يتم التشغيل بواسطة Blogger.

السبت، 28 أكتوبر 2017

الحُّب العُّذرّي ..

نشر من قبل Faissal El Masri  |  in دراسة  7:45 م

الحُّب العُّذرّي ... 
مُنيّة النفس الأبيَّة.
في الشعر العربي القديم.   

إرتأيت  ان أكتب في الحُّب العُّذرّي، الذي إفتقدناه في الحياة الدنيا، ولم يبق له أثر، لإن التكٓالُب، والتعالي، والنبذ، والأنانية، سِمّات،  قضَّت على الحُّب. 

( الحُّب  العُّذرّي  )

الحُّب  العُّذرّي، يلفح العاشق، والعاشقة على حد سواء، لانه مُنيّة النفس، الأبيَّة، والروح النقيَّة. 
هو،  عاطفة صادقة، لانه يدوم، ويستمر، ويبقى على الرغم من الحرمان، والفراق القاتل، وفيه توحيد للمحبوب الواحد، لا إشراك فيه، وفيه العفَّة، والشكوى، من بخل المحبوبة، وفَرط ٌ في الحزن. 
 - أما اليأس، هو من عوارض الحُّب العُّذرّي. 
  - الحُّب العُّذرّي،  هو حب ٌ جارف ٌ، قوي ٌ، عارم ٌ، لا يلتقي فيه الحبيبان ..
فالليل  يطول، لانه ينقلب عذابا ً ..
والنهار شقاء لانه، لا عمل فيه ينفع .. 

فالعاشق العُّذرّي  ( او العاشقة ) لا يُحِّب في الحقيقة  شخص حبيبته، بقدر ما يحِّب، عِشقُه لها، ولهذا لا فرق عنده،  إن  كانت  بعيدة، او قريبة ً منه، فلهذا تراه يتيم ُ في عِشقه ويذوب في الكلام. 

فإن كانت بعيدة عنه، فان نار العشق، تتأجَّج. 
وإن كانت قريبة منه، فان حُبِّه  لها، لا يخبو، ولا  يضعف. 

الحُّب ألعُذرّي،  هو حب حقيقي، لا جِناح فيه، لا فسوق، ولا حرج، ولا خيانة، ولا عار، ولا خطيئة، ولا ريبَّة، إنما فيه الوفاء، والعفاف، والطِّهر، والنقاء، والصفاء، الذي ما بعده، صفاء نفسي. 

 - على مرّ التاريخ :
 وفي الأدب العربي،  وحتى الأجنبي، تعامل الأساطين مع الحُّب ألعُّذرِّي ، بأنبل صور العشق، التي يمكن ان يصل اليها البشَّر، لانها تُمثل إنتصار الروح على الجسد، وهزيمة للنفس، الأمارة بالسوء، وطغيان مُنيّة النفس المتفانية.  
الحُّب  ألعُذرّي،  في العصور القديمة، ظهر في بلاد ما بين النهرين ( العصر البابلي، وما قبله السومري ) قبل ٥٠٠٠ سنة قبل المسيح، وقد إعتبر البابلي  ان القلب، هو مركز الحُّب ، وجعلوا من الكبد، مركز المشاعر، من شوق، وحُزن. 

وقد نُسِب الحٌّب ألعُذرّي، الى قبيلة بني عذْرَّة، المعروفة في الجزيرة العربية، حيث برز شعراء من هذه القبيلة  تُردَّد أشعارهم الى يومنا هذا،  لأنها من أنبل، وأجمل، ظواهر الحب، والعشق. 

يقول إبن قيِّم ألجوزيَّة ..
 في كتابه روضة المُحبِّين  ونزهة المشتاقين :
قال سفيان إبن زياد :
 ( قلت لامرأة، من عذرة رأيت ُ فيها هوى، غالبا ً خِفت ُ عليها، الموت منه :
 ما بال العشق، يَقْتُلكم معاشر بني عذرة، من بين احياء العرب ؟ 
قالت : فينا جمال ٌ وتعفّف ٌ، والجمال يحملنا على العفاف، والعفاف، يورّثنا رقة القلوب، والعشق، يُفني آجالنا، وأننا نرى عيونا ً لا ترونها ).

يشيع الصدق، في كلام هذه السيدة ألعُذرّية، لان النزعة روحانية وألحُّب، فيه، تبتُّل، والعيون عندها ترى، ما لا تراه غيرها، وكأنها تقول لحبيبها، إني أراك في كل مكان، 

الشعراء في الحُّب ألعُذرّي،  لم يقتصروا على قبيلة بني عذرة فقط، هناك شعراء من قبيلة نهد، أهمهم عبدالله بن عجلان، الذي نشأت على يديه أسطورة الحُّب العُّذرّي ، كما يقول الباحث الفرنسي، ( فاديه )

أمَّا مجنون ليلى، فهو من قبيلة عمرو بن صعصعة، القاطنة قرب مكه، عاصر الدولة الأموية واسمه قيس إبن الملوح، وان ليلى التي أحبَّها هي إبنة عمِّه، مهدي بن سعد بن كعب بن ربيعة.  

أما جميل بِن معمر، وحبيبته بُثيّنة، نرى فيهما، أرقى نماذج الحُّب العُّذرّي، وأصدقها. 

وهناك ايضا الشاعر، قيس ابن ذريح بن الأحباب بن سنه من قبيلة، حزيمة، من عرب الشمال، وحبيبته لبنى بنت أحباب، ام معمر من بني كعب من خزاعة. 

وهناك ايضا ً الشاعر،  كثير بن عبد الرحمن الخُزاعي، ومحبوبته عزّه. 

وهناك ايضا ً، عنترة بن شدّاد، من قبيلة عبس، وعبله. 

وقد رأى الفلاسفة، ان ألحُّب  العُّذرّي لا يقتصر على الشعراء فقط، كونهم يظهرون مفاعيله في قصيدة،  لا بل تصل الى عاشق، او عاشقة، لديهم جوع، عاطفي يؤجج المشاعر، فيذوب النثر، وتظهر الدُرَّر. 

 - لا  يمكن الإستخفاف  بهذا الحب إطلاقا ً.
لأن العُّذرّية، لها أبعاد ميثولوجية، مرتبطة بالبعد الأسطوري، لانها تعتمد على عناصر قليلة من الواقع، ويُكْثِر ُ العاشق الولهان، او العاشقة، ألمُتيّمة بالرغم من بُعدِ المسافات بينهما، قصة حقيقية، وأبطالها حقيقيون.  

كذلك ان الحُّب  العُّذرّي، مرتبط ببعده المكاني بالطّيف، اي إن طّيف الحبيبة، او الحبيب، وعمر المسافات لا يفرِّقهما، لان الخيال، هو الذي يقوم بوظيفته على أكمل وجه، في تقريب المعشوقة اليه. 

وقد إعتبر الفلاسفة، ان الحُّب العُّذرّي ظاهرة تحمل في حناياها الحس المآساوي، بالتغّني بالعشق، لانه حق من الحقوق الأزلية، للذات لا يمكن التفريط بها.  

ومن أهم سمات الحُّب العذري. 
 ( إخفاء الهوى، والتكتَّم، والسّر خشية، الافتضاح  )
وكما قال جميل بثينة :
سأمنح طرفي حين ألقاك غيركم ...
لكيما يروا أن الهوى حيث أنظر ...
أُقلِّب طرفي في السماء لعله ...
يوافق طرفي طرفكم حين ينظر ... 

إذن الرقابة، والحظَّر، والتكّتم، أساس الحُّب العُّذرّي.  

وقد تكون شرارة الحُّب العُّذرّي، وقعت ما بين إثنين، ويحاول احد الطرفين الخلاص منها، ولا يفلح،
 كقول جميل :

وأول ما قاد المودة بيننا ... 
بوادي بغيض يا بثين َ سباب ...

أخيرا ًًً .... أردّد ما قيل عن الحُّب العُّذرّي  ...
هذا حب ٌ، نتمنى ان نحيا مثيله ...
وإن عز ّ في زمن ٍ كزماننا ... 
وأضحى نادرا ً وإن  لم  يكن معدوما ...
حب ٌ خلدته  إشعار ٌ سارت  بها الركبان ... 
وتغنّى بها العشاق ليومنا هذا. 
مات أصحابها، وما ماتت حكايات  حبُّهم  العُّذرّي، التي تسمو بالمشاعر  والأحاسيس الى مرتبة النقاء، والصفاء الروحي. 


 فيصل المصري 
اورلاندو /  فلوريدا
٢٩ تشرين اول ٢٠١٧

0 comments:

Blogger Template By: Bloggertheme9