إبن تيميَّة …
عبادة فتاويه الدمويَّة،
عنوان الغباء والجهل،
والتناقض بين الحضارة والهمجيَّّة.
المقدمَّة التاريخيَّة والتحليليَّة التي لا بُدّ منها.
المُوحِّدون الدروز طائفة توحيديَّة تعود جذورها إلى القرن الحادي عشر الميلادي، نشأت في مصر الفاطميَّة ثم استقرت في بلاد الشام، خاصةً جبل لبنان، وادي التيم وجبل الدروز ( محافظة السويداء ) سوريا اليوم، ومنذ نشأتهم واجهوا الاضطهاد بسبب سرّية عقيدتهم وخلافها مع التيارات الإسلاميَّة السائدة.
مع مطلع القرن الرابع عشر، برز إبن تيميَّة (1263–1328م)، الفقيه الحنبلي الدمشقي، الذي أفتى بتكفير الدروز، واعتبرهم “ أشد كفراً من اليهود والنصارى ”، وأجاز قتالهم وقتل رجالهم وسبي نسائهم وأخذ أموالهم.
هذه الفتاوى تحولت إلى غطاء شرعي اعتمدت عليه السلطنَّة المملوكية، فقادت حملات دموية عام 1305م بقيادة الأمير قبجاق ضد الدروز في جبل لبنان ووادي التيم وجبل الدروز، ودوَّن المؤرخون مثل إبن كثير والمقريزي وقائعها بالتفصيل.
المفارقة أنَّ هذا التاريخ الدموي يُستعاد اليوم بصورة مأساوية، ففي عام 2025م، وجَّه الرئيس السوري أحمد الشرع جحافل جيشه نحو محافظة السويداء، معقل الدروز منذ مئات السنين، مستنداً إلى نفس التراث التكفيري الذي وضع أسسه إبن تيميَّة قبل سبعة قرون، فكانت النتيجة مشاهد تُعيد للأذهان عصور ما قبل الحضارة، قتل الرجال، سبي النساء، حلق الشوارب، وحرق القرى الدرزيَّة بعد سلب وسرقة محتوياتها، وفرض الإذلال الجماعي على طائفة عاشت دوماً بين الجبال بحثاً عن الأمان.
هكذا، يصبح التاريخ سلسلة متصلة من التبرير الديني للعنف، حيث تُستدعى فتاوى القرون الوسطى لتُطبَّق في القرن الحادي والعشرين، في تكرار مؤلم ومُخزي ومهين، يطرح أسئلة جوهريَّة :
إلى متى سيبقى الماضي يحكم حاضرنا ومستقبلنا ؟
إلى متى سيبقى الجهل والغباء يستند إلى فتاوى قديمة دمويَّة ؟
إلى متى يبقى التناقض بين الحضارة والهمجيَّة لا عيب فيه ؟
إلى متى يبقى البعض مقيَّد العينين يقرأ كتباً تتضمن فتاوى دمويَّة عفا عنها الزمن ؟
إلى متى نرى العمى الفكري، بينما لا نرى كُتُّب العلم والحضارة ؟
إلى متى نرى مخطوطة قديمة يتساقط منها الدم، وحشود تسجد أمامها اليوم ؟
إليكم مُدونَّة عن فتاوى ابن تيميَّة الدمويَّة بحق المُوحِّدين الدروز يجري تطبيقها في العام ٢٠٢٥م، بعد مضي قرون من الجهل ما زال يقيم في العقول.
إبن تيميَّة، الميلاد والنشأة :
• الاسم الكامل : تقيّ الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيميَّة الحرّاني.
• وُلِد في 10 ربيع الأول 661 هـ / 22 يناير 1263م، في مدينة حرّان ( جنوب تركيا الحالية، قرب الحدود السورية ).
• النشأة :
• حين كان عمره 7 سنوات، هاجر مع أسرته إلى دمشق عام 667 هـ، هرباً من غزو المغول لحران.
• والده كان عالماً بارزاً فتلقّى إبن تيميَّة علومه الأولى في التفسير، الحديث، الفقه، واللغة على يد والده وغيره من علماء دمشق.
• عُرف منذ صغره بسرعة الحفظ وقوة المناظرة.
أمكنة إقامته :
• دمشق : كانت مركز حياته العلميَّة والدعوية الأساسيَّة.
• القاهرة والإسكندرية : نُفي إليها أكثر من مرة بأمر من السلطات المملوكية بسبب آرائه وفتاويه.
• حلب : أقام بها فترة قصيرة للدعوة والفتوى.
• لكنه قضى معظم حياته في دمشق والقاهرة، حيث تعرّض فيها لأشد مراحل سجنه.
فتاويه المثيرة للجدل بحق المُوحِّدين الدروز :
إبن تيميَّة عُرف بحدة مواقفه تجاه الطوائف الإسلاميَّة المخالفة لعقيدته :
• كتاب “ الفتاوى ” الذي تضمّن أحكاماً قاسية على :
• الدروز : اعتبرهم خارجين عن الإسلام، وقال إنهم :
أشد كفراً من اليهود والنصارى، وأفتى بجواز قتالهم وقتل مقاتليهم وأخذ أموالهم، وعدم قبول توبتهم إلا بشروط صارمة.
هذه الفتاوى لعبت دوراً في إشعال العنف المذهبي والطائفي في بلاد الشام خصوصاً.
نهايته :
• بسبب شدّة آرائه وخروجه عن المألوف في قضايا العقيدة والفقه ( مثل طعنه في بعض المذاهب والطرق الصوفية، وإنكاره شدّ الرحال إلى القبور وزيارة النبي ﷺ بعد وفاته )، دخل في صدام مع العلماء والقضاة في عصره.
• من أمر بسجنه ؟
• السلطة المملوكية ( حكام مصر والشام آنذاك ) هي التي اعتقلته أكثر من مرة.
• سجنه كان بتحريض من خصومه من علماء المذاهب الأربعة، الذين رفعوا شكاوى ضده بسبب “ الفتاوى المثيرة للفتنة والكراهية ”.
• وفاته : توفي مسجوناً في قلعة دمشق بتاريخ 20 ذو القعدة 728هـ / 26 سبتمبر 1328م، عن عمر 65 سنة.
• دُفن في مقبرة الصوفية بدمشق.
إبن تيميَّة شخصيَّة أثارت جدلاً واسعاً :
• من جهة، اعتبره بعض أتباعه “ مجدّداً ” دافع عن نقاء التوحيد.
• من جهة أخرى، عُدَّ من أبرز من زرع بذور التكفير والصراع الطائفي داخل العالم الإسلامي بفتاويه على الدروز وغيرهم.
• نهايته كانت نتيجة طبيعية لحدة مواقفه وصدامه مع السلطة والعلماء، حيث قضى آخر سنواته سجيناً حتى توفي.
فتاوى إبن تيميَّة بحق المُوحِّدين الدروز :
إبن تيميَّة خصّص عدداً من الفتاوى في “ مجموع الفتاوى” ( الجزء 35 خصوصاً ) بخصوص الدروز، ومن أبرز ما قال :
1 تكفير الدروز :
• قال إنهم “ أشد كفراً من اليهود والنصارى ” وأنهم ليسوا من المسلمين، بل “ كفّار مرتدّون ”.
• وصف عقيدتهم بأنها “ مزيج من الفلسفة الباطنيَّة.
2 إباحة قتالهم وأموالهم :
• أفتى بوجوب قتالهم، واستحلال دمائهم، وسبي نسائهم، وأخذ أموالهم.
• شدّد على أنه لا يجوز أكل ذبائحهم أو التزوج منهم.
3 حكم التوبة :
• ذكر أن قبول توبتهم صعب جداً، ولا يُقبل إلا إذا التزموا تماماً بالشريعة الإسلاميَّة وفق الفقه السني.
الحروب والمعارك التي اندلعت بسبب فتاويه :
فتاوى إبن تيميَّة لم تكن مجرد آراء مكتوبة، بل استُخدمت كأساس لحملات عسكريَّة قادتها السلطات المملوكية ضد الدروز في بلاد الشام.
1 حملة المماليك على جبل لبنان (1305م / 704هـ)
• إبن تيميَّة أرسل رسائل وفتاوى إلى أمراء المماليك في دمشق يطالبهم بمهاجمة الدروز.
• نتيجة لذلك، قاد سيف الدين قبجاق، نائب السلطان المملوكي، حملة عسكريَّة على مناطق الدروز في ( جبل لبنان والشوف والمتن ).
• حصلت معارك دامية، قُتل فيها كثير من الدروز، وصودرت قراهم، وهُجّر بعضهم إلى البقاع ووادي التيم.
2 معارك في وادي التيم وجبل حوران ( جنوب سوريا اليوم، السويداء )
• بناء على فتاوى إبن تيميَّة، شنّت القوات المملوكية غارات على قرى الدروز هناك.
• حصلت مواجهات بين المقاتلين الدروز والمماليك، انتهت غالبًا بمجازر ونزوح جماعي.
3. أثر الفتاوى في فلسطين.
• الدروز في شمال فلسطين ( الجليل ) لم يسلموا من تأثير هذه الفتاوى، حيث تعرّضوا لحملات مملوكية متكررة في أوائل القرن 14م.
( يقول المؤرخ اللبناني الدكتور فيليب حتي في
مجلده تاريخ العرب، أنَّ عدد ضحايا مجزرة فتاوى
إبن تيميَّة بحق المُوحِّدين الدروز في بلاد الشام
بلغت خمسة عشر ألفاً، بينما المؤرِّخ
اللبناني الدويهي أكَّد بأنَّ الضحايا تجاوز
الخمسين ألفاً مِن الأبرياء العُزّّل كالنساء
والأطفال والعجزة المسنين ).
النتائج العملية لهذه الفتاوى :
• إبن تيميَّة لعب دوراً فكرياً في تأطير العنف ضد المُوحِّدين الدروز عبر فتاويه، مُعتبراً إياهم “ مرتدين يجب قتالهم ”.
• هذه الفتاوى تحولت إلى أوامر عمليات عسكريَّة تبنّاها المماليك، خصوصًا حملة 1305م على جبل لبنان ووادي التيم.
• النتيجة : سفك دماء، تهجير جماعي، وموجات من الكراهية الطائفية في سوريا ولبنان وفلسطين امتد أثرها لقرون.
النصوص الأصلية من فتاوى إبن تيميَّة بحق الموحِّدين الدروز :
1 من “ مجموع الفتاوى ” ( الجزء 35 / ص 161 – 162 )
“ الدروز كفار باتفاق المسلمين، لا يحل أكل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم، بل ولا يُقَرّون بالجزية، فإنهم مرتدّون عن دين الإسلام ليسوا مسلمين ولا يهود ولا نصارى، يقاتلون باتفاق المسلمين حتى يسلموا ما دام فيهم طائفة ممتنعة.”
2 من “ مجموع الفتاوى ” ( الجزء 35 / ص 192 )
“ الدروز وأمثالهم من أكفر الناس بالإجماع، فإنهم يدّعون الإسلام سِراً، وهم مع ذلك أكفر من اليهود والنصارى، ويُقاتلون باتفاق أئمة المسلمين.”
3 من “ مجموع الفتاوى ” ( الجزء 35 / ص 165 )
“ هؤلاء القوم المسمَّون ب الدرزيَّة هم مرتدون عن الإسلام باتفاق المسلمين، والواجب قتالهم وقتل مقاتليهم، وأخذ أموالهم، وسبي نسائهم؛ فإنهم من أعظم المرتدين كفراً وضلالاً ”
4 من رسالته في “ الرد على النصيرية ”
“ الدروز أكفر من اليهود والنصارى، بل وأكفر من كثير من المشركين، ما لهم في الإسلام نصيب.”
• إبن تيميَّة لم يكتفِ بتكفير الدروز، بل أفتى صراحةً بوجوب قتالهم، استحلال دمائهم، ونهب أموالهم، وسبي نسائهم.
• نصوصه هذه كانت مرجعية مباشرة للسلطة المملوكية التي شنَّت حملات عسكريَّة ضدهم في الشام ( خصوصاً جبل لبنان، وادي التيم، وجبل حوران ).
• بعد فتاوى إبن تيميَّة ( حوالي سنة 704هـ / 1305م ) ضد الدروز، تحرّك نوّاب السلطنة المملوكية في دمشق لتنفيذها.
• الحملة المملوكية استهدفت أساساً جبل لبنان، وادي التيم، وجبل حوران، حيث كانت التجمعات الدرزيَّة الأساسية.
ما ذكره إبن كثير ( ت 774هـ ) فِي كتابه البداية والنهاية :
ابن كثير يذكر أحداث سنة 704هـ (1305م):
“ وفيها ( سنة 704هـ) سار نائب السلطنة بجيوشه إلى جبال النصيرية والدرزيَّة، فقتل فيهم قتلاً ذريعاً، وأسر منهم خلقاً كثيراً، وسبى نساءهم وأولادهم، وغنم أموالهم، وخرب ديارهم، وكان ذلك بأمر السلطان وفتوى العلماء.”
كتاب البداية والنهاية، ج 14، ص 49–50
هذا النص يُظهر بوضوح أن الحملة كانت نتيجة مباشرة لـ فتاوى العلماء وعلى رأسهم إبن تيميَّة.
ما ذكره المقريزي (ت 845هـ) – فِي كتابه :
السلوك لمعرفة دول الملوك في حوادث سنة 704هـ :
“وفيها خرج الأمير سيف الدين قبجاق نائب دمشق بعساكر الشام إلى جبال النصيرية والدرزيَّة، فقتل وسبى، وأخذ الأموال، وأحرق القرى، وفعل بهم ما لم يُسمع بمثله، بعد أن ثبت عند العلماء كفرهم وردتهم.”
السلوك لمعرفة دول الملوك، ج 2، ص 302
المقريزي يوضح أن العلماء ( ومنهم إبن تيميَّة ) أفتوا بكفرهم، مما أعطى الغطاء الشرعي للغزو.
النتائج العملية :
• قتل جماعي وعمليات سبي ونهب.
• تهجير قسم من الدروز من جبل الشوف والمتن ووادي التيم إلى مناطق بعيدة.
• ترسيخ الكراهية والعداء المذهبي في بلاد الشام.
• هذه الأحداث سُجلت في المصادر الإسلاميَّة بصيغة “ جهاد ضد المرتدين ”، بينما عُدّت عند الدروز مجازر تاريخيَّة .
الخلاصة :
• إبن تيميَّة أصدر الفتاوى التكفيرية.
• العلماء المماليك تبنّوها.
• السلطة المملوكية ( الأمير قبجاق ومن بعده ) نفذوا الغزو.
• ابن كثير والمقريزي سجّلوا هذه الوقائع بوضوح وربطوها بالفتوى.
أختم مُدونَّتي هذه بنداء إلى الجيل العربي الجديد…
دعونا نعود إلى أُمَّةٍ شعارها “ إقرأ بإسم ربك ”.
أُمَّة العلم والنور.
دعونا نعود إلى أُمَّةٍ تؤمن أنَّ “ لا إكراه في الدين ”.
أُمَّة الحرية والعدل.
دعونا نعود إلى أُمَّةٍ تصون الحياض، وتحفظ الكرامة، وترفع الشرف إلى مقام المعلّقات الذهبيَّة في دساتيرها.
دعونا نعود إلى أُمَّةٍ تمجِّد أبطالها الذين داست حوافر خيلهم بلاط أباطرة الفُرس، وأعطوا سلاطين المماليك وبني عُثمان والجبابرة دروساً في الوطنية والأخلاق، ذوداً عن الأرض وصوناً للعِرض.
فلننهض من جديد، ولنجعل من حاضرنا امتداداً لأمجاد بنيناها. ولتكن صيحة هذا الجيل :
نعود… وننتصر !
اللهم ألهم شباب أُمَّتنا طريق العزة، وأمدّهم بروح الإيمان واليقين، وافتح أمامهم أبواب العلم والعمل، واجعل مستقبلهم مشرقاً بنور الحق، مكلَّلاً برايات النصر والكرامة.
إنه أملنا.
وهو وعدك الحق.
فيصل المصري
أُورلاندوا / فلوريدا
أيلول ٢٠٢٥م
0 comments: