البقرة الحمراء، بارا أدومَّا.
دراسَّة تاريخيَّة للديانة اليهوديَّة
والمسيحيَّة والإسلاميَّة.
نظرة الأساطير والحضارات القديمة للبقرة الحمراء قبل الديانات السماويَّة :
لم يعُد خافياً على كل باحث أنَّ معظم التعاليم التي وردت في كُتُّب الأديان السماويَّة الثلاثة مصدرها الثقافات والحضارات لا بل الأساطير التي سبقت هذه الأديان السماويَّة.
أُعتبرت البقرة الحمراء مقدسَّة للإله الإغريقي أبولو وظهرت في العديد من الأساطير، بما في ذلك تلك المتعلقة بإنشاء القيثارة عندما سرق هيرميس عجول أبولو الحمراء ثم أخفاها وللهروب من غضب أبولو يخلق هيرمس القيثارة.
جيريون المخلوق الأسطوري ذو الأجسام الثلاثة الذي قُتل على يد هيراكليس لديه ماشية حمراء، وفقًا لسودو أبولودوروس التي سرقها هيراكليس.
المقدمَّة التي لا بُدَّ منها :
خلال حرب غزة منذ ٧ تشرين الاوَّل ٢٠٢٣ ظهرت قصة البقرة الحمراء حسب معتقدات الديانة اليهوديَّة فِي التوراة بعد تداول حاخامات إسرائيل عن اقتراب ذبح البقرة الحمراء والتطهر برمادها بحسب الموعد المسجل في النصوص الدينيَّة المُقدَّسة وهو يوم الثاني من شهر نيسان العبري والذي يقابله هذا العام يوم العاشر من نيسان ٢٠٢٤م المتوقع أن يصادف عيد الفطر لدى المسلمين.
ومن أجل هذا الحدث التاريخي عقدت الجماعات الدينيَّة اليهوديَّة مع إدارة جبل الهيكل مؤتمراً لبحث الخطوات التحضيرية لذبح البقرة الحمراء التى انتظروها ٢٠٠٠ سنة على جبل الزيتون وحرقها وخلط رمادها في مياه عين سلوان بدعوى تطهير اليهود من نجاسة الموتى وفق الإجراءات التوراتية التي تجيز لليهود تنفيذ اقتحامات جماعية للمسجد الأقصى وهدمه.
فِي المُدوَّنة :
البقرة الحمراء في التوراة ( سفر العدد ).
هي بقرة لا يجري تذكيرها ( لم تحمل ) ولم تُحلب أو تُستأنس كالماشية، وجودها وفقاً للتوراة أن تُقدم ذبيحة إلى الكهنة على أن يُستخدم رمادها في تنقية توم هاميت ( نجاسة الميت).
فِي سفر العدد هناك وصفاً لهذه الطقوس حيث أُمر بنو إسرائيل بإيجاد وذبح بقرة حمراء بلا بقع، تُحرق بخشب الأرز ويوضع الرماد في إناء يحتوي على ماء نقي، ويرش الماء على الشخص الذي تلوث نتيجة ملامسته للجثة لتطهيره من النجاسة.
في اليوم الثالث والسابع يصبح الكاهن نفسه الذي يقوم بالطقوس نجساً ويجب عليه أن يغسل نفسه وثيابه في مياه جارية، ويعتبر مع ذلك نجساً حتى مساء اليوم.
مِن شروط البقرة الحمراء :
أن تكون ولادتها طبيعية.
والماء يجب أن يكون ماءاً حياً مِن ينابيع طبيعية.
وأن يكون موقع حرق البقرة الحمراء على جبل الزيتون.
يوصف لون البقرة في التوراة بكلمة אדומה تترجم في العادة باسم الحمراء.
في الآونة الأخيرة ترجمتها الدكتورة سعدية غاون إلى اللغة العربيَّة اليهودية باسم الصفراء وهو ما يؤكده القرآن الكريم في سورة البقرة آية رقم ٧٦ عندما أمر الله موسى أن يأمر قومه بذبح بقرة.
فِي القرآن الكريم :
سورة البقرة :
﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ٦٧ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ ٦٨ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ٦٩ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ٧٠ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ٧١ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ٧٢ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ٧٣﴾
فِي العهد الجديد من الكتاب المُقدَّس :
لا يوجد ذكر للبقرة الحمراء.
فِي العهد القديم من الكتاب المُقدَّس :
المُعتقدات اليهوديَّة :
يعتقد اليهود أن المجيء الثاني ليسوع المسيح ( المخلص ) لا يمكن أن يحدث حتى يتم بناء الهيكل الثالث في القدس الأمر الذي يتطلب ظهور بقرة حمراء ولدت في اسرائيل.
تعوّل جماعات الهيكل المتطرفة، على أنَّ إقامة طقس التطهير بذبح وحرق البقرات الخمس الحمراء، يمكن أن يفتح المجال لمئات آلاف اليهود المتدينين لاقتحام المسجد الأقصى.
وحسب المعتقدات اليهوديَّة أنَّ ظهور تلك البقرة سيأتي ميعاد نزول " المخلص "، ويتم بناء الهيكل الثالث على أنقاض المسجد الأقصى بعد هدمه، ثم تُذبح كأول أضحية داخل الهيكل، ليصبح الشعب اليهودي مهيئاً للدخول إليه.
وكان معهد الهيكل نشر إعلاناً طلب فيه كهنةً متطوعين لتدريبهم على طقوس التطهر بالبقرة الحمراء، ووضع شروطاً خاصة للمتطوعين، ويفترض أن تتم عملية الذبح على جبل الزيتون مقابل المسجد الأقصى.
ولادة " البقرة خالصة الاحمرار" في الديانة اليهوديَّة يرجع أصله لاعتقاد اليهود بأنه قبل ألفي عام، وفي حقبة المملكتين الأولى والثانية، تم مزج رماد بقرة حمراء صغيرة ذُبحت في عامها الثالث، وجرى خلط دمها بالماء، واستُخدم في " تطهير" الشعب اليهودي.
ويقول اليهود، إنه قبل ذلك قد جرى التضحية ببقرة حمراء في زمن الهيكل الأول، وب ثماني بقرات في زمن الهيكل الثاني، وأنهم يستعدون لمرحلة الهيكل الثالث المرتبطة بولادة البقرة العاشرة الحمراء، التي قالت جميعة " معهد الهيكل " إنها ولدت في عام ٢٠١٨.
وحسب المعتقدات اليهوديَّة فإنه بمجرد ظهور تلك البقرة سيأتي موعد نزول " المخلص "، ثم يعقبه نهاية الزمان.
فِي تشرين الأوَّل مِن العام ٢٠٢٢ أحضرت إسرائيل خمس بقرات حمر إلى مستوطنة شيلوه بعدما تم ولادتهم بالهندسة الجينية في ولاية تكساس الأمريكية، ليخضعوا لرعاية خاصة هناك ومراقبة على مدار الساعة، وهذه البقرات محل الحديث الآن، وفي منتصف تموز ٢٠٢٣ وتحت عنوان، حدث تاريخي بقرة حمراء في إسرائيل كشفت القناة السابعة العبرية على موقعها عبر الإنترنت، عن وصول ( بقرة حمراء إلى موقع شيلوه القديمة شمال رام الله ) وقد كشفت تقارير إسرائيلية عن أن معهد الهيكل جلب البقر استعداداً لحرقها فوق جبل الزيتون المقابل لمسجد الأقصى، وتعتقد بعض الجماعات اليهوديَّة إنَّ تطبيق معتقد البقرة الحمراء سيثير الكثير من التوترات والنزاعات بين المجتمعات الدينيَّة المختلفة، علماً أن القدس هي مدينة مقدسة للديانات السماويَّة الإسلاميَّة واليهوديَّة والمسيحيَّة، وأي تغييرات في الأماكن المُقدَّسة يمكن أن يؤدي إلى توترات كبيرة وأن يفتح المجال لمئات آلاف اليهود المتدينين لاقتحام المسجد الأقصى، والذين يمتنعون عن ذلك في هذا اليوم التزاما بالمنع الحاخامي الرسمي.
فِي مطلق الأحوال، وتلخيصاً لمعتقدات الطائفة اليهوديَّة في التوراة الذي جاء فيه أنه بمجرد ظهور البقرة الحمراء سيأتي ميعاد نزول " المخلص " وسيتم بناء الهيكل الثالث على أنقاض المسجد الأقصى بعد هدمه، ثم تُذبح كأول أضحية داخل الهيكل ليصبح الشعب اليهودي مهيئاً للدخول إليه.
هذا مع العلم أنَّه سبق هذه الإجراءات استيلاء بعض الجماعات اليهوديَّة على قطعة أرض لغرض الذبح على جبل الزيتون مقابل مسجد الأقصى، بعد أن بلغت البقرات السن المفروض لعملية التطهير وهي سنتان.
وأخيراً …
واستناداً إلى التوراة، بمجرد ظهور تلك البقرة بارا أدومَّا سيأتي موعد نزول المخلص ثم يعقبه نهاية الزمان.
والبقرة الحمراء ينتظرها اليهود من أجل هدم المسجد الأقصى، وبناء الهيكل الثالث.
وأخيراً …
وليس أخراً …
سيبقى مسلسل ومعتقدات الديانات السماويَّة يؤرِخ تاريخاً مداده الدم الأحمر، وأقلامه حاخامات أحبار اليهود ورجال الدين المسيحي والإسلامي على حد سواء.
وإنَّ التاريخ المعقَّد للديانات السماويَّة والذي شهد الكثير من الصراعات والنزاعات، وكلها تشترك في العديد من المفاهيم الدينيَّة والأخلاقية، وتشارك أيضاً في التوترات والحروب ما بين شعوب هذا العالم المنتفخ بغضاءً وطمعاً وأحقاداً وكراهية وكلٌ على دينه يضمر شراً بدل المحبة.
مِن الواضح أن هذا الموضوع معقد وحساس بهذا الوقت العصيب الذي يعصف بالعالم وجب علينا فهماً عميقاً للتاريخ والثقافات المختلفة، ولا داعي للاستفاضة.
فيصل المصري
أُورلاندوا / فلوريدا
عشية عيد الفطر السعيد لدى المسلمين.
للعام ٢٠٢٤م. يقابله ١٤٤٥ هجري.
١٠ نيسان ميلادي يقابله ١ شوال هجري.
وعشية ذبح البقرة الحمراء في نيسان ٢٠٢٤م.
والله عنده الخبر اليقين إلى ما شاء الزمن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق