الديانات، والمذاهب التي إعتنقها العرب ...
قبل الإسلام ..
المُقَدِّمة :
في هذه الْمُدوّنة لن أتكلم عن الديانتين السماويتّين اليهودية، والمسيحية، لأن بحثي هو عن الديانات غير السماويَّة ..
سأبحث في ديانات، ومذاهب سادَّت بين القبائل العربية وإعتنقَّتها، وهي :
اولا ً : الحنفيَّة.
ثانيا ً : الوثنيَّة.
( في مُدوِّنة واحدة )
ثالثا ً : الصابئة.
( في مُدوِّنة مستقلَّة )
تمهيد :
دائما كان يحدوني حُب الاطّلاع، الى معرفة أحوال العرب قبل أخر الاديان السماويَّة الإسلام وذلك من نواحي معتقداتهم، وعباداتهم، وطرق وأساليب العيش في أيامهم ..
لن أتطرَّق في هذه الْمُدوّنة، الى الأدب، والشعر عند العرب، لان سوق عُكاظ غطَّت سماء العرب، وما زالت بالمعلقَّات، والمذهبَّات، وكانت من أنبل وأرَّق الشعر قاطبة ً ..
- التعريف المعجَّمي، للفظة ( حَنَف )
يقول إبن منظور، والجوهري ..
إن الرجل الحنيف، هو من إعتزل الأصنام، وتعبَّد الله، الواحد الأحد ..
فالحنَف، او التحّنف، يراد به لغويا ً ..
الميل، او التحُّول من حال الى حال ..
ويراد به دينيا ً، الانقطاع كلية ً إلى دين إبراهيم الخليل، عليه السلام الذي دعَّا، الى ترك عِبَادَة الأصنام، وتعبُّد الله، الواحد الأحد ..
- المستشرقون، الذين درسوا أحوال العرب قبل الإسلام، إعتبروا ..
- كلمة ( الحنيف ) أصلها آرامي، معروف لدى المسيحية في الجاهلية، وأطلقوها على من إعتنق، دين التوحيد ..
- ومن المستشرقين أيضا ً، من إعتبر كلمة ( حَنَيف ) أصلها عبراني، وأطلقها اليهّود المتزمتُّون، على جماعة منشَّقة عنهم ..
- ومن المستشرقين أيضا ً، من إعتبر كلمة حنيف، تعود الى جماعة من الزهَّاد النصارى العرب، الذين إتسَّموا بتقوّاهم، وترهبِهِّم ..
- ومن المستشرقين أيضا ً، من إعتبر كلمة حنيف هي من أصل عربي، بدليل ان المسعودي، ذكر ان أهل مَكَّة أطلقوا على كل من ترك عبادة الأصنام، والأوثان ( صابئ )، أي خارج عن ملَّة قومه، وتاركا ً لعبادتهم، وهم الصابئة .. ( سأكتب مُدوِّنة عنهم لاحقا ً )
- وقد ورد في دائرة المعارف الاسلامية، النص الآتي :
إن ظهور الاسلام، يؤرخ لسيادة الصنمِّية في الفترة السابقة، التي كانت تتجلى بتعدُّد الآلهّة،
غير أنه متّصل بالجانب التوحيدي، الذي دعا اليه الدين الحنيف ودعاته الأحناف، إذ كان يمثِّل معتقدهم، بيت شعر لأميه بن أبي الصّلْت أحد أبرز شعرائهم، وقد أتَّى على ذكره، ابو الفرج الأصبهاني، صاحب الأغاني :
كل دين يوم القيامة عند الله
إلا دين الحنَّفية .... زور ٌ
هذا يدّل، ان لفظة الجاهليَّة ، التي أُطلّقت على العرب قبل الاسلام، بمعنى أنهم يجهلون وجود الله، وتوحيده، مسألة فيها إعادة نظر ..
إنما تدّل عن جهل، هم وقعوا فيه، لان العرب لم يكونوا كذلك ..
مما لا شك فيه، إن العرب قبل الاسلام كانوا في صراع عقائدي، فلا يمكن القول أنهم إهتموا فقط بالشعر، والناقَّة والفرَّس، والغزو، والسبّي، وهم في ذلك سطّروا للتاريخ أبياتا ً من الشعر تُعَّد في الميزان، ذهبا ً، وحكمة ً ما زالت تصلح لواقع حياتنا كل يوم ..
اما الصراع العقائدي، الذي لم يلق َ اهتماما ً من بعض المنقبِّين، والبحاثَّة، في التاريخ هو الجانب المتعلِّق بالعرب الذين وحدوّا الله، وهم فئة الأحناف، وأهل الكتاب ..
- اما فئة العرب المشركين ( عبدة الأصنام، والأوثان ) لم يُقَصِّر مؤرخوا الدين الاسلامي، في النيل منهم ..
- اما أهل الكتاب، فانهم خارج بحثنا الان ..
وهم في عداد معتنقي اليهودية، والمسيحية في الفترة التي سبقَّت الاسلام، وَمِمَّا لا شك فيه، ان هذه الفئة، كان لها شان كبير في الحياة اليومية للعرب، آنذاك ..
في انساكلوبيديا لاروز، عن تطّور الأديان، ونقلا ً عن فلاسفة الغرب، حيث يقولون ..
إن ظاهرة عبادة الأوثان، كانت أسبق من معتقد التوحيد ..
وإن التوحيد، كان تاليا ً للعقيدة الوثنيَّة ..
اما عند البحّاثة العرب ..
فإننا نرى الدكتور شوقي ضيف في كتابه القّيم ( العصر الجاهلي ) إنه يجاري الباحثين في الغرب، من ان الوثنّية سبقَّت معتقد التوحيد وإن الكثرة الكاثرة من العرب في الجاهلية، كانت على الوثنيَّة، بحيث آمنت بآلهة متعددَّة، إنبثَّت، وأتَت من الكواكب ..
وكانت من مظاهر الطبيعة، ودخلت في أسماء قبائلهم ..
ممّا يدُّل أنهم قريبي، من الطوطَّمية، وهي كلمة مشتقَّة من لهجات القبائل الهندية، والإفريقية ..
وقد غدَّت مصطلحاً يراد به إعتقاد جماعة، بوجود صلة لهم، بحيوان او حيوانات، تكون في نظرهم مقدَّسة، وبسبب ذلك كان يحرَّم عليهم صيدها او ذبحها ..
( راجع انسيكلوبيديا، لاروز وارتباط الطوطَّم في حياة قبائل افريقيا، والهنود الحمر في اميركا، لغاية اليوم.)
ويضيف الدكتور شوقي ضيف ..
إن بعض القبائل العربية التفَّت حول الطوطَّم، تتخذه حاميها والمدافع عنها، مثل الكلب، والثور، والثعلبة ..
وقد آمنوا بقوى خفيّة كثيرة في بعض النباتات، والجمادات، والطير، والحيوان ..
أما فيما يتعلق بالتوحيد ..
فان فريق من العلماء والباحثين قالو أن هذه العقيدة، الاله الواحد الأوحد ظهرت عند الساميين قبل ظهور الاسلام ..
( نفس المرجع انسايكلوبيديا الأديان ... لاروز )
- والعرب مثل سائر الساميين، كما يوضِّح الدكتور جواد علي المفصّل في كتابه، تاريخ العرب قبل الاسلام ..
إن العرب هم موحَّدون بطبعهم، وإن ديانتهم، هي من ديانات التوحيد،
يراجع في ذلك ..
- في سورة الروم ..
- وفي سورة الإنعام ..
من القرآن الكريم خير شاهد على ذلك ..
- فأقم وجهك للدين حنيفا، ( سورة الروم )
- أني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا ً.. ( سورة الإنعام )
والمقصود هنا بالدين الحنيف، هو دين إبراهيم، وإسماعيل وهم أجداد العرب القدماء ..
- وفي كتابه، بلوغ الإرب في معرفة احوال العرب للألوسي ..
إن العرب الأوائل، كانت على ملِّة إبراهيم ، فآمنت بآله واحد وأقامت لوجهه الشعائر، ورفعت البيت، وحجَّت اليه فكان حرَّمه عظيما ً..
ويضيف الالوسي ..
بقي العرب على عقيدة التوحيد، الى ان جاء عمرو بن لحّي الخزاعي، الذي شرَّع لهم من الدين، ما لم يأذن به الله تعالى، وهكذا تشرذَّمت العرب، وإفترقَّت في عباداتها ..
فعبدَّت طائفة منهم، الأصنام ..
وأخرى، الشمس والقمر .. الخ.
وهكذا تحّول بعض العرب من الحنفيَّة، اي توحيد الله الى الوثنيَّة ..
وقد قال إبن الكلبي في كتابه الأصنام ..
إن جُنوح العرب الى عبادة الأوثان، والأصنام، كان بسبب إلتماس المعاش في مجتمع القحط، والجفاف الصحراوي ..
ويضيف إبن الكلبي، انه كان لا يظعن من مَكَّة ظاعن، الا إحتمل معه حجراً من حجارة الحرّم تعظيما ً للحرَّم، فحيث ما حلَّو وضعوه، وطافوا به كطوافهم بالكعبة، صبابة ً بها وحباً وهم على إرث إبراهيم، وإسماعيل، فعبدوا الأوثان، وصاروا الى ما كانت عليه باقي الامم ..
وكما سبق القول ..
إن اول عربي نصب الأوثان وعبدها، هو عمرو بن لحي الخزاعي ..
- وتقول القصة كما وردَّت في، كتاب الالوسي ..
انه لمّا مرض عمرو ٌ هذا، وُصف له ..
( حمّة الشام ) وهي عين ماء حارَّة، فقصدها للإستحمام فبرأ من مرضه ..
وقد وجد أهل المنطقة، يعبدون الأصنام فقال :
ما هذا ؟
قالوا، نستسقي بها المطّر، ونستّنصر بها على العدو ..
فسألهم أن يعطوه مثلها ..
فأعطوه ..
فقدم بها مَكَّة ونصبها حول الكعبة، ثم قام بتوزيعها على القبائل بحيث شاعَّت عبادتها بين الناس، وتحوّل منهم عن عبادة رب السماء
( الله )، الى عبادة الأوثان، والأصنام.
- يصف إبن إسحاق ..
ان عبادة الأصنام إنتشرَّت بين قبائل العرب، بحيث كانت كل قبيلة تتخِّذ لنفسها صنما ً تعبّده ..
وكان الرجل منهم اذا أراد سفرا ً، تمسَّح في الصنّم ..
وإن عاد، تمسَّح فيه، قبل الدخول الى أهله ..
وفي السيرة النبوية لإبن كثير ..
كانت بعض القبائل تتّخذ بيوتا ً تعظمّها كتعظيم الكعبة ..
وأنشأت سدَّنة ً، وحجّاجا ً وتطوف وتنحّر عندها ..
وقد خرَّب معظم هذه البيوت، خالد إبن الوليد سيف الله المسلول ..
( يراجع في أسماء تلك البيوت السيرة النبوية، لابن كثير).
وأمر الرسول الكريم، هدم كل البيوت، وأبقى على الكعبَّة رمزا ً للوحدانية التي نادَّت بها الرسالة الاسلامية ..
- يتضِّح من أعلاه :
ان عقيدة إبراهيم عليه السلام، كانت متميّزة وسائدة في المجتمع العربي قبل الاسلام ..
ويقال ان ورقة إبن نوفل كان حنفيا ً، ومن ثم تنصَّر، وإستحكم بهذا الدين، حتى عَلِمَ علما ً عظيما ..
مثله أيضا ً قِسْ بن ساعده الأيادي ..
الخاتمة :
هذا هو وضع العرب العقائدي قبل الإسلام ..
وتعتريك الدهشة والفضول، أنه كلما أردت ان تعرف عن أحوال العرب قبل الإسلام، لا مناص من أن تعود الى المراجع الغربية، والأجنبية لفقدان هذه المادة في المراجع العربية، وفِي ذلك مقولَّة إشتهرَّت بها الشاعرة الجاهلية الخنساء عندما قالت للرسول العربي محمد عليه السلام ...
( الإسلام يجِّب ما قبله )، أي يلغي ما قبله ..
المراجع، لهذه المُدونَّة :
-/ المعارف، لابن قتيبة.
-/ جمهرة الأنساب، لابن حزم.
-/ السيرة النبوية، لابن كثير.
-/ المسعودي.
-/ أبو الفرج الأصبهاني.
-/ إبن منظور.
-/ الدكتور شوقي ضيف، العصر الجاهلي.
-/ الدكتور جواد علي المفصّل.
-/ الألوسي، بلوغ الإرب في معرفة احوال العرب.
-/ إبن الكلبي، كتابه الأصنام.
-/ إبن أسحق.
-/ دائرة المعارف الاسلامية.
-/ معجّم الصحّاح، ومعجّم اللسان.
أعداد
فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا
٣ شباط ٢٠١٨
0 comments: