جامع الحاكم بأمر الله في القاهرة.
سِرْ العلاقة ما بين طائفة البُهرة وهذا الجامع.
دراسة تاريخية لن تتطرَّق الى عقيدة البُهرة، بل الإشارة إلى أُصولها الشيعيَّة.
المُقدِّمة التي لا بُد منها :
في مُدونَّتي الحاكم بأمر الله الخليفة المُفترى عليه ( صفحة ١٣٣ من كتاب الموحِّدون الدروز عبر التاريخ ) ذكرت الآتي :
إذا نظرت إلى القُدس، سترى أنَّ اليهود والمسيحيون والمسلمون لا زالوا يقطنونها، إلا مصر لا تجد فيها مُوحِّد درزي واحد. والسبب أنَّ صلاح الدين الأيوبي ذلك المسلم الكردي الحقير مِن الأمصار والأقطار البعيدة، قضى وفِي مذبحة واحدة على أكثر من مائتي الف فاطمي كانوا يقطنون القاهرة، وإكتملت حقارته الحضارية بأن قام بتدمير وحرق الْكُتُب في دار الحكمة التي أسَّسها الحاكم بأمر الله، وبذلك محى تاريخهم ووجودهم في مصر.
( يُراجع في ذلك أيضاً المؤرخ والباحث المعاصر يوسف زيدان )
وفِي مُدونَّة سابقة أيضاً إقترحت على الإستبلشمانت الدينية الدرزيَّة في بلاد الشام أن تُرسل بعثات ( دينية، ثقافية سمِّها ما شئت ) إلى القاهرة أفرادها من ذوي الإختصاص ( دون وساطات ومنافع شخصية )، بعد أن وصلت معلومات مُوثقَّة أن طائفة البُهرة ذوي الأصول الشيعية والمُنتشرَّة في بقاع عدة عربية، وأعجمية، وهندية، تقوم مُنذ عُقود بشراء أراضٍ ومبانٍ في أسواق القاهرة القديمة العابقة بالتاريخ الفاطمي.
مِن الطبيعي أن لا ألقى رداً أو تجاوباً من الإستبلشمانت الدينية الدرزية، بحجَّة التقيَّة أو شِحٍ في الموارد المادية.
في مجالسي الخاصة ما زلت أقول رداً على حِجَّة التقيَّة :
( لا يُنكر تغيُّر الأحكام بُتغيُّر الأزمان ) فما كان يسري على التقيَّة فيما مضى، لا يُطبَّق اليوم، ولا داعي للخوف من أذيَّة المُتربصين وحُثالة النسل البشري التي تسرح وتمرح في الربيع العربي.
ولا أخفي سِراً إن قُلت أن الإستبلشمانت العسكرية الدرزية لو تضافرَّت قُواها في بلاد الشام ( لبنان، سوريا، وفلسطين ) وإتحدَّت، لا تحمي الحِياض فقط بل قد ( قد تُفيد التحقيق ) تُشكِّل تدميراً، وإفناءً لكل مُعتدٍ.
ولكني أستمهل نفسي وأستبعد اللحمة الدرزية للأسف، طالما أسمع وأقرأ ما يقوله بعضاً من رموز الإستبلشمانت السياسية في لبنان، قُدامى او حديثي العهد عن طريق إصطفاف خطابي، وكأن جرس روسيا وأميركا قد أعلن البِشارة. فلا يستعجلَّن البعض النصر المبين، قد تنقلب الموازين.
قد يستهجِن البعض هذا التوجُّه، ويقابله بشعارات عربية ملَّلنا من سماع أصواتها بعد تراكض الملوك والرؤساء العرب إلى عقد إتفاقيات علنية او سريَّة مع إسرائيل.
وأنهي مُقدِّمتي بالقول …
في غرب الْكُرة الأرضية، تميدُ الارض وتنبت العنصرية العرقية، بعد أن ظنَّ الواهمون أن نارها قد أخمدَت بالعام ١٨٦٢م. بإعلان آبراهام لينكولن Emancipation Proclamation .
وفِي قارة أوروبا العجوز، البحث مُجدداً عن ترسيم الحدود بعد موجات الهجرة، الاسلامية العربية، وقد يُضرِم نارها جمر بقايا نسل جنرالات الحملات الصليبية.
وفِي الشرق الأوسط العربية المُثقلة فتاوىً تكفيرية، والمنهكةُ قِتالاً، تهتَز الأرض وتتراقص على أنغام العنصرية الدينيَّة، والعودُة إلى ما قبل ١٤٠٠ سنة، وصولاً إلى جاهلية التناحر، عندما قال الرسول العربي :
(اَلأَعَرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِه) (سورة التوبة: ٩٧).
فلِما العجَّب، والإستهجان إن طالبت بإعادة اللحمة للإستبلشمانت العسكرية لدروز بلاد الشام، في عالمٍ مُكفهِّر مُظلمٍ.
وكما قال أبو العلاء المعرَّي منذ قرون ضاربة في التاريخ :
في اللاذقية ضجة ما بين أحمد والــــمسيحُ
هذا بناقوس يدق وذا بمئذنة يــــــــــــصيحُ
كلٌ يعظِّم دينه يا ليت شعري ما الصحيحُ
بعد هذه المُقدِّمة …
ما هي سَر العلاقة ما بين طائفة البُهرة، وجامع الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله في القاهرة.
تعريف، من هم البُهرة :
جاء تعريف البُهرة في الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، هم إسماعيلية مستعلية ، يعترفون بالإمام المستعلي ومن بعده الآمر، ثم ابنه الطيب ولذا يسمون بـ " الطيبية " وهم إسماعيلية الهند واليمن تركوا السياسة وعملوا بالتجارة فوصلوا إلى الهند وإختلط بهم الهندوس الذين أسلموا وعرفوا بـ البُهرة.
والبُهرة : لفظ هندي قديم بمعنى التاجر.
ويُقال في نشأة وتطور طائفة البُهرة ، أنهم أصلاً من الفاطميين الشيعة الذين كانوا في مصر إبان العصر الفاطمي عندما إنتهت الخلافة الفاطمية هاجر الكثيرون من مصر وإنتقلوا من بلد إلى أخر حتى إنتهى بهم المقام إلى جنوب الهند، وإستقروا بها وإندمجوا في المجتمع الهندي الذي يتسَّم بالتسامح وتعدُّد الأديان.
البُهرة لايتدخلون في الامور السياسية كما أن هذه الطائفة تقوم بإنشاء مشاريع خدماتية، ويقومون بمساعدة الفقراء والمساكين وإطعام الناس.
يقوم أعضاء الطائفة بجمع مبلغ شهري من كل الأعضاء للإنفاق على المشاريع المشتركة وذلك يعتبر مصدر التمويل الأساسي.
عدد البُهرة في العالم يصل إلى حوالي ( ١٢ ) مليون شخص مركزهم الرئيسي في بومباي، ويتواجد غالبيتهم في اليمن، والهند، وباكستان، وسيلان وفِي الخليج العربي خاصة، دبي.
يحرص زعماء البُهرة ( سلطان ) على إقامة علاقات جيدة مع الحكام أينما وجدوا طالما ليس لديهم طموح سياسي.
أحوالهم الاقتصادية جيدة جداً، لديهم إستثمارات عقارية، مصرفية، تجارية وصناعية.
تُفرض على أفراد البُهرة أتاوات ضخمة قد تصل الى خمس المدخول، ولهذا السبب صرفوا الأموال الطائلة في القاهرة على حُفظ التراث الفاطمي.
جامع الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله في القاهرة :
يُعَّد جامع الحاكم بأمر الله أحد أربعة من المساجد التاريخية المهمة والباقية في مصر، بعد جامع عمرو بن العاص بالفسطاط، وجامع أحمد بن طولون بالقطائع، والجامع الأزهر بالقاهرة.
يقول أحد المؤرخين عن جامع الخليفة الفاطمي ما يلي :
تبلغ مساحة جامع الحاكم بأمر الله بالقاهرة ١٦٢٠٠متر مربع، وبمجرد دخولك من بوابة الجامع الخشبية الضخمة والتي يبلغ عرضها ثلاث أمتار ويتجاوز إرتفاعها خمسة أمتار، تشعر بأنك في عالم آخر، منعزل عن ضجيج العاصمة وزحامها، عالم أكثر إتساعاً من كونه مجرد مكان مخصص للصلاة، فساحته الكبيرة المفتوحة على السماء، وأسراب الحمام التي تطوف فيها، وزائريه من مختلف الطبقات والأعمار والجنسيات المتناثرين حول أعمدته الكثيرة، كل ذلك يخلق حالة من الألفة والسكينة والبهجة التي تمنح للعبادة والإيمان معانى أكثر رحابة وتدفع للتفكر في الله والطبيعة والإنسان بصورة مغايرة.
يبلغ عمر جامع الحاكم بأمر الله أكثر من ألف عام، وقد بدء تشييده في شهر رمضان عام 380هـ / 990م، خلال فترة حكم العزيز بالله ثاني الخلفاء الفاطميين، وأثناء فترة بناءه توفي الخليفة وتوقفَّت أعمال البناء حتى أمر الخليفة الجديد الحاكم بأمر الله أستكمال أعمال البناء مرة أخرى لتنتهي عام 402 هـ / 1012 م.
في العام التالي لاكتمال بناء الجامع أمر الخليفة الحاكم بأمر الله التدريس في أروقته وصحونه، حيث بدأ يتوافد الفقهاء من أرض الخلافة ليقوموا بالتدريس الى جانب الفقهاء الذين كانوا يدرسون في الجامع الأزهر.
يتكون مسجد الحاكم بأمر الله من عدة أروقة، ويتميز بهندسته المعمارية الفريدة ذات الصحن المكشوف المحاطة بأربعة أروقة.
شهد الجامع العديد من التغيرات والأحداث التاريخية، حيث تعرض المسجد في القرون التي تلَّت للإهمال.
مع دخول الحملة الفرنسية لمصر، كان جامع الحاكم بأمر الله مهملاً للغاية فإستولى عليه الفرنسيين وأصبح مقرًّا رئيسيِّاً لجنود الحملة، وتحولَّت مأذنتاه إلى برجي مراقبة.
وبعد خروج الحملة الفرنسية تحول جزء من جامع الحاكم بأمر الله إلى مجموعة ورش لصناعة الزجاج.
وفي أواخر القرن الثامن عشر حولَّت وزارة الأوقاف المصرية الجامع الى مخزن.
ثُم تحوَّل الجامع إلى متحف إسلامي للحفاظ على التراث العربي، وأطلق عليه اسم دار الآثار العربية وكان يُعتبر أول متحف إسلامي من نوعه، حيث جُمِعَت التحف من المباني الأثرية الإسلامية للحفاظ عليها.
في أوائل القرن التاسع عشر نُقلت التحف إلى مبنى جديد بباب الخلق أُعد خصيصاً ليكون متحفاً للفن والمقتنيات الإسلامية سُمي متحف الفن الإسلامي.
ثم تحول الجامع إلى مدرسة إبتدائية عُرِفَت بمدرسة السلحدارالابتدائية.
ومع إقامة المدرسة أصبحت أروقة المسجد فارغة، لينتهى بها الحال إلى مخازن لتجار المنطقة المحيطة بالجامع.
وظلَّ الجامع على حالته مُعطل الشعائر إلى أن قامت لجنة حفظ الآثار العربية بإصلاحات محدودة في بعض أجزاء منه.
وفي سبعينيات القرن الماضي تقدمت طائفة البُهرة بطلب للحكومة المصرية لتطوير وترميم الجامع، وذلك يرجع إلى مكانة الحاكم بأمر الله عندهم والتي تصل إلى درجة القداسة.
تمَّ إزالة المدرسة التي كانت في صحن الجامع، وبدأت عملية تطوير وترميم الجامع، وتُركت المأذنتين على حالهما، فلم تمسهما أعمال الترميم أو التطوير، لتصبحا شاهدتان على تاريخ عمره ألف عام وأكثر.
ومنذ افتتاح الجامع وحتى الآن، تتولى الإشراف عليه طائفة البُهرة التي تنفق بسخاء على نظافته والحفاظ عليه.
تقول الأنباء المؤكدَّة، أنه بينما يصطَّف المسلمون " السنة " للسفر إلى المملكة العربية السعودية للطواف حول الكعبة، وزيارة مدينة الرسول لأداء العمرة في شهر رمضان، ينتظر أبناء طائفة البُهرة شهر تموز من كل سنة للسفر إلى القاهرة لأداء فريضة العمرة داخل مسجد الحاكم بأمر الله، وذلك وفقاً لمذهب الشيعة الإسماعيلية.
يعتبرمدخل جامع الحاكم بأمر الله أثرياً لغاية تاريخه لوجود بقايا نقوش بديعة تؤدي إلى صحن الجامع الذي تحيط به الأواوين :
الإيوان الشمالي الغربي ويتكون من رواقين وبكل رواق 17 عقداً أيضا
والايوانين الشمالي الشرقي، والجنوبي الغربي ويتكون كل منهما من ثلاثة أروقة وبكل رواق عقود وكل تلك العقود محمولة على أكتاف.
وقـد شيد الحاكم بأمر الله مسجدين أخرين هما جامع راشدة سنة 393هـ (1003م) وجامع المقس الذي شيده على شاطئ النيل بالمقس ميناء القـاهـرة النهرى في ذلك الحين، وليس لهما أثر اليوم.
في إهمال جامع الحاكم بأمر الله المُتعمَّد وأسبابه يراجع :
مُدونَّتي ( الحاكم بأمر الله، ودار الحكمة )
ومُدونتي ( المُوحِّدون الدروز، وصلاح الدين الأيوبي )
حيث ذكرت الآتي :
يقول الدكتور أيمن فؤاد السيد في كتابه ( التطور العمراني لمدينة القاهرة منذ نشأتها وحتى الآن ) بعد أن إستولى صلاح الدين الأيوبي على مقاليد الأمور في مصر، نقل القاهرة عما كانت عليه من الصيانة وجعلها مُبتذلة لسكن العامة والجمهور، وحطَّ من مقدار قصور الخلافة الفاطمية وأسكن ذويه وأمراءه في بعضها.
أما المؤرخ المقريزي يقول أن صلاح الدين الأيوبي قام بهدم معالم القاهرة وأُزيلت وتغيرت معاهدها فصارت خططاً وحارات وأزقة، بعد أن كانت القاهرة أعظم المدن في عصرها، وملاذاً مُبجلاً أيام الحاكم بأمر الله.
في عهد الرئيس أنور السادات طالبت طائفة الشيعة البُهرة الذين بدؤوا في الهجرة إلى مصر، الإذن بتجديد وترميم جامع الحاكم بأمر الله بإعتباره مكاناً مقدساً بالنسبة لهم.
كما أن الحاكم بأمر الله نفسه شخصية مقدسة بالنسبة لهم أيضاً.
وقد وافق الرئيس السادات وتم ذلك التجديد والترميم بأموال وتبرعات البُهرة.
دُعي الرئيس السادات إلى إفتتاح جامع الحاكم بأمر الله، ومنذ ذلك الحين يقوم الشيعة البُهرة بالصلاة فيه، كما وأن الكثيرين مِن الموحدين الدروز مِن بلاد الشام يزورون الجامع أثناء تواجدهم في مصر للتبرُّك والصلاة.
أُثيرت إنتقادات شديدة حول الكيفية التي تمَّ بها ترميم الجامع، ، يقول الدكتور جلال الشايب الأستاذ بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة :
تسبب الترميم في تغيير معالمه الأثرية، وأصبح مبنى جديداً بعد أن أهدروا قميته الأثرية التي تعود لألف عام ولم يتبق من قيمته التراثية سوى المإذنتين.
يعتقد البُهرة أن في مسجد الحاكم بأمر الله، بئر مقدسة، وأن جدهم مدفون فيه، فيصرون على الوضوء في بقعة محددة من المسجد والشرب منه للتبرك.
فيصل المصري
أُورلاندوا / فلوريدا
١٤ كانون الثاني ٢٠١٩م.
البهرة من موحدين تكليدون متلنا ؟
ردحذف