يوم المرأة العالمي.
المُقدِّمة التي لا بدَّ منها :
لم يعد خافياً على أحد من المؤرخين غير العرب، أنَّ المرأة العربية تمتعت بحقوق ما قبل الدين الإسلامي وما بعده، وقد ظلمها بعض الفقهاء المسلمين في عصور لاحقة لصدر الإسلام في فتاوى وشروحاتٍ يندى لها الجبين.
كان العصر العثماني البغيض وأزلامه من حُثالة الفقهاء العرب قد أثخنوا جراح هيبة المرأة العربية حتى أنِّ كل باحثٍ يمقت ذكر الأوصاف التي ألصقوها في كنف ورمز الأُمومة والخصوبة في هذا الكون.
مصيبة المرأة العربية تكمن في الفقه الإسلامي الذي فسَّره أزلام حثالة بني عثمان، وأنجاس عبدَّة النار من مُضرمي الحقد مجوس بني فارس.
المرأة العربية قبل الإسلام كان دورها مختلف تماماً.
شخصيا لم أستعمل تعبير الجاهلية في كُل مُدونَّاتي، في إشارةٍ الى الحقبة الزمنية التي سبقت الإسلام، لأنه تبين لي ولغيري أنَّه من أكثر العصور التاريخية تعرضاً للظلم والتشهير.
تعبير الجاهلية، هو مصطلح إسلامي ورد في القرآن الكريم، عن حياة الأمم قبل الإسلام، ( ويربطها بجهل العرب من الناحية الدينية ).
وقد ورد مصطلح الجاهلية في النص القرآني :
ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ.
أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ ……
إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ……
بدأ رجال الدين الإسلامي وأعمدته من فقهاء بعد الدعوة بفترة قصيرة من الزمن الإمعان في التجريح والتحقير وإلصاق الموبقات لهذه الحقبة من حياة العرب وخاصة دور المرأة، بعد أن تخيَّل لهم أنَّ الذاكرة في القلوب والأفئدة والعقول قد زالت بفعل موت الجيل الذي كان يكتنزها.
كان الأسلوب الممنهج الذي إتبعه الفقهاء والمؤرخون العرب، هو طمس وإغفال النواحي الأخرى الثقافية والعلمية والحضارية غير الدينية التي سادَّت بين القبائل.
عندما أوضحت في مُدونَّاتي أنَّ الخطيئة الكبرى في صدر الإسلام، أنَّها محت من الذاكرة الحضارة العربية التي سبقت الإسلام لم أكُن مُرتداً، بقدر ما كنت أرنو الى أن أعرف عن حضارة الأجداد.
وعندما قلت أن الشعر الذي سبق الإسلام حفظته الأفئدة والقلوب في الصدور، ولا فضل لمن أتى بعدهم في إيصاله إلينا، لم أكُن إلا من قال الحقيقة.
وعندما قلت أن فاتح مصر عمرو بن العاص لما حرق مكتبة الإسكندرية بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب لم أكُن مُفترياً، بل كنت باكياً يعصرني الحزن، لأن الرواية تقول أن عمرو بن العاص رَفَع إلى الخليفة عمر بن الخطاب خبر المكتبة الكبرى في الإسكندرية، فجاءه الجواب بما نصَّه :
( أما الْكُتُّب التي ذكرتها، فإن كان فيها ما يوافق كتاب الله، ففي كتاب الله عنه غنى، وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله فلا حاجة إليه، فتقدَّم بإعدامها ).
فوُزِّعت الْكُتُب على أربعة آلاف حمام بالمدينة، ومضت ستة أشهر قبل أن تُستنفذ لكثرتها.
المرأة العربية قبل الإسلام كانت الهدف في الأذيَّة، وقد أفلح هؤلاء الفقهاء ( عرب وغير عرب ) ردحاً من الزمن في طمس الحقائق وإظهار المرأة العربية وكأنها متاعٌ يورَّث، كائن مهمش في مرتبة هي أدنى من الرجل بكثير وأعلى من الأنعام بقليل، مسفهة دوماً، معرضة بشكل مستمر للقمع والظلم والانتقاص من الحقوق.
أمَّا الحقيقة التاريخية الثابتة، هي أن المرأة العربية كانت ركناً أساسيَّاً في الحياة قبل الإسلام في جميع مجالات الحياة فهي الحبيبة، والأم، والأخت، والشاعرة، والمربِّية، فافتُتِن بها الشاعر الجاهلي أيَّما إفتتان، ووصفها في كلِّ مناسبة، وهامَ بها، كما أحبَّها وإحترمها وأنزلها المنزلة التي تليق بها.
بعد هذه المُقدِّمة …
إليكم المُدونَّة :
المرأة العربية قبل الإسلام :
يذهب بعض المؤرخين والمستشرقين، خِلاف الفقهاء المسلمين إلى القول علناً أن المرأة العربية كانت أكثر تحرراً قبل الإسلام، ويستشهدون على ذلك بالزواج الأول للنبي محمد والذي كان زواجاً عن طريق طلب السيدة خديجة بنت خويلد بأن أرسلت إحدى صديقاتها إلى النبي محمد تعرض عليه الزواج، لأن السيدة خديجة بنت خويلد كانت أعظم نموذج لذلك العصر إذ كانت من ذوات المال، وكانت تشتغل بالتجارة ولها قوافل تجارية تخرج سنوياً إلى بلاد الشام، وكانت تشرف بنفسها علي تجارتها، وتعهد بها لأهل الثقة والكفاءة والأمانة.
وللدلالة على أن المرأة عند العرب قبل الإسلام كان لها قيمة معنوية، لا تختلف عن قيمتها لدى الحضارات الإغريقية واليونانية والرومانية، فإن المؤرخين أثبتوا أنَّهم أي العرب عبدوا ( آلهة ) أصناماً أُنثويَّة وهي :
اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ، ومَنَاة، وسواع، وفِي ذلك إنسجام تام مع روح العصر الذي كان سائداً، حيث وصف هوميروس بأن الآلهة كانت على شكل البشر( أُنثى ) من حيث الصورة ومن حيث الخلق.
كذلك إعتبر الفيلسوف أكسانوفان أنَّ الناس هم الذين خلقوا الآلهة على شاكلتهم وصفاتهم وهواهم ثم عبدوها، والعرب في ذلك كانوا على ذات المنوال.
كذلك في كتابه بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب، يقول الألوسي :
كانت أفروديت آلهة الجمال عند اليونان.
كانت عشتروت آلهة الجمال عند البابليين.
كانت إيزيس آلهة الجمال عند الفراعنة.
كانت فينوس آلهة الجمال عند الرومان.
وكانت العزَّى، واللَّات، ومَناةَ وسواع عند العرب.
يُستدَّل من ذلك أن جميع الأمم والثقافات والحضارات، إتفقَّت على تشبيه المرأة للآلهة، وبالتالي أي تشويه لهذه الصورة كما قام به بعض المؤرخين والفقهاء العرب لا يُمكن الإعتداد والأخذ بصحته، وذلك للأسباب الآتية :
- في الحروب لعبت المرأة العربية قبل الإسلام دورا كبيراً فيها وذلك بإثارة روح الحماسة في صفوف الرجال، وتشجيعهم علي بذل النفس والنفيس لتحقيق النصر لقبائلهم.
وقيل في دور المرأة العربية الأخبار العديدة منها :
عندما إستحكم الصراع بين الغساسنة والمناذرة قامت حليمة بنت الحارث الغسانى تتفقَّد جنود أبيها بنفسها، وتدهن أيديهم بالطيب والعطر، وهى تبث فيهم روح الحماسة والإصرار على النصر.
عند محاربة قريش للمسلمين في يوم أُحد خرجت نسوة قريش تقودهن هند بنت عتبة زوجة أبى سفيان يتجولن في الصفوف، ويضربن بالدفوف، يستنهضن الرجال، ويحرضوهم علي القتال.
كانت النساء تصاحب الرجال إلى ساحة القتال لمداواة الجرحى، وحمل الماء إلى العطشى، ولم يقتصر دورهن عند هذا الحد فحسب، بل بارزن بالسيف، وامتطين صهوة الجياد، ورفعن لواء الحرب، وكانت لبعضهن صولات وجولات لا تقل عن فرسان قبائلهن.
- المرأة العربية قبل الإسلام، قادرة على أن تشعل نار الحرب والقتال بين القبائل.
- المرأة العربية قبل الإسلام، قادرة أيضا على وقف القتال والدعوة للسلام، وحقن الدماء، وإنهاء الخلاف.
- أي إعتداء على المرأة العربية قبل الإسلام، كان سبباً في اندلاع الحرب بين القبائل، وإراقة الدماء.
وقد ذكر التاريخ أن السيدة ليلى أُم الشاعر عمرو بن كلثوم لما صرخت بأعلى صوتها " واقوماه " لم يملك إبنها الشاعر إلا أن إستَّل سيفه وذبح عمرو بن هند ملك الحيرة، وسبى خيله، ونسائه عقابا له لتعمُّد والدته إهانة ضيفتها أُم الشاعر.
- إشتهرت بعض نساء العرب بالحكمة والعقل ، فكُّن مرجعاً للرجال يأخذوا بمشورتهن ، ويسمعوا لأرائهن، وقد رأينا كيف تمكنت سعدى أم أوس بن حارثة من إقناع إبنها بالعدول عن قتل الشاعر الذى هجاها وهجاه، والعفو عنه والإحسان إليه
- - في الحياة الأدبية فقد برزت نساء شاعرات، أجدن في نظم الشعر وقد إمتلكن من فصاحة اللفظ ، وجزالة المعنى ما جعلهن على قدم المساواة مع فحول الشعراء.
وكان من أشهرهن :
جليلة بنت مرة.
والخنساء التى بلغت من الفصاحة والبيان والشهرة ممَّا أهَّلها لأن تقوم بالتحكيم بين كبار الشعراء المتنافسين، وقد قال عنها النابغة الذبياني :
إذهبي فأنت أشعر من كل ذات ثديين، لولا هذا الأعمى ( كنية الأعشى الأكبر ) أبا بصير أنشدني قبلك، لفضلتك على شعراء هذا الموسم، وقلت إنَّك أشعر من الجن والإنس.
- كما برزت منهن طبيبات ومعالجات ممرضات، وقابلات.
وإذا كانت المرأة العربية قبل الإسلام، تمتعت بكل هذا الاحترام، فإن الأم بصفة خاصة حظيت بمكانة مرموقة حيث حرص ابناؤها على برها وكسب ودها، وجاء الإسلام ليؤكد هذه النزعة فقال : " ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا ".
- الوضع الإجتماعي للمرأة العربية قبل الإسلام، كُنَّ طبقات في المجتمع القبلي :
- فقد حظيت نساء الأشراف والأغنياء في بيوتهن بالراحة والدعة، تخدمهن جوارى وإماء ، يقضين أوقات فراغهن في التزين والتبرُّج، وعقد المجالس مع نساء طبقتهن للحديث والمسامرة.
- أمَّا المرأة العربية قبل الإسلام، في الأوساط العامية أو البدوية، فكانت أقل حظاً من مثيلاتها من أبناء الطبقة الراقية، إذ وقع على عاتقهُن مسؤولية البيت ورعاية الأولاد.
فضلاً عن ذلك كانت بعض النساء تشارك زوجها في كسب العيش والسعي للرزق.
ومنهُّن من عمل بالكهانة والعرافة والتنجيم ، وقد أوردت المصادر التاريخية جانباً من أخبارهُن، خاصة وأن معظم العرب كانوا يلجأون إليهن لمعرفة المجهول أو قراءة الطالع أو للتعرف على إرادة ومشيئة الآلهة.
الخلاصة في وضع المرأة العربية قبل الإسلام :
كان إهتمام العرب قبل الإسلام بالمرأة إستثنائياً بين الأمم، فإهتموا بحفظ كرامتها وسترها.
كان للنساء خدر في المسكن وهو الساتر الذي يوفر لهُّن الحرية والخصوصية وفي الخارج كانت النساء تلبس ما يسترها وتركب في الهودج عند السفر.
كان من النساء قبل الإسلام :
- الطبيبة : شفاء بنت عمرو.
- وسيدة الأعمال : خديجة بنت خويلد كانت تجارتها تعادل ثلث تجارة مكة بأكملها.
- وصلت المرأة إلى مراتب عليا سياسيَّة، كما هو حال :
( بلقيس ملكة سبأ. وزنوبيا ملكة تدمر)
- أو تميَّزن بالشخصية القويَّة أو برجاحة العقل :
مثلاً زرقاء اليمامة، كانت تستشرف بذكائها ما وراء الأفق.
وجهيزة، قطعت ببلاغتها قول كل خطيب.
وفيلة الانمارية كانت تاجرة مهمة تبيع وتشتري بنفسها. وخالدة بنت عبد مناف، وصحر بنت النعمان إشتهرتا بالحكمة والذكاء والكمال، وكانت العرب تتحاكم عندهن في المشاجرات والأنساب. وهنالك خولة بنت الأزور الفارسة الشجاعة.
أخيراً وليس أخراً …
كل عام وانتُّن بخير.
٨ أذار ٢٠٢١م
فيصل المصري.
أُورلاندوا / فلوريدا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق