يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الخميس، 13 سبتمبر 2018

العقدَّة الدرزيَّة في لبنان.

نشر من قبل Faissal El Masri  |  in دراسة  8:58 ص

العقدَّة الدرزية الحالية ...
هل تُنهي سياسة التسامح الدرزي المعمول بها سابقاً ؟


المُقدمَّة :

تجتاح لبنان حالياً عواصف تُنذر بعواقب وخيمة إن إستمر التهميش، والإستفزاز،  والإنتقام، والكيديَّة، والإقلال من  دور ( الموحِّدين الدروزالسياسي.   

وقد إرتأى كتبَّة المصاطِّب، وجهابذة السياسة على تسمية دور الدروز في حِكم لبنان من خلال تأليف وتشكيل حكومته العتيدة الحالية، ( بالعقدَّة الدرزية ).

والغريب العجيب أن سائر أطياف النسيج اللبناني إستساغ هذه التسميَّة مِن خلال إعادة ترديدها كالببغاء دون وازع لغوي، او تاريخي لهذه الفئة التي ساهمت في أرساء دعائم هذا الوطن اللبناني.  

ماذا يعني هذا التعبير؟
وكيف يمكن وصف دور ( الموحِّدين الدروز في لبنان ) بالعقدَّة، وهم من قاموا بتأسيس هذا الكيان، او الدولة

ومنذ متى أرتبط هذا المُسمَّى، بهذه الفئة ؟

ولماذا ضَمُر الوجه السياسي لهذه الفئة، بعد وَهْج الدور العسكري البطولي لهم الذي أنار ظُلْمات العُهر العثماني، والذي قام أيضاً بِشَّق طرقات الاستقلال من رقبَّة الانتداب الفرنسي

كيف، وصل ( الموحِّدون الدروز ) في هذا العهد بالذات إلى وصمهِّم بالعقدَّة ؟

بناءً على ما تقدَّم ...

هذه المُدونَّة ستبحث في التاريخ، بدءً مِن منشأ هذه التسميَّة حيث كان يرافق هذه العقدَّة  التشنجات السياسة بالرغم من سياسة  التسامح  التي إعتمدها العقلاء والسياسيون الدروز، لتسيير دَفَّة البلاد، عملاً  بالدستور الذي عَلَّا من شأن العدديَّة السكانية في الحكم


أولاً : الدور التاريخي والسياسي ( للموحِّدين الدروزفي حِكْم لبنان

لن أغوص كثيراً في سراديب تاريخ لبنان، بل سأكتفي بإلقاء الضوء على :

 - الدور السياسي الألمعي للدروز في تاريخ الإمارة المعنية
 - ومن ثم بدء التعتيم الشهابي، للدروز
 -  وصولاً للإمارة اللمعيَّة التي أبقَّت على بريق الدروز الى حين قيام أُمرائها بإجهاض الإمارة الدرزيَّة  نفسها، بعد سياسة تَنَصُّر الأمراء تِباعاً
 - وأخيراً، الدور الخسيس الذي لعبته السلطنة  العثمانية في الإقلال، والإضعاف من شوكة وبأس ( الموحِّدين الدروز ) فيما بعد

 - وصولاً الى الانتداب الفرنسي الذي قوَّى الطائفة المارونية بعد الاستقلال مباشرة، على حساب ( الموحِّدين الدروز ). 


ثانياً

في مُدونَّات سابقة ( يراجع كتابي الموحِّدون الدروز عبر التاريخ ). 
أَتَيْت على ذكر البحاثَّة الدروز، وأبديت إنتقاداً لدورهم في معرض كتاباتهم، ومؤلفاتهم، وفِي عدم ردهم على الفتاوى والدسائس التي حيكت ضد الموحِّدين الدروز، حيث جاهرت وقلت، أنهم :

كانوا، يسكتون ولا يعلنوا
كانوا، يغِضُّون الطرْف ولا يجهروا
كانوا، يهادنون ولا يدافعوا
كانوا، يقرأون  ولا يردوا


وحتى أكون مُنصفاً وعادلاً،  أقول :
أن معظم البحاثَّة الدروز في أبحاثهم ومؤلفاتهم عن الدور السياسي، والتاريخي للموحِّدين  الدروز، قد أبْلوا بلاءً حسناً في إظهار الحقوق، والأدوار السياسية المتلاحقة في حِكْم لبنان
وهناك فرق ما بين الدفاع والبحث ..
لأن الدفاع، يلزمه جُرأة
والبحث، يحتاج الى التنقيب
وقد أفلح البحاثَّة والمفكرون الدروز بالبحث والتنقيب

واليكم الدليل :

في كتابه، ( أبحاث في التاريخ السياسي والاجتماعي للموحِّدين الدروز ) يمكن إعتبار الدكتور عَبَّاس أبو صالح باحثاً ومنقباً عن دور الموحِّدين الدروز، في التاريخ السياسي لدولة لبنان، حيث يقول :

( غير ان الدور الكبير الذي مثَّله الدروز في عهد الإمارة المعنية، وفِي عهد الامير فخر الدين الكبير بالذات، بدأ يتضاءل مع بداية الحكم الشهابي في لبنان خلال القرن الثامن عشر. إذ أن إنتقال الحكم من المعنيين الدروز الى حلفائهم الشهابيين، كان بداية التحوّل في دور الدروز السياسي من مرحلة القوة الى مرحلة الانحطاط، والضعف بشكل تدريجي ). 

شخصياً أُضيف ..

لم تكتفِ العائلة الشهابية وأمرائها الذين حكموا، بإلحاق الضعف الذي طال القيادة الدرزية بعد أفول نجم الامير فخر الدين المعني الكبير، بل أمعنوا دون هوادَّة ببَّث بذور الخلافات بين زعماء الدروز لإنهاكهم، وبالتالي تقوية نفوذهم كأُمراء شهابيين ينتمون الى المذهب السِّني الاسلامي

ولا يَغْربَّن عن البال، الدور الخسيس، والمُتحيِّز لبني عُثْمَان الذي لم يُسجِّلوا في تاريخهم إلا الطعْن والغدر لبني معروف في بلاد الشام، عن طريق دعم الشهابيين تارة والموارنة طوراً آخراً، على حساب الدروز وصلاحياتهم في الحِكْم.    

وفِي هذا الموضوع  يخلص الدكتور عَبَّاس أبو صالح بالقول :
إن إستمرار الدروز في السلطة حتى نهاية الإمارة المعنيَّة، أدى الى خسارة الدروز للمركز السياسي الاول في لبنان، حيث إنتقل الحكم سنة ١٦٩٧م. من المعنيين الدروز الى الشهابيين السُنَّة بعد أن إستأثر الدروز بهذا الموقع في الحكم أكثر من سبعة قرون متواصلة

وإذا رجعنا الى التاريخ نرى أن أسوأ الأمراء من العائلة الشهابية، الذين إستغلوا ظاهرة الانقسام الحزبي بين الدروز ( يزبكي، جنبلاطي ) كان عهد الامير بشير الشهابي الكبير الذي في أيامه بدأت نكبات العائلات الدرزية تتوالى

( يراجع في ذلك تاريخ نكبات العائلات الدرزية ونزوح بعضها من قراهم الى حوران وغيرها من المناطق، وذلك من أجل إذلال الدروز وإضعافهم في لبنان )


ثالثاً : موقعة عين داره بالعام ١٧١١م

في هذه الموقعة، او الفاجعة التي حَلَّت بالدروز لن أُطيل الشرح، بل أُحيل من يريد الاستفاضة الى الْكُتُب  والمراجع التي أسهبَّت شرحاً وتفصيلاً لهذه المعركة

ولكني أقول بمرارة، وحزن شديدين :

من هذا التاريخ، بدأت تظهر العقدَّة الدرزية في حِكْم لبنان
من هذه المعركة، إختَّل ميزان القوى السياسية في حِكْم لبنان
من هذه الكارثة، ضعفَّت شوكة الدروز في حِكْم لبنان
من هذه الموقعة الفاصلة ( عين دارةبين الحزبين القيسي واليمنِّي، كان نصيب الموحِّدين الدروز عامة، ضُعْف دورهم السياسي وتقوية الدور السياسي للموازنة في لبنان

وكما أوضحت سابقاً كان الأمراء الشهابيون يعملون على إحداث فجوات عميقة في التوازن السياسي بين الدروز والموارنة، وذلك جرياً على عادة من سبقهم من أمراء في الشقاق والنفاق، وبث الفرقَّة بين الدروز، حتى أن الأمراء الشهابيين اللاحقين لما شعروا أن موازين القوى السياسية، والدولية بدأت تميل لصالح الطائفة المارونية في لبنان في منتصف القرن الثامن عشر، قام أولاد الامير ملحم الشهابي بالتنصُّر تباعاً، وصولاً الى تولي الامير يوسف الشهابي الماروني الإمارة بالعام ١٧٧٠م.  

( يراجع بذلك الامير شكيب ارسلان، في الروض الشقيق
( يراجع طنوس الشدياق، أخبار الأعيان في جبل لبنان
( يراجع الدكتور عَبَّاس أبو صالح، أبحاث في التاريخ السياسي للموحِّدين الدروز

وقد أجمع هؤلاء على إعتبار هذا التنصُّر من عائلات عِدَّة لبنانية ( بداية أُفول الدور السياسي للموحِّدين الدروز في لبنان ). 

رابعاً : هل تقبَّل ( الموحِّدون الدروز ) أفول نجمهم ودورهم السياسي في لبنان

لقد حفلَّت كُتُّب التاريخ، وقد توسَّع البحاثَّة الدروز في مؤلفاتهم ودراساتهم بأن الدروز في لبنان لم يقبلوا الواقع الجديد المُتمثِّل في ضعف دورهم السياسي، وضمور الصلاحيات بعد المحطات التاريخية المشار اليها أعلاه

إختار الموحِّدون الدروز في لبنان المواجهة، والحل العسكري لإعادة الدور التاريخي والسياسي السابق

لن أسترسل كثيراً بل أشير الى

 - ألاحداث الحربية في التواريخ الآتية ( ١٨٤٠م.  — ١٨٦٠ م  )
 - وبفضل السلطنة العثمانية بات الدروز أقلية ( بالمعنى العددي ) حيث تلاقت المصالح المارونية مع الانتداب الفرنسي على لبنان، لإنشاء دولة لبنان الكبير وبدأت العقدَّة الدرزية تنمو وتترعرع في العقول
 - الحرب الأهلية اللبنانية بالعام ١٩٥٨م
 - الحرب الأهلية اللبنانية بالعام ١٩٧٥م

خامساً : سياسة التسامح الدرزي التي إعتمدها عقلاء وزعماء الدروز، لما كان الحَّل، والربط، والامر بيدهم  ورهن قرارهم،  وحتى بعد ضمور دورهم  السياسي

في هذه الفقرة سألقي ضوءً على سياسة التسامح الدرزي في الحكم، وفِي فضِّ النزاعات والإشكالات وطريقة التعامل التي جرى إعتمادها منذ الإمارة المعنية وما تلاها حتى العهد القريب.  

ويتساءل كل من يعنيه أمر لبنان، وديمومته
هل يُمكن أن تدوم هذه السياسة في التسامح بالوقت الحاضر ؟
وإن قادم الأيام، هو كفيل بالاجابة
ولكن من زاوية طرق باب التاريخ

أقول الآتي

في كتابه تاريخ المسلمين الموحِّدين الدروز، أسهب كثيراً  الدكتور صالح  زهر الدين، في توضيح سياسة التسامح الدرزي في لبنان، وقد قام الدكتور زهر الدين بتوثيق ما أبرزه مستنداً الى كل من :

 - أسطفان الدويهي، في كتابه تاريخ الموارنة
 - أنطوان ضاهر العقيقي، في كتابه  ثورة  وفتنة  في  لبنان
 - فيليب وفريد الخازن، في مجموعة المحررات السياسية والمفاوضات الدولية عن سوريا ولبنان من العام ١٨٤٠ حتى العام ١٩١٠م
 - عارف نكد، في مخطوط بنو نكد
 - وغيرهم

لقد أجمع المؤرخون بأن الموحِّدين الدروز أثناء حكمهم في عهود إماراتهم التنوخيَّة، والمعنيَّة، واللمعيَّة كانوا يعتبرون سياسة التسامح تجاه الرعيَّة مع باقي الطوائف والمذاهب الاخرى، وخاصة الموارنة ( واجباً مقدساً ). 

وإذا قمنا بتعداد الأُسر الدرزيَّة التي مارست سياسة الكرَّم والتسامح، تجاه الطوائف اللبنانية الاخرى، نُشير :

أولاً : الأسرَّة المعنيَّة
نرى الاسرَّة المعنيَّة، وخاصة الامير فخر الدين الثاني يقف مارداً شامخاً كريماً خلوقاً عندما إشترى بلدة مجدل المعوش حيث أسكن فيها البطريرك الماروني يوحنا مخلوف، وإعتبروه حاميهم  ومصدر سعادتهم

وقد أثنى أحد الفرسان الفرنسيين ( دارفيو ) عندما نشر مذكراته في باريس بالعام ١٧٣٥م. عندما قال ان المسيحيين في لبنان كانوا يتمتعون بالحرية في ممارسة طقوسهم الدينية، وفِي بناء كنائسهم وأديرتهم، وأرتداء ما كان يمنع عليهم سابقاً.

ثانياً : الأسرة النكديَّة

لَمْ  تُقصِّر باقي العائلات الدرزية الاخرى في ممارسة سياسة التسامح تجاه الطوائف الاخرى وخاصة الموارنة، إذ نرى الاسرة ( النكدية ) تقوم بتقديم قسماً كبيراً من أملاكها الى الكنيسة المارونية في بلدة ( الناعمة ) جنوب بيروت، لبناء الدير المشهور هناك بإسم القديس مار جرجس

ثالثاً : الأسرة اللمعيَّة

أما الاسرَّة اللمعيَّة الدرزيَّة، حدِّث ولا حرَّج  في  تسامحهم  وكرمهم في تقديم الاراضي للمسيحيين الموارنة

ولا تُصدِّق أي كاذب، عندما يقول أن اللمعييِّن وهبوا أراضيهم للموارنة لما تنصَّر أُمراءهم، بل الحقيقة الدامغة أن كرم هذه العائلة يعود الى الأمراء الأوائل الذين كانوا يدينون بالتوحيد مسلكاً، وإستمرَّت هذه العادة الحميدة في التسامح والكرم حتى أخر أميرة عندهم بقيَّت على دين الآباء والاجداد ( التوحيد ). 

المرجع :
فيصل المصري بكتابه ( الموحِّدون الدروز عبر التاريخ، مُدونَّة الاميرة السِّت زهر أبي اللمع )

 - بالعام ١٧٤٨م. وهب الامير يوسف مراد أبي اللمع دير مار يوحنا القلعة الى القس سمعان عريضة الرئيس العام للرهبنة الأنطونية

المرجع :
سليم حسن هشي، في المراسلات الاجتماعية والاقتصادية لزعماء جبل لبنان

 - بالعام ١٧٥٤م. تسلمَّت الرهبانية المارونية دير ما ساسين في بسكتنا من أُمراء بيت فارس أبي اللمع

المرجع :
عفيف بطرس بشارة ( إعرف لبنان ). 

رابعاً : الأسرة التنوخيَّة

حيث أوصى الامير السيد عبد الله التنوخي لجيرانه المسيحيين من آلِ سركيس بقسم من أملاكه في قريته ( عبيه، جنوب عاليه ) بعد وفاته سنة ١٤٧٩م

خامساً : العائلة الجنبلاطية.  

قدَّم الشيخ علي جنبلاط لرهبان الطائفة الكاثوليكية أراض واسعة في بلدة ( جون، شمال مدينة صيدا ) حيث بنوا عليها دير المخلص بالعام ١٧١١م

كذلك، ساعد الشيخ علي جنبلاط الموارنة بالعام ١٧٩٨م. في تجديد بناء دير مشموشة

كذلك أيضاً، وهب الشيخ بشير جنبلاط بالعام ١٨٢٠م. موارنة بلدة ( المختارة ) أرضاً ليبنوا عليها كنيسة

المرجع :
طنوس الشدياق، في كتابه أخبار الأعيان.   

سادساً : عائلة تلحوق

بالعام ١٧٣٨م. قدَّم زعيم آلِ تلحوق للرهبنة المارونية قسماً من أراضيه لبناء كنائس، وأديرة ومراكز تعليم

المرجع :
توفيق طعمة

سابعاً : عائلة أبو شقرا

قام الشيخ حسن معضاد ابو شقرا ببناء كنيسة الحسانية، وعلى أنقاض تلك الكنيسة القديمة قامة الكنيسة الموجودة اليوم

المرجع :
يوسف ابو شقرا، في كتابه  الحركات في لبنان




الخلاصة، والنهاية :
بعد هذا الشرح الموجز والمُوثَّق  ...
وبعد حروب الربيع العربي حيث أثبتَّت الأيام أن زمن حماية الدول الكبرى لرعايا بعض الطوائف قد ولَّى، والدليل على ذلك مسيحيي العراق، وسوريا

وإذا كانت مقولَّة ان التاريخ يعيد نفسه، تقابلها مقولَّة لا يُنكر تغيُّر الأحكام بتغيُّر الأزمان، التي تستتبع تبديل المواقف السياسية حفاظاً على العيش المشترك، يعتبرها البعض ( دوران، او تكويع ). 

نتساءل ..

 أين نحن اليوم في موضوع حكم لبنان، وتشكيل حكوماته
وهل يُجدي نفعاً الاستئثار بالحكم دون المشاركة، لا بل الإستقواء سواء من الداخل او الخارج، في وطن خارت قواه الداخلية والخارجية.  

بالماضي ..
كان الموحِّدون الدروز أصحاب المشاركة، والكرم، والتسامح في الحكم، بعيدين عن التعصُّب، لما كان الحل والربط بيدهم.

فهل يقابلوا اليوم ... 

بفريق، او شريك في الوطن ... 
يدَّعي ..
أنه ماسكٌ بزمام السلطة، وقادرٌ على حِكْم لبنان دون المشاركة، بالرغم من هزال. وضعف خيوطه العنكبوتية  الممتدَّة إقليمياً ودولياً في زمن يعرف القاصي والداني، والجاهل والعالم، ان الدول صاحبة القرار لم ترسِ مرساتها بعد على تقسيم النفوذ في بلاد تخضع للعرض والطلَّب

وهل يمكن إعتبار أن زمن الحكماء في لبنان، قد ولَّى

وغداً ...
لناظره قريب


فيصل المصري
١٣ أيلول ٢٠١٨













0 comments:

Blogger Template By: Bloggertheme9