مِحنَّة الأديان السماويَّة.
دراسَّة تاريخيَّة.
المقدمَّة التي لا بُدَّ منها :
وحتى لا ينبري أحدهم مُعلقاً على مُدوَّنتي هذه مانعاً الكلام عن الديانات السماويَّة أقول لهذا، مُدوَّنتي تاريخيَّة فيها سرد للأحداث والوقائع المأساوية والحروب والمِحَّن التي شُنَّت بإسم الدين، ولا تزال حتى يومنا هذا.
هذه المُدوَّنة تعبق بالأسى والألم الذي يُحاصر العالم العربي الذي نعيش فيه مُقارنة مع مُدوَّناتي السابقة عن الحضارات التي زهَت وعاشت بظلالها ونعيمها البشريَّة قبل هبوط هذه الأديان السماويَّة.
فيما خصني شخصياً كانت حضارة القبائل العربيَّة قبل الديانات السماويَّة تُزيِّن ذكرياتي بالأمجاد والبطولة والشرف والإباء والفروسيَّة وتُحفِّز همَّتي بالفخر مُقارنة لما نحن عليه عرب اليوم مِن هوان وإذلال مِن :
إمبراطورية بالشرق تُنادي بولاية الفقيه حتى تُخمد العقل العربي.
وإمبراطورية بالشمال تُحاول إستعادة أمجاد عُهر قبائل بني عُثمان.
وإمبراطورية بالجنوب تُنادي بأحلام أرض الميعاد.
ويا للعجب كل ذلك بإسم الدين، والعرب الشرفاء نِيام لأنَّ الحمَمْ والبراكين تُثقل مهابط وحي هذه الديانات السماويَّة بالحروب الدينيَّة المستعرة في جوٍ ينتفخ بالعداء الديني والتشنُج الممجوج طائفياً ومذهبياً.
وما زالت العواصف تُعيث خراباً فوق هذه المعمورة التي اختارها الله لتكون مرتعاً للبشريَّة جمعاء يسودها الأمن والسلام والمحبَّة بين الشعوب باعتبارهم أبنائه لا فرق بلون البشرة أو اللغَّة أو الديانة إلَّا بتقوى الله الواحد.
وما إنْ تتوقَّف معركة من حروب الأديان السماويَّة اليهوديَّة والمسيحيَّة والإسلاميَّّة حتى تبدأ حرب جديدة وبصورة أعتى وأظلم وأقوى.
والمُلفت أنَّ رجال الدين التابعين للديانات السماويَّة الثلاثة يُبشرون أنَّ هذه الأديان نزلت من الله إلى البشر وفق ما جاءت به نصوص وآيات الْكُتُب، ويقولون أنَّ سبب تعدُّد المذاهب والفِرَقْ يعود إلى وجود مجموعات وتيارات داخل هذه الديانات اجتهدت في التفسيرات الدينيَّة واللاهوتية.
ويُضيف رجال الدين أنَّ المفكرين لم يُقصِّروا بعد تطوُّر العلم في تفسير النصوص الدينيَّة.
ويُضيف رجال الدين أيضاً أنَّ رجال السياسَّة استخدموا الدين لتحقيق مآرب شخصيَّة وفقاً لأهداف السلطة.
وفي النهاية يقول رجال الدين أنَّ التطور التكنولوجي والتاريخي قد غيَّر في إحتياجات وتطلعات الأفراد وأدى بالتالي إلى تغيير في ممارسات العبادة والطقوس والتوجهات الدينيَّة.
والذي يُلفتك تعجُباً قول بعض رجالات هذه الأديان أنَّ تعدُّد الفِرَقْ والمذاهب ليس خلافاً لإرادة الله، إنما يعكس هذا التنوع الحريَّة الشخصيَّة في إختيار الإيمان والديانة.
شخصياً أنا نقلت لكم ما قيل وما يقال عن أسباب تعدُّد الأديان والمذاهب والفِرَقْ، وليس لي رأي في كل ما قيل وما يقال، بل أترك لكم أمر البتِّ بهذه التعددَّية.
سأبدأ البحث في ثلاث دراسات بدءً من أخر الديانات :
أولاً : مِحَنْ الدين الإسلامي عبر التاريخ.
ثانياً : مِحَنْ الدين المسيحي عبر التاريخ.
ثالثاً : مِحَنْ الدين اليهودي عبر التاريخ.
أولاً : مِحَنْ الدين الإسلامي عبر التاريخ.
ما يلفت النظر أنَّه إذا أردت أن تُغامر وتكتب عن مِحَنْ الدين الإسلامي عبر التاريخ تعتريك الدهشة لأنَّك لا تعرف ما اذا كانت هذه المِحَنْ بدأت بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفَّان أو منذ الخلاف المدوِّي والدموي بعد التحكيم ما بين الخليفة علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان الخليفة الأموي الأوَّل.
والذي يُلفتك أيضاً أنَّه ما إن تنتهي مِحنَّة، حتى تظهر مِحنَّة أُخرى جديدة، وكأنَّه لِزاماً عليك استدراك التكملة أو الإضافة، لنقصٍ ما لأنَّ مسلسل المِحَنْ لم ولن ينتهي.
والذي يجعلك تقف مشدوداً وخائفاً ومُحتاراً ومدهوشاً أنَّه على إثر كل مِحنَّة يأتيك سيل من وجهات النظر، وفيضٌ مِن الفتاوى الشرعيَّة وغيضٌ من آراء الفقهاء بأنَّ هذا الحديث غير صحيح، أو غير مستند إلى أساس ديني، وهذا ما نسمعه ونقرأه ( اليوم ) عن الإسناد الشرعي للفِرَقْ الإسلاميَّة في الأفعال التي يقترفونها.
ولا ننسى أنَّ هذا النمط من التداخل والتنافر الفقهي والشرعي، جرى تطبيقه على إبن تيميَّة ذلك الفقيه الذي كتب التاريخ عنه، كيف عاش وأين درس وأين درَّس، وأين كان مقامه باخر المطاف، في السجن.
لن أتطرَّق إلى المِحَنْ الإسلاميَّة السابقة لأنَّ كُتُب التاريخ حافلة بالتنظير والتمحيص الفقهي.
ولأنِّي في أبحاثي التاريخيَّة وخاصة العربيَّة، لا أسبر غور الأحداث لأنَّها مُضنية، ولا أغُوص في غِمار الجدل البيزنطي العقيم، لأنَّ لي رؤيا مختلفة لا يستسيغها من يمسك في الرقاب والعِباد، بل أُؤْثِرْ السباحة في بحر خالٍ من أسماك القرش أو الحيتان.
ولكني أقول :
ولأنَّ العرب أجمعوا أنَّ سقوط الأندلس هو مِحنَّة إسلاميَّة عربيَّة بإمتياز.
ولأنَّ العرب أجمعوا أيضاً أنَّ ما حدث في فلسطين هو نكبَّة للعرب والمسلمين.
ولأنَّ العرب بعد نكبَّة فلسطين عانوا مِن إقتتال وحروب طاحنة مع الدولة الغاصبة إسرائيل، وأصابوا مقتل اللغَّة العربيَّة ( بدلاً من العدو ) بتسميات لهذه الحروب وأخر هذه التسميات كان ( حرب إسناد أو وحدة الساحات ) وغير ذلك مِن إعجاز لغوي سخيف لا جدوى منه ولا نفع لأنَّه يصُّح الأن في جنرالات اللغة العربيَّة ما كان سيقوله مؤرِّخ مثل ( المقرِّي ) لو كان حياً :
( يحق لكم أن تبكوا كالنساء على فلسطين لأنكُّم لم تستطيعوا أن تُدافعوا عنها كالرجال )
ثانياً : مِحَنْ الدين المسيحي عبر التاريخ.
أوروبا وانكلترا في القرون الوسطى
كانت أوروبا مسرحاً للاضطهاد الديني المسيحي في مذاهبه كافةً وكانت الكنيسة فِي روما توازيها حدةً الكنيسة الإنكليزيَّة في وضع ضوابط على رعاياهما وتفرض قيوداً على الشعائر الدينيَّة وتقوم بالملاحقات القانونيَّة أمام محاكم التفتيش من أجل قمع الحريات الدينيَّة.
وقد أفرد الكُتَّاب ورجال الكنيسة المُدوَّنات الطويلة في شرح المجتمع المسيحي وكيف كانت المذابح والمشانق وشتَّى أنواع وأشكال التعذيب والهوان تطال المسيحي المؤمن وفق ما يدركه من الرجاء المطلوب للحياة.
إعتبر رجال الدين المسيحيون والمؤرِّخون على حدٍ سواء أنَّ تلك الفترة هي مِحنَّة الدين المسيحي التي طاول لهيبها المسيحي المُؤمن، ونخرت في عذاباتها صلب العقيدة.
أمثلة عن المِحَّن التي طالت الدين المسيحي :
- فِي إنكلترا اضطهد البروتستانت الكاثوليك.
- فِي فرنسا وقعت مذبحة البروتستانت الشهيرة : ( ١٥٦٢ / ١٥٧٢ )
- حرب الثلاثين عاماً في أوروبا والتي ابتدأت في العام
١٦١٨ وانتقلت من بلدٍ إلى بلدٍ أخر.
- في ألمانيا تحارب الكالفينيون واللوثريون، وكلاهما مِن
البروتستانت.
- ظهور حركة المفكِّرين المُلحدين في إنكلترا.
- هولندا تبنَّت الكالفانية مذهباً رسمياً للدولة وبدت وكأنَّها موئلاً للأقليّات.
كان اليأس المسيحي في ذروته في أوروبا و إنكلترا في ذلك الوقت، لذا توالت هجرات الأوروبيين إلى القارة الأميركيَّة، يحدوهم الأمل والرجاء في أن يمارسوا طقوسهم في العالم الجديد في حريَّة تامَّة، لأنَّ القلوب كانت عامرة بالمحبة، والعقول كانت مشحونة بالإيمان، ولا ينقصهم إلَّا أرضاً يمارسون عليها شعائرهم.
ثالثاً : مِحَنْ الديانة اليهوديَّة.
مُهداة إلى عرب اليوم، أُمَّة بدأت بشعار إقرأ …
وانتهت بشعار، أُمَّة إقرأ … لا تقرأ.
لم يشهد التاريخ قساوةً وضراوةً في المِحَّن كما هو حال رعايا الديانة اليهوديَّة مُنذ بداياتها في مصر الفرعونية والتي يُشار إليها خروج بني إسرائيل من مصر بقيادة النبي موسى في رحلتهم نحو الأرض الموعودة أورشليم. وبعدها أيام السبي في عهد نبوخذنصَّر.
وليس أخراً خلال الحرب العالميَّة الثانيَّة ومآسي الهولوكوست أيام أودلف هتلر.
وبالرغم من هذه المآسي لم يكتب التاريخ على مرِّ العصور أنَّ المِحَّن التي طالت الديانتين المسيحيَّة والإسلاميَّة لاقتا عطفاً أو مساعدة مِن أي جهة كانت كما حدث العطف والمساعدة لأفراد الديانة اليهوديَّة أثناء وبعد المِحَّن التي تعرضوا لها وفقاً للتواريخ الأتي ذكرها :
عندما هبَّت الإمبراطوريَّة الفارسيَّة المجوسيَّة بعد السبي الأول والثاني لليهود مِن أورشليم والذي أرخى بثقله نبوخذنصَّر الملك الأكادي ( بختنصر ) وكان المُنقذ لليهود قورّش المُخلِّص الإلهي مِن ملوك الإمبراطوريَّة الفارسيَّة.
ولا ينسى المرء كرم وحنان الإمبراطوريَّة العُثمانيَّة على الجالية اليهوديَّة بعد سقوط الأندلس، فكانت كالأُم الحنون على أولادها ولمْلمَّت شَمْلهم وأغدقَّت عليهم الأراضي للسكن في بلاد السلطنَّة ( العربيَّة ) وقد ذكر التاريخ هذه الهجرات اليهوديَّة إلى رحاب الإمبراطوريَّة العُثمانيَّة.
-/ من اسبانيا، بالعام ١٤٩٢
-/ من البرتغال، بالعام ١٤٩٧
-/ من سيسيليا، بالعام ١٤٩٨
ولا ننسى يوم ٢٥ شباط من العام ١٥٥٦م عندما أرسل السلطان العُثماني سليمان القانوني رسالة إلى البابا بولس الرابع بشأن إحراق اليهود بتهم الشعوذة، وطلب مِنه تحرير مساجين محاكم التفتيش.
توقيع إتفاقية سايكس بيكو في عام ١٩١٦م خلال الحرب العالميَّة الأولى ما بين المملكة المتحدة وفرنسا وروسيا وتتعلَّق بتقسيم مناطق النفوذ في الشرق الأوسط بعد انتهاء الحرب.
أمَّا وعد بلفور في العام ١٩١٧م هو إعلان صدر عن وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور، والذي أعلن فيه دعم المملكة المتحدة 🇬🇧 لإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، لتحقيق حلم راود حُكماء صهيون في أنَّهم شعب الله المختار فِي أرض الميعاد التي وعد بها الله شعب إسرائيل في العهد القديم بالكتاب المقدَّس.
أهَّم هذه المِحَّن :
خروج بني إسرائيل مِن مصر الفرعونية
السبي البابلي الأول : نبوخذنصَّر.
قورّش الكبير مِن ملوك الإمبراطوريَّة الفارسيَّة والذي أثنى عليه كُتَّاب العهد القديم لأنَّه أعاد اليهود وأرجعهم إلى بلادهم في أورشليم القدس، بعد ٧٠ سنة من السبي.
وقد إعتبر اليهود أنَّ الملك قورّش هو المُخلِّص الإلهي أو حتى المسيح المنتظر.
أخيراً أقول …
لم يُصادق اليهود في كل تاريخهم إلَّا المجوس الفرس والعثمانيون الأتراك، ولأصحاب العقول النيرَّة من الشعب العربي أُكرر القول بأنَّ القضية الفلسطينيَّة ليست همَّاً ايرانياً ولن تكون هماً تركياً.
فيصل المصري
أُورلاندوا / فلوريدا
أخر أيام ٢٠٢٤م
0 comments: