يتم التشغيل بواسطة Blogger.

السبت، 29 مارس 2025

مفهوم الحماية الاجنبية. ونظام الساتراب Satrap أو الأذرع الإيرانية حديثاً.

نشر من قبل Faissal El Masri  |   5:30 ص


 

 


 


( الحماية الأجنبية ) بعد إتفاقية سايكس بيكو

( نظام الساترابيات ) بالمفهوم الفارسي القديم 

( الأذرع الإيرانية ) بالمفهوم الإيراني الحديث

دراسَة تاريخيَّة لهذين المصطلحين


المقدمَّة التي لا بُدَّ منها :

دائماً أرغب فِي سبر غور تاريخ المصطلحات التي نسمعها ونقرأها،

فِي هذه الدراسَّة سألقي نظرة تاريخيَّة على هذين المصطلحين :

أولاً : الحماية الأجنبية

ثانياً : نظام ساتراب Satrap الفارسي قديماً، 

أو الأذرع الإيرانية حديثاً


الحماية الأجنبية : هو مصطلح يشير إلى التدخل الأجنبي في شؤون دولة ما تحت ذريعة الحماية، وغالباً ما يرتبط بالانتداب أو الاستعمار. بعد اتفاقية سايكس بيكو (1916) وتقسيم المنطقة بين فرنسا وبريطانيا وسقوط السلطنَّة العُثمانيَّة (1924) فُرض الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان بموجب قرارات عصبة الأمم عام 1920 تحت مُسمَّى الحماية الأجنبية

نظام ساترابيات  هو جمع لكلمة ساتراب (Satrap)، وهو مصطلح فارسي قديم يُستخدم للإشارة إلى ( الولاة أو الحُكَّام ) الإقليميين في الإمبراطورية الفارسيَّة، كان الساتراب مسؤولًا عن إدارة مقاطعته وجمع الضرائب وحفظ الأمن. انتقلت الكلمة إلى العربيَّة من الفارسيَّة عبر اليونانية حيث كانت تُكتب “Satrapēs” في اليونانية القديمة.

( الساترابيات ) هو نظام إداري  حيث قُسمَّت بموجبه الإمبراطوريَّة إلى ساترابيات ( أقاليم ) يحكم كل منها ساتراب والي أو حاكم محلي يخضع للإمبراطور الفارسي مباشرةً

الأذرع الإيرانية مفهوم سياسي حديث يشير إلى الجماعات والفصائل المسلحة أو السياسيَّة التي تدعمها إيران في الدول العربيَّة بهدف خدمة تعزيز نفوذها الإقليمي والتفاوضي الدولي


الجزء الأول من هذه المُدوَّنة : الحماية الأجنبية

بعد سقوط السلطنَّة العُثمانيَّة وفرض الانتداب الفرنسي على لبنان لعبت الدول الأجنبية دوراً محورياً في حماية ودعم بعض الطوائف اللبنانيَّة بناءً على المصالح السياسيَّة والدينيَّة لكل دولة، مثلاً


1. الموارنة والمسيحيون عموماًفرنسا والفاتيكان

   •  فرنسا :

      •  كانت الراعي الرئيسي للموارنة في لبنان منذ القرن التاسع عشر، وازدادت هذه الحماية مع الانتداب الفرنسي

      •  دعمت فرنسا إنشاء دولة لبنان الكبير عام 1920، حيث كان الموارنة القوة السياسيَّة الأكبر.

      •  قدمت مساعدات عسكريَّة وسياسيَّة للقيادات المسيحيَّة خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) لا سيما للكتائب والقوات اللبنانية.

   •  الفاتيكان :

      •  كان له دور دبلوماسي في دعم المسيحيين، خاصة بعد تراجع النفوذ الفرنسي.

      •  تدخل في عدة مراحل للحفاظ على التوازن الطائفي وحماية الهوية المسيحيَّة في لبنان.


2. المسلمون السُنَّة السلطنَّة العُثمانيَّة، مصر والسعودية

   •  السلطنَّة العُثمانيَّة ( قبل 1918):

      •  كان السُنَّة في لبنان جزءً من الكيان العثماني وكانوا يتماشوا معه سياسياً ودينياً.

   •  مصر ( عهد جمال عبد الناصر 1952-1970) :

      •  دعمت الحركات القومية العربيَّة  بما في ذلك القوى السُنَّية في لبنان، خاصة خلال صعود الناصرية.

   •  السعوديَّة ( بعد 1970):

      •  أصبحت الداعم الأساسي للسُنَّة بعد تراجع الدور المصري.

      •  قدمت دعماً مالياً وسياسياً لزعماء السُنَّة  ( رفيق الحريري ) وساعدت في إعمار لبنان بعد الحرب الأهليَّة.


3. الشيعةإيران  وسوريا

   • إيران ( بعد 1979 – الثورة الإسلاميَّة ):

      •  أصبحت إيران الحامي الرئيسي للشيعة في لبنان عبر دعم حزب الله الذي أسسه الحرس الثوري الإيراني.

      •  قدمت مساعدات ماليَّة وعسكريَّة، خاصة خلال الحروب مع إسرائيل.

   • سوريا  خاصة خلال وجودها العسكري في لبنان

      •  دعمت الحركات الشيعيَّة  مثل حركة أمل، ولعبت دور الوسيط بين القوى الشيعيَّة والسُنيَّة.


4. الدروزبريطانيا وسوريا

   •  بريطانيا ( القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين )

      •  دعمت الدروز في جبل لبنان خلال الصراع الماروني - الدرزي عام 1860 ضد النفوذ الفرنسي والموارنة.

      •  لعبت دوراً في إبقاء زعامات درزيَّة، مثل آل جنبلاط، وآل أرسلان في المشهد السياسي.

   •  سوريا  خاصة تحت حكم حافظ الأسد 1970-2000 

      •  دعمت الزعيم الدرزي وليد جنبلاط. 


هذا الدعم الخارجي أدى إلى تعزيز النظام الطائفي في لبنان حيث أصبحت كل طائفة تعتمد على قوة خارجية لحماية مصالحها.  

تطبيق الحماية الأجنبية على سوريا ولبنان

   •  في سوريا واجه الانتداب الفرنسي مقاومة واسعة، مثل الثورة السورية الكبرى (1925-1927) بقيادة سلطان باشا الاطرش لكن فرنسا فرضت سيطرتها عبر تقسيم وترسيم البلاد إلى دويلات طائفية ( دولة دمشق، دولة حلب، دولة العلويين، دولة جبل الدروز ).

   •  في لبنان، أنشأت فرنسا كيان / دولة لبنان الكبير عام 1920 الذي قام الطائفية من أجل حماية نفوذها.

تأثير الحماية الأجنبية على الطوائف في لبنان بعد الاستقلال (1943):


عند استقلال لبنان عام 1943، أُقر الميثاق الوطني الذي كان تسوية هزيلة غير عادلة بين المسلمين والمسيحيين :

1. الموارنة والمسيحيون عموماً :

      •  كانت فرنسا ترى في المسيحيين وخاصة الموارنة حلفاء لها.

      •  ركزت فرنسا على دعم النخب المسيحيَّة في الحكم والإدارة، واصبحت رئاسة الجمهورية للموارنة

2. المسلمون السُنَّة :

      •  رفض بعض القادة السُنَّة في البداية فكرة لبنان الكبير وفضلوا الوحدة مع سوريا، لكنهم لاحقاً اندمجوا في الدولة اللبنانيَّة.

      •  حصل السُنَّة على منصب رئاسة الحكومة ضمن إتفاقية الميثاق الوطني.

3. الشيعة :

      •  كانوا مهمشين سياسياً إلى حد كبير خلال الانتداب وما بعده.

      •  حصل الشيعة على رئاسة مجلس النواب، لكن ظل تأثيرهم محدوداً حتى صعود حركات سياسيَّة مثل حركة أمل وحزب الله في العقود اللاحقة.

4. الدروز :

      •  كان للدروز تاريخ حافل في تحقيق الاستقلال اللبناني وخاضوا صراعات ضد الفرنسيين.

      •  بعد الاستقلال انتقص نفوذهم السياسي وكان ذلك إجحافاً في حقوقهم وما زال مقارنة بالطوائف الأُخرى

    5 الأرثوذكس والطوائف الأخرى :

      •  لم تكن لديهم نفس الامتيازات السياسيَّة التي حصل عليها الموارنة، لكنهم لعبوا أدواراً في الإدارة والدبلوماسية.


نتائج الحماية الأجنبية والطائفية في لبنان :


1. تعزيز فرنسا للانقسامات الطائفية عبر سياسات تمييزية أثناء فترة الانتداب

   •  تمييز بعض الطوائف على حساب الأخرى : منحت فرنسا الموارنة نفوذاً سياسياً واقتصادياً واسعاً

   •  تقسيم إداري مبني على الطوائف : جعلت فرنسا نظام توزيع المناصب السياسيَّة والإدارية يقوم على أساس الهوية الدينيَّة في الدولة.

   •  سياسة فرّق تسد عن طريق وضع التقسيمات الطائفية أداة للتحكم في البلاد، بحيث يكون الولاء  للطائفة وليس للدولة، مما ساهم في إضعاف الشعور الوطني المشترك.


2. تأسيس نظام سياسي مبني على الطائفية بعد الاستقلال (1943)


بعد استقلال لبنان عن فرنسا عام 1943، تمَّ وضع الميثاق الوطني، وهو اتفاق غير مكتوب بين الزعماء السياسيين، أدى إلى :

   •  تقسيم السلطة على أسس طائفية

      •  رئيس الجمهورية مارونياً

      •  رئيس الوزراء سنياً

      •  رئيس مجلس النواب شيعياً

   •  ترسيخ الانقسامات الطائفية بدلاً من بناء دولة تعتمد على الكفاءة والمواطنة، وأدى الولاء الطائفي إلى ضعف مؤسسات الدولة وانتشار الفساد والمحسوبيات.

   •  بقاء الطوائف تحت رعاية قوى خارجية واستمرت في الاعتماد على دعم خارجي، سواء من فرنسا، بريطانيا، أو دول عربيَّة وإقليمية مثل مصر وسوريا والسعودية.


3. استمرار تأثير القوى الأجنبية بعد الإستقلال

   •  انقسام القوى السياسيَّة بين معسكرات دولية وإقليمية أدى إلى وجود تيارات مؤيدة للغرب، وأخرى مؤيدة للمعسكر الشرقي أو الدول العربيَّة

   •  اندلاع الحروب الأهلية بسبب التدخلات الخارجية : مثل الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990). 

   •  الاستقطاب السياسي المستمر أدى إلى جعل لبنان ساحة صراع وحروب الآخرين على أرضه، والعجز عن اتخاذ قرارات وطنية مستقلة بسبب التنافس الطائفي البغيض

 

الجزء الثاني من هذه المُدوَّنة :

( نظام الساترابيات ) بالمفهوم الفارسي القديم 

( الأذرع الإيرانية ) بالمفهوم الإيراني الحديث


نظام الساترابيات كان أداة فارسيَّة قديمة لإدارة الإمبراطوريَّة واليوم يمكن رؤية تكرار حديث لهذا النموذج من خلال الأذرع الإيرانية المنتشرة في المنطقة والتي تلعب دورالحُكَّام المحليين”  ضمن إطار النفوذ الإيراني

أسس الملك كورش الكبير هذا النظام وأحكمه داريوس الأول، حيث قسم الإمبراطوريَّة إلى حوالي 20 ساترابية

 الأذرع الإيرانية هم حلفاء إقليميين موالين لإيران في دول مختلفة، مثل حزب الله في لبنان، أو الحشد الشعبي في العراق، أو الحوثيين في اليمن. هذه الجهات ليست جزءً رسمياً مِن الدولة الإيرانية، لكنها تعمل وفقاً لمصالحها.  

الفرق الأساسي هو أن الساترابيات كان جزءً من هيكل الدولة الفارسيَّة نفسها، بينما الأذرع الإيرانية هي جهات غير حكومية تتلقى الدعم والتوجيه من إيران، ومع ذلك يمكن القول إن كلا المفهومين يعكسان أسلوب إيران في إدارة نفوذها الإقليمي سواء في الماضي أو الحاضر.

   • بدأ استخدام هذا المصطلح بشكل واسع بعد الثورة الإسلاميَّة في إيران عام 1979، عندما تبنت إيران مبدأ  تصدير الثورة  ودعمت جماعات مسلحة وأحزاباً سياسيَّة تتبنى نهجها الأيديولوجي في العراق ولبنان وسوريا واليمن وفلسطين.

   • أصبح المصطلح أكثر شيوعاً بعد عام 2003، مع سقوط نظام صدام حسين في العراق، وصعود الفصائل الشيعيَّة المدعومة من إيران في بغداد.

   • زادت قوة هذه الأذرع  الإيرانية بعد اندلاع الثورة في سوريا (2011) وتدخل إيران المباشر عبر الحرس الثوري. 

توزيع الأذرع الإيرانية في العالم العربي اليوم :

1. لبنانحزب الله. 

     حزب الله هو أقوى أذرع إيران، تأسس عام 1982 بدعم مباشر من الحرس الثوري الإيراني     

      •  يملك قوة عسكريَّة تفوق الجيش اللبناني ويؤثر على القرار السياسي في لبنان.

      •  شارك في حروب خارجية لصالح إيران في سوريا واليمن

2. العراقالحشد الشعبي والفصائل المسلحة. 

 مثل عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، وحركة النجباء.

 هذه الفصائل أصبحت جزءً من الحشد الشعبي الذي له نفوذ سياسي وعسكري كبير في العراق، ويستخدم  في مواجهة النفوذ الأمريكي والسعودي في العراق.

3. سورياالميليشيات الإيرانية

      

بعد عام 2011 أرسلت إيران آلاف المقاتلين لدعم نظام بشار الأسد وأبرز هذه الميليشيات : فاطميون  ( أفغانية ) ، زينبيون، ( باكستانيةوحزب الله ( لبناني ). وحاولت تغيير التركيبة السكانية في المناطق السورية المتاخمة للحدود اللبنانية

4. اليمنالحوثيون ( أنصار الله )

 تدعم إيران جماعة الحوثي في اليمن منذ التسعينيات، لكن الدعم ازداد بعد 2014 عندما استولى الحوثيون على صنعاء.

5. فلسطيندعم حماس والجهاد الإسلامي بالأسلحة والتمويل، خاصة في غزة بهدف إبقاء الصراع مفتوحاً مع إسرائيل بما يخدم الأجندة الإيرانية في المنطقة.

الاسكندر المقدوني والأذرع الفارسيَّة الممتدَّة من  الهند إلى اليونان حتى مصر حديثاً، وفقاً لنظام الساترابيات منذ الملك الفارسي كورش والقائد العسكري داريوس

استلهام إيران لنظام الساترابيات بعد الثورة الإسلامية (1979):

بعد نجاح الثورة الإيرانية بقيادة الخميني، بدأت إيران بتوسيع نفوذها في بعض الدول العربيَّة عبر استراتيجية عسكريَّة مشابهة لنظام الساترابيات الفارسيَّة القديمة، إذ اعتمدت على وكلاء محليين ( ميليشيات أو أحزاب موالية لها ) كما كان يفعل الفرس سابقاً مع الساترابيات في إمبراطوريتهم.

من المفارقات التاريخيَّة لمَّا قرر الاسكندر المقدوني غزو الإمبراطوريَّة الفارسيَّة كان يواجه حكاماً محليين موالين لداريوس الثالث ( أذرع فارسيَّة ) بدءً من  بلاده اليونان حتى ساحل البحر الابيض المتوسط مروراً ب صور وانتهاءً بمصر

 قام الاسكندر بالقضاء عليهم ( اعداماً ) خاصة إذا كانوا من اليونانيين والمقدونيين الذين خانوا وطنهم الأُم والتحقوا بالفرس. 

بعكس الاسكندر فإنَّ الدول العربيَّة لم تواجه الأذرع الإيرانية بالحزم الكافي، مما سمح لها بالتغلغل والعبث في هذه البلدان خدمة لأحلام تعود جذورها الى الفرس الأوائل

أخيراً لماذا نستغرب أنَّ بعض الدول العربيَّة تُفرض عليها وعلى شعوبها الحماية الأجنبية ؟ 

ولماذا يُستهجن وجود نفوذ إيراني في بعض الدول العربيَّة ؟

السلطنَّة العُثمانيَّة حكمت البلاد العربيَّة لأكثر من أربعة قرون، مما يوحي بأن التدخل الخارجي ليس جديداً على بعض هذه الدول العربيَّة وشعوبها بعد إتفاقية سايكس بيكو. 

أنّّ هذه الدول التي تطلب الحماية الأجنبية أو تعتمد على النفوذ الإيراني، بحاجة إلى قائد قوي مثل الإسكندر المقدوني، يُعيد إحياء مفهوم العقاب الصارم للخونة، كما فعل عندما أعدم اليونانيين الذين تعاونوا مع الفرس ضد وطنهم الأم. 



فيصل المصري 

أُورلاندوا / فلوريدا 

أخر أذار ٢٠٢٥ 


هناك تعليق واحد:

  1. مشكور اخ فيصل على هذه المعلومات والتاريخ

    ردحذف

Blogger Template By: Bloggertheme9