مِن ذكريات صاحب
المُدوَّنات الفيصليَّة.
قِصَّص حقيقية ....
تمهيد :
في مجالسنا العائليَّة التي تقتصر على الأخوة والأخوات والأبناء نتعمد أن تكون أحاديثنا بعيدةً عن سياسة وطننا الأم لبنان ونحصرها بالذكريات وأخبار الاباء والاجداد تهيباً وفخراً وحنيناً.
ساشارك قُرائي الأعزاء بأن أَقُص عليكم حادثة حصلت معي في الولايات المتحدة الأميركية بالعام ٢٠٠٩ بعد أن قررّت الإقامة الدائمة في هذه البلاد العظيمة الكريمة بعد رحلة عملٍ مُضنية ومُتعِبة ومُجدية أمضيتها في كل من المملكة العربيَّة السعوديَّة وقليلها في لبنان.
والذي يؤلمني ويُحزنني ويؤرقني هذه الأيام أنَّي أُفتِّش في دفاتر ذكرياتي عَلِّي أجد ذكرى أو حادثة مُفرحة في وطني لبنان حتى أقوم بتدوينها، مثلما أجد أخباراً وذكرياتً سعيدةً في كل من السعوديَّة واميركا.
في السعوديَّة واميركا تصادقت وترافقت مع النجاح ردحاً من الزمن وقد تركتْ بعض أيامي في كل من السعودية واميركا ذكريات جميلة وعذبة تعلقت في جدران عقلي وأبواب قلبي وداخل وجداني، صُوراً فيها أجمل رسومات الوشم وأصدق الأخبار وأعّز الأصحاب وأحب القصص.
كهذه .. القصة.
هذه القصة وقعت معي عندما سافرت إلى فلوريدا بالعام ٢٠٠٩م للالتحاق بعائلتي الذين استقروا قبلي منذ العام ٢٠٠١ وكان بحوزتي تليفون جوال نوع نوكيا القديم البالي الرخيص ذي رنّات وجرسٍ قد يُصلح لأبواب جهنم أو سيارات إسعاف لأنَّه يدِّق في الأذن إزميلاً وصوت رنينه كالمطرقة يُرعب من هو حولي.
في أحد الأيام كنت أتبادل أطراف الحديث مع سيدَّة أعمال أميركيَّة لها مركز رفيع في شركة عالمية ( 7/11 ) ولمَّا رنَّ جرس تليفوني لاحظت أنَّ هذه السيدَّة ارتعدَّت فرائصها وجفلَّت كالثور الهائج وتراجعت إلى الوراء خوفاً من هذا التلفون.
هدَّأت من روعها وقلت لها إنَّ زوجتي تريد أن تتحدَّث معك.
هنا شعرتْ هذه السيدَّة الأميركية أنَّ طامّة كبرى قد حلّت عليها وأنَّ كارثة مخيفة قد وقعت.
أخذّت هذا التليفون بيد ترتجف وعين على هذا الجهاز والعين الاخرى علهّا تطلب رقم 911 للنجدة.
المهم بعد أن أنهّت مكالمتها مع زوجتي تنفسَّت هذه السيدَّة الصعداء وتنهدَّت شاكرة المولى عزَّ جلاله وبانت عليها اسارير النجاة وانقشعت عن وجهها تلك القشعريرة التي رسمت أخاديد وخرائط كالتي كان يحملها قراصنة البحر،
وقالت لي، باستهزاء وكبرياء وتعجرف مقيت.
من هو أكبر عمراً ... هذا التليفون أو عمر إبنك ريّان ؟
وكان ابني ريان يوم ذاك قريب من العشرين سنة.
صعقني كلامها ...
أذهلني كبرياءها …
أنهكني انتقادها ...
أغضبني عجرفتها ...
تذكرت عندها قول المرحوم والدي رحمات الله عليه عندما كان يقول ( إنَّ أميركا مضيعة الحسب والنسب وخسارة، للأولاد والمال )
لست هنا لأردد ما قاله وزير داخلية لبنان في أيام عِزِّه ( نهاد المشنوق ) لمَّا قال لأحدهم ( إنت عارف حالك مع مين عم تحكي ).
أنا لم أقل لهذه السيدَّة الأميركيَّة هذا القول. بل قلت لنفسي ما هذه الورطة التي أنا فيها ...
بعد أن ودّعت هذه المرأة الأميركية بالتبجّيل المصطّنع والتكريم المغلّف بالنفاق الذي تعلمتّه في لبنان لوحت لها بيدي مع ابتسامة قليلة العرض ...
فوراً طلبت ابني البكر رشيد وكان في مكان أخر ..
قلت له تعالى فوراً ...
أجابني إنَّه مشغول جداً ...
أجبتُه، إن كنت تنقِّب عن النفط قبالة شواطئ لبنان ارجع فوراً، وإن كنت تدوِّر زوايا الألماس في بروكسل، عُد حالاً.
وإن كنت تبحث عن الذهب في كاليفورنيا، هروِّل عائداً.
لما وصل ابني رشيد وكأنَّه ركب بساط الريح، بان عليه القلق والخوف والدهشة بادرني، القول ....
ماذا تريد ؟
قلت له أريد اليوم حالاً وسريعاً وفوراً جِهاز تليفون يحمله، رجال فضاء الناسا، وتحمله أكثر الطانطات ثرثرة في شوارع وأزقة وزواريب وصالونات بيروت الشرقية أو الغربية.
ذهبنا فوراً إلى محلات apple ...
واشتريت جهازاً تعلّمت عليه فوراً.
وانتظرت قدوم المرأة الأميركيَّة بعد أسبوع بفارغ الصبر ...
ولمَّا قدِمت كان يعلو وجهها نشوة الانتصار وكانت تسير نحوي مُبتسمة وتتباهى كالطاووس الذي ينفش ريشه. في كل خطوة تخطوها نحوي كان يعلو محيّاها ضحكة صفراء وابتسامة كيد مِن أقوى النساء، ولمَّا تصافحنا شعرت بقبضة ( يدها وكأنها استمرت لدهرٍ مِن الزمن، وتكلمت معي كالاستاذ الواثق مِن نفسه، وبادرتني فوراً بالسؤال عن أوضاع لبنان السياسيَّة والأمنية وقد علا وجهها علامات القلق المُصطنع في محاولة منها التقرُّب أو الشعور بالذنب الذي اقترفته بالاسبوع الفائت.
كان جوابي وقد علَّت وجهي ابتسامة الواثق من النصر،
وقلت لها، هل تريدين أن تعرفي ماذا يحصل في لبنان، الأن وعلى الهواء مباشرة مِن فوق المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط ؟
أجابت بتعالٍ ...
نعم ...
فتحت تليفوني الجديد على المحطات التليفزيونية اللبنانية والعربية وحتى الأميركية :
MTV
وبدأت أُقّلب الأزرار إلى قناة الجزيرة، والعربية LBC, NTV وCNN , FOX , ABC CBS وغيرها من المحطات.
وقالت :
Oh my god , you have a better telephone , than mine !!
ما معناه ( يا الهي لديك جهاز تلفون افضل مِن تلفوني )
أجبتها فوراً وبتهكم إنَّ هذا الجهاز يحمله أيضاً رواد الفضاء في الناسا، وقد وضعته شركة Apple هذه السنة.
علَّت ضحكتها وبانت أساريرها قهقهةً وأثارت انتباه من كان حولنا.
التقيت بها بعد فترة زمنية مِن هذه الحادثة، وعرفت أنَّ لديّ مُدوَّنة على غوغل وإنَّ قُرائي كُثر ...
كان التواضع والاحترام والتقدير يفيض منها مِدراراً …
هذا فيض مِن ذكرياتي العالقة.
فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا
أذار ٢٠٢٣م
يعطيك العافيه حتى اسلوب كتابة ذكرياتك ممتعة ادامك الله والى المزيد من ذكريات جميله …
ردحذف