الموحِّدون الدروز، والنبي أيوب عليه السلام.
النبي الْمُوقَّر، والْمُكرَّم، والمُبجَّل لدي الاسلام، والمسيحية، واليهودية ..
( توطئة )
قد يتساءل البعض، أَنِّي أتبِّع طريقا ً، ومنهجا ً في سرد مُدوِّناتي عن ( الموحِّدين الدروز )، مُشيرا ً إلى أنبياء ظهروا، وسادوا، وعاشوا منذ الآلاف من السنين، بعد النبي إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء، وقد إرتبط الدروز بهم، إرتباطا ً وثيقا ..
كما هو معروف، أن الدعوة التوحيديَّة التي جاء بها الخليفة الفاطمي، الحاكم بأمر الله ظهرت منذ الف عام تقريبا ً، أي بعد ظهور هؤلاء الأنبياء، وقد سُمِّي أتباعه، الذين آمنوا برسائله، وسجلاته ( بالموحِّدين الدروز ).
لَمْ، أتطرَّق يوما ً الى العقيدة الدرزية التوحيدية، ولي في ذلك ألف سبب وسبب، ولا تخفى هذه الأسباب على ألاصحاب والأقارب والخِّلان الذين يعرفون أني بشعاب مكَّه، أدرى حتى مِن سكانها ..
لكن، وبالرغم من عدم تطَّرقي الى صلب العقيدة، حاولت أن أكون مثيلا ً، أو شبيها ً لصائغ الأحجار الكريمة، الذي يُزيِّن ألدُّرة، صقلا ً ومزيلا ً الصَّدَف عن اللؤلؤ المكنون ..
تاركا ً جوهر العقيدة المكنون، أن يشرحه المشايخ التقَّاة، فقها ً وعلما ً، ودراية ً، وإلماما ً ..
تركت لنفسي، وإجتهدت في أن أبحث في النواحي التاريخية، التي إرتبطت بهذه الشريحة التي تعيش في بلاد الشام، وغيرها من أصقاع الارض الذين أخذوا مسلك طلب الرزق الحلال، هجرة ً، وفِي بعض الأحيان تهجيرا ً أو هربا ً من جور السلطة، أو عدم نيل الحقوق دون حظوَّة، أو مِنَّة مسؤول ..
دائما ً كان يقلقني أن شبابنا المتعلمين، وشاباتنا المتعلمات، لا يعرفون بأمور الدين الدرزي، إلا ما هو مُتاح أو متوفر لعامة الناس، أما خلاف ذلك فإنه محظور عليهم، وعليهن ..
وإذا أراد هذا الشاب المتعلم، أو الشابة المثقفة أن يستزيد، أو تستزيد علماً في طلب المعرفة من خلال ما دُوِّن عن الحاكم بأمر الله وأتباعه، فإنها أو إنه سيصطدِّم بالاكاذيب والافتراءات التي طالَّت مذهبه، الذي آمن به الآباء والاجداد ..
لهذا سمحت لنفسي، طائعا ً، لا مُجبرا ً ان أكتب في تاريخ الموحِّدين الدروز، وقد أعانني الله بأن جرى نشر مُدونَّاتي على نطاق واسع، وكنت جنبا ً الى جنب مع أساتذة كبار في غير بلد من بلاد الشام، قاموا وأستماتوا في الدفاع عن الموحِّدين الدروز في بيئة ليست حاضنة ..
وفِي هذا المجال، أستذكر، وأستند الى ما قاله الزعيم الدرزي الفقيه المرحوم كمال جنبلاط في مناسبة إفتتاح مدرسة العرفان التوحيدية في قرية السمقانية في لبنان بالعام ١٩٤٧، وفِي مناسبات دينية مماثلة ما معناه، وما يزال يصلح أن يقال الْيَوْمَ :
يجب توسيع رقعة إستيعاب هذه المدارس بمال أوقاف المقامات ( النبي أيوب، والست شعوانه، ومقام شمليخ الخ ).
ويجب فتح مدارس مماثلة في سن التعليم التكميلي والثانوي، وإنشاء معهد جامعي لتخريج المعلمين والمثقفين الذين يرغبون في إلاستنارة والاقتباس على يد المشايخ العارفين الاجلاء، على شاكلة ( دار العلوم ) التي أنشأها الحاكم الحكيم في القاهرة (دار الحكمه) ..
ويضيف المعلم كمال جنبلاط، أن شبابنا وشاباتنا لا يعرفون شيئا عن معالم مذهبهم فلا يجب أن يُتركون هكذا في جهلتهم او عميتهم، تتجاذبهم الأديان وهم لا يدركون أن زبدة الأديان موضوعة، ومستودعة ومستأمنة في مسالك الحكمة والعرفان ..
ولَم يُوَفر كمال جنبلاط المُتدينين ضيقي التصوُّر إذ قال يجب ان يوضع لأجل التعليم الديني بالنسبة الى الاطفال وثم بالنسبه الى الصبيه ، وثم بالنسبه الى الشبان كراريس تدريجيه في الشرح والفهم يتداولونها ويستقصون حقائقها ويناقشون مضمونها ويتفهمون مقاييسها وتسطع عليهم أنوار حقائقها الى أن يتداخلهم اليقين والتصور الثابت، او الرأي الصواب، والنزوع الحازم، وفعل الصدق ..
هذا ما قاله المرحوم كمال جنبلاط ..
وهذا ما نردده الْيَوْمَ، وغدا ً ..
لهذه الأسباب الوجيهة، كانت مُدونَّاتي عن الموحِّدين الدروز، وهذه إحداها ..
( تمهيد ) :
إذن ما سِّر العلاقة، بين ( الموحِّدون الدروز، والانبياء ) الذين سبق وذكرت أحدهم، النبي شعيب عليه السلام، في مُدوِّنة خاصة أطلقت عليها، ( الموحدُّون الدروز، والنبي شعيب عليه السلام ).
في الْمُدوّنة أعلاه، أوضحت تاريخ المعتقد الإيماني، والوجداني، ( للموحِّدين الدروز )، وهم من العرفانيون، او الغنوصيين ..
( يُراجع تعريف العرفانية التي زهَّت بين الشعوب، قبل الاديان السماويَّة ومنهم الموحِّدون الدروز ).
أما في هذه الْمُدوّنة، فإني سأتوسَّع بعض الشئ، في المعتقَّد الذي آمنت به هذه الجماعة حتى يُدرك القارئ، سِّر العلاقة بين
( الموحِّدين الدروز ) والانبياء الذين ظهروا قبل الاديان السماوية ..
الموحِّدون الدروز، أو مذهب التوحيد، او الدروز هم شريحة
توحيدية وإبراهيمية، تستنِّد إلى تعاليم الفلاسفة من أفلاطون، وأرسطو، وسقراط، وأخناتون، حتى الحاكم بأمر الله ..
تتضمَّن عقيدة الدروز التوحيدية عناصر غنوصية، وأفلاطونية محدثة، وفيثاغورية، فضلا ً عن فلسفات أخرى ..
يقول سماحة الشيخ المرحوم محمد ابو شقرا، شيخ عقل الطائفة الدرزية الأسبق، في لبنان ..
( التوحيد، أُقنوم من أقانيم هذا الكون، ولُغز من أعظم ألغازه، ومُعتقَّد التوحيد يجمع بين الدين والدنيا، فلا يسلب الانسان حقه من الحلال، ولا يُبيح له الانفلات من قيود الفضائل، والاخلاق،
حُرَّم على الْمُوحِّد، أن يعتز بغير الله، وأن يخاف غير الله، وأن لا يرضى بالخضوع ولا يشعر بالعبودية الا لله عز وجَّل.
فَلَو أفنى الانسان في سبيل الله ذاته، وأمضى في عبادته حياته، لما قدَّم بما وجب عليه، للخالق من شُكر وحمد ).
وبالرغم من عبير الإيمان الفوَّاح، والمُعتقَّد التوحيدي الصحيح، تعرَّض الموحدُّون الدروز على مر التاريخ الى شَتَّى الافتراءات، والتلفيقات، والاكاذيب من الفقهاء، والمؤرخين العرب، وقد أتيت على ذكرهم ودحضَّت نفاقهم، وبهتانهم، وتزويرهم للتاريخ في مُدوِّناتي السابقة عن الحاكم بأمر الله ..
وللدلالة على الإفتراء ..
الموحِّدون الدروز ..
آمنوا بالنبي العربي، شعيب عليه السلام ..
وآمنوا أيضا ً بالنبي العربي، أيوب عليه السلام ..
وآمنوا بخاتم الأنبياء، النبي محمد صَلَّى الله عليه وَسَلَّم ..
وفي ذلك حِجَّة دامغة ..
أنهم عرب أقحاح ..
ودمهُّم نقي ٌ صاف ٍ ..
وتاريخهم آبِّي صامد ..
وقوميتهم العربية، لا جدال فيها ..
وبالتالي إن الفقيه العربي، والمؤرخ العربي الذي يقول خلاف ذلك، هو دخيل ٌ، ومنافق ٌ، وبالرداء مُندَّس، وبالوعاء حُثالَّة ..
( المُقدِمَّة التاريخية، والدينية ) :
قبل تعريف شخصية النبي أيوب الدينية على مر التاريخ ..
أُشير الى مقام النبي أيوب المُقَدَّس، الموجود في نيحا وهي قرية لبنانية، والمؤلف من حوالي عشرين غرفة، يقع على قمة جبل يرتفع 1400 م.
لا يُعرف متى تم َّ بناؤه، لكنه بني تدريجيا وذلك تخليدا ً لذكرى النبي أيوب عليه السلام ..
يجتمع مشايخ طائفة الموحِّدين الدروز في المقام، كل ليلة جمعة ..
( تعريف، بالنبي أيوب ).
- ولادة، وحياة، وموت النبي أيوب حسب تواريخ كُتُّب الاديان السماوية ..
كانت :
ولادته، في القرن 16 قبل الميلاد
ووفاته، في القرن 15 قبل الميلاد
في منطقة سهل حوران.
- في نسَّب النبي أيوب :
أيوب بن موص بن رعويل بن العيص بن إسحاق بن أبو الأنبياء ابراهيم، عليه السلام ..
- قيمة النبي أيوب بالاديان الإبراهيمية السماوية :
في التَّوْرَاة، أيوب هو الشخصية الرئيسية في سفر أيوب، ويعتبره اليهود نبيا ً ..
في الإنجيل، يعتبره المسيحيون، نبيا ً ..
في القرآن الكريم، يعتبره المسلمون، نبيا ً ..
وتقول الآية الكريمة :
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ..
وهو أيضا ً أصبح مضربا ً للأمثال، فيقولون ..
يا صبر أيوب ..
- التعريف اللغوي لإسم أيوب في الاديان السماوية ..
- أيوب ..
إسم علم عربي مذكَّر، ومعناه :
التائب والراجع إلى الله ..
من فعل آب َ، يؤوب ُ، إيابا ً وأيوبا ً ..
ويقال آب َ إليه، أي رَجَع َ وعاد َ ..
وآب َ.. إلى الله أي رَجَع عن ذنبه وتاب َ ..
ويقال في اللغة، آب َ أوْبا ً وأوْبة ً وإيابا ً ومآبا ً ..
فهو آئب وآيب وأَوَّاب ..
وورد إسم النبي أيوب في القرآن الكريم، أربع مرات ..
منها سورة الأنبياء في قوله :
وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ..
- في اللغة العبرية : من "Iyob"، القريبة نطقا ً من الكلمة العربية "Ayyoub" ..
وتعني ما معناه في العبرية التائب، أو ربما المضطهد ..
يظهر مما تقدَّم ان التراث الثقافي العربي، والإبراهيمي القديم، كانت الدلالة على اسم أيوب تعني أنه مثال على الصبر، والقوة الداخلية والتحدي، والثبات على الصعاب وتحدِّي المرض، والعزلة، والهجران، وجور العائلة والعشيرة، والأهل والأصدقاء ..
فضلا ً أنه يُشير للبشَّر، على الصبر ومقاومة الإنسان للمرض، وأسوأ حالات الإنتكاسة، بالأمل والتشبُّث بطريق الخير والحق، أمام فتن الإحباط، ووساوس الشر، من الشيطان الرجيم ..
وهذا النمَّط من الحياة، والشظَّف في العيش، الذي قاسى به النبي أيوب إتخذته طائفة ( الموحدُّون الدروز ) نهجا ً، ومسلكاً وطريقة في العيش والتقشُّف ..
- / قصة النبي أيوب بالاديان السماوية ..
رحمة، أو ليا (زوجة أيوب)
رحمة، أو ليا بنت أفرائيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام، وهي زوجة النبي أيوب عليه السلام ..
وتزوج أيوب عليه السلام رحمة، وله أموال، وبقر، وغنم، وخيل وبغال، وحمير، وله خمسمائة فدان، يتبعها خمسمائة عبد لكل عبد، امرأة ..
بعثه الله رسولا ً لما بلغ من العمر أربعين سنة، إلى أهل البثنية من الجولان من بلاد الشام والجابية.
وذكر في "الجامع" قوله تعالى ..
وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (سورة الأنبياء، الآية 83).
وكان نبيا ً مرسلا ً صاحب أنعام، وحرث، وأولاد ..
فإبتلاه الله بذهاب كلها، وهلاكها ..
ثم إبتلاه بجسده فلم يبق منه سليم سوى، قلبه، ولسانه، يذكر بهما ربه ..
ويقال أن زوجته، إحتاجت فصارت تخدم الناس من أجله ..
وقوله تعالى :
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (سورة الأنبياء، الآية 84).
وذكر في كتاب "كشف الأسرار":
لما قصدَّت رحمة زوجة أيوب أن تقطع ذوائبها فعرف أيوب ذلك، حلف غضباً لله تعالى لأن إمرأته كانت محرمة وطلبت قطع ذوائبها، فأبى وحلف ..
فقالت له إمرأته رحمة يوما ً :
لو دعوَّت الله عز وجل ان يمِّن عليك بالصحة ..
فقال لها :
كم كانت مدة الرخاء ؟
فقالت : ثمانين سنة ..
فقال : أنا أستحي من الله أن أدعوه، وما بلغت من بلائي مدة رخائي ..
وذُكِر في " كشف الأسرار " :
عن أنس رضي الله عنه، قال ..
أنَّ أيُّوب َ لبث َ في بلائهِ ثماني عشرة سنة ..
وقيل أيضا ً ..
لما تأخر الله في كشف البلاء عن أيوب، عجزت رحمة، فباعت ضفيرتها من إمرأة برغيفين من الخبز، وأتت إلى أيوب وأخبرته فقال عند ذلك :
وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ .
سورة الأنبياء، الآية 83
قال تعالى :
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ.
سورة الأنبياء، الآية 84.
فأرسل جبرائيل فبشَّره وأخذه بيده وأقامه، وأنبه الله له عينا ً من تحت قدميه، فشرب منها، فشفي من جميع ما في بدنه من العلَّل، ثم إغتسل فيها فخرج كأحسن ما كان ..
ورد الله عليه ضعف ما فقد له من الأموال ..
ورد إليه، أهله وأولاده ..
ورد إلى زوجته رحمة، حسنها وجمالها ..
وولدا لأيوب وزوجته، ستة وعشرين ولدا ً ذكراً ..
ومنهم :
بشر، وهود، والكفل عليه السلام ..
ماتَّت رحمة، في حياة أيوب عليه السلام، ودفنَّت بأرض الشام.
كما سبَّق وذَكَرت ..
النبي أيوب ..
مُكرَّم، ومُبجَّل، ومُقدَّس عند طائفة ( الموحدُّون الدروز ).
فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا
٢٥ شباط ٢٠١٨
0 comments: