دونالد ترامب، والإنسحاب من سوريا،
وكتابة التاريخ الحديث،
والإستبلشمانت الأميركية.
المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها :
لما طرح الإعلامي المُميَّز في أميركا ( شون هانيتي ) على السيدة الاولى الاميركية، ( اللايدي ) ميلينيا ترامب ذلك السؤال :
هل يزعجك كيف تتعامل معك ومع عائلتك، الميديا الاميركية ؟
أجابت بالقول لا يزعجني …
ولكنه يؤلمني بإعتباره سيكون تاريخاً غير صحيح.
هذا الجواب من فتاة ترعرعَّت في سهول، وهضاب، وبطاح، وجبال وسط ( قارة أوروبا العجوز)، لتصل الى العالم الجديد كمهاجرة وتحتل البيت الابيض تاركة الصحافة والميديا الاميركية والمذيعين والمذيعات، ينبحون إفتراءً وكذباً وتدجيلاً.
أدى هذا الجواب الى :
فتح الباب على مصراعيه عن كيفية كتابة التاريخ المعاصر، وكيف سيصل الى الأجيال القادمة، نظراً لكثرة وجود أدوات التواصل الإجتماعية.
كنت شخصياً قد ذكرت أن بعض من كَتَبَ في التاريخ القديم، هم من الحُثالَّة، وقد أتيت على ذكرهم في مُدونَّاتي.
هذه المُقدِّمة تعطي فكرة عن ( كيف تعاملت الصحافة الأميركية الحقودة، وكيف تعاملت الصحافة العربية الغبية ) في مسألة الانسحاب الاميركي من سوريا، وكأن الرئيس ترامب إخترع البارود وقام بما لم يفعله من قبل رؤساء أميركا في مسألة التدخل بشؤون الدول الاخرى.
بعد هذه المُقدِّمة، أقول :
لم يَعُّد خافياً على أحد أن التاريخ الصحيح سيذكر ان الرئيس دونالد ترامب، هو أول رئيس أميركي قاوم وحارب الإستبلشمانت الاميركية البغيضة، اللعينة التي تمثلَّت في سلالة آل بوش ( الأب والابن )، وصولاً الى هيلاري كلينتون حيث تَمَّ إنهاك الدول العربية الاسلامية إقتصادياً، وأمنياً، وسمعة للدين الاسلامي الحنيف.
ولم يَعُّد خافياً على أحد أن الصراع في أميركا بات على فُوهَّة بركان، إمَّا دونالد ترامب يبقى رئيساً ويُكمل ولايته، أو تستعيد الإستبلشمانت نفوذها، وصولاً الى أن تختار وتُعين رئيساً وفق أهوائها ومخططاتها الجهنمية، كما حصل بعد جمع الأضداد ( أوباما، كلينتون ) ليكملوا ما بدأه ( بوش الأب والابن )
بات واضحاً أن أي قرار، او زيارة، او تصريح، او تغريدة يقوم بها الرئيس ترامب تنهال عليه الميديا الاميركية جميعها، ( ما عدا محطة فوكس نيوز ) بالشتائم حتى أنهم لا يتورعون عن نعته بالكذَّاب، والمهرِّج، والأضحوكة الى ما هنالك من ألفاظ لا يُتقنها إلا حُثالة كُتَّاب التاريخ المعاصر.
لما أيقن الرئيس ترامب أن مسألة إغتيال ( الخاشقجي ) لا تستدعي قطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة العربية السعودية بالرغم من صُراخ وعويل الإستبلشمانت الاميركية ( المُمثلَّة بالميديا ) حيث أجهشوا بالبكاء كالتماسيح على فقدان هذا الصحافي السعودي، بحجة أن الولايات المتحدة من واجباتها الاساسية والإنسانية أن تقطع علاقاتها مع الدول التي لا ترعى حقوق الانسان.
كان ردَّي يومها في لقاء خاص، في حال تطبيق هذا المبدأ فإنه يتوجَّب على الولايات المتحدة الاميركية ان تقطع علاقاتها مع جميع الدول العربية، وصولا الى أي دولة عربية إسلامية قد تكون على القمر.
كان القصد من همروجة حقوق الانسان في العالم العربي، ومقتل الخاشقجي هو تهييج الشعب الاميركي قبيل إنتخابات مجلس النواب منذ شهر تقريباً، وقد نجحت الإستبلشمانت في الحزب الديموقراطي في السيطرة على المجلس في دورته الجديدة إعتباراً من ٣ كانون الثاني ٢٠١٩م.
الان تم نسيان حقوق الانسان في العالم العربي، بالرغم من سيطرة الإستبلشمانت على مجلس النواب، وغداً لناظره قريب.
وبالتالي هنيئاً لأغبياء السياسة في العالم العربي، لم ينفع نهيقهم، ولا نباحهم، ولا نعيقهم، ولا بكاؤهم على مقتل حقوق الانسان في بلدانهم.
في مسألة الإنسحاب الاميركي من سوريا.
يُثير إشمئزازي عندما أقرأ تعليقات الأقلام العربية، ويزيد حُنقي خوف بعض فطاحل السياسة في لبنان والعالم العربي عندما يذرفون الدمع، ويخافون، ويشمتون، أو يهدِّدون الأقلية الكردية في سوريا، من العواقب الوخيمة لمصيرهم، إن لم ينصاعوا للنظام السوري الحالي، بعد الإنسحاب الاميركي.
ومِن باب التسلية أبوح لكم بإحد أسراري !!
بالماضي لَمَّا كنت في أواخر الصفوف الثانوية في ( كلية المقاصد، و ال IC ) لم أترك مظاهرة تجوب شوارع عاصمة لبنان ( بيروت ) إلا وأُشارك فيها، لأهتف وأُطالب مع غيري من المتظاهرين الشباب ( والصبايا ) بحقوق شعب جُزر القمر، أو موزامبيق او جزر الواق واق، غافلين عن المطالبة بحقوقنا.
واليوم، لا أدري إذا ما زال الوطن على حاله ……
الأقلية الكردية، ( أحترمها ) أصبحت الشغل الشاغل لبعض الساسَّة والأقلام المحليين، ونسوا وتناسوا الأقليات العربية الاخرى، أهمها الأقلية الدرزيَّة في سوريا، وما هو مصيرها بعد الإنسحاب الاميركي من بحر هائج يسرح ويمرح فيه هاجوج وماجوج القرون الجاهلية، ومن تدخلات دول قريبة او بعيدة.
شخصياً …
لن أغوص في هذا الموضوع، لأني أعرف ماذا قال الرئيس ترامب عن سلامة بعض الأقليات الاخرى، والى من ترك لهم أمر التعاطي في هذا الملف الشائك.
الأن أصل الى صلب الموضوع :
حتى نفهم سياسة الرئيس ترامب الحالية، لا بد من إلقاء ضوء تاريخي على السياسات الاميركية في مسالة التدخل الأجنبي.
دائما يطيب لي وانا أضع دراسة، أن أقوم بتوثيقها حتى يسهُل على القارئ معرفة الموضوعية التي أرنو اليها، دون تمييز او تحيُّز.
السياسة الخارجية الاميركية، ونظرية التدخل في شؤون الدول الأجنبية :
عدم التدخل أو عدم التدخلية، وتعريفها :
هي سياسة خارجية تقضي بأن يتجنَّب الحكُّام السياسيون عقد تحالفات مع دول أخرى، ولكن مع الإبقاء على مستوى الدبلوماسية، وتجنُّب شن الحروب التي ليست لها صلة مباشرة بالدفاع عن النفس.
يستند هذا المفهوم على أساس أن الدولة يجب ألا تتدخل في السياسات الداخلية لدولة أخرى، تحقيقًا لمبادئ سيادة الدولة وحق تقرير المصير، وهناك عبارة مماثلة لهذا المصطلح وهي "الاستقلال الإستراتيجي".
ومن الأمثلة التاريخية لمؤيدي سياسة عدم التدخل الرؤساء الأمريكيون ( جورج واشنطون وتوماس جفرسون )، اللذان دعما سياسة عدم التدخل في الحروب الأوروبية مع الإبقاء على ممارسة التجارة الحرة.
كانت الولايات المتحدة قبل دخولها أي حرب تعتنق مذهب ( الرئيس مونرو ) الذي يقوم على حياد أميركا في سياستها الخارجية عن أوروبا، وعدم السماح لأية دولة أوروبية بالتدخل في الشؤون الأميركية.
غير أن الإستبلشمانت الاميركية رأت أن من مصلحة أميركا الاستفادة من الحروب عن طريق دخولها.
مبدأ الرئيس مونرو :
مبدأ مونرو، هو :
بيان أعلنه الرئيس الأمريكي جيمس مونرو في رسالة سلّمها للكونغرس الأمريكي في 2 كانون الاول من العام 1823م.
نادى مبدأ مونرو بضمان إستقلال كلِّ دول نصف الكرة الغربي ضد التدخل الأوروبي بغرض اضطهادهم، أو التّدخّل في تقرير مصيرهم.
ويشير مبدأ مونرو أيضاً إلى أن الأوروبيين الأمريكييّن لايجوز إعتبارهم رعايا مستعمرات لأي دولة أوروبية في المستقبل.
كان القصد من هذا البيان هو أن الولايات المتحدة لن تسمَح بتكوين مستعمرات جديدة في الأمريكتين، بالإضافة إلى عدم السماح للمستعمرات التي كانت قائمة بالتوسع في حدودها.
وفي أوائل القرن العشرين الميلادي، أعطى الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت حياة ومعنىً جديدين لمبدأ مونرو، فقد أشار إلى أن الضعف والممارسَات الخاطئة في أي من الدول الأمريكية الصغيرة ربما تغري الدول الأوروبية بالتدخل.
وقد إتبع الرئيس وودرو ويلسون سياسة روزفلت، ولكنه وعد بأن الولايات المتحدة لن تستولي بالقوة مرة ثانية على موطئ قدم إضافي.
أمَّا سياسة حسن الجوار.
أعلن الرئيس فرانكلين ديلانو روزفلت ( سياسة حسن الجوار ) في مستهل فترة رئاسته قبيل الحرب العالمية الثانية، وقال :
إن جميع الأمريكيين يجب أن يساهموا في دعم مبدأ مونرو، وبالتالي أصبح الدّفاع عن نصف الكرة الغربي واجباً جماعياً.
وقد طبق الرئيس فرانكلين روزفلت سياسة " حُسن الجوار " مع دول أمريكا اللاتينية. فسحب القوات الأمريكية من هايتي، وألغى التعديل الدستوري الذي كان يسمح للولايات المتحدة بالتدخل في الشؤون الداخلية لدولة كوبا. كما دفع أموالاً لبنما مقابل استغلال قناة بنما.
الحرب العالمية الثانية، وسياسة الولايات المتحدة الاميركية :
في بداية الحرب العالمية الثانية، أعلن الرئيس فرانكلين روزفلت حياد الولايات المتحدة وعدم تدخلها.
وقد تكونَّت لجنة عام 1940، لتجنيب أمريكا الدخول في الحرب.
ولكن مع إحتلال فرنسا.
ووقوع معركة بريطانيا (Battle of Britain) الشهيرة عام 1940.
إقتربت الولايات المتحدة أكثر من الحلفاء.
وفي أيلول عام 1940، أعلن روزفلت عن عزمه إرسال 50 سفينة حربية قديمة لبريطانيا، مقابل إعطائهم حق استخدام بعض القواعد البحرية.
وفي أذار عام 1941، أقرضت الولايات المتحدة بريطانيا، وبعد ذلك الاتحاد السوفيتي، ودول أخرى تابعة للحلفاء، معدات حربية تقدر بخمسين مليار دولار.
وفي السابع من كانون الاول عام 1941، هاجم اليابانيون بيرل هاربر في هاواي، وتسببوا في مقتل 2300 أمريكي، وإصابة 1200 آخرين.
وفي اليوم التالي طالب الرئيس فرانكلين روزفلت، الكونغرس إعلان الحرب.
الخلاصة :
يظهر من الدراسة أعلاه، ان الرؤساء في أميركا يتبعون، وينتقون سياسة من سبقهم، إما التدخل او عدم التدخل، ودائماً وأبداً يأخذون مصلحة بلدهم في المقام الاول.
أمَّا في مسألة الربيع العربي، فإن حساب الحقل إختلف كثيراً عن حساب البيدر.
والى دراسة أخرى، توضح كيف تتعامل أوروبا مع زرعها بذور الربيع في العالم العربي.
وإذا أصبحت الولايات المتحدة الاميركية اليوم على فُوهة بركان.
فإن أوروبا بدأت تسْتطلي، حريقاً باللهيب.
وعلى الدائر ( او الباغي ) تدور الدوائر.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾ [يونس: 23].
فيصل المصري
أُورلاندوا / فلوريدا
أخر يوم من العام ٢٠١٨ م.
0 comments: