مجنون ليلى ....
هو: قيس بن الملوّح.
هي : ليلى ابنة عمّه.
المكان : جبل التوباد، بلدة الغيل في الافلاج، الجزيرة العربية.
القصة : عشق، وحرمان، وغرام، وشوق ٌ جارف.
الزمان : خلافة مروان بن الحكم، وَعَبَد الملك بن مروان. العصر الأموي.
تدور أحداث هذه القصة الخالدة، في ارض كانت، مرتعا ً لقصص العشق التراجيدي، وموئلا ً لشهامة الفارس العربي الأصيل.
وصلت إلينا قصص متشابهة، في الغرام السرمدي الابدي، ولم تصل إلينا قصص الحب التي انتهت بالزواج، لان طبع العربي، وسليقته، وغزارة شعره لا تتدّفق بعذوبة إلا في الحرمان، والوجد، والعشق الممنوع.
لذلك، نرى التشابه ما بين ليلى، وعبله، وعنترة، وقيس.
من الواضح أن معظم الكُتّب والمراجع، أجمعت على أن قيس بن الملوح وابنة عمه ليلى، تربّيا معا في الصغر، وكانا يرعيان مواشي أهلهما في أيام الصبا، وينعزل بها في غار ٍ يجد فيه مكانا ً آمنا ً ...
وقد قال، قيس في ذلك،
صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا إلى اليوم لم نكبر، ولم تكبر البهم.
أحب ّٓ قيس ابنة عمه، حيث نشأ معها، وتربيا، وكبرا، سويا ً، فأحّب أحدهما الآخر، فكانا رفيقين في الطفولة، والصبا، فعشقها وهام بها، حتى أُطلق عليه المجنون.
وقد قال عنه الأصمعي :
بأن قيسا ً لم يكن محموما ً، ولكن كان فيه لوثّة، كلوثّة ابي حيّة.
أمّا إبن قُتيبة، فقد قال عنه :
هو من أشعّر الناس، وتلوّث شعره بكثير من الأساطير، والإنتحالات، وألمُقوّلات، فصار كل من يقول شعرا ً في ليلى يُنسِبُه .... للمجنون.
وكانت العادة في البادية، انه عندما كبرت ليلى، حُجَِبت عنه، فاشتّد به الوجد، يتذّكر أيام الصبا، ويتمنّى أن تعود كما كانت، لينعم بالحياة الى جوارها.
وهكذا هام قيس على وجهه، ينشد الأشعار المؤثرة، التي خلدّتها كتب الأدب العربي، في حُب ِّ ابنة عمه، في شعر مليئ بالعذوبة، والغزّل والحب، والغرام، والهيام.
تقدّم قيس، الى عمِّه طالبا يد ليلى، بعد أن جمع لها مهراً، فرفض أهلها أن يُزوِّجوها إليه، لان العادة عند العرب في ذلك الزمن، تأبى تزويج من ذاع صيتهما بالحب، فضلا عن ان قيسا ً قد تشبّب ب ليلى (أي تغزّٓل بها ).
كانت العرب قديما ً ترى أن تزويج المُحّب، المعلن عن حبّه، بين الناس عار ٌ وفضيحة، وهذه عادة عربية قبل الاسلام، بقيت.
وقيل، بل رفض الزواج بسبب خلاف، وقع بين والد قيس، ووالد ليلى حول أموال وميراث.
ولكن اكثرية المؤرخين، قالو ان الرأي الأول أرجح، وأثبّت.
وفي نفس الوقت، تقدم لليلى، خاطب ٌ آخر من ثقيف، يُدعى ورد بن محمد العُقيلي، فإغتنم والد ليلى الفرصة وزوّجها لهذا الرجل رغمًا عنها.
رحلّت ليلى، مع زوجها إلى الطائف بعيدا ً عن حبيبها، ومجنونها قيس. ويقال، أنه حين تقدّم لها الخطيبان قال أهلها :
نحن نخُّيرها بينكما، فمن اختارت ... تزوّجته،
ثم دخلوا إليها فقالوا :
والله لئن لم تختار ِ وردا ً ... لنمثلنّ بك،
فاختارت وردا ً ... وتزٌوجته ... رغماً عنها.
وقال شعرا ً ...
قضاها لِغيري وابتلاني بِحُبِّها. فهلا بشيئ ِ غٓير ٓ ليلى ابتلانِيا
فهام قيس على وجهه في البراري، والقفار ينشد الشعر، والقصائد، ويأنس بالوحوش، ويتغنّى بحبه ألعُذرّي ، فكان حيناً في الشام، وحيناً في نجد وحينا ً ،،، في أطراف الحجاز، إلى أن وُجد مُلْقًى بين أحجار، وهو ميّت.
صوّر من حب قيس، وجنونه بليلى :
قيل، إنه مر يومًا وهو على ناقة، فإلتقى بامرأة من قومه، وعندها نسوة يتحدثن، فأعجبن به، فدعوّنه للمحادثة، فنزل وذبح لهن ناقته، وأقام معهن معظم النهار، ولمّا جاءت ليلى لتساعده في شوي اللحم، فجعل يجزّ بالمدّية في كفه، وهو شاخص ٌ فيها، حتى، جذبت المدية من يده، ولم يدرِ ما هو فاعل ٌ.
ثم قال لها، ألا تأكلين الشواء ؟
قالت : نعم. فطرح من اللحم شيئا على النار، وأقبل يحادثها،
فقالت له، أُنظُّر إلى اللحم، هل استوى، أم لا ؟
فمّد يدّه إلى الجمر، وجعل يقلبها بدلا ً من اللحم، فاحترقت يده، حتى شدّتها ليلى من النار.
هكذا كان حال قيس، مجنون ليلى.
وروي أن أبا قيس، ذهب به إلى الحج، لكي يدعو الله أن يشفيه مما ألمّ به من حُب ِّ ليلى،
وقال له :
تعلّق بأستار الكعبة، وادع ُ الله أن يشفيك من حُبِّها،
فذهب قيس، وتعلق بأستار الكعبة،
وقال :
اللهم زدني لليلي حبًا وبها كلفًا ولا تنسني ذكرها أبدًا.
وحكي، أن قيس قد ذهب إلى ورد زوج ليلى، في يوم شات ٍ، شديد البرودة، وكان جالسًا مع كبار قومه، حيث أوقدوا النار للتدفئة، فأنشده قيس قائلاً :
بربّك هل ضممّت إليك ليلى قبيل الصبح أو قٓبّٓلت فاها
وهل رفّت عليك قرون ليلى رفيف الأقحوانة في نداها
كأن قرنفلاً وسحيقَ مِسك وصوب الغانيات قد شملن فاها
فقال له ورد :
أما، إذ حلّفتني،،،، فنعم.
فقبض المجنون، بكلتا يديه على النار، ولم يتركها حتى سقط مغشيًا عليه.
تأثيره في الأدب العالمي.
مجنون ليلى، هائماً في البرية، هي أغنية فارسية، من القرن الخامس عشر، فضلا ً عن كتابة قصة، قيس بن الملوح، في كتاب، بنج غنج (الكنوز الخمسة)، باللغة الفارسية.
قيس بن الملوح، له ديوان شعري في عشقه لليلى، حيث كان لقصة مجنون ليلى، التأثير الكبير في الأدب العربي، بشكل خاص كما كان له تأثير في الأدب الفارسي، حيث كانت قصة قيس بن الملوح إحدى القصص الخمسة، ل بنج غنج، أي كتاب الكنوز الخمسة، للشاعر الفارسي نظامي كنجوي.
كما أنها أثرّت في الأدبين، التركي، والهندي، ومنه إلى الأدب الأردوي.
من أبياته في حبيبته ليلى،
تذكرت ليلى والسنين الخواليا وأيام لا أعدي على الدهر عاديا
أعد الليالي ليلة بعد ليلة وقد عشت دهرا لا أعد اللياليا
أمر على الديار ديار ليلي أقبل ذا الجدارَ وذا الجدارَ
وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارَ
ومنها أيضا ؛
فيا ليت إذ حان وقت حمامها احكم في عمري لقاسمتها عمري
فحل بنا الفراق في ساعه معا فمت ولا تدري وماتت ولا ادري
هذا كان حال، مجنون ليلى،
أمّا حال ليلى، لم يكن مُغايرا ً ...
وقد كانت، تبادله العشق، وقد أكد ّ ذلك ابن قُتيبة في كتابه الشعر والشعراء، فقالت فيه :
كلانا مظهر للناس بغضا وكل عند صاحبه مكين
تحدثنا العيون بما أردنا وفي القلبين ثم هوى دفين
ويقال عنها،
ان مر ّٓ عليها يوما ً رجل يقصد بلاد الشام، وقد داهمه المطر الشديد، فطلبت اليه ان يَتَّقي المطر في خيمتها، فسألته من أين أتيت، فأجابها من بلاد بني عامر، فإرتاحت ليلى، وسألته :
هل سمعت بذكر فتى يقال له قيس، ويلّقب بالمجنون،
فقال نعم، نزلت عند ابيه،
وانه، لا يعقل ولا يفهم، الا اذا تذّكر ليلى،
فانكسر قلب ليلى، وبقيت تبكي طويلا، على هذه الحال.
من أشهر قصائد قيس، قصيده المؤنسه وقيل سُميت بذلك لأنه كثيرا ما كان يرددها، ويأنس بها،
وأول هذه القصيدة:
تذكرت ليلى والسنين الخواليا وأياما لا نخشى علي الحب ناهيا
وآخرها:
خليليا إن ضنو بليلى فقربا ليا النعش والاكفان واستغفرا ليا
وفاته :
توفي سنة 68 هـ الموافق 688م، وقد وجد مُلْقًى بين أحجار وهو ميت، فحُمل إلى أهله.
وروي أن إمرآة من قبيلته، كانت تحمل له الطعام إلى البادية، كل يوم وتتركه، فاذا عادت في اليوم التالي لم تجد الطعام، فتعلم انه ما زال حيا.
وفي أحد الايام، وجدته لم يمّس الطعام فابلغت اهله بذلك فذهبوا يبحثونَ عنه حتي وجدوه في وادي كثير الحصي وقد توفي، ووجدوا بيتين من الشعر عند راسه خطّهما بإصبعه هما :
تَوَسَّدَ أحجارَ المهامِهِ والقفرِ وماتَ جريح القلبِ مندملَ الصدرِ
فياليت هذا الحِبَّ يعشقُ مرةً فيعلم ما يلقى المُحّب من الهجر
وأخيرا ً ...
اما ليلى، فإنها رحلت عن الحياة دون ان توّدع قيسا ً، لتعبٍّر له حبّها، وقيل انها توفيت قبله.
وقيل ايضا ً انه دخل ديار ليلى واهلها مُعزيا ً، وسال عن قبرها فَلَمَّا عرفه رمى بنفسه على القبر، وأنشد.
أيا قبر ليلى لو شهدناك اعولت عليك نساءُ من فصيح وعجم
وَيَا قبر ليلى أكرمن محلها يكن لك ما عشنا بها نعم
وَيَا قبر ليلى ما تضمنت قبلها شبيها ً لليلى ذَا عفاف وَذَا كرم
لم يطّل الوقت،
حتى لحق قيس، معشوقته ليلى.
فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا
0 comments: