ما بين أينشتاين ( العلوم )
وسبينوزا ( العقل والفلسفة )
المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها :
لَمَّا نشرت مُدوِّناتي على ( غوغل ) عن الخليفة الفاطمي الإمام الحاكم بأمر الله، واستحوذت انتباه القُرَّاء من البلاد العربية كافة، حيث دحضت وردَّيت على سفلة بعض المؤرخين والفقهاء العرب المتأخرين الذين افتروا زوراً وبهتاناً ولفَّقوا الأكاذيب، تجاه هذا الخليفة ( الفيلسوف ) الذي زهت أفكاره وتعاليمه ومعتقداته منذ الف عام وما زالت. انتقدني بعض الحثالة من الإستبلشمانت السنيَّة لأنِّي اعتبرت الحاكم بأمر الله هو الوحيد الذي قام بحركة اصلاحية في الدين الإسلامي مُعتمراً العقل سلاحاً ومنطق تغيرالاحكام بتغير الأزمان.
لا عجباً في التاريخ الإسلامي الذي دكَّ صروح العقل والتجديد والحداثة والإصلاحات في أقلام وكتب فلاسفة العرب في الأندلس.
لا عجباً ولا غرابة أن يقال في غرب الكرة الأرضية وشرقها أنَّ الإسلام العربي الآن يصول ويجول في حروب الألف عام، مقارنة مع حروب البشرية وقبائلها التي وصلت الى خواتيمها إلا عند الإسلام العربي، لَمَّا تزل.
هذه المُدونَّة ستتطرَّق الى الدين اليهودي والدين المسيحي من منظار ( العالم أينشتاين ) وَمِن (عقل الفيلسوف سبينوزا ) وصولاً الى المعرفة.
في المُدونَّة :
أينْشتاين Albert Einstein
١٤ أذار ١٨٧٩م. ولادته.
١٨ نيسان ١٩٥٥م. وفاته.
عالم فيزياء ألماني المولد تخلى عن الجنسية الألمانية ليحمل الجنسية الاميركية من أبوين يهوديين. يشتهر بقانون النسبية، حاز في عام 1921 على جائزة نوبل في الفيزياء. ( تراجع سيرته في غير مكان )
عاش أينشتاين في الولايات المتحدة الاميركية مواطناً وعالماً لَمَّا وصل أدولف هتلر إلى السلطة بسبب خلفيته اليهودية.
يُعتبر أينشتاين مؤيداً للرئيس فرانكلين روزفلت في ( مشروع مانهاتن السرِّي لتطوير القنابل النووية ) خلال الحرب العالمية الثانية.
دعم أينشتاين قوات الحلفاء، لكنه شجب بشكل عام فكرة استخدام الانشطار النووي كسلاح.
وقَّع على بيان ( راسل أينشتاين ) مع الفيلسوف البريطاني برتراند راسل، الذي سلط الضوء على خطر الأسلحة النووية.
بقي حتى مماته عالماً في معهد الدراسات المتقدمة في برينستون ( نيو جيرسي )
سبينوزا:
ولادته : ١٦٣٢م.
وفاته : ١٦٧٧م.
الديانة : يهودى.
تمهيد :
عندما كان أينشتاين ينهي محاضراته تنهال الأسئلة عليه وكان أبرزها إن كان يؤمن بالله ؟
كان يُجيب ( أؤمن ب إله سبينوزا ) وقد عرف عنه محبته الخاصة لهذا الفيلسوف. لدرجة أنَّ عدداً من دور النشر حاولت مراراً حثه على الكتابة عن سبينوزا إلا أنَّه كان يرفض في كل مرة.
الأله عند إسبينوزا :
عاش سبينوزا في وسط أقلية يهودية هولندية محافظة درس التلمود والتوراة.
وبسبب توَّقد ( عقله ) قام بتزويجه مع عطشه للمعرفة.
درس سبينوزا أهم النتاج الفلسفي في عصره مثل :
فرانسيس بيكون (1526 – 1561)،
توماس هوبز (1588 – 1679)،
رينيه ديكارت (1596- 1650).
كانت قراءات سبينوزا وآراؤه تثير قلق الأوساط الدينية اليهودية المحافظة حتى كانت فتوى الطرد والنبذ واللعنات التي أصدرها الكنيس اليهودي بأمستردام في مواجهته في عام 1656. وقد أثبت سبينوزا أنَّه سبق ديكارت وتجاوزه عندما توقف الأخير على أعتاب الكتُّب الدينية المُقدَّسة.
يُعَّد كتاب ( الأخلاق ) خلاصة فكر سبينوزا وبداية تحوُّل في تاريخ الغرب الفلسفي لهذا السبب تأخر نشر كتابه حتى بعد وفاته.
يحتوي الكتاب على خمسة أقسام :
في الله …
في طبيعة النفس وأصلها …
في أصل الانفعالات وطبيعتها …
في عبودية الإنسان أو في قوى الانفعالات …
في قوة ( العقل ) أو في حرية الإنسان …
في الله، كان تصوُّر سبينوزا أنَّ الكون مكون من ثنائية :
مادة ( جسم ).
الروح ( عقل ).
ولكل منها جوهره المستقل وقوانينه النظامية، وأنَّ الأصل فيهما الانفصال إلا أنَّ اتصالهما الظاهر هو اتصال عارض لا أكثر.
بالنسبة لقوانين الطبيعة، يعتبر سبينوزا أنَّ ( الجهل ) هو الذي يحمل البشر على التصديق أنَّ قوانين الطبيعة تعطلَّت استجابة لصلاة أو دعاء لأنَّ الناس يحكمون على الأشياء وفق استعدادهم العقلي، وإنهم يتخيلونها أكثر مما يعرفونها.
وهذا الأمر ينطبق كذلك على رؤية البشر ( للخير والشر والقبيح والحسن )، فهم ينظرون إلى هذه الأمور كما تبدو لهم هم، لا بما هي عليه.
إنَّ رؤية سبينوزا للإله تتمثل في “ تأليه الطبيعة و تطبيع الإله ”، وهدف الإنسان ( كشف هذه القوانين لمعرفة العلل الكامنة ).
العقل عند سبينوزا مقامه ( بالدرجة الأولى ). وقال بعدم جدوى تحكيم العواطف لأنه يؤدي الى حتمية الوقوع في الخطأ، لأنَّ الأنسان الذي تتحكَّم به العواطف لا يرى إلا جانباً واحداً من الموقف. ويضيف أنَّ الأنسان هو كائن بشري يتميز عن الكائنات الأخرى ( بالعقل وبالإرادة وبالحرية الفكرية والدينية ).
آمن سبينوزا بالحرية، كان فيلسوفاً حراً دافع عن حرية الرأي وحرية الأديان فالمرء يستطيع أن يفكر وأن يصدر حكمه، ويتكلم بحرية تامة بشرط ألا يتعدى حدود الكلام، وأن يعتمد في ذلك على ( العقل ) وحده لا على الخداع والغضب والحقد.
يعتبر سبينوزا من أوائل المفكرين الغربيين الذين تجرأوا على تكذيب التوراة واعتبارها محرَّفة ومتناقضة وغير منطقية وكاتبها ليس النبي موسى بن عمران، بل هو شخص آخر أطلق عليه لقب ( المؤرخ )، واستدل على ذلك بآية في سفر التثنية تقول :
( في يوم عبوركم الأردن إلى الأرض التي يعطيكم الرب إلهكم تنصبون لكم حجارة عظيمة وتطلونها بالكلس ومتى عبرتم تكتبون عليها جميع كلام هذه الشريعة لتدخلوا الأرض التي يعطيكم الرب إلهكم أرضا تدر لبنا وعسلا، كما قال لكم الرب إله آبائكم ).
وعلق سبينوزا على هذا القول في رسالته عن اللاهوت :
نستنتج من ذلك أن سفر موسى الذي كتبه لم يكن من الأسفار الخمسة، بل كان سفرا مختلفاً أدخله مؤلف الأسفار الخمسة في سفره في المكان الذي ارتآه.
وكذلك وجه النقد إلى جميع أسفار التوراة وانتهى إلى أن كاتبها شخص واحد وصفه ( بالمؤرخ ) فيقول سبينوزا :
إذا نظرنا إلى تسلسل هذه الأسفار كلها وإلى محتواها رأينا بسهولة أن كاتبها، ( مؤرخ ) واحد أراد أن يروي تاريخ اليهود منذ نشأتهم الأولى وحتى هدم المدينة المقدسة لأول مرة، والواقع أن طريقة تسلسل هذه الروايات تكفي لوحدها لإثبات أنها تضم رواية ( مؤرخ ) واحد.
ويقول سبينوزا :
لقد احتفظ اليهود ببقائهم في أوروبا بسبب كراهية المسيحيين لهم ودفعهم الاضطهاد للوحدة والتماسك لاستمرار بقاء جنسهم، وكان من الممكن لولا هذا ( الاضطهاد ) دمجهم وسط الشعوب الأوربية عبر الزواج وابتلاعهم وسط الأغلبية الكاسحة من المسيحيين.
يُعتبر سبينوزا أوَّل من قام بهدم فكر الإيمان ( بالمعجزات )، وهناك جملة تنسب إلى هاغل فيلسوف ألمانيا يقول فيها ( إما أن يكون المرء سبينوزياً أو لا يكون فيلسوفا على الإطلاق ).
وأرنست رينان قال أثناء حفل تدشين تمثال سبينوزا في لاهاي :
ربما لم ير أحد الله عن كثب مثلما رؤي هنا من قبل سبينوزا، فهذا الشخص الذي اتهموه بالإلحاد كان حتماً أقرب إلى الله من معظم رجال الدين في عصره.. وكان في استقامته، ونزاهته، وزهده في الحياة، مثلاً أعلى في الفكر الفلسفي.
أعترف بكل سرور باعتمادي على تعليمات سبينوزا، رغم أنني لم أتكلف عناء الإشارة إليه باسمه — فرويد
كم أحب هذا الرجل الشريف، وحتى الكلمات تعجز عن ذلك، إنه لم يخش البقاء وحيدا مع هالته المشعة — أينشتاين
بالإضافة إلى الانهماك في فهم فلسفة ديكارت وقراءتها، وستكون هذه أرضية قاعدية لظهور سبينوزا كفيلسوف.
أخيراً :
في كتابي الموحِّدون الدروز عبر التاريخ ذكرت محنة الاديان السماويَّة ( اليهودية والمسيحية والإسلام )، وقد أفردت فصلاً لكل من هذه المحن.
في اليهودية كان الخلاص من المحن الوعد الى فلسطين.
في المسيحيَّة كان الاضطهاد الديني سبباً للهجرة الى العالم الجديد ( قارة اميركا ).
في الاسلام العربي أين الخلاص في وقتنا الحالي ؟.
إذا أردت أن تُغامر وتكتب عن محنة الدين الاسلامي عبر العصور تعتريك الدهشة لأنك لا تعرف ما إذا كانت المِحنة بدأت :
منذ مقتل الخليفة عثمان بن عفَّان.
أو مُنذ الخلاف المُدوِّي والدموي بعد التحكيم ما بين الخليفة علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان الخليفة الأموي الاوَّل.
ولا تنسى ذكر السيدة عائشة أم المؤمنين وحادثة الإفك التي برأها الوحي بآيات قرآنية نزلت، الأمر الذي كان سبباً في توسيع الهوَّة بين أهل السُنَّة والشيعة.
والذي يلفتك أيضاً أنَّه ما إن تنتهي مِحنَة حتى تظهر أُخرى جديدة، وكأنَّه لزامًا عليك استدراك التكملة أو الإضافة لنقصٍ ما لأنَّ مسلسل المِحَن وكأنَّه لم ولن ينتهي حتى أطلق الشرق والغرب على هذا الخلاف تهكُماً ( حروب الألف عام ).
فيصل المصري
أُورلاندوا / فلوريدا
٢٥ أذار ٢٠٢٠م.
ملحق :
مؤلفات سبينوزا :
– الرسالة القصيرة :
في هذه الرسالة يركز سبينوزا على فكرة الإله باعتباره أصلاً علة للجميع.
– رسالة في إصلاح العقل :
في هذه الرسالة يوضح الطريقة التي تؤدي إلى المعرفة الحقيقية والخير الأسمى والذي هو الخير الحقيقي.
رسالة في اللاهوت والسياسة :
هذا الكتاب الذي أُعتبر الأشد كفرا في التاريخ.
إن كتاب رسالة في اللاهوت والسياسة هو كتاب حافل بمجموعة من المفاهيم والصور التي رسخت في الأذهان حول ( الوحي والنبوة والمعجزة ) وهي بنظره صور مغلوطة لأنها لا تمكِّن ( العقل والذهن ) من إدراكها.
هذه الرسالة تتعلق ( بالوحي وتعاليم الأنبياء ) وإنَّها تنقلب على ذاتها، والضد ينقلب الى عكسه بحيث ينتقل :
الإيمان الى تعصُّب.
والحقيقة إلى بطلان.
والدين إلى وثنية.
والطقوس إلى انعزالية.
– الإيثيكا «Ethica»
لم ينشر هذا الكتاب حفاظا على سلامته الشخصية إلا بعد وفاته
بتاريخ ٢١ شباط ١٦٧٧م. بسبب تمكن مرض السل منه.، وقد دعى فيه إلى ترك التصوُّر التقليدي الديني والسعي نحو أفق العقلنة والتصالح مع الموجود والوجود.
– رسالة في السياسية :
هذا الكتاب محاولة لإيجاد الطريقة الأفضل لسياسة المجتمع، يتحدث سبينوزا فيها عن الأنظمة الممكنة :
الملكية، كلها شر.
الأرستقراطية، بؤرة شر.
وهما أساس الطغيان والاستبداد.
الديموقراطية، لا تشكل شراً أو أذى للأفراد، بل هي ترسيخ للقانون الطبيعي، وأعتبر سبينوزا أنَّ الديموقراطية هي تجلي للقانون الإلهي الأزلي.
0 comments: