ممر داوود، نبوءة قديمة …
أم مشروع جيوسياسي معاصر؟
المقدمَّة التي لا بُدَّ منها :
في زحمة الأحداث المشتعلة في الشرق الأوسط، وبين طموحات
تتقاطع مع الدين والجغرافيا والسياسة، يبرز مصطلح :
“ممر داوود” كعلامة استفهام كبرى …
هل نحن أمام تنفيذ بطيء لنبوءة توراتية عمرها آلاف السنين ؟ وما علاقة الحروب، والمعاهدات، والممرات الاقتصادية، بهذا المسار الغامض ؟
فِي هذه المُدوَّنة الوثائقية سأُلقي الضوء على الخلفيات الدينيَّة، التاريخيَّة و الجيو سياسيَّة لهذا المفهوم مع تحليل أبعاده المستقبلية.
في هذه المُدوَّنة الوثائقية، يبدو ما يُعرف رمزياً باسم “ممر داوود” وهو ممر جغرافي ممتد يُعتقد أن له جذوراً توراتية وتوظيفات جيوسياسية حديثة.
هذا الامتداد ( الممري ) يعكس التصور التوراتي لـ” الحدود الموعودة ” من النيل إلى الفرات، ويُعتقد أنه يشكّل العمود الفقري لمشاريع اقتصادية واستراتيجية إقليمية، تشمل سككاً حديدية، ممرات لوجستية، وربما تحالفات أمنية، في ظل النزاعات الجارية وإعادة ترتيب التحالفات.
ويبقى السؤال مفتوحاً على مصراعيه، هل تتحوَّل الخريطة الرمزية لهذا الممر إلى واقع سياسي جديد ؟.
المُدوَّنة : ممر داوود …
فكرة غنية بالتاريخ والدلالات الدينيَّة والسياسيَّة.
ما هو “ ممر داوود ” أو ما يُطلق عليه أحياناً في الدراسات الجيوسياسية المعاصرة “طريق داوود”، هو مصطلح يُستخدم للإشارة إلى مشروع جيواستراتيجي يُفترض أن يمتد من الخليج العربي إلى البحر المتوسط مروراً بأراضي عربيَّة متعددة، ويُربط غالباً بفكرة إسرائيل الكبرى، أو النبوءات التوراتية بشأن مملكة داوود القديمة.
يتردد المصطلح في مؤلفات قادة مثل بن غوريون ومناحيم بيغن، حيث يُربط بين التاريخ المقدَّس والسياسات الحديثة.
المصدر التاريخي للتسميَّّة :
ممر داوود ليس اسماً وارداً حرفياً في التوراة أو التلمود، بل هو مصطلح حديث مشتق من النصوص العبرية التي تتحدث عن مملكة داوود، والتي يُقال إنها امتدت من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات في العراق.
هذا الامتداد الجغرافي فسّره البعض لاحقاً بأنَّه ممر أرضي استراتيجي تسعى إسرائيل أو قوى داعمة لها إلى السيطرة عليه، سواء عسكرياً أو اقتصادياً.
أين ورد ذكر هذا الممر دينياً ؟
في التوراة ( العهد القديم )
• يُذكر الملك داوود ( David ) في عدة أسفار من العهد القديم، مثل سفر صموئيل الثاني وسفر الملوك الأول وسفر أخبار الأيام.
• وُصفت حدود مملكته بأنها تمتد “ من النيل إلى الفرات ” ( تكوين 15:18، وصموئيل الثاني 8:3 )، وهي الآية التي يستند إليها بعض منظري المشروع في تفسيرهم الجغرافي.
• لم يُذكر ممر باسم “ ممر داوود ” صراحة، لكن فكرة الامتداد من “ مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات ” تُستخدم كمرجع رمزي وجغرافي.
في التلمود :
• لا يوجد ذكر مباشر لممر بهذا الاسم، لكن التلمود يناقش توسعات مملكة إسرائيل الموعودة، ويحتوي على شروحات وتفاسير لوعود الرب لإبراهيم وداوود بشأن الأرض.
إذن : المصطلح ذاته ( ممر داوود ) ليس وارداً بنص صريح، إنما هو مستنبط من التفسيرات الجيو - دينيَّة لحدود مملكة داوود المذكورة في النصوص العبرية.
كم سنة مرَّت على ذكر هذا المفهوم ؟
• إذا عدنا إلى سفر التكوين وسفر صموئيل الثاني، فنحن نتحدث عن نصوص عمرها يقارب 3000 عام.
• أما التوظيف السياسي الحديث لهذا المفهوم، فقد بدأ يتبلور بشكل أوضح منذ منتصف القرن العشرين، خاصة بعد تأسيس دولة إسرائيل عام 1948.
ما هي الدول العربيَّة التي قد يمر بها هذا الممر؟
إذا أخذنا التصور الرمزي لمملكة داوود “ من النيل إلى الفرات ”، فإن الممر سيتقاطع مع الدول التالية :
1. مصر – من سيناء.
2. الأردن – كجزء من منطقة العبور البري.
3. السعودية – شمال غرب المملكة ( نيوم – تبوك ).
4. العراق – بين النهرين.
5. سوريا – شرقي الفرات.
6. لبنان – بشكل جزئي، كممر إلى البحر المتوسط.
7. فلسطين المحتلة / إسرائيل.
بعض السيناريوهات تشمل الإمارات أو الكويت إذا توسّعت الخطة نحو الخليج اقتصادياً أو لوجستياً.
هل الحرب الحالية في الشرق الأوسط هدفها تحقيق هذا الحلم ؟
لا يمكن الجزم بدقة، لكن هناك تحليلات استراتيجية تقول إن :
التوترات في غزة، لبنان، وسوريا تُستغل أو تُعاد توجيهها أحيانًا ضمن رؤية أوسع للسيطرة على الممرات البريَّة والحدود.
صفقة القرن، اتفاقيات التطبيع، ومشاريع النقل والربط الاقتصادي ( كالسكك الحديدية بين إسرائيل والخليج ) قد تكون أدوات لتحقيق ملامح من “ ممر داوود ”.
بعض المفكرين يرون أن إسرائيل ( أو قوى عالمية تدعمها ) تحاول تحقيق السيطرة الناعمة على هذه المنطقة عبر مشاريع النقل والطاقة، وليس فقط بالغزو العسكري المباشرة، وقد يكون
مشروع نيوم في السعودية يتقاطع جغرافياً مع الممر المحتمل.
معلومات اضافية :
الخرائط القديمة ل “ إسرائيل الكبرى ” كما وردت في بعض المخطوطات البريطانية واليهودية في القرن 19، تُبرز كيف فُسّرت الحدود من النيل إلى الفرات.
مشروع “نيوم” السعودي : قد يُفسَّر من قبل البعض على أنه يتقاطع مع أهداف هذا الممر، كونه يقع في قلب المنطقة المستهدفة ويشكّل نقطة وصل بين السعودية، الأردن، وفلسطين المحتلة.
مشروع “ الهلال الخصيب الاقتصادي ” هناك مشاريع تُطرح مؤخراً تربط العراق بالخليج وبتركيا، قد تُفسّر على أنها موازية أو متقاطعة مع ممرات شبيهة بممر داوود.
بعض قادة إسرائيل – مثل بن غوريون – تحدثوا صراحة عن “إسرائيل الكبرى” على أساس توراتي.
الدعم الأميركي، خاصة من اليمين الإنجيلي، يُعطي دفعة دينية لفكرة “ مملكة داوود ”.
المشاريع الجديدة للربط البري بين الخليج وإسرائيل عبر الأردن تُعتبر “ البديل الناعم ” لممر داوود
رمزية داوود في الإعلام العبري :
• الإعلام العبري كثيراً ما يُبرز صورة داوود ليس فقط كملك ديني، بل كرمز “ للاستعادة والسيطرة ”.
الربط مع صفقة القرن :
• خطة “ صفقة القرن ” التي طرحتها الإدارة الأميركيَّة عام 2020، تتضمن مشاريع اقتصادية كبرى في مناطق العبور بين الضفة الغربية والأردن، يمكن اعتبارها جزءاً من البنية التحتية لممر إقليمي أكبر.
• اليمين الإنجيلي في الولايات المتحدة يدعم فكرة مملكة داوود الحديثة كتحقيق للنبوءات، مما يضيف دعماً سياسياً قوياً لإسرائيل لتحقيق هذا “ الممر الرمزي ”
• في العقود الأخيرة، أصبح بناء الممرات يعتمد على المشاريع الاقتصادية والربط اللوجستي ( كخط السكك الحديدية الخليجي – الإسرائيلي ) أكثر من الاحتلال المباشر، في استراتيجية تعرف بـ”إعادة تشكيل الجغرافيا دون جيوش”.
الخاتمة :
“ممر داوود” ليس مجرد طريق أو ممر ترانزيت، بل مشروع محمّل بالدين والتاريخ والسياسة.
قد يتحقق عبر الجيوش، أو عبر البنوك والمشاريع والربط اللوجستي.
وفي ظل صمت الخرائط الرسمية، تبقى النبوءة القديمة تتسلل عبر خطوط أنابيب، وصفقات، واتفاقيات إقليمية… دون أن يشعر بها كثيرون.
فيصل المصري
٢٤ تموز ٢٠٢٥
المراجع :
المُدوَّنات الفيصليَّة.
مِن النيل إلى الفرات.
العرب أُمَّة إقرأ … لا تقرأ.
الفروقات ما بين عرب الأمس وعرب اليوم.
وغيرها …
ما يُدمي القلب ويُثخن الجراح حتى لا تندمل.
اخي فيصل المصري المنقب والباحث الوحيد . لا تعتقد ابدا اني اهمل تعليقا أو بحثا يصدرعنك الا واكون تلقفته ولكن صحتي ونظري لا تجاريان فكري فاعتذر عن ذلك .
ردحذف