، فما عليك إلا  أن تنظر الى الوراء لأكثر من ألفيَّة ونيف، وتنظر بذات الوقت، ومن نفس المكان الى الامام لقرون مُقبلَّة، مُدلهمَّة، مُدبرَّة من الخلاف، والشقاق، في الدين الواحد والقادم، أعظم .. 

بِنَاء ً على هذا العيش غير الرغيد، وغير المُفعَّم بالحب، وقبول الاخر ..

كان لا بد من صيغة مُشتركَّة للعيش، بأمان وطمأنينة ما بين  مُنتسبي هذه المعتقدات من الشعوب، لتزيل الاحتقان، وَتُخفي ما في القلوب، والعقول من إيمان، حتى ينتشر التعايش والسلام بين البشرية، ولو الى حين، أو بعضا ً من الوقت ..

الصيغة الامُميَّة بين هذه الاديان ...

هي ألتقيَّة ..

وإذا قال لك، أي فَقِيه او مؤرِّخ أن التقيَّة إنسحبَّت، وطُبقَّت في دين سماوي واحد، او مذهب واحد فهذا غير صحيح، لان الأديان السماويَّة كلها طبقَّتها، وعملَّت وأخذت بها مسلكا ً ومنهجا ً وطريقا ً، تجنبا ً وخوفا ً من الاخر ..





ما هي التقيَّة ..
وما أدراك، ما هي التقيَّة ..
إليكم، ما هي التقيَّة ..

  أولا ً - ( المفهوم اللغوي ل كلمة التقيَّة ) :



 
التَّقِيَّة : الخشْية ُ، والخوفُ  ..

تاريخيا ً، المُتصوُّفون، والفلاسفة إعتمدوا  إخفاء الحَّق  ومصانعة النَّاس والتَّظاهر بغير ما يُعتقدون  خوفا ً من البطش، أو الظُّلم .. 

التقيَّة، مصدرها .. 
إٍتقَّى، إتقَّاء ً ..
كَأَن يَتَّقِي شَرَّهُ، يَتَجَنَّبُ شَرَّهُ ، يَحْذَرُه ُ ...
  
ثانيا ً - ( المفهوم الديني ل كلمة التقيَّة ) :

إتقَّى الله ..
صار تقيا ً وخاف منه ..
تجنَّب ما نهى عنه، وإمتثل لأوامره .. 
ويقال، اِنْتَهَى بِه ِ مَذْهَبُه ُ إلى التَّقِيَّة ِ ..
أي ..
إِخْفاء ُ الإنسان  مَذْهَبِه ِ  والتَّسَتُّر ُ عَلَيْه ِ خَوْفا ً، وخشية  ً  ..
وبمعنى أخر .. 

مُدارَاة المؤمن للكافر باللِّسان، خلاف ما ينطوي عليه قلبه خوفًا على نفسه .. 

وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تَقِيَّةً ..

وفي هذا، تفسيح لأخذ التقيَّة مسلكا ً ولا غضاضَّة في ذلك .. 

بناء على كل ما تقدَّم ..

 - لن أسترسل في التقيَّة بالدين اليهودي، لأن التوّراة حافل باخبار التقيَّة مع الفراعنة، وبابل، والفرس، وبالحرب العالمية الثانية ايضا ً ..

 - كذلك لن أبحث في التقيَّة بالدين المسيحي خاصة مع بدايات البشارة، والصراع مع حاخامات اليهود، في أُورشليم القدس، ومع مُمثلي قيصر روما ..

 - أما التقيَّة في بدايات الاسلام، فيها ما يكفي لتبرير الهجرة للمدينة المُنورَّة، تاركين  جور وظُلم  قريش، في مكة  ..

 ثالثا ً - يُهّمُني في هذه المُدّونة الإشارة الى التقيَّة عند : ( الموحدُّون الدروز )  

في هذا المبحَّث سأتطرَّق الى وجهين للتقيَّة عند ( الموحدُّون الدروز )، ولا تكتمل الواحدة إلا مع الثانية ..

 - الوجه الاول : 
هي، التقيَّة بمضمونها المعتقدِّي، الديني، المسلكي، الواجب إعتماده والعمل به ..

 - الوجه الثاني : 
وهي، مُلازمة للوجه الاول كالعملة الذهبية، وتقضي بعدم التعرُّض للمعتقدات الاخرى .. 

وهذا ما سأُبيِّنُه وأُشدِّد عليه مُسبقا ً، وأقول ان الوجه الثاني لم تأخذ به المعتقدات الاخرى، بدليل ان السَّب للمذاهب والفرَّق، التي تغاير، ما زال حتى وقتنا الحاضر، معمولا ً به ومُطبقا ً .. 

 - في الوجه الاول، للتقيَّة .. 

بعد التعريف اللغوي للتقيَّة، سأبحث في المعنى الديني لهذا التوَّجُه المسلكي للموحِّدين الدروز ..
 - ١ / يقول الامير، السيِّد عبدالله التّنوخي في إحدى رسائله :

ونُداري الامة، ونبتغي من هذا الايمان المحافظة على الودَاد، والاخوَّة مع سائر الناس ..

وإستند الامير السيِّد عبدالله التّنوخي في ذلك الى ما قاله النبي محمد صَلَّى الله عليه وَسَلَّم :
رأس العقل بعد الايمان بالله، مداراة الناس ..

إستنادا ً الى هذا الوضوح في التأكيد، يُضيف الامير السيِّد عبدالله التّنوخي .. 
إن التقيَّة  عند الموحدِّين الدروز، لا تمسهَّم بل تزيدهم شرفا ً، لان هدفها شريف، ليس فقط للمحافظة على كيانهم، وأنفسهم من الملاحقة على أيدي المتعصبِّين، والمتزمتِّين، بل للحفاظ على الجيرة الحسنَّة، وعلى التسامح، وعلى إحترام عقائد الغير، وعدم المس بها ..

وإستند الأمير السيِّد عبدالله التّنوخي الى المبدأ القائل : 
لكم دينكم ولي ديني .. 
وكل واحد على دينه، الله يعينه .. 

 - ٢ /  أما السيِّد عبدالله النجار في كتابه ألقيِّم مذهب الدروز والتوحيد، يقول في التقيَّة :

كان الموحدُّون الدروز منذ نشأة مذهبهم في مطلع القرن الخامس للهجرة، الحادي عشر للميلاد، مُحترسين في كتمانه، مشيحين عن إعلانه، صيانة لأنفسهم من الاضطهاد، ووقاية من العدوان ..

والتقيَّة يتذرع بها المتَّقون، بالآية ١٠٦ القرآنية من سورة النحل :
إلا من أُكْرِه وقلبُه مطمئن بالإيمان ..

يُضيف السيِّد عبدالله النجار أن التقيَّة جاءت بعد أغلاق باب الدعوة سنة ٤٣٤ هجرية ..

كان الدعاة يوصون أتباعهم بالحذر والكتمان، حفاظا ً على سلامتهم بعد أن قُضي على المذهب في مصر، وقد حفلَّت الرسائل بتحذير المستجيبين منها، على سبيل المثال المنشور الذي أُرسِل الى آلِ عبد الله وآل سليمان سنة ٤٣١ هجرية جاء فيه :
وإستديروا بالسِّتر لما أوعزناه إليكم، وليتدبر بالسِّتر لما أوعزناه إليكم ..

وكان يُنصح الأتباع الموحدُّون بالارتحال الى حيث يكون لهم ولي ٌّ يلطف بهم، وينصفهم، ولا يحيف عليهم ..

وقد كانت النصيحة للأتباع واضحة جدا ً كالقول لهم :
إن كان الموضع الذي أنت فيه يصلُح للسترَّة، فالمقام، وإن أردت الانفساح وراحة القلب، فعليك ببلاد الشام ..

ومن الواضح أن النصيحة، كانت تفرض على الأتّباع، أخذ الحيطة وحتى الإنكار عند الإضرار، والله العالم بما تُظهرون، وما تكتمون ..

وقد ذكر التاريخ أن الظلم الذي لحق بالموحدُّون الدروز كان رهيبا ً ومخيفا ً، ومن فرط ما قاسوا به من ألوان الإضطهاد، والتعذيب، والتقتيل، والتنكيل، رحل أكثرهم  عن مصر، الى بلاد الشام وأفضى ذلك بالكثيرين منهم الى إنكار مذهبه، والتظاهر بالجحود ..

وخلصَّت إحدى الرسائل ( ٧٨ ) في شرح الخطر، المُحدِّق بالقول :

في ذلك اليوم يصبح الموحدُّون هدفا ً للاضطهاد، ويكون القابض على دينه كالقابض على الجمر، ويفِّر المؤمن بدينه من شاهق الى شاهق ..

 - ٣ /  أما المرحوم كمال جنبلاط أعطى في مقدمة كتاب الدكتور سامي مكارم "مسلك الحكمة والتوحيد" – وهو الاسم الحقيقي للدرزية – 
توضيحا ً، حيث فرَّق ما بين التقيَّة، والسرية ..
 
إذ يقول ..
الإحتراز، ما أمكن فيما يجب أن يبقى سرا ً مكتنزا ً لا تتداوله أيدي عامة الناس ممَّن لا تتفتح أفهامُهم وأذواقُهم لمعناه، ولا تتوفر فيهم شروطُ الأهلية الروحية، والاستحقاق الخُلُقي، ولا يرغبون، في جدِّية وإخلاص، بالانخراط في مسلك هذا العرفان ..

ويستند المرحوم كمال جنبلاط الى الآية القرآنية :

"لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا ما اكْتَسَبَتْ" [ سورة البقرة  286] ..


وهذه السريَّة كانت نهج حكماء الهند، ومصر القديمة، والصين، وإيران، واليونان وسواهم من الأقوام، ولا تزال ميزة مَن لا يزالون تعمُر حياتُهم وأرواحُهم بمسلك الحكمة القديم المتصل المتجدد أبد الدهر ..
ويخلص المرحوم كمال جنبلاط الى القول :

 - إن السبب الجوهري لمثل هذه السريَّة، ليس هو "التقية" بمعنى الخشية، لانه من القواعد الألفية المكرَّسة في مسالك الحكمة، والعرفان أن يحافظ المؤتمَنون على السرية لسبب جوهري توضحه الكتُّب المُقَدَّسة ..


 - الوجه الثاني للتقيَّة : 

وهذا المنهج، او الطريقة التي سلكها ( الموحدُّون الدروز )، في إحترام عقائد الغير، هي الوجه الثاني الذهبي للتقيَّة ..

إن التاريخ القديم او المعاصر لم يُدوِّن أن ( الموحدُّون الدروز )  تعرضُّوا لأحد على خلفية دينية، او مسَّوا بمشاعر أحَّد من أجل عقيدته، او أهانوا شيخا ً او كاهنا ً او حاخاما ً.. 
بل شهد العالم لبني معروف،  إحترامهم للاديان واصحابها، ومنتسبيها .. 

وبما ان الشئ بالشئ يُذكر، فإن هذه الطريقة في التعامل مع سائر الْمُعتقدات، والأديان فإنها تعود الى أيام الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله حيث جاء ..

إن الحاكم بأمر الله قد منع سَّب أعداء مذهبه ..
ولم يعامل أعداءه بالمثل ..
 ويؤيد المؤرخ، تقي الدين احمد بن علي المقريزي ذلك بكتابه :
إتعاظ الحنفاء  باخبار الأئمة الفاطميين جزء ٣.  

حيث نشر نص وثيقة منع  سَّب الصحابة، بأمر من الحاكم بأمر الله ..
جاء فيه :

لا يُسَّب السلف، ولا تكونوا سبابين، ولا عيابين ..
ويُضيف المقريزي :
لدينا سجل أصدره الحاكم بأمر الله،  ليُقرأ في كل مكان على جميع الناس في رمضان بالعام ٣٩٨ هجرية يظهر فيه منع الحاكم بأمر الله  سَّب السلف وهذا نصَّه :

من عبد الله ووليه أبي علي الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين ، إلى كل حاضر ٍ وباد ٍ ..
أما بعد :
فإن أمير المؤمنين يتلو عليكم آية من كتاب الله المبين ..
 لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ  ..

وقد يعتَّز ( الموحدُّون الدروز ) بهذه الخصلة الحميدة، لان أمر الحاكم بأمر الله جاء واضحا ً وصريحا ً ، وما زال معمولا ً به لغاية تاريخه ..
ألا تلعنوا أحداً  في الدين ..
لان اللعنة، لا تزيد في الدين ..
وخاطبوا الناس بالتي هي أحسن ..
فإن الله يحب المحسنين ..
فتميل قلوب العالم،  اليكم ..

يتبين من أعلاه ..

وبالرغم من كون عقيدَّة ( الموحدُّون الدروز )، فيها تفسير، ورؤية، وفكر جديد مُغاير او مُختلف، فإنهم طبقُّوا ما أُمروا به، اي عدم التعرُّض للمعتقدات الاخرى، بالرغم من ( الافتراءات ). 
ولكن كانت هناك حاجة مُلحَّة لهذا المذهب التوحيدي الجديد، لتجنُّب الخلافات، والاعتداءات، والنعرَّات الدينية، والطائفية، من المعتقدات الاخرى،  فجاءت التقيَّة، بالمفهوم اللغوي، والديني الواضح في أعلاه ..

 ولا يسعني في ختام هذه الْمُدوّنة إلا الى أن أُشير ...

إن التقيَّة، قد تكون السلاح الذي يمتشقه ( المُجددُّون، ضد المتعصبِّين، والمتزمتِّين ) ..

إن التقيَّة، قد تبقى سلاح المُتعلمِّين، والمثقفين، ضد الجهلَّة ..
إن التقيَّة، هي بر الأمان للاستتَّار بالمألوف ..
وإن التقيَّة، ستبقى طالما لا نعترف بالرأي الاخر ..
والى ان يأتي العصر الذي يقتل الجهل، فيه الجهل ..
كما حصل بالماضي، عندما كانت الثورة تأكل، الثورة  ..
وكما قال احد المفكرين أيضا ً :
وأينما وُجدَّت  التقيَّة ..  
هناك ظالم، ومظلوم .. 
وسيد ٌ وعبد ٌ ..
وتعصُّب، ورفض لكل رأي جديد ..
وأكثرية، تقوَّى على الاقليَّة .. 
وتمنعها حقَّها، في المعتقد، والفكر، والحرية ..

وأُنهى هذه الْمُدوّنة بإعادة ما ذكره السيِّد عبد الله النجار في كتابه عن، التقيَّة :

وبقيت التقيَّة، إصطلاحا ً، لا إستيحاء ً، وخفرا ً، لا  وقاء ً ..
وآن لها، أن تُشرِّع باب خدرها للنور ..
وأن تستبدل بالنقَاب، السفور ..


فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا 
٥ كانون الثاني ٢٠١٨

المراجع، ذكرت في حينه. 

الثلاثاء، 2 يناير 2018

الحاكم بأمر الله، الخليفة المُفترى عليه ...

نشر من قبل Faissal El Masri  |  in دراسة  6:37 م
الحاكم بأمر الله، الخليفة المُفترى عليه ..


تمهيد :

لم تتعرَّض فئة من الناس او البشَّر، على مر تاريخها، الى ظُلم سياسي، عقائدي، فني، ثقافي، على يد المؤرخين، والفقهاء، والنقَّاد العرب، كما تعرَّض الموحدُّون الدروز ..

الظلم والإفتراء، بدأ بالخليفة الفاطمي الحاكم  بأمر الله وأتباعه، منذ الدعوة التي ظهرت في مصر من حوالي الف عام تقريبا ً ..

لم يذكُر التاريخ القديم، أن مكان بدء إنتشار أية  عقيدة، لم يَعُّد سكنا ً، ومقاما ً، ويصبح أثرا ً بعد عين للأتباع، كما حصل للموحِّدون الدروز بالنسبة لمركز إنتشار دعوتهِّم في مصر، بالرغم من أن الخلافة الفاطمية سادَّت، وأقامت دولتها وعاصمتها في القاهرة، ما يقارب ٢٥٠ عاما ً  ..



إذا نظرت الى القدس، فإنها ما زالت يقطنها اليهود، والمسيحيون، والمسلمون، إلا مصر لا تجد فيها موحِّد درزي واحد، لأن صلاح الدين الأيوبي ذلك المسلم الكردي الحقير، قضى وفي مذبحة واحدة، على أكثر من مائتي الف فاطمي كانوا يقطنون القاهرة، وإكتملَّت حقارته الحضارية بأن قام بتدمير، وحرق الكُتُّب في دار الحكمة، التي أسسها الحاكم بأمر الله، وبذلك محَّى تاريخهم، ووجودهم في مصر ..
( يُراجع في ذلك المؤرخ والباحث المعاصر، يوسف زيدان )

هذه الْمُدوّنة كسابقاتها عن الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، لا تتطرَّق الى العقيدة، بقدر ما تطال الإفتراءات التى لطخَّت زورا ً وبهتاناً هذه الشخصية التاريخية بإمتياز ..

هذه الْمُدوّنة، تبحث في وجهين لعملة حجريَّة، رخيصة، مُزورَّة، راجَّت، وبات يستعملها ويروجَّها كل حقير من، بعض فقهاء أُمَّة العرب ..

الوجه الاول لهذه العملة ..

هم جمهرة كبيرة من الفقهاء، السفهاء العرب المسلمين، المأجورين، المنافقين، والدجالين، الذين كذبوا وما زالوا يكذبون، مُستغلين الأحكام الشرعية وفق أهواء السلطة ..


الوجه الثاني لهذه العملة ..

هم جمهرة أدعياء العرب من المؤرخين المسيسِّين، وفق أوامر السلطة المدنية، يلعبون بالتاريخ، كما يلعب الفقهاء بالاحكام الشرعية ..

لن أبحث في الفقهاء العرب المسلمين، الذين صالوا وجالوا في مساقط التكفير للخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله،  لأن بعضهم هم زُمرّة، دينية أخذت السياسة مسلكا ً في تفسير الشريعة الاسلامية، بإنحياز تام، وضلال مُبين، حتى أن التاريخ أَتَى على ذِكْر موتهم، إِمَّا قتلا ً، او بواسطة السَّم، لان الحاكم الذي تلى، لم تُعجبه فتاويهم، فأزهق روحهم ولم تشفع بهم أضاليلهم السوداء ..

لن أُلطِّخ هذه الْمُدوّنة بالتفسيرات السياسية الفقهية، التكفيرية التي تميل الى خِفَّة في الكيل والميزان، في أحكام شرعية لا لُبْس في تفسيرها ..

أما جمهرَّة الحُثالة في التأريخ العربي الاسلامي، وسفلَّة المنحطِّين المؤرخين العرب الذين حاولوا الوصول الى هامة، وشخصية الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، عن طريق إطلاق الاكاذيب والافتراءات،  كان مِداد حبرهم الأسود من منابع الكذب، والحقد، على شخصية لم تنزع بتفكيرها الديني السليم، الا تفسير الأحكام الشرعية لتناسب العقل، ثم العقل ..

ويقول في ذلك الفقيه المصري يوسف زيدان :

وجوب تقديم العقل على النقل، ( اي السيرة النبوية ) وهو ما نادى به قديما ً المعتزلة، وجدَّدَها العقلانيون المعاصرون. ولا شك أن للعقل مكانة ً عظيمة ً بيّنها القرآنُ الكريم في عدد ٍ من الآيات ..
كما سبق وذكرت، لن أتطرَّق في هذه الْمُدوّنة الى صلب العقيدة التي يؤمن بها شريحة كبيرة من أهل سوريا، ولبنان، وفلسطين، والأردن، وهم من عليَّة العرب، قدرا ً، ووطنية ً وإيمانا ً راسخا ً في العرب والعروبة، وليسوا،  من مسلمي الأمصار والأقطار البعيدة الذين عاثوا فسادا ً وإفسادا ً، وجرى قبول مفاسدهم، لأنهم فقط مسلمون، بالهوية  ..

هذه الشريحة التي تُسمى بالموحدّون الدروز، هم عرب أقحاح، لم تُلوَّث دمائهم، بل بقيَّت نقيَّة، طاهرة وكانت على مر العصور ترفع رايات العرب والعروبة قتالا ً، مُضحيَّة بكل غال ٍ ونفيس كالخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله الذي حمى ديار خلافته العربية الاسلامية، وذاد عن حياض دينه، وأعاد الحجر الأسود الى مكة المُكرَّمة بعد ان سرقها القرامطة الى البحرين ..

أما بعض الْمُؤرخين المُسلمين العرب، يقومون بالتدوين، وكأنه تهريج سينمائي، أهازيجي، حيث يقولون أن ذلك المسلم من الأمصار والأقطار البعيدة صلاح الدين الأيوبي، هو عظيم من عُظماء العالم، فقط لانه مسلم ..

وغاب عن ناظريهم رغبته، مثل باقي مسلمي الأمصار في سحق العرب والعروبة، وإهانتهم ومحو ذاكرتهم، كما فعل بالخلافة الفاطمية ..

هذه الْمُدوّنة سأضع لها إطارا ً تاريخيا ً، عن أحداث وقعت، وحصلَّت ورسمَّت مصير، ومسار الأمة العربية الاسلامية، حتى يومنا هذا ..

هذه الْمُدوّنة، ليست الا كشفا ً لحقائق تاريخية طمسها المؤرخون العرب السَّفَلة، وأظهرها إستيحاءً البعض القليل من مؤرخي الحقبة الفاطمية، وأماط اللثام عنها خجلا ً مؤرخوا مصر، وأعلنها جِهارا ً مؤرخوا الغرب خاصة في ألمانيا ..

هذه الْمُدوّنة، ترسم صورة الوضع الذي نشهده اليوم، لانه نِتاج تفكير عقيم، وسقيم في الفكر العربي الديني،  منذ اكثر من الف واربعمائة سنة، لانه إنتقل من رِحاب الإيمان الى لعبة سياسية، قذرَّة  في تصويب، وتحريك الدين الى إستنساب ليس ألا  ..

لذلك، أقول جِهارا ً لا لُبْس فيه ..

لم تطأ الارض أُمَّة تحمل أحقادا ً في الدين الواحد الموروث، كأُمَّة العرب المسلمين ..
لم يَعِش على هذا الكوكب، شعب يحمل الغِّل، والضغينة، والثأر أكثر من الف واربعمائة سنة،  كالشعب العربي المسلم ..

الشعوب على هذه البسيطة، إختلفَّت، وتقاتلَّت .. ثم تصالحَّت ..
إلا الشعب العربي المسلم ..
ما زال مُنقسما ً منذ خلافة علي بن أبي طالب  أخر الخلفاء الراشديين حتى يومنا هذا ..

الحروب الدينية الاسلامية السياسية، توالَّت، وستتوالى وستبقى ..

الرأي، والرأي الاخر في العالم العربي الاسلامي، ما زال  مُنعدما ً في القاموس العربي المسلم ..
وما دام الاختلاف بالرأي، سِمَّة من سِمات الانسان العربي المسلم ..

سيبقى العرب المسلمون، يغرقون في الدماء حتى قيام الساعة ..

بناء ً عليه ..
سأرسم الإطار الذي أخذه العرب المسلمون مسلكاً وطريقة ..
وما زالوا يطبقونه، حتى اليوم ..
كما طبقوه على الخليفة الفاطمي، الحاكم بأمر الله ..
أو كل من يُفسِّر أحكام الشريعة الاسلامية، خلاف ما يفسره جمهرة المسلمون السِّنة ..
فإما الحرب الضروس، كما شهدته حروب، الامام علي بن ابي طالب، ومعاوية، حتى العباسيين  ..

أو الحروب الأشَّد فتكا ً وهي محارق الإفتراءات، وإختلاق، الاكاذيب،  وتشويه السمعة، حتى ولو  كانت  شخصية  تاريخية  فذَّة،  كالحاكم بأمر الله ..
الذي ذكر التاريخ عنه :

إنه ..
باني أكبر، وأعظم  مكتبة في تاريخ الامّم ..

إنه ..
أول من ألغى الرَّق والعبودية، الذي بقي في العالم حتى آبراهام لينكولن بالقرن الثامن عشر، وبقي في العالم العربي حتى مشارف القرن العشرين  ..

إنه ..
كاشف مرض البلهارسيا الذي كان، وما زال حتى يومنا هذا، يفتك بالشعب المصري، المقيم على ضفاف النيل، لان ري الخضار كان من تُرَّع نهر النيل التي تتكاثر فيها جرثومة البلهارسيا ..  

إنه ..
أول خليفة، وأخر خليفة مسلم، كانت خزينة دولته، غنيَّة مليئة ذهبا ً، ودواوينه مُكتظَّة بالعلماء، والفلاسفة، وغيرهما من أصحاب الاختصاص العالي ..

إنه ..
مُعيد الحجر الأسود، ذلك الرمز الاسلامي الديني، الى موقعه، في البيت الحرام، بمكه ..
 
إنه ..
أول من شّق قناة مائية ما بين نهر النيل، والبحر الأحمر ..

- توطئة تاريخية ..

 اولا ً :

لمّا إحتّل عمر بن العاص مصر، وقف مشدوها ً، ومُحتارا أمام مكتبة الاسكندرية ..
لم يُحرِّك عمر بن العاص، ساكنا ً.. 
وهو، القائد العسكري القدير، والداهيَّة الرهيب في تنظيم قرارات عقله ..
لم يسأل نفسه ..
ما هو فاعل في هذه الكتُّب المرصوصة بتبويب يفوق الوصف من ناحية العلوم، وما أكثرها في الطب، والفلسفة، والتاريخ، وغيرها ..

بل ..
أرسل للخليفة الراشدي عمر بن الخطاب، يسأله، ويستشيره، ويطلب منه الامر، في مصير هذه المكتبة العامرة ..

كتب الخليفة عمر بن الخطاب كتابا ً إلى عمرو إبن العاص يقول فيه :
إذا كانت هذه الكتُّب، لا تحتوى على شيء غير المسطور في القرآن فهي كعدمها ..
أي اذا كان فيها ما يوافق كتاب الله ..
ففي كتاب الله عنه،  غنى .. ، 

وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله .. 
فلا حاجة إليها، فتقدَّم بإعدامها ..
  
أي إذا كانت هذه الكتُّب، تنافى ما جاء بالقرآن فهي ضارَّة ومؤذيه ..
لا يجب حفظها ..

إذا ً ففي كلتا الحالتين يجب حرقها، وإبادتها من الوجود ..

بعد هذا الحواب الكافي، والشافي ..

أمر عمرو بن العاص بإستعمال هذه الذخائر، والنفائس، كوقود في حمامات الإسكندريه ..

يُراجع في ذلك كتاب ..
المواعظ والإعتبار في ذكر الخطط والآثار، للمؤرخ تقي الدين احمد بن علي المقريزي ..
ويقال انه ..
ظلَّت حمامات الاسكندرية،  تستخدم هذه الكُتُّب كوقود لمده ستة أشهر كاملة ..
 يراجع الغدير ..
 والفهرس لابن النديم  ..

من هذه الواقعة التاريخية الصحيحة، والدقيقة جرى رسم المصير والمسار في كيفية التعامل مع الحضارات الاخرى، والاراء المغايرة، والعلوم غير المنصوص عنها شرعا ً ..

وقد تبرع بعض عتاعيت الفقهاء المسلمين، على القول أن الخليفة عمر بن الخطاب كان يقصد على سبيل الحصر مكتبة الأسكندرية، في إتلاف كنوزها من الكُتُّب ..

ولكن سها عن بال، وفكر هذه الزُمرَّة من المؤرخين ان حضارة الجاهلّية لم يبق منها أثرا ً إلا المعلقات والمذهبَّات، لانها كانت تُحفظ في القلوب، أما النثر، والعلوم، والآداب الجاهلّية لم يصلنا منها شيئا ً لانها أُتلفت، وأُحرقت مع هدم الأصنام، والمعابد الوثنّية التي كانت مُنتشرة في شبه الجزيرة العربية ..

بعد مكتبة الاسكندرية وحرق كُتبها، لا تسأل لماذا قام صلاح الدين الأيوبي، ذلك المسلم الكردي من الأمصار والأقطار البعيدة،  بإتلاف، وحرق، وتدمير دار الحكمة التي أنشأها الخليفة الفاطمي، الحاكم بأمر الله .. 
( تراجع مُدوِّنتي عن دار الحكمة )

ولا تسأل ايضا ً لماذا حرقوا كُتُّب الفلاسفة العرب، في الأندلس ..
 
- ثانيا ً :
بعد مقتل عثمان بن عفان الخليفة الراشدي الثالث، أصبحت الحالة فى المدينة المنورة تقتضى وجود خليفة قوى يعيد الأمور إلى وضعها الطبيعى داخل عاصمة الدولة الإسلامية ..

لذا أسرع أهل المدينة إلى مبايعة علي بن أبى طالب سنة ٣٥ هجرية ..    
بدأ  الخليفة علي بن أبى طالب عمله، وهو عزل ولاة  الخليفة عثمان بن عفان، وعين بدلا ً منهم ولاة آخرين ..

لكن الوالى الذى أرسله الخليفة إلى الشام لم يتمكن من إستلام عمله، حيث تصدَّى له أنصار معاوية بن أبى سفيان،  والى الشام من أيام عثمان بن عفان ..

رفض معاوية ابن ابي سفيان، مبايعة علي بن ابي طالب للخلافة ..
كذلك ظهر تمرد آخر نشأ عن طلحة إبن عبيد الله، والزبير بن العوام وعائشة أم المؤمنين فى البصرة واستيلائهم عليها سنة ٣٦ هجرية. 
وأخبار هذا الخلاف التاريخي، ما زال ماثلا ً حتى يومنا هذا، ولا حاجة في الاستفاضة ..
 
أكتفي بسرد هاتين الواقعتين التاريخيتين لأن فصولهما تتوالى منذ قرون الى يومنا هذا ..

الخاتمة :
إذا كان الخلاف السني، والشيعي أدى، وما زال يؤدي الى هذه الحروب ..
إذا كان المذهب السني، والمذهب الشيعي يرفدان من ذات النبع، القرآن الكريم ..

واذا كان الخلاف، بين الأخ المسلم، وأخيه المسلم، ما زال مُستعصيا ً على الفهم والإدراك ..

فلا كُفْرا ً، ولا عجبا ً، ولا حرجا ً، ولا غضاضَّة، ولا عيبا ً،  ..
أن أستميحكم عذرا ً بأني قمت في هذه الْمُدوّنة   بتسفيه فقهاء، ومؤرخي، الحُثالة، والدناءة، الذين كتبوا، ودونوا الافتراءات التى طالت شخصية الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله ..

فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا
٣ / ١ / ٢٠١٨




مراجع الدراسة :
 - الفاطميّون، وتقاليدهم في التعليم - هاينز هالم ( ألمانيا ).  
 - تقي الدين احمد بن علي المقريزي، إتعاظ الحنفاء  باخبار الأئمة الفاطميين جزء ٣ 

 - الدكتور عبد المنعم ماجد -الحاكم بأمر الله، الخليفة المُفترى عليه. 
حسن إبراهيم حسن- تاريخ الدولة الفاطمية- مكتبة النهضة المصرية- القاهرة ١٩٥٨. 
 - أيمن فؤاد السيد- الدولة الفاطمية في مصر- الدار المصرية اللبنانية- القاهرة ١٩٩٢م






Blogger Template By: Bloggertheme9