حدثان،
يهزّان العالمين القديم، والجديد.
الإنتخابات البلدية في لبنان،
والإنتخابات الرئاسية في الولايات المتحدّة الأميركية.
عندما تركت الولايات المتحدّة الأميركية، هربا ً من لهيب الإنتخابات الرئاسية، توخيّت الجلوس تحت فيئ سِنديانة منزلي القروي في لبنان، ليلفحني هواء أشجار الصنوبر، ولأُمتّع نظري بأزهار كراون دايسي البرّية، ولأُلقي على كاهلى زُرقة السماء، وكأنه خِمِار يعلو حسناء بهية المنظر.
لم يكن يخطُر على بالي، ان لبنان على فوّهة بركان الإنتخابات البلدية، حيث في كل مدينة، او دسكرة، او قرية في طول البلاد وعرضها، براكين تقذِف ألحِمّم، والشظايا وكأن حربا ً عالمية على وشك الوقوع.
كانت الشرائح من فسيفساء الاديان، والمذاهب، والمِلّل في لبنان وحتى المجتمع المدني، كانوا يأملون خيرا ً بالانتخابات لانها الوسيلة الديموقراطية للإنتقال من فساد الحكم، الذي تطفو على ضفافه روائح النفايات، والكهرباء، والماء، والطرقات وجميع أوصال هذا البلد العنيد، وقد ظنّ السذّج، انهم سيقلبون التركيبة، ويتقلدّون زمام الأمور، وكأن فجر الحريات، سيبزغ من صناديق الإقتراع.
هذا في العالم القديم، الذي إعتنق شعبه، دين ملوك وأُمراء الطوائف، الذي يُؤثِر أغلبية شعبه، على إبقاء القديم على قِدمه، ولا مانع عندهم، ان تعلو موائِدهم أطباق الصدّأ من الذِّل والهوان.
أمّا في العالم الجديد، لا يختلف الأمر عن عما هو عليه العالم القديم، من فساد الطبقة التي يُطلق عليها ال ...
Establishment.
التي تُعيث فسادا ً وإفسادا ً ولا تترك في الموائد، للجياع إلا فتافيت الارزاق، والموت البطئ.
توطئة تاريخية :
ظهر مُصطلّح ملوك وأُمراء الطوائف، عشية سقوط الأندلس، بعد ان إعتبر المؤرخون ان سقوط الأندلس، كان سببّه تناحر ملوك وأُمراء الأندلس العرب، وقد اصبح هذا المُصطلح مُؤشرا ً على فساد الحكم، في البلاد العربية، فيما بعد، والآيل الى السقوط بسبب الفساد المُستشري.
أما تعبير الإستبلاشمانت، ظهر عُقب نهاية الحرب الأهلية الأميركية، بعد العام ١٨٦٤ وكان هذا المصطلح، على خلاف ملوك وأُمراء الطوائف، يعني النجاح، والتقدّم، وسبر غور الأفاق نحو الأفضل، بسبب الشركات العملاقة التي ظهرت لتنتج الكهرباء، والحديد، والفحم، وسكك الحديد، وشق الطرقات، الخ من شركات نقلت الولايات المتحدة الأميركية بعد الحرب الأهلية، الى ما لا يتخيّله عقل بشري.
لم يأبه الشعب الأميركي كثيرا ً لمّا كانت الشركات تختار الرئيس الأميركي، وتطلب من الشعب الأميركي ان ينتخبه.
كانت الإستبلاشمانت، تنوب عن الشعب، او تتوكّل عنه، في تسيير دفّة الحكم، لان النظرة الى الإستبلاشمانت، انها كانت تعمل لمصلحة تقدّم اميركا، وشعبها.
أما ما آلّت اليه الأمور الان، هي خلاف ذلك، وقد يلتقي عُتّاة الإستبلاشمانت اليوم، مع ملوك وأُمراء الطوائف في أُمور عدة، منها نهب الخيرات، و كّم الأفواه، وكتم الانفاس، وخطف الأصوات، التي تعلو للتغييّر، وتطالب بالإصلاح، وتوزيع الخيرات.
يتبين من أعلاه،
أن بدايات مُصطلح ملوك وأُمراء الطوائف، تعني الفساد، والمحسوبية، وما زالت حتى تاريخه تعني ذات المعنى.
أمّا بدايات الإستبلاشمانت، كانت تعني النجاح، والعمل الحثيث لمصلحة الشعب الأميركي، ولكن النهاية التي وصلت اليه الان، لا تختلف ألَّبتة عن نظام ملوك وأُمراء الطوائف في الفساد، والطغيان، والهوان.
في نظرة شاملة الى الشعب الأميركي اليوم، تراه سواء كان من الحزب الديموقراطي، او الجمهوري يسعى الى نزع طوق التبعيّة، والمحسوبية من الرقاب، والعمل في كفاح مُستمر وحثيث نحو الأفضل.
أصبحت مقوّلة ان الإستبلاشمانت هي التي تختار المرشح للرئاسة، فيها الكثير من الصعاب.
وأصبحت طريقة زهِق الروح، لكل من يعارضها، او يقف أمامها، كما حصل مع الأخوين كينيدي، فيها كثير من مخاطر الحرب الأهلية.
وأصبحت مسألة :
Dare to speak.
الخوف من التكلّم، او الإفصاح عن مكنونات النفس الدفينة، من الماضي وما هو على الشفاه، واللسان، يخرج الى العلن دون وجّل، او خوف، وهذا ما فعله المرشح الجمهوري دونالد ترامب، الذي تكلّم بلسان أغلبية المُنتسبين للحزب ألجمهوري، وهذا ما يفعله بيرني ساندز مرشح الحزب الديموقراطي، الذي يُضيّق الخناق على هيلاري كلينتون.
هذا هو الشعب في العالم الجديد، التوّاق دائما ً للحريات، سواء كانت دينية، او سياسية وإنما كانت موجات الهجرة من ظلام، الحُكم، وظُلم الكنيسة في أُوروبا، هي المثَّال المُتوارث، لغاية تاريخه.
وفي نظرة شاملة الى الانتخابات البلدية اللبنانية، ترى نفسك أمام مرآة العالم القديم، لأن الفِطام من التبعية ما زال مُستبعدا ً، والتوافق ما بين الملوك والامراء بقي هدفا ً في الملّمات، وكأن قرنا ً جديدا ً على الأبواب يستجلِّب مآسي، تناقل السلالات الحاكمة، والشعب يتراكض فرحا ً كالفراشات الى مبعث الضوء، ليموت في بُطئ.
وقد قيل في ذلك الكثير، وإزدانت تعليقات المجتمع المدني التي تصبو للتغيير، في إستحالة الامل، وان المرض مُستفحل لدرجة الفالج، وإن جرعة الانتخابات البلدية الاخيرة، هو خير مِثال على بقاء الوضع على ما هو عليه، ونجح الملوك والامراء على جري عادتهم، في سوق القطيع الى الحضائر.
أنهيت هذه المدونة على إيقاع صوت الرصاص، إبتهاجا ً
بقدوم عصر جليدي أخر.
فيصل المصري
أيار ٢٠١٦
الى :
أيار ٢١١٦
مائة عام قادمة،
من .... تاريخ ملوك وأمراء الطوائف في لبنان.
0 comments: