إلى أبي وأُمي.
ماذا أقول لكما ؟.
المُقدِّمة هي المُدونَّة :
تفاجئت هذا الصباح أنَّ الفايسبوك أرسل لي صورتي إلى جانب صورة والدتي وهي في عِزِّ صباها ووالدي وهو في شرخ شبابه، وأنا في خريف عُمري.
بدأت العين تقطر دمعاً والقلب يدُق شوقاً وجرح الفراق ينزف دماً.
ماذا أقول لكما وأنا في الغربة الغاربة أنتظر اللقاء بفارغ الصبر.
أخذني خيالي كيف هذا الفتى الأغَّر في الصورة هاجر في ٢١ تشرين أول من العام ١٩٢٩ إلى جزيرة نائية في المقلب الغربي من الأرض وهو في الثامنة عشر من عمره.
وكيف هذه الزهرة اليانعة قُطفَّت من حقول قريتها صليما والندَّى ما زال عالقاً على جمال وروعة وجهها ليزيده تألقاً.
إنَّه المرحوم والدي.
إنَّها المرحومة والدتي.
عندما رجعت الصحوَّة لي. بدأ عقلي يُذكرني بأسباب هُجرة والدي ووالدتي، وتهجيرنا أنا وبقيَّة اللبنانيين المنتشرين في أصقاع هذه المعمورة.
بدأت ألعن ولادة كيان لبنان الكبير وذلك الوعد الوضيع الخسيس مِن أخر سلاطين بني عُثمان عبد الحميد إلى البطريرك الماروني الياس الحويك بالعام ١٩٠٥م والمتضمن بأن تؤول مقدرات متصرفيَّة لبنان إلى المارونية السياسيَّة بالإتفاق مع دولة فرنسا المُتآمرة الغاشمة.
ولادة ذلك الكيان الوضيع كان نتيجة تزاوج نسل حُثالة الواعد العثماني المتآمر، مع غباء وجهل نسل الموعود لهم الذي ما انفكَّ ورثة هذا التزاوج اللعين والخبيث والنتن يقومون بتهجير الشعب اللبناني، وأخر موبقات هذا التزاوج العاهر الوضيع الحقير، العهد الحالي وما نشهده مِن صراع فخامة النصَّابين، مع دولة الافاقين، وعطوفة المهرجين، وسعادة السارقين.
وإذا كان هذا الوعد العثماني البغيض قد تحقَّق في مؤتمر الصلح المنعقد في باريس سنة ١٩١٩م بعد موت تلك الخلافة العثمانية البائدة، فإنَّنا حتى تاريخه نحن اللبنانيين الشرفاء المقيمين والمهاجرين ندفع غِبَّ هذا الوعد الحقير الآثم واللعين.
ماذا أقول لكما ؟
تذكرتك يا والدي لمَّا قررت أنا أنْ أُهاجر من لبنان المزرعة في أواخر سبعينيات القرن الماضي، أنَّ وصيتك لي بأنْ لا أنام ليلة واحدة وفِي جيبي أي عملة نقديَّة عربيَّة أو لبنانيَّة، بل تحويلها إلى العملة الأميركية، لعدم ثقتك بالعملة اللبنانية خاصة.
تذكرتك يا والدي أنك أوصيتني إن كُنت مُهاجراً في أي بلد طلباً للرزق أن أكون شهماً ولا أرمي حجارة في البئر الذي أشرب منه.
تذكرتك يا والدي أنَّك كنت تتمنى أن أكون حقوقياً حتى أُكمل حلماً كان يُراودك في أن تدخل أنت كلية الحقوق في جامعة دمشق.
نعم نفذت كل نصائحك يا والدي.
وها أنا اليوم أكلمك في حضرة أُمِّي التي لم تُفارقك.
أقول لكما …
الوضع اللبناني والعربي كان في أيامكما وضيعاً هزيلاً وما زال، ولهذا السبب قررتما الهجرة.
أقول لكما أنَّ لبنان اليوم في قعر الحقارَّة تحكمه ثلَّة مِن سارقي أموال الشعب اللبناني ومُدخراته فِي المصارف.
أمَّا العرب فإنِّي أذكركما ماذا قال عنهم توماس جفرسون كاتب وثيقة الدستور الأميركي مُنذ قرون، لمَّا استغرب بطل الإستقلال الرئيس جورج واشنطن طلب بنجامين فرانكلين وزير خارجيته زيارة عاصمة الخلافة العُثمانيَّة الاستانة وبالتحديد المكتبة الوطنية.
قال توماس جفرسون للرئيس :
( دعه يزور المكتبة لنتعرَّف على القوانين والفرمانات العُثمانيَّة التي حكمت العرب لقرون ).
أمَّا الكيان اللبناني الهزيل والوضيع اليوم، دعني أذكركما كنتما على قيد الحياة خلال الحرب الأهلية اللبنانية بالعام ١٩٧٥م ماذا نصح مُستشار الأمن القومي الأميركي للرئيس آنذاك جيرالد فورد في مسألة حِكْم لبنان :
( دع الرئيس السوري حافظ الاسد يدخل بجيشه إلى لبنان حتى يحكم هذه الدويلة، لأنَّهم لا يعرفون أن يحكموا أنفسهم ).
وهذا ما أقوله لكما :
صدق توماس جفرسون في حدسه عن العرب.
وصدق مستشار الأمن القومي للرئيس جيرالد فورد في عدم امكانية لبنان أن يحكم نفسه بنفسه.
العرب اليوم يتقاسمهم مجوس فارس وحثالة الاتراك بإسم الدين الإسلامي، والدولة العبرية والدول العظمى بسبب المصالح والموارد الطبيعية الكُبرى.
أمَّا لبنان فإنَّه على حاله.
مائة عام لم يتمكَّن نسل ذلك الوعد من حكمه برصانة وأخلاق ورفعة شأن واستقلالية، بل توالى على حكمه وبالمُشاركة الغدر الفرنسي والطمع السوري والصراخ الفلسطيني والاجتياح الاسرائيلي والحروب الأهلية وآخرها الثأر الإيراني الدفين.
وإلى اللقاء …
الإبن البار
فيصل المصري
أُورلاندوا / فلوريدا.
٣ نيسان ٢٠٢١م
لا استطيع ان ازيد حرفا واحدا على ما تفضلت به فانا غريق بكتاباتك ولا استطيع انفكاكا . ( بارادتي) وفقك المولى ورعاك ولن ازيد .
ردحذف