Pages

السبت، 15 مايو 2021

الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله ونظرة المُحدِّثين مِن مُفكرين وكُتَّاب عرب ومُستشرقين جُدد. المُدونَّات الفيصليَّة.

 الخليفة الفاطمي الإمام الحاكم بأمر الله ونظرة المُحدِّثين من مُفكرين وكُتَّاب عرب ومُستشرقين جُدد.


المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها :


عندما بدأ مُحرِّك البحث غوغل نشر مُدوِّناتي عن تاريخ الموحِّدين الدروز والخليفة الفاطمي الإمام الحاكم بأمر الله. وقبل أن أقوم بطبع  كتابي ( الموحِّدون الدروز عبر التاريخ ) في لبنان بالعام ٢٠١٨م

سألني صاحبي من تختار ليكتب لك مُقدَّمة كتابك ؟

أجبته فوراً دون تردُّد، إمَّا الفقيه كمال جنبلاط أو الفيلسوف ميخائيل نعيمة لو كانا حيَّين

ولهذا السبب لم أطلب من أحد أن يُقدِّم كتابي

هذا الكتاب أخذ عُصارة تفكيري، وشغل مُعظم وقتي، وأخذتني مُدونَّاته إلى عهود سابقة غابرة، وسنوات ظالمة ومُظلمة للعقل والتفكير

حسبي فِي سبر غور الماضي الذي فيه افتراء لا يمكن وصفه أو تدجينه، ومن ثم عودتي إلى وقتي الحاضر، كانت تنتابني الحيرة في كل مرَّة أعود حيث السخط  يُرافقني ويُؤلمني في كتابة مُدوَّناتي

كنت أتساءل ؟

ماذا تغيَّر في عالمنا العربي الإسلامي عمَّا كان عليه السلف ؟

النعرات المذهبية ما زالت. الفتن الدينيَّة استعرت. البُغض ما زال على أشدِّه. الغيرة ما انفكت على غيِّهاالتكفير بقي على وتيرته

أعود وأقول وأُناجي، لا بُدَّ لليل أن ينجلي والحقيقة أن تظهر، ولهذا كان كتابي ( الموحِّدون الدروز عبر التاريخ ) فيه قبس من نور، وإضاءة داخل نفق مُظلم


في المُدونَّة : الخليفة الفاطمي الإمام 

الحاكم بأمر الله

يقول إبن خلدون في مُقدَّمته الشهيرة : ( إنَّ ما رُمي به الحاكم بأمر الله غير صحيح، ولا يقبله العقل السليم )

ويقول تقي الدين أحمد بن علي المقريزي  في كتابه إتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين ( إنَّ جملة القوانين التي أصدرها الإمام الحاكم بأمر الله، جاءت بدافع الشعور الديني لإصلاح النفوس والاخلاق، وتطهيرها من رذائل المجتمع )

مِن رأي إبن خلدون ومِن قول المقريزي

ومِن أهم فَقِيهين ومؤرخين  في التاريخ الإسلامي القديم، استندت في مُدوِّناتي للرَّد على حُثالة المؤرخين والفقهاء العرب المتأخرين الذين افتروا زوراً وبهتاناً ولفَّقوا الأكاذيب  تجاه هذا الخليفة الفيلسوف الإمام الذي زهَت أفكاره وتعاليمه ومعتقداته منذ ألف عام وما زالت.


وفي هذين القولين، ما قَل َّ ودَل َّ من إيجاز واضح، ومغاير لما جرى تدوينه من الافاقين والمنافقين

إرتأيت في هذه الْمُدوّنة أن أُميط اللثام، وأبحث في رأي المفكرين العرب المُحدِّثين، وبعض أعلام المستشرقين الذين درسوا الحقبَة الفاطمية، والنهضة العلمية والعمرانية والفكرية والعدالة الاجتماعية، والمساواة بين البشر في الحقوق والواجبات للمنتسبين للأديان السماويَّة  وغيرها من المِلل، والنِّحَل والأفكار الفلسفية والمعتقدات الاخرى


نظرة المفكرين المُحدِّثين العرب، في الإمام الحاكم بأمر الله

لم تنَل شخصيَّة تاريخيَّة الأذى والافتراء وفي التلفيق كما نالَت سمعة الحاكم بأمر الله، من تصوير دنيئ وبذيء لهذا الخليفة الفاطمي

كانت أقلام سفلَة بعض مؤرخي وفقهاء العرب تسيل بالبغضاء والكراهية، والأحقاد السوداء بتفسيح من الحكُّام الذين اغتصبوا الخلافة بعد الحاكم بأمر الله، انتهاءً بحثالة فقهاء ومؤرخي السلطنة العثمانية البائدة

كان الظلم والعُهر والاستبداد الديني والزمني الذي أُسدل ستاره بعد انتهاء خلافة الحاكم بأمر الله، يفرض على أتباعه التستُّر تجنُّباً للوقوع  تحت نير وقهر الأنظمة التي تلَت، وقد لجأ أتباع هذا المذهب إلى بلاد الشام، هرباً  من جور حُكَّام أهل السُنَّة  واستوطنوا الجبال، حيث الشرور والتعدِّي أخفُّ وطأة من باقي الأمصار.   

كانت سياسة كم الأفواه، سِمَة من سِمات الطغيان الفكري والديني، الذي اتَّبعه الخلف، الأمر الذي أدَّت فيه خواتيم الفكر الواحد بنهاية المطاف، إلى ما آلت اليه البلاد العربية الآن من حروب ودمار وأصبحَت غِربان التفسير وشرح العقيدة من مسلمي الأمصار والأقطار البعيدة، تطير في سماء العرب تعيث فساداً واغتصاباً ونهباً وتخريباً في سائر المعتقدات المغايرة لهم.

في هذا الإطار، سارع بعض المفكرين المُحدِّثين العرب بدافع الغيرة، إلى كشف الحقائق، وخاصة في شمال أفريقيا ومصر، عرين خلافة الإمام الحاكم بأمر الله، وإلى التدقيق والتمحيص في شخصيته، لأنه وبالرغم من مرور الف عام على انتهاء خلافته، ما زال له أتباع  ومريدون  في العالم العربي، وصلوا الى أعلى المراتِب السياسيَّة والعلمية والفكرية.

كان أُمراء الدروز بدءاً من الإمارة المعنية وانتهاءً بالأمارة اللمعيِّة يحكمون سيطرتهم على سواحل وجبال  لبنان  وأبعد من ذلك حتى نهاية القرن التاسع عشر

وقد شهدَّت ساحات القومية العربية في مطلع القرن العشرين أبطالاً وقادة ثورات إستقلالية ضد الاحتلال العثماني البغيض، والإنتدابين الفرنسي والإنكليزي، وهم من الدروز الأبرار والأحرار من  بني معروف، الذين يدينون ولاءً للوطن الذي هو للجميع، ويعتنقون التوحيد لله عزَّ وجَلّ ويطلقون على أنفسهم  ( الموحِّدون الدروز ) ويسيرون على النهج ذاته، والطريق التى طبقها الإمام الحاكم بأمر الله في حكمه وعدله ومساواته لباقي الرعيَّة المنتسبين للأديان الاخرى.

وقد نال العجَب هؤلاء المفكرين العرب، عن هذا التناقض الفاضح في تصوير شخصيَّة الحاكم بأمر الله، مستندين إلى ما قاله شيخ المؤرِّخين إبن خلدون، أنَّ ما قيل عن هذا الخليفة لا يقبله العقل السليم، بدليل أن كوكبة من المعاصرين الدروز لمعوا في سماء التاريخ العربي السياسي الشريف، والعسكري الفَّذ، والقومي النبيل، وما زالوا يعتبرون الحاكم بأمر الله،  إماماً  مُكرَّماً، وفيلسوفاً مُعتبراً، وإنه لا بد من إعادة درس المراجع التاريخية التي تصِبُّ في خانة الاساءة والافتراء تجاه الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله

وقد طال العجَّب والاستغراب أيضاً جمهرة  من هؤلاء المفكرين العرب، كرئيسي المجمع العلمي العربي :

 - العلامة  ( محمد كرد ) الذي قال :

ما زالوا مختلفين منذ القديم في حقيقة الموحِّدين أبناء هذا المذهب، وكان بعض المُتعصبة ممَّن يَرَوْن الكذب على المخالف من السياسة والكياسة، يتقوَّلون عليهم ويحطّون من مكانتهم ظُلماً وافتئاتاً

 - والعلامة خليل مردم بك الذي قال :

ومن الناس من جاوز مهيع البحث إلى تُرَهات التلفيق، فقنع بتدوين الأقاصيص والتكاذيب مما تلوكه ألسنة العجائز والصبيان ومن طبقتهم، ومنهم من لجأ إلى الفريَّة فإختلق وافترى ما شاء، كل ذلك وبنو معروف معتصمون بالصمت، كأنَّهم يتأثَّمون من الإفصاح بشيئ عن كنه مذهبهم


وقد إعتبر بعض المُحدِّثين من العرب والأجانب، أنَّه وبالرغم من هذه الاساءات لسيرة الحاكم بأمر الله لم يتقدَّم، أو ينبري أي فرد من الموحِّدين الدروز سواء من المرجعيات الدينيَّة، أو المدنيَّة للرَّد على الأكاذيب، والافتراءات، كل هذا وأصحاب المذهب يتأبون الكشف عنه حفاظاً واستتاراً


يضاف إلى ذلك الهيجان الطائفي، والتفجيرات في مصر ضد شريحة كريمة لا يستهان بوزنها داخل مصر، وهم الأقباط المتجذرون في تاريخ مصر القديم والحديث، وعَلَت الأصوات لتطبيق القوانين والسجلَّات التي أصدرها الحاكم بأمر الله، حيث كان رعايا البلاد من أديان مختلفة ينعمون بالامن والسلامة الشخصيَّة داخل أراضي الخلافة الفاطمية

ومن المفكرين العرب المُحدِّثين، نورد بعض أقوالهم :

  - يقول الدكتور محمد كامل حسين أُستاذ الأدب الفاطمي في جامعة القاهرة : ( ما أحوجنا إلى حكم تتمثَّل فيه الجرأة في الحق والعدالة والنزاهة، والشِدَّة في تطبيق القانون كحكم الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله ). 

  - يقول الدكتور جمال الدين سرور وهو من المعنيين بالأدب الفاطمي ( ليس هناك ما يُثبت أن الحاكم بأمر الله ذهب في مُعتقداته الدينية إلى حد الخروج على قواعد الإسلام ). 

 - يقول الدكتور محمد عبد الله عنان، ( لقد ظلم التاريخ الحاكم بأمر الله، كان مُصلحاً على طريقته، وكان يرمي بما يصدره من قوانين وأحكام إلى تحقيق غايات خفيت على العامَّة، لأنها تتعلق بسياسة الدولة العليا )

 - يقول الأديب عباس محمود العقاد ( كان الإمام الحاكم بأمر الله يمنع تقبيل الأرض بين يديه، ولا يرضى أن تُلثم يداه وركابه، وأمر ألَّا يزيد الناس في السلام حين يدخلون عليه، على قولهم : السلام على أمير المؤمنين، ورحمة الله وبركاته، وهذه فضيلة قلَّما شاهد العالم الإسلامي ما يماثلها لدى الخلفاء المسلمين الآخرين )

- أمَّا الدكتور عبد المنعم ماجد نشر كتابه القيِّم ( الحاكم بأمر الله الخليفة المُفترى عليه ) دحَّض فيه الأكاذيب بحق هذا الإمام

  - أمَّا عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين قال ( إنَّ التاريخ لم يُنصف الإمام الحاكم بأمر الله ). 


وإذا ما راجعنا مؤلَّفات المؤرِّخ المقريزي، والأديب عباس محمود العقاد، وعميد الأدب العربي عندما يتداولون ذِكْر    ( الحاكم بأمر الله ) يسبقونها بموقع ( الإمامة، أو الإمام ) للدلالة على عمق الإيمان المُتمثِّل في هذه الشخصيَّة التاريخيَّة  التي لو قُيِّض أن يلتزم العرب المسلمون بتعاليمه وقوانينه وسجلاته لما وصلوا إلى ما نشهده اليوم من ويلات وحروب وكوارث وتدمير الكنائس والجوامع والآثار التي بُنيَت منذ آلاف السنين.  


وخلاف التواجد المعروف للموحِّدون الدروز في كل من سوريا ولبنان والأردن والجليل والكرمل، حيث يُطلقون على أنفسهم ( الموحِّدون الدروز )، وقع نظري على وثيقة تُشير إلى تواجد أتباع للإمام الحاكم بأمر الله، في دول عربية، ومناطق أخرى من العالم، ويطلقون على أنفسهم مُسمَّيات مختلفة مثل، أمَّة التوحيد، وغيرها من مسمَّيات تصب في خانة التوحيد لله عزَّ وجلَّ

وأنقل هذه الوثيقة حرفياً للدلالة على أهميتها :

 - / في تونس يتواجد حوالي مليون ونصف يُطلقون على أنفسهم أُمَّة التوحيد، ويسكنون في القرى الآتية، ضوسة، المهدية، سبحة، سيدي، سبحة الهاني، مطه، صفاقس، جزيرة جربا، طرياقة، مساكن، القيروان

 - / في ليبيا، يقطنون جبال سرت ويعرفون بالخمسية

 - / في تركيا، يتواجدون على حدود العراق وإيران

 - / في العراق، يسكنون في بلدة السمارة ويعرفون بأُمة التوحيد

 - / في ديار بكر وجيزان، بين اليمن والسعودية ويسموا العمادية

 - / في ايران، يعيشون في رسغ بالغ ويقال لهم موحِّد طرفة

 - / في الهند، ويعتبرون بوذا هو مولاي النفس، وسرجون هو حمزه بن علي، وكريشنا مولاي الحاكم

 - / في التيبيت، وفي النيبال وفي الصين أيضاً يوجد موحِّدون

 

رأي بعض المستشرقين الأجانب في الإمام الحاكم بأمر الله 

 - يقول المستشرق الألماني شتروتمان :

إنَّ الحاكم بأمر الله الفاطمي أعاد إلى أذهان العالم الإسلامي بتقشُّفِه، وبلبسه الخشن من الثياب، وإقلاعه عن الملذات الجسدية، وسهره على راحة شعبه، سيرة الخلفاء الراشدين العظماء

 - يقول المستشرق دوزي :

إنَّ قوانين الحاكم بأمر الله لم تكُن سخيفة كما صُوَّرها لنا الرواة الذين دأبوا أن يقدِّموا لنا شخصية هذا الخليفة بغير حقيقتهإنَّما كان الحاكم بأمر الله أُسطورة التاريخ الذي لم يستطع أحد أن يفهم مقاصده، وأن ينفذ إلى واقعه

 - ومن المستشرقين الذين كتبوا عن الدروز، وقد توخُّوا الدقة والصواب :

سلفستر دي ساسي في كتابه ( عقيدة الدروز ). 

موللّر المستشرق الألماني في كتابه ( در الاسلام ). 

بورون الذي ترجم كتابه إلى العربية السيد عادل تقي الدين

الكولونيل تشارلز تشرشل الذي أقام عشرين سنة في بلاد الشام


أخيراً وليس أخراً

إنَّ الإمام الحاكم بأمر الله، وبإجماع المفكرين المحدِّثين، والمستشرقين الجُدد كان عظيماً من عُظماء البشرية

إنَّ الإمام الحاكم بأمر الله، كان بنظر شيخ مؤرخي العالم العربي والغربي، إبن خلدون غير ما كتبه الأفَّاقون والمنافقون من الأوائل المتأخرين العرب

وإلى إخواني مِن هذا الجيل الجديد من شباب وشابات الموحِّدين الدروز المثقفين والمتعلمين الذين وصلوا إلى أعلى مراتب العلم والفكر في أصقاع هذا الكون أن  يفتحوا أمام ناظريهم هذا الفضاء الواسع الرحِب في سماء فلسفة الموحِّدين الدروز وأن يغوصوا في هذا العقل



فيصل المصري

١٥ ايار ٢٠٢١م

أورلاندو/ فلوريدا 


المراجع 

الفاطميون  وتقاليدهم في التعليم - هاينز هالم. ألمانيا

الدكتور احمد ال الشيخ ، جريدة شباب مصر

الدكتور محمد زغلول سلام، الأدب الفاطمي

تقي الدين احمد بن علي المقريزي، إتعاظ الحنفاء  باخبار الأئمة الفاطميين جزء ٣ 


الدكتور عبد المنعم ماجد- ظهور خلافة الفاطميين وسقوطها في مصر- دار المعارف- القاهرة  ١٩٦٨ 

الدكتور عبد المنعم ماجد -الحاكم بأمر الله، الخليفة المفترى عليه

أيمن فؤاد السيد- الدولة الفاطمية في مصر- الدار المصرية اللبنانية- القاهرة ١٩٩٢م

في رحاب جمهورية أفلاطون، محمد نعمان ملاعب

مذهب الدروز والتوحيد، عبد الله النجار

الحاكم بأمر الله، الدكتور عارف تامر

أضواء على مسلك التوحيد، الدكتور سامي مكارم


هناك تعليق واحد: