ضاعت الأندلس، وطار ملوكها.
بعد أن عمَّ الفساد وإختلفوا على تقسيم مغانم البلاد !!!
مُدونَّة من كتاب :
المُوحِّدون الدروز عبر التاريخ.
من إصدارات المُدونَّات الفيصليَّة.
مُلوك الطوائف في لبنان، إن إختلفوا !!!
المقدمَّة التي لا بُدَّ منها :
يقول إبن خلدون …
( أنَّ الترف يقود إلى حبُّ الدنيا، والتمسُّك بالحياة، ويقول إنَّ الشخص الذي يُحبُّ الدنيا ينشغل بها، فيُعرض عن الأرض، والعرض، والدين، والكرامة ).
ويضيف إبن خلدون …
( إذا أذِن الله بانقراض المُلْك من أُمة حملهم على إرتكاب المذمومات وإنتحال الرذائل وسلوك طريقها )
يقول إبن خلدون عن فساد الإدارة …
غاية العمران ونهاية لعمره وغناه مؤذنة بفساده، إنها حضارة إستهلاك دونه إنتاج، حضارة أولئك الذين لا يستطيعون العمل ولا الدفاع عن أنفسهم وذويهم وبلدهم لإستحكام عوائد الترف فيهم، أو لكونهم يترفعون عن ذلك كله لأنهم يعتبرون أنفسهم فوق العمل والعاملين، كما أنها هي المسؤولة عن هرم الدولة وفسادها ومن ثم ضياعها.
ويُزيد في الكلام إبن خلدون، ويقول :
فإذا أصيبت الدولة بالترف والشراهة فيكثرون الضرائب والمغارم طلبا في زيادة الجباية والمكوس، وبزيادتها تضعف عزائم الناس عن العمل لأن ناتج عملهم تأخذه الدولة، وحينئذ يزداد الأمر سوءً بتدهورالإنتاج باستمرار تناقصه مع زيادة الضرائب فينتج عن ذلك خراب العمران.
عندما تدخل الدولة دور الترف والإسراف تحتاج إلى زيادة الجباية ، ثم تصاب الدولة بالهرم وتضعف عن جباية الأموال مع زيادة النفقات والتعود على الترف فتضطر لإستئجار الحاميات وزيادة من الضرائب وموظفي جمع الضرائب فيعم الخراب والكساد ويختل العمران، وتضيع الدولة.
بادئ الأمر ظننّت أن إبن خلدون قد حطَّ رِحاله وترحاله في لبنان، وحشر نفسه حشراً، وإندَّس في تظاهرات بيروت نهار أمس الأحد الواقع فيه ٢٣ كانون الاول ٢٠١٨م. وأنشد شعارات من باب رفع العتَّب التاريخي :
( لبنان يا قطعة سما )
( لبنان سويسرا الشرق ) وغيرها من أهازيج الهوارَّة والدبكة والمِجوِّز.
ولكني تذكرت أن إبن خلدون قد توفاه الله منذ قرون، ولكن ما زالت أفكاره ونظرياته تُطبَّق حتى يومنا هذا.
في هذه المُدونَّة سأُوضح أوجه الشبه ما بين الأندلس ( الأمس ) ولبنان ( اليوم )، وكيف يطير الْمُلْك او الحكم.
إنها دروس من التاريخ العربي.
كانت بعنوان، ملوك الطوائف في الأندلس.
وأصبحت اليوم، بإسم ملوك الطوائف في لبنان.
هذه المُدونَّة، لا تتناول المآثر الفكرية للعرب في الأندلس، ولا تتناول الأدب، والشعر بأقسامه كالموشحات، ولا العلوم الفلكية والجغرافية والرياضيات، ولا تشير الى أثر الحضارة العربية على الغرب، حيث كانت أوروبا تعيش في عهد الظلمات العلميَّة والفكريَّة والدينيَّة.
كان البلاط الملكي الإنكليزي يرسل أَميراته الى الأندلس، ليتلقَّينَ أصول السلوك الأرستقراطي من الأميرات العربيات.
كانت باريس في ليلة ممطرة يعجز السكان فيها من السير بسبب الوحول في طرقاتها بينما كانت غرناطة وطليطلة، وغيرها من مُدن الأندلس مرصوفة طرقاتها، ومضاءة شوارعها .
أوُّد أن أشير إلى أنَّي أخذت معظم المعلومات لهذه المُدونَّة من إبن خلدون ( ١٣٣٢ - ١٤٠٦ ) الذي دخل وسكن غرناطة، وغيره من المؤرخين الذين إستفاضوا بالكتابة، عن الأندلس وأخبار ملوكها، أخصُّ بالذكر :
( الإدريسي، إبن عذارى، المقرِّي، إبن خلكان وغيرهم ).
كان للعرب، مآثر جمَّة وعظيمة في الأندلس، ولهذا السبب كان ضياعها حدثٌ تاريخي، لا يصدَّق، إذ قال أحد المؤرخين ومنهم :
Lane - Poole , Moors in Spain
إنَّ سقوط الأندلس هو شذوذ عن القاعدة التي تذهب الى أن المدنية العربيَّة، ترسخ وتعمِّر حينما تحل أقدام العرب، ما عدا اسبانيا.
وشذوذاً عن القاعدة، سأبدأ بحثي هذا عن المحنَّة التي حلَّت في آخر يوم كان فيه للعرب المسلمون وجود في غرناطة.
كان ذلك في كانون الاول من العام ١٤٩١ عندما إشتّد الحصار على غرناطة، حيث سقطت في الثاني من كانون الثاني من العام ١٤٩٢. وقد ذكر هذا اليوم بالتفصيل المؤرخ المقرِّي، إذ قال :
وبينما كان السلطان محمد الحادي عشر ( ابو عبدالله ) منصرفٌ عن عاصمته غرناطة، حانت منه إلتفاته أخيرة الى عاصمة ملكه فتأوه، وجرت عبراته، ودمعت عيناه، فنهّٓرته أمُّه التي كانت مستشارته، وقالت :
( يحقُّ لك ان تبكي كالنساء، ملكاً لم تستطع ان تُدافع عنه كالرجال ).
ولا يزال الصخر الشاهق، الذي أطلَّ عليه السلطان من قمَّته للمرة الاخيرة، يسمَّى
( التموسسبرو دل مورو ) أي زفرة العربي الاخيرة.
إستوّطن هذا السلطان بعد رحيله عن الأندلس، كما قال ( المقرِّي ) فاس، وفيها توفي سنة ١٥٣٣ مخلفاً أولاداً، كانوا عرضة للعوز والفقر، ويعدّون من جملة الشحاذين.
يراجع في ذلك كتاب، النفح، للمقرِّي جزء ٢ ص ٨١٤ و ٨١٥.
أذكر ذلك، لانَّ نهاية هذا السلطان، مُحزنة، وفِي الوقت ذاته عبرةً لمن يعتبر.
فقرة استطرادية :
هناك قصة، عن والدة السلطان محمد الحادي عشر ( أبو عبدالله )، وكان إسمها فاطمة حيث كانت معه وترافقه كظلِّه، لانَّ والده أي زوجها السلطان الأبُّ أبي الحسن، آثر جارية نصرانية عليها ( يقول المقرِّي أنَّ إسمها رومية )، فحرضَّت إبنها على زوجها، لان خلاقين الحسد ومراجل الغيرة، بدأت تغلي قلب فاطمة، وقد استطاع الابن ان يخلع أباه واصبح سيداً لغرناطة.
بعد السقوط المُدوِّي للخلافة الأموية في الأندلس، نشأ على أنقاضها دول، ودويلات، كان الهّم اليومي لهذه الدويلات التنازع، والتخاصم فيما بينها، وقد شهد النصف الاول من القرن الحادي عشر، اكثر من ٢٠ دويلة أو مدينة او مقاطعة، تزّعمها أمراء وسادة عُرفوا عبر التاريخ عند العرب :
ب ملوك الطوائف.
ومنهم :
بنو جهّور ....... في قرطبة
بنو عُبَاد ........في إشبيلية
إبن زيري ..... في غرناطة
بني حمود ....في مالاقه
بني ذي النون ..... في طليطله
بني هود .. المنذرية في سرقسطة
بني صمادح ...في المرية
بنو الافطس ... في بطليوس
بنو برزال ..... في فرمونه
هذا غيض، من فيض الملوك، والأمراء.
الان ، سأتناول بعض قصص وأخبار هؤلاء الملوك ، وكيف كانوا يديرون ممالكهم :
بنو عُبّٓاد :
يرجع نسبهم، الى ملوك الحيرة الَّلخميين، وبرزت هذه الدويلة بمساع ٍ من احد أفرادها، وكان قاضيا في إشبيلية وقد إستعان برجلٍ، يشبه الخليفة الأموي المخلوع هشام الثاني.
ويقول إبن خلدون، أنَّ هذا الخليفة قد اختفى، وقد أكَّد إبن الأثير، وإبن الخطيب هذه المعلومة التاريخية، ولكن هذا القاضي أبقى هذا الخليفة المزعوم واستمرَّ في الحكم إلى أن مات القاضي وخلفه إبنه بوظيفة حاجب للخليفة المزعوم، ثم ما لبث أعلن نفسه الحاكم المُطلق، وسمَّى نفسه المُعتضد، وقد قال المؤرخون الذين ذكرتهم ( أنَّ هذه الدويلة مهزلة المهازل )
إليكم قصة ثانية عن هذا ( الملك المعتضد ).
كان شاعراً، له في الشعر الكثير من الرقة والجمال، كان يطلب من الشعراء أن يأتوه ليبارزهم في الشعر، وكان كريماً وفوق ذلك كان يحب النساء كثيراً، وقد توسّع في حريمه، اذ كان له ٨٠٠ امرأة فارهة الجمال.
إليكم قصة اخرى،
للمعتضد، إبناً خلف أباه بالحكم، وكان إسمه المُعتمد، قال عنه إبن خلكان، إنه كان اكرم ملوك الطوائف ، وارحبهم ساحة، وقد بزَّ أباه في مضمار الأدب والشعر، بحيث لم يجتمع بباب ملك، أعيان وجمهّرة من الشعراء كما اجتمعت ببابه.
وقيل إنَّه كان أندى وأكرم الملوك قاطبة وأكثرهم أدباً ورفعة. سريع الخاطر وقوي البديهة، وكان لا يستوّزر وزيراً إلَّا، إذا كان أديباً أو شاعراً، وكان، مهووساً بحفلات الأُنس يحضرها متنّكراً، وقال عنه ( المقري ) إنَّ أحب زوجاته اليه جارية فاتنة الجمال إسمها اعتماد، وأُشتهرت، باسم ( إعتماد الرميّكية )، وأصبحت ملكة وولدت له أمراء أذكياء وكانت رغباتها تُطاع وأهواؤها تكّلف الخزينة مالاً وفيراً مثلا :
قالت لزوجها بعد تساقط الثلج على قرطبه، إنها تُحِب هذا المنظر على مدار السنه او أقلَّه، فأمر المعتمد أن تُزرع أشجار اللوز على هضاب قرطبة، لأنهَّا تُزهر في آخر الشتاء، فتظهرُ بيضاء كالثلج.
وهناك قصة أُخرى عن الملكة إعتماد ألرميكّية، وزوجها الملك المعتمد :
رأت ذات يوم ٍبعض النسّوة يمشينَ، في الطين ( الوحل ) فاشتهت، ان تمشي مثلهنَّ، فأمر المعتمد ان تُسحق الطيوب وتُذرُّ في باحة القصر، ونُصِبت الغرابيل ( جمع غربال ) وصبَّوا ماء الورد على الطيوب وعُجِنت بالأيدي، وأصبحت كالطين حيث سارت الملكة، مع جواريها عليه.
وهناك قصص أخرى تُظهر سطوة النسوة ومكائد الوزراء وضعف الأمراء وشراء المناصب والرشوة وغير ذلك من فساد الادارة، حتى أينعت هذه الدويلات، وحان قِطافها بعد ان توحَّد الأمراء المسيحيون وقضوا على هذه الدويلات الواحدة تلو الاخرى.
اخيراً ً، أنهي بحثي، كما بدأته بإعادة القول الذي ورد في
Moors in Soain
....أجّل، أُقصي العرب عن البلاد وظهر محيَّا اسبانيا النصرانية، ردحاً من الزمن مشرقاً كالبدر، ولكن بنور مستعار، ثم حلّ به الخسوف، وعم ّ الظلام وما زالت البلاد تتسكع، في تلك الظلمة منذ ذاك الحين .......الخ
اخيراً …
أترك للقارئ الكريم تحديد أوجه الشبه ما بين الأمس، واليوم.
فيصل المصري
أُورلاندوا / فلوريدا
٢٤ كانون الاول ٢٠١٨
0 comments: