وفي الصَّيف ِ ضَيَّعت ِ اللَّبن ...
ما قِصَّة هذا المثل، الذي ما زال حيا ً حتى يومنا هذا ...
- المُقَدِّمة :
في هذه الْمُدوّنة سأذكر لكم بعضا ً من إعجاز، ومجاز اللغة العربية ..
وأقول :
الأمثال العربية يجب أن تُروى كما هي دون تغيير في هيأتها، لأنها تُروَى ولا تُحكى ..
أي أننا نقول في هذا المثل الذي نحن بصدده، أنه يُصلح في صيغة المؤنّث، او الْمُذكَّر ..
فنقول :
في الصَّيف ِ ضيَّعت َ اللّبنَ .. إذا كان المُخاطَب ذكَرا ً ..
أو في الصَّيف ِ ضيِّعت ِ اللبن .. أذا كان المُخاطب مؤنث ..
شخصيا ً .. مُدوِّنتي ستكون في صيغة المؤنث ..
وقبل ذلك ..
- توطئة تاريخية :
قِيل هذا المثل في العصر الجّاهلي ..
فقد روى الرُّواة ..
أنّ أحد الشيوخ، وهو عمرو بن عمرو بن عُدس ٍ تزوّج إبنة عمِّه، التي تصغره بالعمر، وكانَ يحبُّها ويكرمُها ويسخو عليها بماله الوفير ..
ملَّت حياتها مع هذا الزوج المُسِّن، وقارنت بين حالها وحال صديقاتها اللآئي تزوّجن بفتيان ٍ يقاربوهنّ في العمر ..
نسيَّت، او تناست ما يتمتّع به زوجُها من كرم ٍ وشجاعة ٍ ووجاهة في قومه، فضلا ً عن حبّه العظيم لها ..
بقيَّت تتصرَّف عن قصد، سوء الطباع والخصام، والنفور حتى طلّقها ..
ثم تزوجت بعده بشاب ٍ جميل المُحيّا، من آلِ زُرارة ..
لكنّه لم يكن كزوجها السابق في الشجاعة والمروءة وكريم الخصال ..
لمَّا أغارت عليهم قبيلة بكر بن وائل، طلبَّت من زوجها ان يُدافع عنها ويمنع عنها الأذى ..
لكنّه أصابه الخوف والفزع وقُتِل ..
على إثر ذلك، سباها رجال قبيلة بكر بن وائل ..
وصل الخبر الى زوجها السابق عمرو بن عمرو بن عدس ٍ فأسرع إليها وأنقذها من السّبي والمهانَّة..
ثم تزوجت ْ ثانية ً من شاب ٍ آخر كان فقيرا ً إلى حد ٍ أنّها كانت تشتهي أنْ تشرب الحليب الذي لم تكن تفتقده في بيت عمرو بن عمرو ..
وفي إحدى الليالي وقفت أمام خيمتها ومعها جاريتُها حيث مرَّت قافلة طويلة من الإبل، وكان الغبار الناتج عن هذا الركب الضخم يحجِّب ضوء القمر ..
هالها عظمَّة القافلة، فقالت لجاريتها :
أُطلبي من صاحب هذه الإبل أن يَسْقِنا من الّلبن ما عِنْدَهُ ..
ذهبَّت الجارية وأبلغت الرسالة لصاحب القافلة ..
وإذا به عمرو بن عمرو بن عُدس، زوجها الأول ..
فسأل الجارية : أين سيدتُك ِ ؟
فأشارت إلى حيث ُ تقف ُ زوجته السّابقة ..
فقال للجارية :
قولي لها :
الصَّيف َ ضيَّعت ِ اللّبن ..
ورفض أن يعطيها من حليب إبله ..
وكان يشيرُ بقوله هذا إلى إضاعتها له وإسراعها إلى الزواج بغيره ممّن لم يدانُوه في خُلُقِه وحبّه لها ..
ولم يستطيعوا أن يُؤْمِنُوا لها العيش الكريم ..
وصارَّت مقولة ُ عمرو بن عمرو بن عدس ٍ مثلا ً يُضرب ُ لكلّ من يُضيِّع ُ ما بيديه، من خير ٍ ..
أما قِصتِّي في هذا المثل القديم، الحديث والمُطبَّق حتى يومنا هذا ..
فأقول ..
عن بطل قِصتِّي ..
وبقي، يبثّها لواعج شوقه، وحرقة قلبه، ويردّد على مسمعها كل يوم انه يحبّها ..
وكانت، دائما تتجاهل كلامه، وتحاول أن تصدِّه، وتطلب اليه ان يغيِّر حديثه ..
كانا قد تعارفا منذ مدة ..
وكانا على إتصال يوميا ً ..
هو إعترف لها بانه يحبها ..
أما هي لم تبادله الإعتراف ..
دائما ً .. وأبدا ً تتجاهل توسلاته، وتتعمَّد أن تُؤذي مشاعره ..
لكنه، بقي على إصراره ..
وبقيَّت، هي على تجاهله ..
إلى ان طلبت منه يوما ً ..
أن يقرأ كتابا ً أهدته له ..
علَّه يكُّف ويتوقَّف عن مُغازلتها، او إبداء مدى حُبِّه لها ..
بدأ بقراءة الكتاب ..
وتوقَّف عن ألإتصال بها ..
لأن الكتاب أخذ كل وقته واهتمامه ..
إستغرّبت، لأنه لم يتصِّل بها كعادته كل يوم ..
إجتاحها القلق، وبدا عليها التوتُّر ..
ساورها القلق ..
وإنتابها شعور لم تعّهده من قبل ..
إتصلَّت به، وسألته ..
لماذا ؟؟
وقبل أن تُكمل سؤالها ..
أجابها، انه منهمك بقراءة الكتاب ..
بعد عدة ايام ..
عاودَّت الاتصال به ..
وسألته ..
أين انت ؟
ولماذا لا تتصِّل ؟
أجابها، ان الكتاب أخذني، وشدَّني ..
وقالت له أنا انتظرك ..
لأَنِي ..
أجابها مقاطعا ً ..
بعد ان أنتهي من قراءة الكتاب، سأتصل بكِ ..
أدركَّت، أنها ارتكبت خطأ ً كبيرا ..
لانها ..
آثرت، الغنج، والدلال ..
أما هو ..
ما زال يقرأ في هذا الكتاب، الذي عنوانه ..
في الصَّيف ِ ..
ضيِّعت ِ اللبن ..
فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا
0 comments: