زبيدة، بنت الخليفة جعفر بن المنصور.
زبيدة، حفيدة، مؤسس الخلافة العباسية، أبي جعفر المنصور.
زبيدة، زوجة، الخليفة هارون الرشيد
زُبيدة، أُم الخليفة الأمين.
زُبيدة، الهاشمية، والعباسية.
زُبيدة، سيدة الكلمة.
زُبيدة، أيقونة الجمال.
تاريخ ولادتها : 766 م 149 هـ
بالموصل.
تاريخ وفاتها : 831م 216 هـ
في بغداد.
زُبيدة ...
وما أدراك من هي زُبيدة، غير التعريف الملكي أعلاه.
فلا الحسب والنسب، ضاع عندها.
ولا العلم والمعرفة، فُقد مِنْهَا.
ولا الجمال والهيبة، إختفى من وجهها.
كان جدّها أبو جعفر المنصور، يقول عنها :
زُبيدة، انت زُبيدة ...
ذات ُ الجمال، ذات ُ العيون الخُضر، وذات ُ البشرة البيضاء.
لم يـكُن يُناديها بإسمها الحقيقي أمة العزيز، وأصبحت تُعرف بإسم، زُبيدة، ومن يعترض على كِنيّة، يُطلقها هذا الجّد، المؤسس لهذه الخلافة.
تُعتبر زُبيدة، من أهم نساء الدولة العباسية، قاطبة ً، وأكثرهم شهرة ً.
كان لها دور، في الخلافة .. وتسييّر دفة ألحُّكم.
فهي أم الخليفة الأمين، الذي قتل على يد أخيه المأمون بعد نزاع على السلطة.
من أهم أعمالها :
بناء أحواض لسقاية الحجيج في طريقهم من بغداد إلى مكة، وقد عُرف بدرب زبيدة، وعين زبيدة .. في مكة المكرمة ... تكريمًا لها.
كانت، سيدة عظيمة ...
وراء خليفة عظيم، لم يشِّق غباره اي خليفة.
إنه .... هارون الرشيد، زوجها.
عاشت زُبيدة في العصر الذهبي للخلافة العباسية،
لم تستغّل بأس الخلافة، بل هي التي أعطّتها الهيبة، والوقار.
في أيامها، كانت تعلم ان الدولة الإسلامية في العصر الأموي إمتدّت إلى إسبانيا غربا ً والصين، شرقا ً.
جاء العصر العباسي، ليقطف الثمار، وإلارث الهائل والمجيد من إنتشار الدين الاسلامي في أصقاع ٍ وأمصار ٍ لم يكن أحد، يحلم بالوصول إليها.
في هذا الرخاء الأمني الواسع، وقف الخليفة هارون الرشيد زوجها .... من على شُرفة قصره في بغداد، ينظر إلى سحابة عابرة ٍ، يُخاطبها، مُستهزء ً، متوقعا ً أن تجود بالغيث، وعندما عبرّت دون أن تُمطِر، خاطبها بقوله :
أُمطري ... حيث ُ شئت ِ ...
فإن خراجك ِ، سيعود إليَّ ....
لم يكن الخليفة هارون الرشيد إنسانا ً عاديا ً.
فقد أُشتهِر بغزواته، للروم وبلوغه أبواب القسطنطينية.
وفي مُطلق الأحوال، وإذا كان المثل العربي المشهور يقول :
وراء كل رجل عظيم امرأة .....
فلقد كان وراء هارون الرشيد، امرأتان :
أُمَّه الخيزران، تلك السيدة المهيبة التي يعتقد الكثير من المؤرخين أنها هي التي كانت تسيّر أمور الدولة، إبان حكم زوجها المهدي.
والثانية، زوجته أمة العزيز ...
زُبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور ....
وأُم الخليفة محمد الأمين ...
تزوّجت زُبيدة، هارون الرشيد في عهد والده، سنة 165 هـ.
وكانت زُبيدة، حسبما تنقل لنا كتب التاريخ :
سيدة بارعة الجمال، بيضاء اللون، خضراء العيون، نضِّرة البشرة، خصر ٍ رشيق، فاتنة الحديث، رزينة في انسياب الكلام، ذات عقل رصين، ورأي سديد. وفصاحة وبلاغة.
تنظِّم الشعر، وتناظر الرجال، في شتّى الموضوعات.
إلى جانب جمالها، وسمو خلقها، أحبّها وعشِقها هارون الرشيد.
أحبها حُبا ً جما ً..
ومنحها مكانة ً رفيعة، ونفوذا ً كبيراً ...
كانت على الدوام، السيدة الأولى... بين نسائه.
كما عُرف عنها أنها كانت تُشير على زوجها في كثير من المناسبات والأحداث بالآراء الصائبة، وأنها كانت في حقيقة الأمر تمسك بيديها زمام الأمور أثناء غياب زوجها في غزواته الكثيرة. وقد خلفّت وراءها آثارا ً عديدة في مجالات متنوعة ما زالت تحمل اسمها حتى الآن.
وقد عرف عن زُبيدة إهتمامها الكبير، بالآداب والعلوم، فبذلّت الكثير حتى حشدّت في العاصمة بغداد، مئات الأدباء، والشعراء، والعلماء ووفرّت لهم كل وسائل الإنتاج، والبحث.
وكان في بلاطها :
في مجال الشعر : أبو نواس، أبو العتاهية، والحسين بن الضحاك، والراوية خلف الأحمر، وشيخ أدب النثر الجاحظ.
وفي بحور اللغة العربية : الخليل بن أحمد، وسيبويه، والأخفش الأكبر وأبو عمرو بن العلاء.
وفي علوم الدين : الإمام أبو حنيفة، والإمام الأوزاعي، والإمام مالك بن أنس،
وفي علوم الطب : الكثير من الأطباء، منهم الطبيب جِبْرِيل الذي منحته راتبا ً شهريا ً قدره خمسين الف درهم، وغيرهم من المُجددّين في شتى فروع العلم.
وقد إمتازت زُبيدة، بالكرّم، والسخاء، والعطاء، وبذلّت في سبيل رِفعة أعمالها، وعظمة مشاريعها، الأموال الطائلة، حتى أصبحت بغداد، قُبلة ً ومستقّرا ً للعلماء، والاُدباء، والمُفكرين ...
وكانت زُبيدة، شريكة حقيقية لهارون الرشيد، وكانت على الدوام تتعمّد. إبراز الرأي الصواب، على أنه رأي الخليفة.
وكانت زُبيدة، إذا ارادت ان تُعطي مكرمّة لأحد العلماء، او الشعراء، دائما ً تتأكّد ان تكون مكرمتها أقّل من مكرمة زوجها هارون الرشيد.
من أهم مشاريع زُبيدة، التي سجّلها التاريخ.
كتب المؤرخون، أنها في إحدى رحلات الحج شاهدت مدى معاناة حجّاج بيت الله، في الحصول على مياه للشرب، كان الوعاء الواحد يُباع بدينار. يقول المؤرخ أبو الفرج بن الجوزي :
إن زُبيدة أمرّت المهندسين بدراسة عاجلة، لجر المياه إلى مكة المكرمة. فأشاروا عليها بأن الأمر صعب للغاية، حيث يحتاج لحفر أقنية بين السفوح، وتحت الصخور لمسافة لا تقل عن عشرة أميال.
وقال لها وكيلها : يلزمك نفقة كثيرة.
فأمرته بتنفيذ المشروع على الفور، ولو كلفت ضربة الفأس دينارا ً.
فأحضر وكيل الخزينة المال، وأوكل أكفأ المهندسين ووصلوا إلى منابع الماء في الجبال. ثم أوصلوه بعين حنين بمكة.
وهكذا تم ّ جّر الماء عشرة أميال، من الجبال ومن تحت الصخور، ومهدت الطريق للماء، وعرفت العين فيما بعد، وحتى الآن باسم عين زبيدة.
وما زالت القناة التي بنتّها تُعرف، بإسم نهر زبيدة.
وروي أنها، في تلك الحجّة بلغت نفقتها في ستين يوما ً .. أربعة وخمسين ألف ألف (مليون) درهم. وكانت تنفق في اليوم الواحد آلاف الدنانير قائلة :
ثواب الله ... بغير حساب.
وذكرها الخطيب، في تاريخ بغداد وأثنى عليها وقال :
كانت معروفة بالخير، والفضل على أهل العلم ....
وكانت تجود لاعمال الْبِر، وعطائها للفقراء، والمساكين، من دون حساب .. .
تحدّث إنها أصلحت الطريق من بغداد إلى مكة، وجعلته آمنا ً بعد ان كان موحِشا.
ويشاء القدّر أن تختلف زُبيدة، مع زوجها الخليفة هارون الرشيد على من يتولّى الخلافة من بعده.
فهي أم أولا ً... وأخيرا ً ..
وإبنها، الأمين هو الأصلح، من وجهة نظرها لتولي الخلافة، رغم أنه كان أصغر من أخيه المأمون، بستة أشهر.
فالأمين، هاشمي الأب، والأم، وهو ما لم يجتمع لغيره.
أما المأمون، فأمه جارية من جواري القصر تدعى مراجل، وكان هارون الرشيد يميل لتعيين، المأمون وليا ً للعهد لعلمه برجاحة عقله، وأدبه والتزامه بأدب، السلاطين والخلفاء، على عكس الأمين الذي كان الطيش يغلب عليه.
وقد كان من النتائج المباشرة، للصراع من أجل تعيين ولي للعهد، وقوع نكبة البرامكة. وهؤلاء كانوا وزراء العباسيين منذ أوائل أيام قيام دولتهم. وكان كبيرهم، في عهد هارون الرشيد، جعفر بن يحيى البرمكي، شقيق الخليفة بالرضاعة، حيث إن الخيزران، أم هارون أرضعت جعفرا ً الذي يكبر ابنها، بأيام معدودات.
وكان سبب المذبحة، أن جعفر بن يحي، وآل برمك أيدوا رأي هارون بتعيين ابنه المأمون، ولياً للعهد.
ولربما كان دافعهم الأول أن أم المأمون، كانت جارية فارسية، وهم أيضاً من سراة العجم.
وعندما علمت زبيدة بموقفهم، أبلغت زوجها أنهم يتآمرون عليه للقضاء على دولته والاستقلال بفارس، ويبدو أيضا ً أنها كانت تمتلك بعض الأدلة التي تؤكد تورطهم. وهكذا أعمل هارون الرشيد في آل برمك السيف.
لم ينج ُ منهم أحداً، حتى جعفر. ولعل ما حدث يؤكد مدى الحظوة والنفوذ الذين كانت زبيدة، تحظى بهما لدى زوجها.
وعندما قالت للخليفة :
ابني الأمين، خير من إبنك المأمون سخاء قلب، وشجاعة نفس، وعلماً بأنها هي التي ربَّت المأمون، لأن أمه ماتت بحمى النفاس بعد ثلاثة أيام من ولادته.
رد ّ ... عليها بقوله :
إن إبنك يزيّنه في عينيك، ما يُزين الولد في عين الأبوين، فاتقي الله، فوالله، إن إبنك لأحب ُّ إليّ، إلا أنها الخلافة لا تصلح إلا لمن كان لها أهلاً، وبها، مستحقا ً. ونحن مسؤولون عن هذا الخلق، ومأخوذون بهذا الأنام، فما أغنانا أن نلقى الله بوزرهم، وننقلب إلى الله بإثمهم.
وحتى يُرضي زُبيدة، إستدعى هارون الرشيد ولديه واحدا ً تلو الآخر، ودار حوار أسفر عن خطيئة ثانية، كان لها أثر كبير في مستقبل الدولة فيما بعد، ألا وهي تعيين المأمون وليا ً لعهد الأمين، الذي هو بدوره ولي عهد، ومن ثم تعيين ابن ثالث، هو القاسم، وليا ً لعهد المأمون.
وقد أثبت التاريخ فشل الأمين، في الحكم منذ أول يوم اعتلى فيه سدة الخلافة، فانقلب الجميع ضده، وكانت نهايته مأساوية، إذ قتل في معركة دارت بين أنصار الأخوين، حيث وقفت القبائل العربية يومها مع الأمين، بينما كان معظم أنصار المأمون من العجم.
وقد برزت رجاحة عقل زُبيدة ورزانتها مرة ثانية، لما جاءها نبأ مقتل ولدها، وبدأ أهل الفتنة تحريضها على الثأر من المأمون.
أرسل إليها، المأمون يبرئ نفسه بعد أن أرسلت إليه أبياتا ً من الشعر أبكّته.
وفي رواية الخطيب البغدادي :
إن زُبيدة أرسلت للمأمون قائلة :
أهنئك بخلافة، قد هنأت نفسي بها عنك، قبل أن أراك.
ولئن كنت قد فقدتُ ابنا ً خليفة، فقد عُوّضت ابنا ً خليفة، لم ألده، وأسأل الله أجرا ً على ما أخذ، وإمتاعا ً بما عوَّض.
وأخذ المأمون بعد ذلك في إكرامها، ومودتها ورضاها.
قال إبن بردي في وصف زُبيدة :
إنها، أعظم نساء عصرها دينا ً وأصلا ً وجمالا ً وصيانة ً ومعروفا.ً
لقد كانت سيدة جليلة، سخية، لها فضل في الحضارة، والعمران والعطف على الأدباء والأطباء والشعراء.
أما في حياتها الخاصة، فإن زُبيدة كان لها الدور الكبير في تطوّر الأزياء النسائية في العصر العباسي. فقد كانت النساء من مختلف الطبقات ينتظرّن ظهورها، ويسعيّن إلى تقليدها في ما ترتديه من ثياب. وقد عرف عنها أنها استوردّت من الهند، والصين أفخر أنواع الحرير الطبيعي، الموشى بالذهب، والفضة، والحجارة الكريمة.
وكانت كثيراً ما تختار ألوانا ً باهرة، لم يسبق لأحد من النساء أن ارتدتها من قبل.
وكانت زُبيدة، أول من اتخذ أدوات القصر من الذهب، والفضة المكللة بالجوهر. وكان الخدم، والجواري يملأون قصرها ويذهبون برسائلها وكتبها. وهي أيضاً أول من اتخذ القباب، من الفضة والآبنوس، والصندل من الذهب والفضة.
كانت زُبيدة المثال الأكبر، في مكانة المرأة الزوجة والقائدة، وقد كانت حياة الرشيد الحافلة، بالعمل، والعبادة، والفكر، نموذجا ً آخر لنجاحها.
وقد ذكر بعض النقّاد من الأدباء، أن كتاب ألف ليلة وليلة إنما بُني على أساس من نمط حياة، الرشيد وزُبيدة.
عاشت السيدة زُبيدة، 32 عاماً بعد وفاة هارون الرشيد.
وتُوفيت في بغداد سنة 216 هـ الموافق 831 م بعد أن عاشت في ظل الخليفة المأمون معزّزة مكرّمة كما كانت في عهد أبيه.
وكان المأمون يعاملها معاملة الأم، وكثيراً ما كان يلجأ إلى مشورتها في أمور الدولة، ويقبل برأيها، حتى لو كان مخالفا ً لما يراه هو شخصياً.
إنها، زُبيدة .... سليلة الحسب والنسب.
إنها، مِن العراق.
فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا
٣٠ آذار ٢٠١٦
0 comments: