أمل علم الدين ...
لا يُشَقُّ لها غبار ...
مِن عائلة درزيَّة لبنانيَّة.
المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها :
كان العرب منذ القِدَم، يصِفون الفارس الذي يعدو بسرعة ويُثير خلفه الغبار وتعدو خلفه أحصنة أُخرى لا تستطيع اللحاق به أو حتى تشق غبار فرسه، بأنَّه الفارس المتفوِّق على من هم حوله ولا يمكن اللحاق به لأنَّه الأفضل.
أمَّا أنا سأستعمل هذا التعبير لأصِف المحامية أمل علم الدين التي تفوَّقت في عالم القانون والمحاماة، ولم يُشقُّ لها غُبار.
تنتسِّب أمل علم الدين إلى عائلة درزَّية إقطاعيَّة تاريخياً. والمُلفت في هذه الفارسة أنَّها لم تنطلِق في رحاب القانون من وهج عائلتها لتسرح وتمرح في أروقة المحاكم، بل أنشدَت ذلك القول :
لا تقُل أصلي وفصلي أبداً ..
إنِّما أصل الفتى ما قد حصل ..
أسرجت أمل علم الدين فرسها وامتطت جوادها وسابقَت الريح ولم يُشَقُّ لها أيُّ غبار.
أصبحت سيرة أمل علم الدين في مجال القانون الدولي والمرافعات أمام المحاكم أشهَّر من نار على علم.
هذه المُدونَّة ليست عن ساحات الوغى التي خاضت غمارها أمام أقواس المحاكم أمل علم الدين، كذلك ليست عن حياتها الاجتماعية العائلية الخاصة.
السبب في هذه المُدونَّة هو أن أسبر غور عائلتها التي لعبت دوراً بارزاً في تاريخ لبنان، حتى أشدُّ على يد أمل علم الدين، التي لم تتَّكل على صيت عائلتها في معترك حياتها، وهذا محل تقدير واحترام لشخصيتها المُميزَّة.
الذي يهمني أن أُلقي ضوءً على هذه العائلة الدرزيَّة التي تتحدَّر منها وتنتمي إليها المستشارة أمل علم الدين، والسبب في ذلك أنَّ الصحافة تناولت عائلة علم الدين دون أن تستند فِي معلوماتها إلى مراجع تاريخيَّة موثوقة عن هذه العائلة الكريمة.
في المُدونَّة :
تحدِّيات كبيرة وصعوبات جمَّة تواجه الباحثين في التاريخ العائلي اللبناني، للوصول إلى حقيقة تاريخ هذه العائلة أو تلك، نظراً الى أنَّ التدوين العائلي إقتصر فقط على العائلات الإقطاعيَّة التي حكمَت جبل لبنان فيما مضى.
لا تختلف عائلة علم الدين عن غيرها من العائلات الإقطاعيَّة من حيث تدوين وتأريخ أصولها ونسبها، ولكن
وبالرغم من أنَّ التدوين العائلي كما ذكرنا إقتصر على العائلات الإقطاعيَّة التي حكمَت أو ساهمت في توطيد الزعامات الإقطاعيَّة، إلا أنَّ عائلة علم الدين كبقية العائلات اللبنانية العاميَّة لم تتَّفق المصادر أو أمُّهات الكتب على تحديد تاريخها ونسبها.
في نسَب وتاريخ عائلة علم الدين.
عائلة علم الدين هي عائلة درزية إقطاعيَّة من المفترض أنَّ لها تاريخ مدوَّن أسوة بغيرها من العائلات الإقطاعيَّة، ولكن بعد البحث والتدقيق تبيَّن أنَّه يوجد خلاف في تحديد أصول ونسب هذه العائلة الكريمة.
في كتابه القيِّم ( أخبار الأعيان في جبل لبنان ) إعتبر مؤلف هذا الكتاب طنوس الشدياق أنَّ عائلة علم الدين، هي مِن الأُسَر التنوخيَّة، ويعود نسبها إلى الأمير علم الدين سليمان بن غلَّاب الرمطوني .
أمَّا في كتاب :
The secret of the house of Man
للدكتور كمال الصليبي، فإنَّه اعتبر أنَّ نسب عائلة علم الدين، يعود إلى الأمير علم الدين سليمان بن معن، الذي كان أميراً على منطقة الشوف أيام الامبراطورية العثمانية.
يتَّضح من أعلاه، أنَّ المؤرِّخين إختلفوا في تحديد نسب هذه العائلة، والفرق واضح ما بين أُسرة تنوخ وأُسرة معن.
أمَّا في مادَّة التاريخ الصحيح، لا يمكننا القبول بهذه النتيجة، لتحديد أصل هذه العائلة وهذا يعني أنَّه حتى في تاريخ العائلات الدرزيَّة الإقطاعيَّة، لا يمكن الوثوق في تاريخ بعضها لأن الشيخ أو الأمير، كان يُملي على كتبتِه ما يشاء من أخبار وحوادث.
أمَّا في المجلَّد التاريخي الغني والموثوق للأمير حيدر أحمد الشهابي ( نزهة الزمان في تاريخ جبل لبنان، والروض النضير ) فإنَّه لم يأت على تحديد أصل ونسب عائلة علم الدين، ولكنَّه توسَّع في ذكرهم في ولاية الأمير حيدر الشهابي في سنة ١٧٠٨م وما يليها، إذ حدَّد هويَّتهم السياسيَّة في أنَّهم من الأُمراء اليمنيَّة الذين كانوا في الغرب والجرد.
( منطقتين في لبنان )
ويقول الأمير حيدر أحمد الشهابي في كتابه، أنَّه في العام ١٧٠٩ تعاظمت غرضيَّة ( تعني حزبيَّة ) اليمنيَّة، وقويت شوكة الأمراء من آلِ علم الدين، ومال إليهم الشيخ محمود أبو هرموش من الحزب القيسي، فهرب الأمير حيدر الشهابي وأرسل أهل بيته إلى كسروان عند مشايخ آل الخازن، واختفى الأمير حيدر في جبل الهرمل وتولَّى الحكم الأمير يوسف علم الدين وأخوه الأمير منصور وخُلعت لهم الولاية، وأصبح الشيخ محمود أبو هرموش مُدبِّرهم، وكان زمام الحكم بيده، فجاروا على القيسيَّة وظلموهم، ولم يبقوا لهم منزلة ولا حرمة.
هذا الظلم لم يدُمْ، وقد أثبت التاريخ أنَّ الأمراء من آلِ علم الدين، وساعدهم في ذلك الشيخ محمود أبو هرموش، كانوا غلاة الغرضيَّة اليمنيَّة، الأمر الذي جعل الدروز من العاميَّة، يشدِّون أَزر المشايخ والأمراء والمقدَّمين من الحزبية القيسيَّة، وخاصة الأمير حيدر الشهابي، الذي التجأ الى المقدَّم حسين أبي اللَّمع في عاصمة إمارته صليما،المتن، وطرح الصوت على قيسيَّة الشوف من آل القاضي وآل نكد من المناصف، وآل تلحوق من الغرب وغيرهم من مناصري القيسيَّة، كل ذلك بالعام ١٧١٠ تمهيدا لمعركة عين دارَة الشهيرة.
في هذه المعركة غاب شمس الحزب اليمني وأشرقت الأيَّام للحزب القيسي.
من نتائج معركة عين داره :
مصرع خمسة أُمراء من آل علم الدين على يد الفارس المغوّار المقدَّم مراد أبي اللمع.
تراجع مدوّنتي : صليما عاصمة الإمارة اللمعيَّة، وكيف تمَّ خلع لقب ( الأمير ) على مقدَّمي بيت أبي الَّلمع من قبل الأمير حيدر الشهابي، نظراً لشجاعتهم وإقدامهم في عين داره على :
-/ إلقاء القبض على الشيخ محمود أبو هرموش، مدبِّر أمراء آلِ علم الدين أسيراً، إذ أراد الأمير حيدر الشهابي قتله فلم يوافق المشايخ على القتل، خوفا من أن تجري بذلك عادة القتل عليهم، واكتفى الأمير حيدر بقطع لسانه وأباهم يديه.
-/ بعد موقعة عين داره أُسدلَت الستارة من الناحية السياسيَّة على دور أُمراء آل علم الدين، ولم يمنع ذلك أن برز من هذه العائلة رجالات كبار استفاضت الصحافة بتعداد مآثرهم.
أمَّا من غير الرجال، فإنَّ التاريخ الحديث سجَّل لامرأة من هذه العائلة واسمها أمل علم الدين، فاقت سمعتها بأنَّها حقوقيَّة ومحامية من الطراز النادر، صالت وجالت في أروقة المحاكم الغربيَّة من أجل إحقاق الحريَّات العامَّة، وهذا هو مرتع خيلها.
وبذلك تكون أمل علم الدين برهنَت وأثبتت القول المأثور، للشاعر إبن الوردي :
لا تقل أصلي وفصلي أبداً
إنَّما أصل الفتى ما قد حصل.
فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا
الأول من أيار ٢٠٢١م
من يكبر من تعبه في شطارته يخلد اسمه كل احترام و تقدير المحامية العالمية امل علم الدين
ردحذف