ما بين صور اللبنانية وقُرطاج التونسية.
إمرأة ..
هي الملكة عِلِّيسَة …أو أليسار ..
المُقَدِّمة التي لا بُدَّ منها.
كل باحث في التاريخ القديم يرى ويجِد المرأة ماثلة حاضرة ومُتمكنَّة.
وكل مُلِّم بالحضارات التي سبقت الاديان السماويَّة يرى أنَّ الشعوب قَبِلَت أن تكون الألهة على شكل إمرأة.
وكل من إطَّلع على الأساطير القديمة اليونانية والرومانية التي وضع جزءً منها هوميروس، كانت الآلهة عندهم على شكل البشَّر من حيث الصورة ومن حيث الخلق.
وكل من قرأ الفيلسوف اكسانوفان الذي قال :
إنَّ الناس هم الذين خلقوا الآلهة على شاكلتهم وصفاتهم وهواهم، ثم عبدوها.
ومن يكون أجمل خِلقةً، وخُلقاً، وحُسْناً، وبهاءً، وكِبرياءً وعزَةً …
أكثر مِن المرأة حتى تُعبَّد أو يُعبِدُها البشَّر …
في كتاب الالوسي بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب ..
يقول :
كانت، أفروديت آلهة الجمال عند اليونان !!
كانت، عشتروت آلهة الجمال عند البابليين !!
كانت، إيزيس آلهة الجمال في مصر !!
كانت، فينوس آلهة الجمال عند الرومان !!
كانت، العزَّى آلهة الجمال عند العرب !!
فلا يستغرِبَّن أي إنسان مكانة المرأة فِي الحضارات التي سبقت الاديان السماويَّة لأنَّها كانت في التاريخ القديم تُمثِّل العائلة والأمومَّة والخصوبة والجمال والحُّب والخيال الأسطُّوري الذي ترك لنا الإرث الملحمي التصويري والذي قارب الحقيقة.
في مُدوِّنتي هذه عن المرأة الملكة عِلِّيسَة أو أليسار …
هي إحداهُّن …
هي الأسطورة والحقيقة معاً كما ذكرها التاريخ القديم ..
تعريف :
الملكة عِلِّيسة القادمة مِن مدينة صور اللبنانية، هي مُنيَّة شعب تونس الآن.
ما بين قُرطاج وصور الملكة عِلِّيسة أو أليسار، تلك الأيقونة على مر العصور.
قُرطاج هي مدينة تونسية ..
صور هي مدينة لبنانية ..
الزمان العام ٨١٤ قبل الميلاد.
عِلِّيسَة، او أليسار هي إبنة ملك صور ومؤسسة مدينة قُرطاج التونسية وملكتها الأولى. ذاع صيتها بعد أن ذكرها فرجيل في ملحمته الإنياذة.
عُرِفَّت عِلِّيسَة بدهائها وذكائها الخارق، ففي عروقها يسري دم الآلهة !
وقد ورد في التاريخ أنَّها أنشأت دولة، هي قُرطاج ( اليوم ) إمتد حِكمها ليشمل شمال أفريقيا.
عُرِفَت هذه الدولة بتجارتها الواسعة وسيطرتها على بحر المتوسط. كما أنَّ تزاوج سكانها مع سكان شمال أفريقيا أوجد الشعب البونيقي الذي إستوطن سواحل البحر الأبيض المتوسط ومنه كان القائد هنيبعل …
هنيبعل الذي هدَّد روما !
وقد ذكر التاريخ أنَّ هنيبعل جرى تنصيبه بالعام ٢٢١ قبل الميلاد قائداً لقوات قرطاجة، حيث زحف على رأس جيش من ضمنه ٤٠ فيلاً فاجتاز جبال البيرينيه والألب ليتجنَّب الاشتباك مع الجيش الروماني، لكنه بالنهاية وصل الى أسوار روما وحاصرها ..
عُرِفَت " عِلِّيسَة " بأسماء عِدَّة بحسب الحضارة التي تحدَّثت عنها :
في الإنياذة سميَّت ( ديدو ) وتُرجِمَت إلى العربية ( ديدون ).
وكلمة ( ديدو ) فينيقية تعني الرحَّالة. كما سُمِّيت بـ أليسا التي يُعتقد أنَّها فينيقية أيضاً مشتقة من كلمة ( اليشات )
وعُرِفَت بدمج الاسمين ( أليسار ديدون ) أي ( الرحَّالة ديدون ).
يُسمِّيها اللبنانيون مُنية وأمل شعب تونس، وهي اليوم كذلك.
عِلِّيسَة هي إبنة ملك صور وشقيقة بيغماليون.
كانت زوجة الكاهن الصوري الأعظم المسمى ( عاشر باص ) أو ما عرف بـزيكار بعل.
بعد وفاة والدها الملك طمع أخوها بيغماليون بثروة زوجها عاشر باص، ورغب بالحكم ومن بعده إلى سلالته.
كان عليه أن يقضي على شقيقته، حتى يضمن الحكم له ولأولاده من بعده.
قام بيغماليون بقتل الكاهن الأعظم وحاول قتل شقيقته.
إلا أنَّ ( عِلِّيسَة ) غادرت مدينة صور، ( لبنان حاليا ) وأبحرت مع أوفيائها وحاشيتها بعد أن أخذت كنوزها وأموال زوجها باتجاه إحدى المستوطنات الفينيقية طلباً للأمان.
وبعد رحلة بحرية طويلة رست السفن على ساحل شمال أفريقيا في تونس الحاليَّة، حيث قررَّت عِلِّيسَة إنشاء مدينة أسمتها قرطاج أو " قَرْتْ حَدَشْتْ " ( أي القرية الحديثة ) في اللغة الفينيقية.
تقول الأُسطورة التي كتبها المؤرخ جوستين، أنَّ ( عِلِّيسَة ) فاوضت حاكم البلاد الأمازيغي لمنحها أرضاً تبني عليها مدينتها، غير أنَّ الملك أبى أن يمنحها أكثر من مساحة جلد ثور، فقبلت عِلِّيسة ذلك أمام دهشة مرافقيها.
إلَّا أنَّ الأميرة كانت تضمر خطَّة ذكيَّة ستمكِّنها من بلوغ غايتها وتأسيس واحدة من أشهر المدن عبر التاريخ، مدينة قرطاج.
قامت عِلِّيسَة بقص جلد الثور إلى أشرطة دقيقة طويلة أحاطت بها الهضبة التي تعرف حتى الآن بهضبة " بيرصا " ( قرطاج بيرصا حالياً ).
وللاستفادة من تطوُّر المدينة طلب ملك الأمازيغ الزواج من عِلِّيسَة، ولمَّا كانت الأميرة عازمة على البقاء وفيَّة لذكرى زوجها وخوفاً من أن يجلب رفضها دماراً للمدينة آثرت الانتحار محافظة بذلك في الوقت نفسه على عهدها لزوجها وعلى المدينة التي أسَّستها.
ولأنَّ عِلِّيسَة من سلالة الآلهة، حيكَت بعد موتها ( عن طريق الانتحار بإلقاء نفسها بالمحرقة ) الأساطير ودَخَلَت في وجدان شعوب شواطئ البحر الأبيض المتوسط.
ولأنَّ عناصر التراجيديا في الأُسطورة قد اكتملت في حياة وموت عِلِّيسة، فإنَّه جرى تمجيدها مثلما تُمجَّد الآلهة بالشجاعة والحب والذكاء والسحر في جمالها وطريقة موتها.
أمَّا الأُسطورة الثانية التي كتبها الشاعر الروماني فرجيل في ملحمته الأيناييد، فإنَّه قدَّمها في صورة الملكة الحكيمة والمرأة الرقيقة العاشقة التي وقعت في غرام المقاتل ( إيني ) من طروادة، والذي كلّفته الآلهة بتأسيس مدينة عظيمة في إيطاليا.
وقد وصل هذا المقاتل في رحلة بحرية إلى سواحل شمال أفريقية ( تونس اليوم ) فاستقبلته الملكة عِلِّيسَة، وما لبثت أن وقعت في غرام هذا المحارب القادم من وراء البحار.
وبعد أن قرَّر إيني الاستقرار إلى جانب حُبِّه وعشقه ومُنْية حياته الملكة عِلِّيسَة، حتى غضب عليه رب الأرباب جوبيتر لأنَّه نسي المهمة الإلهيَّة التي كلَّفه بها،
فعقد العزم على الرحيل.
كان قرار الرحيل مُدِّمراً للملكة عِلِّيسَة.
وحتى تظهر التراجيديا الملحمية بأقسى أوجاعها ..
وحتى تكتمل الأُسطورة، أمرَّت الملكة بإعداد محرقة وألقَت بنفسها فيها حتى تنسى حبيبها وبهجتها وسعادتها.
الملكة عِلِّيسَة مؤسسة مدينة قُرطاج.
ما زالت قصتها حتى اليوم تَحْكي عظمة هذه المدينة.
لأنَّها أنجبَت أعرق الحضارات وأعظمها.
وبقيت عِلِّيسَة في وجدان الشعب التونسي، وأمله ومُنيته حتى يومنا هذا.
الملكة عِلِّيسَة بطلة الاسطورة.
هي آلهة عبدها وعشقها معظم سكان البحر الأبيض المتوسط.
الملكة عِلِّيسَة هي مُنْية وأمل الشعوب التي حكمتها.
الملكة عِلِّيسة …
هي آلهة الحُّب والجمال والخير والعشق في الأساطير ..
فيصل المصري
أُورلاندوا / فلوريدا
أب ٢٠٢٣
المرجع : المُدوَّنات الفيصليَّة.
0 comments: